هناك عدة تفسيرات متعارضة لأزمة الصواريخ الكوبية ، لأنه لاأحد يعرف دوافع الإتحاد السوفيتي السابق لإدخال صواريخ إلى كوبا في الأصل ولكن من الممكن الإشارة إلى بعض الملابسات . أولها أن الإتحاد السوفيتي السابق كان قبل ذلك قد أجرى تجارب على صاروخ نووي عابر للقارات ، وبهذا أوضح أن الولاياتالمتحدة سوف تصبح قريبا جدا عرضة لهجوم نووي سوفيتي مباشر . وكان هذا مبعث للقلق في الولاياتالمتحدة ، لأنها كانت تستطيع في الماضي أن تفترض أنها في منأى عن أي هجوم ، بينما كان الإتحاد السوفيتي السابق عرضة لهجوم أمريكي . وقد مكنت تلك الظروف الولاياتالمتحدة من تولي الدفاع عن حلفائها عن طريق التهديد بحرب نووية . ولكن إذا أصبحت أمريكا ذاتها عرضة لإنتقام سوفيتي فهل يمكن لها عندئذ أن تحمي حلفائها ؟ وقد شغل هذا الموضوع تفكير الرئيس السابق " جون كنيدي" وحكومته إلى حد كبير ونتج عن ذلك نهج استراتيجي أمريكي جديد يهدف إلى الفوز في حرب بين الدولتين الكبيرتين بإنتاج عدد كاف من الصواريخ الأمريكية لضرب قواعد الصواريخ السوفيتية وغيرها من الأهداف العسكرية مع ترك المدن السوفيتية دون إصابة حتى تصير رهينة لها . وكانت الفكرة تقوم على أنه لو حاول الإتحاد السوفيتي السابق الرد على الهجوم بالمثل بعد ذلك الهجوم الأول فيكون في استطاعة الولاياتالمتحدة عندئذ أن تدمر المدن السوفيتية . وكان المقصود من هذا الإتجاه الجديد في وجهة النظر الأمريكية هو طمأنة حلفاء أمريكا وأن تظهر للإتحاد السوفيتي السابق أن الرادع النووي سوف يظل قائما حتى ولو لم تكن أمريكا عرضة للهجوم . إلا أن أثر ذلك في الإتحاد كان أكثر مما توقعته أمريكا وحقيقة الأمر أنه لم يكن لدى الإتحاد السوفيتي السابق في ذلك الوقت إلا عدد قليل من الصواريخ العابرة للقارات ، بينما كانت الولاياتالمتحدة تنتج عدد كبير منها . وانتاب الخوف الزعماء السوفيت من أن الولاياتالمتحدة تستطيع مهاجمة الإتحاد السوفيتي السابق في أي وقت تختاره . وقد صرح بذلك نيكيتا خروشوف الزعيم السوفيتي السابق في ذلك الحين ومن ناحية أخرى كان لدى الإتحاد السوفيتي السابق عددكبير من الصواريخ متوسطة المدى وهذه لاتستطيع أن تصل إلى الولاياتالمتحدة من الأراضي السوفيتية ولكنها تستطيع ذلك من جزيرة كوبا الصديقة للسوفيت والتي تقع على مسافة 150 كيلو متر من الساحل الأمريكي . وهكذا يجوز القول إن المحاولة السوفيتية لنصب صواريخ في كوبا سرا كانت بمثابة محاولة يائسة لمواجهة موقف خطير في موسكو . ولكن هذا أثار انزعاج الحكومة الأمريكية فقد عقدت واشنطن العزم على منع هذا الإجراء السوفيتي السابق بمجرد أن ثبتت الحقائق ، وجرى التفكير في خطوات مختلفة من بينها غزو كوبا أو قصفها . ولكن تقرر في النهاية فرض حصار بحري على الجزيرة وإذا حاولت السفن السوفيتية التي تحمل العتاد إلى مواقع الصواريخ اختراق الحصار فلابد من إغراقها ولو حدث ذلك فيكاد يكون من الوؤكد أنه كان سيؤدي إلى حرب نووية وبدا للجميع الذين كانوا يتتبعون أزمة صواريخ كوبا لبضعة أيام أنها كان من الممكن أن تؤدي إلى نهاية العالم ولكن السفن السوفيتية عادت في اللحظة الأخيرة إلى حيث أتت . وقد اعتبر ذلك فوزا لأمريكا إلى حد ما . ولكن الأهم من ذلك هو أن كلا من الدولتين الكبيرتين أدركت أنها اقتربت من حافة الهاوية ، ودفعتهما الآثار السياسية والنفسية للأزمة إلى تفادي مجابهة خطيرة والإتجاه إلى نمط أوثق للتفاهم .