إن علاقة المرأة بالمرأة غالبا ما تكون صراعية إذا قورنت بعلاقتها مع الرجل، ومن السهل رصد ذلك في التعامل اليومي والاجتماعي والمهني، الامر الذي جعل الكثيرين يعتقدون أن المرأة نفسها هي أكبر معرقل لنجاح زميلتها في اي مجال. والانتخابات خير مثال على ذلك، فمن يتابع أرقام انتخابات 2009 يكتشف ان وراء الارقام العديد من المفارقات الجديرة بالتأمل: فمن بين 382 مرشحا لا يوجد سوى 19 مرشحة فقط، أي بنسبة 5% تقريبا، وهي نسبة ضئيلة جدا لا تعبر عن حجم المرأة في المجتمع او ما تمارسه من مهام وما تتقلده من مناصب، كما لا تعبر عن التعداد التقليدي الذي يشير الى التفوق العددي للناخبات على الناخبين. والمؤسف، أن هذه النسبة الضئيلة جدا تراجعت عن نسبة المشاركة في انتخابات عام 2008 حين ترشحت 28 امرأة من بين 380 مرشحا بنسبة 8% تقريبا، كذلك ادنى من انتخابات 2006 حين كان عدد المرشحات 31 من بين 402 مرشح، كأن المرأة بعد أربع سنوات من صدور المرسوم الاميري بممارسة حقها في الانتخابات العامة ترشيحا وتصويتاً، تسير بظهرها بدلاً من ان تتقدم الى الأمام، وينقص عدد المتحمسات للترشح من عام إلى عام. طريق وعر إن القرار السيادي وحده لا يعني أن حقوق المرأة أُنجزت على الأرض، فهو فتح الباب وعليها هي أن تستكمل المشوار وتثبت جدارتها السياسية والفكرية كبرلمانية ومشرعة، خصوصا ان المجتمع يقوم على تكتلات ذكورية الطابع تنظر للمرأة نظرة ريبة وتوجس، سواء أكانت تلك التكتلات تنطلق من رابطة قبلية أو افكار مغلفة دينياً، فمن بين الكتل النيابية المتواجدة على الساحة لم يتحمس لترشح المرأة سوى التجمع الليبرالي، وأيضا الحكومة التي خصصت وزارتين على الأقل في جميع الوزارات التي شكلت في السنوات الاربع تقريبا، مما يعني ان موقف الحكومة متقدم خطوة على الموقف النيابي، لمصلحة المرأة، بينما لم تختر التكتلات الاسلامية اي امرأة مرشحة على لوائحها.. فيما تحلت نساء ينتمين الى قبائل بالشجاعة لخوض هذا السباق رغم العوائق الكثيرة. حلم فردي وربما لصعوبة اقتحام المرأة الكتل ذات الطابع المحافظ، فقد شعرت باليأس سريعا من العملية الانتخابية وعدم جدواها، والى جانب العامل الايديولوجي المسيطر على الساحة، يجب الا ننسى العامل الاقتصادي، ففي مناخ ذكوري يسيطر فيه الرجل على معظم مناحي الحياة بما فيها الاقتصاد، تبدو المنافسة محسومة لمصلحته، لانه الاقدر على توفير مبالغ طائلة لتوظيفها لمصلحته سياسيا، إن لم يجد كتلة او جهة أو قبيلة تدعمه، أما المرأة فهي تدخل الانتخابات بحلم فردي يراودها، وأفكار تبدو مثالية جدا، بعيدا عن دعم الكتل والقبائل وغياب الوفرة المالية في معظم الأحيان. عدم تكافؤ العامل الثالث يتمثل في قلة الخبرة، فالرجل الكويتي يملك خبرة انتخابية تزيد على نصف قرن، مدعومة بالصدارة الاجتماعية والاقتصادية التي يتمتع بها، بينما خبرة المرأة محدودة نوعا ما، فهي على المستوى البرلماني لا تتعدى أربع سنوات، وبالتالي تفتقر المرأة الى القدرة على دغدغة مشاعر الناخبين والمعرفة بفنون استمالتهم اليها، وتوفير «المفاتيح» الانتخابية القادرة على ادارة العملية الانتخابية، فالمرأة غالبا ما تكون اكثر وضوحا، وأقل مراوغة ربما لطبيعتها الأمومية، التي فُطرت على العمل لمصلحة المجموع وليس للمصلحة الفردية، وفي ظل عدم التكافؤ الواضح بين الرجل والمرأة، تُطرح العديد من الحلول السياسية مثل تخصيص «كوتا» للمرأة في المجلس بقرار سيادي مثلا، أو اجراء الانتخابات وفق قوائم يكون للمرأة حضور مؤثر فيها، وبعيدا عن محاولة الحل سياسيا، فإن ظاهرة الكثرة العددية «الهشة» وغير المؤثرة، يعكس غيابا حقيقياً لدعم المرأة للمرأة وثقتها بامكانية تمثيلها لها، مما يطرح اسئلة مهمة: هل المرأة الناخبة لا تتحمس لزميلتها المرأة المرشحة؟ هل تغار منها أم تشعر أنها لا تملك الكفاءة السياسية اللازمة لتساهم في إدارة شؤون الوطن؟ إعادة صياغة من الناحية النفسية تجد المرأة نفسها أكثر تفاهما مع الرجل وأكثر ثقة به، فالأمر يشبه انجذاب الموجب والسالب، من دون أن ننسى ايضا الضغوط الدينية والمجتمعية والقبلية التي تمارس عليها من قبل العائلة للتصويت للرجل. فهذا ينجح غالبا في تجنيد المرأة لمصلحته. من يستمع إلى أحاديث النساء الجانبية يجد غالبا عدم اقتناع بالتصويت للمرأة، بل والتهكم أحيانا من فكرة ترشحها. والنتيجة عدم دعم المرأة ولا مساندتها لنفسها، وتنازلها طواعية عن حقوقها الجوهرية، والاكتفاء بحقوق هشة لا تؤثر بشكل حقيقي في تواجدها ومشاركتها في صنع القرار! إن مشاركة المرأة الحقيقية تحتاج إلى اعادة صياغة أفكار المرأة نفسها، واقتناعها بأن يمثلها شخص يمتلك الخبرة والوعي والقدرة على التأثير ايجابيا والعمل للمصلحة العامة، سواء كان هذا الشخص رجلاً أو امرأة، ولا يكون التصويت على اساس النوع Gender أو انعكاسا لصراع نفسي دفين بين المرأة والمرأة، أو تبعية عمياء للرجل الزوج والأب وممثل القبيلة، رغم كونه غالبا بعيدا عن الموضوعية والأحقية، وهذا يستلزم وعياً ونضجاً حقيقيين، وبعداً عن الأفكار الجاهزة والمتوارثة من دون بذل جهد في تفنيدها منطقيا، والنظر إلى التجارب السابقة سواء عالميا أو محليا، التي تثبت غالبا عكس ذلك طالما كانت المرأة مؤهلة فكريا وثقافيا وعلميا وناضجة نفسيا. وإن اخطأت المرأة أو ثبت عدم جدارتها، فمن السهل اقالتها أو ابعادها، لكن يكون الأمر وقتها على اساس عدم الصلاحية، وليس على أساس تحيز شخصي لكونها امرأة، بهذا تكون قد أخذت فرصتها بشكل موضوعي وعليها أن تتحمل مسؤولية ذلك. الأمم لا تتقدم إلا إذا تجاوزت ذاتها، وتخلصت من جزء كبير من نرجسيتها، وقبلت الآخر حقيقة وليس بالشعارات الرنانة فقط! ففكري في أن تكوني إلى جانب أختك.. إذا رأيت أنها صالحة لتمثل الأمة في قاعة عبد الله السالم.