رغم كثرة الأزمات التي تتعرض لها القاهرة ، إلا أن عالمة الأنثروبولوجية الأمريكية سينثيا مينتي لا تزال تقع بغرام المباني العتيقة التي تضم العاصمة المصرية. ورغم غرامها الشديد ، إلا أن مسحة من الحزن تعتلي "مينتي" في كتابها "قاهرة إسماعيل.. باريس على ضفاف النيل" : " مدينة ذات تاريخ لا يصدقه عقل...إلا أن ما يؤسف له هو أن الزمن لم يكن رحيما بالقاهرة" التي تعاني إهمالا يسهم في التحلل الحضري. وتضيف أنها وقعت "في غرام هذه القاهرة العالمية من أول نظرة"، وتوضح سينثيا قسوة الزمن في الزحام البشري غير الطبيعي وضعف البنية الأساسية وسيادة المنطق التجاري الذي ترك المباني القديمة الساحرة تنهار ويقام مكانها مباني إدارية لا شكل له أو جراج للسيارات. وأشارت الى ما حدث في مبنى دار الاوبرا القديمة التي احترقت في مطلع السبعينيات ، وبنى مكانها مرآب للسيارات في ميدان الاوبرا الفاصل بين القاهرة الفاطمية والقاهرة الخديوية، التي تصفها بإنها " قد تضارع باريس بكل يسر". وتستعرض سينثيا في كتابها "موقع مصر الاستراتيجي" والرغبة الدائمة في السيطرة عليها من قبل مستعمرين كانت آخر موجاتهم من أوروبا ابتداء بحملة نابليون بونابرت (1798-1801) التي فشلت وأعقبها تولي محمد علي الجندي المرتزق في الجيش العثماني الحكم في مصر، والذي إهدى هو وخلفاؤه الكنوز الفرعونية لباريس ولندن. ويرى باحثون مصريون أن بلادهم "أطول مستعمرة في العالم" اذ خضعت للاحتلال البطلمي عام 332 قبل الميلاد وتلاه احتلال روماني أنهاه العرب عام 641 ميلادية وانتهاء بحكم أسرة محمد علي (1805- 1952) وتخلل حكم هذه الاسرة الاحتلال البريطاني عام 1882 والذي انتهى عام 1956 تنفيذا لاتفاقية الجلاء التي وقعها الرئيس جمال عبد الناصر عام 1954 ليستعيد المصريون بلادهم بعد احتلال متصل دام أكثر من 23 قرنا. حريق القاهرة والبريطانيون وتربط العالمة الأمريكية بين حريق القاهرة الشهير يوم 26 يناير/ كانون الثاني 1952 وهجوم قوات الاحتلال البريطاني على قسم الشرطة في مدينة الإسماعيلية المطلة على قناة السويس في اليوم السابق 25 يناير كانون الثاني بحثا عن متمردين مناهضين للاحتلال. وتقول سينثيا أن أخبار الهجوم على قسم الشرطة كانت بمثابة الشرارة التي أشعلت الاضطرابات والحرائق في كل مكان وكانت أحياء القاهرة الفخمة أشبه بساحة الحرب، ودمرت النيران فنادق ومتاجر وملاهي. وأكدت الكاتبة أن الحريق كان مقدمة لثورة 23 يوليو/ تموز 1952 التي أنهت حكم الملك فاروق آخر من تولوا الحكم من أسرة محمد علي وفي العام التالي أعلنت الجمهورية. وتصف سينثيا المصريين بالمودة، فتقول ان السيدات دعونها لتناول الشاي حتى وهن صائمات في رمضان، كما توجه الشكر لسائق سيارة أجرة لا تعرف اسمه أعاد لها في اليوم التالي شيك منحة نسيته داخل دوسيه على المقعد الخلفي في سيارته. وقضت سينثيا مينتي في القاهرة عشر سنوات بحثت فيها تحولات ومصائر جغرافيا المدينة المزدحمة بشرا وتلوثا كما سجلت بالكاميرا جانبا من مبانيها الأثرية المرشحة للاندثار أو الهدم ويضم الكتاب 170 صورة فوتوغرافية لمبان وشوارع وميادين وتماثيل. وصدر كتاب مينتي عن المركز القومي للترجمة بمصر ويقع في 123 صفحة كبيرة القطع وترجمه المترجم المصري أحمد محمود، الذي حث في مقدمة الكتاب على حماية "الكنوز المعمارية" في القاهرة التي بناها الخديوي إسماعيل حاكم مصر بين عامي 1863 و1879 على غرار باريس التي كانت المدينة التي يجري تقليدها في القرن التاسع عشر. (رويترز)