شهدت مدينة عكا خلال الأيام الأربعة الماضية اندلاع مواجهات بين اليهود والعرب، بعدما قاد عربي سيارته إلى حي يهودي مع بداية "عيد الغفران" اليهودي؛ وهو ما اعتبره اليهود "انتهاكاً لقداسة" الساعات الأربع والعشرين التي يصوم خلالها اليهود ويمتنعون فيها عن قيادة السيارات؛ فما كان من شبان يهودي إلاَّ أنهم قاموا برجم السيارة بالحجارة.. وهو ما قوبل برد فعل عربي، وبتصعيد يهودي. وتقع مدينة عكا على ساحل البحر الأبيض المتوسط في نهاية الرأس الشمالي لخليج عكا. وحملت المدينة عدة أسماء عبر عصورها التاريخية، ففي العصر الكنعاني أطلق عليها مؤسسوها اسم "عكو" (بعني "الرمل الحار")؛ وسماها المصريون "عكا" أو "عك"؛ وفي رسائل "تل العمارنة" وردت باسم "عكا"، ونقلها العبريون باسم "عكو"؛ ووردت في النصوص اللاتينية واللاتينية باسم "عكي". وقد احتلت العصابات الصهيونية المسلحة المدينة في الثامن عشر من مايو عام 1948م- بعد قتال عنيف؛ وبقى عدد كبير من الفلسطينيين فيها حتى الآن؛ لكن نسبتهم لا تعدو الثلاثين بالمئة (عشرون ألفاً) من سكان المدينة (ستين ألف نسمة).. وهو ما يعني أن المدينة ذات "غلبة" يهودية. وفيما لا يبدو منفصلاً عن كون الغلبة لليهود بعكا؛ واصل اليهود خرق النظام بها، ورفضوا كل خطابات المصالحة العربية؛ فقد طالعتنا وسائل الإعلام الإسرائيلية برفض حاخام المدينة "يوسيف يشار" (الممثل ليهود المدينة) خطاب المصالحة الذي قدمه زعماء "الطائفة" العربية في المدينة- خلال اجتماع مشترك مساء السبت 11/10/2008، قائلاً: إنه لا يمكنه قبول خطاب المصالحة العربي رغم إدانته لسلوك السائق العربي الذي انتهك أحد الأحياء اليهودية بالمدينة عشية عيد الغفران؛ وأنه ليس وارداً- بحال من الأحوال- المقارنة بين رد فعل السكان اليهود وبين انتهاك قداسة عيدهم من قبل العرب". وقال إنه سوف يوافق على عقد اجتماع آخر مع زعماء "الطافة" العربية "لو كانت نيتهم صادقة واعترفوا بمسئوليتهم عن اندلاع أحداث الشغب". وفي موضع آخر، ذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية في عددها الأحد (12/10/2008) أن اللواء "شمعون كورين" قائد قطاع الشمال بالشرطة الإسرائيلية صرح أن العنصر الرئيسي الذي يخرق النظام في عكا هم اليهود؛ وأنه "لن يتوانى عن حفظ الأمن"؛ مؤكداً أنه "يعرف العناصر اليهودية التي تحض على التحريض وسوف يتعامل معها". وبما يشير إلى إصرار الأغلبية اليهودية على عدم المصالحة، ذكرت "يديعوت" في الموضع ذاته أن اللواء كورين- الموجود في عكا منذ اندلاع المواجهات- قد حضر صباح الأحد (12/10/2008) جلسة الحكومة الإسرائيلية الأسبوعية واستعرض الوضع في المدينة والتقديرات الاستخباراتية؛ وقال إن "انتشار الشرطة في عكا سوف يستمر لفترة طويلة؛ وأن إلقاء القبض على [اليهود] المسئولين عن خرق النظام لن تتوقف حتى خلال فترة التهدئة". وبما يزيد التأكيد على أن الإصرار على العنف ليس من الطرف العربي- الذي لا يتجاوز الثلث، نفى قائد قطاع الشمال المقارنة بين أحداث عكا والانتفاضة الفلسطينية الثانية (أكتوبر 2000)؛ قائلاً: "أحداث عكا أخذت طابعاً قومياً متعصباً". والسؤال المطروح: "هل يهدف الإصرار اليهودي على استمرار المواجهات- أو بالأحرى التحرش اليهودي- إلى طرد العرب من عكا؟".. وهل الوضع الديموجرافي بالمدينة، والطابع اليهودي، وتصريحات قائد الشرطة الإسرائيلية بالمدينة والمنطقة، وإصرار ممثلو اليهود المدينة على عدم المصالحة، والسعي العربي الدائم لتصفية الموقف بمثابة معطيات تسوقنا للإجابة ب "نعم.. الهدف هو طرد العرب من المدينة- كبداية". يبدو أيضاً أن هذا ما ذهب إليه العقل العربي بالمناطق الفلسطينية، فقد أعلنت حركة حماس صباح الأحد 12/10/2008 أن "اعتداءات الصهاينة على الفلسطينيين في عكا تكشف عن وجود خطة لطرد العرب بالقوة من منازلهم وأراضيهم من أجل إقامة دولتهم اليهودية العنصرية على أنقاض شعبنا الفلسطيني". "عيد الغفران":أو "يوم كيبور" (יום כפור) بالعبرية، وهو يوم مقدس عند اليهود، ومخصص للصلاة والصيام فقط. ويوم كيبور هو أحد أيام التوبة العشرة التي تبدأ بيومي رأس السنة، أو كما يطلق عليه بالعبرية "روش هاشناه"، وتنتهي بيوم كيبور. يبدأ "يوم كيبور" حسب التقويم العبري في ليلة اليوم العاشر من شهر تيشري في السنة العبرية ويستمر حتى بداية الليلة التالية. ويقوم اليهود في هذا اليوم بالمشي عراة الأقدام وينتقلون من مكان إلى مكان للصلاة، كما أنهم لا يكتبون بالقلم ولا يشغلون سياراتهم ولا يضيؤن الأنوار لأن ذلك حسب اعتقادهم محرم في يوم كهذا.. إذ يعتبرون "يوم كيبور" أعظم يوم لدى الشعب اليهودي.