الأهرام: 8/9/2008 ما الذي سوف يحدث ذات صباح إذا ما تقدمت شركة دولية, أو ملياردير عالمي له شنة ورنة, بطلب لشراء النادي الأهلي: اللاعبين, والأبنية, والملاعب, والنادي الاجتماعي, ومعهم الجمهور أيضا, وأخيرا محطة التليفزيون التي لا تزال تدافع عن حقها في إذاعة مباريات النادي بينما تظن الحكومة كما تظن دائما أن مشاهدة هذه المباريات من حقوق المواطن التي غفل الدستور عنها بسبب أنها من البديهيات التي لا يجوز ذكرها؟!. ما سيحدث في صباح هذا اليوم سوف يكون معلوما من الآن لأن كل أنواع المدفعية الإعلامية والسياسية سوف تنفتح علي آخرها باعتبار ذلك نوعا من البيع لواحد من الصروح الوطنية والتاريخية, وسوف يعتبره بعض منا المقدمة الطبيعية لبيع الأهرامات وقناة السويس وأنواع متعددة من الشرف الوطني والقومي. ولن يعدم الأمر أن يطرح جانب منا احتمالات وجود مؤامرة عالمية للاستيلاء علي نادي القرن ليس فقط نظرا لتاريخه المجيد, بل أيضا لاحتمالات اكتشاف النفط تحت أرض النادي بالجزيرة أو في مدينة نصر لا فرق بين كليهما, إلا أن واحدا منهما قد يكون من النوع الثقيل والآخر من النوع الخفيف أو البرنت. ومن المؤكد أن المظاهرات سوف تخرج لمنع بيع مصر خاصة بعد أن أوشكت, بفضل لاعبي النادي الأهلي بالطبع, علي الذهاب إلي كأس العالم مرة أخري. وساعتها سوف يخرج بيان علي أعلي المستويات القيادية لكي يؤكد أن القرار لا أساس له, وأن النادي الأهلي سوف يبقي علي حاله صرحا وطنيا, وأملا قوميا, ومن يعرف قد يكون هناك بترول بالفعل فيتم حل مشكلات البلاد كلها علي يد, وعلي قدم, وبركات, أبو تريكة؟! مثل هذا السيناريو لا يمكن أن يحدث في مصر بالطبع, وهو من الأمور التي تقف دونها موانع شعبية ودستورية كما رأينا, ولكنه حدث في المملكة المتحدة التي كانت امبراطورية عظمي لا تغرب عنها الشمس, ولا تزال حتي الآن من القوي الكبري في العالم, وهي دولة غنية ونووية, ولها حق الفيتو في مجلس الأمن, وعضو بارز في مجموعة الدول الثماني, ولسبب غير معروف فإن عاصمتها لندن من العواصم المحببة للعرب رغم تاريخها الاستعماري المعروف. فما حدث هو أن السيد سليمان الفهيم المواطن في دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة قام بشراء نادي مانشستر سيتي وزوده بمجموعة جديدة من اللاعبين العباقرة الذين استقدمهم من أندية بشهرة نادي ريال مدريد استعدادا لموسم جديد سوف يسمع عن مانشستر سيتي ما لم يسمعه أحد من قبل. ولم يكن العربي من الإمارات هو الوحيد الذي اشتري ناديا بريطانيا مرموقا, بل إن رومان إبراموفيتش الملياردير الروسي المعروف قام بشراء نادي تشيلسي بطل الدوري الإنجليزي لسنوات متعددة وصاحب الشعبية العريضة في كل الأوقات, وقبله كان المصري محمد الفايد قد اشتري نادي فولهام. وحتي الأمريكيون الذين لا يعرفون الكثير عن كرة القدم التي نعرفها فقد قاموا بشراء عدد من الأندية الإنجليزية فحصل أندي ليرنر علي أستون فيللا, ومايك أشلي علي نيو كاسل, وجورج جيليت علي ليفربول, وقبلهم كان مالكولم جليزير قد حصل علي مانشستر يونايتد درة التاج في الدوري الإنجليزي كله. ولو كان مثل ذلك قد حدث في مصر, فإن النادي الأهلي لن يكون وحده هو الذي سوف يصير ملكية أجنبية, بل سيكون معه ناديا الزمالك والإسماعيلي وقائمة طويلة من الأندية الأخري حتي نصل إلي نادي بترول أسيوط باعتباره يجمع كرة القدم مع البترول في ملعب واحد!. لماذا إذن لا يمكن حدوث ما جري في انجلترا في مصر المحروسة, ويستطيع سليمان الفهيم أن يحصل علي نادي مانشستر سيتي ولا يستطيع الحصول علي نادي غزل المحلة أو بلدية المحلة لا فرق؟ المؤكد أن الإنجليز لديهم الدرجة نفسها من الوطنية والحرص القومي كما هو الحال مع المصريين, ومن المؤكد أيضا أن جماهير كل الأندية المتعصبة والمتشددة في انجلترا لا تختلف كثيرا عن هذه الجماهير في مصر بل إنه معروف عالميا أن الجماهير الإنجليزية هي الأكثر تعصبا وتشددا وفق آخر المعايير والمقاييس والتقارير المعروفة في التعصب والتشدد; ولكن, واللهم لا حسد, فإن الجماهير هناك لديها رغبة مؤكدة في دعم عناصر فريقها بأفضل اللاعبين في الدنيا, والمشاركة بحماس وندية في أهم دوري في العالم لكرة القدم, ولا يهمها في كثير أو قليل من الذي يملك النادي ولا جنسية المالك لأن جنسية النادي لا تنبع من الملكية ولكن من الأرض التي يتم اللعب عليها. ومن الممكن أن يكون المالك من الإمارات أو من روسيا أو عبر المحيط من الولاياتالمتحدةالأمريكية, ولكنه لن يستطيع أن ينقل النادي معه إلي دياره البعيدة, بل إنه يجعل النادي ناديا بحق عندما يكون أكثر قدرة علي المنافسة وحصد الألقاب وإرضاء المشجعين والمتعصبين. المسألة هنا أن الإنجليز عرفوا اللعبة العالمية جدا, فالرياضة صناعة, والصناعة عالمية كما كل الصناعات الكبري, وببساطة أصبح مانشستر يونايتد أو ليفربول نوعا من العلامة المسجلة أو البراند الذي ينظر له ويشاهده ويرتديه مشجعون بلا حصر لم يعد معروفا جنسياتهم ومواطنهم ولكنهم جميعا مرتبطون بشعار ولون ولعبة حلوة ومنافسة ممتعة. المدهش في الموضوع أنه رغم البيع فإن انجلترا أصبحت معروفة في العالم بأكثر من أي وقت مضي, وأصبحت لندن والحواضر الإنجليزية الأخري معروفة من العالم أكثر مما كان في زمن الإمبراطورية التليد وهو ما انعكس علي السياحة البريطانية والسلع والخدمات والبضائع الإنجليزية حتي ولو كان كل ذلك يدار بواسطة شركات أو منظمات عالمية. المسألة بالطبع في مصر مختلفة, فالأندية ذات طبيعة قومية بل واستراتيجية أيضا, ومن ثم فإنها مثل المصانع والصناعات الاستراتيجية غير قابلة للبيع وعلي الدولة أن تنفق عليها وتقدم لها الإسهامات والمساعدات. وفي وقت من أوقات الأزمنة القديمة أيام المشير عبدالحكيم عامر تدخلت القوات المسلحة لضبط الأمور في النادي الأهلي وأندية أخري. ولكن ذلك كان في الستينيات, ومع ارتفاع عدد سكان مصر إلي ثمانين مليونا لم يعد لدي الحكومة الكثير الذي تقدمه. وكما هي العادة في الأمور القومية فإن حل المعضلة يكون من خلال خلق حالة من الازدواجية, فالأندية لا تباع ولا تشتري وتبقي جزءا من التراث القومي, ولكن من الممكن تسليمها لرجل أعمال واحد, أو عدد من رجال الأعمال لكي يقوموا بالإنفاق علي النادي العريق مرة بالدفع المباشر, ومرة بالدفع تحت الترابيزة كما هو شائع في التعبيرات الرياضية. وأحيانا يحصل رجل الأعمال علي النادي من خلال الانتخابات, وأحيانا أخري من خلال ترتيب آخر يأتي من الجهة الإدارية وهو تعبير لا أعرف عما إذا كان حقيقيا أو وهميا ولكنه تعبير يعني أن جهة في الدولة قررت الأمر. المقارنة مع انجلترا هنا واجبة, وما بين النادي الأهلي ونادي مانشستر يونايتد أو حتي مانشستر سيتي من أمور الساعة التي توضح بعضا من معضلات مصر ما بين الحاجة إلي اقتصاد السوق والخجل منه; وما بين القدرة الفائقة للإنجليز علي السعي الصريح للامتياز والتفوق والرفعة في سوق عالمية لابد من المشاركة من منافساتها وبأدواتها; وما بين زحف المصريين البطيء لإدراك أن الدنيا تغيرت, ولكننا نريد بقاء كل شيء علي ما هو عليه كما عرفناه وتعودنا عليه. وفي يوم من الأيام كان الإنجليز مثلنا, وخلال التسعينيات قامت الدنيا ولم تقعد في انجلترا لأن الكويت قامت بشراء نسبة من شركة بريطانية مرموقة هي رولزرويس. وكانت الحجة أيامها هي أن الشركة من الرموز البريطانية مثل التاج والجنيه الاسترليني والعلم الاتحادي. ولكن الأيام مرت, واشترت كثرة من العرب في لندن شركات وعقارات, وأصبح البعض من أحيائها عربيا يشوي الكباب ويدخن النرجيلة, وأضيف لهم أخيرا نادي لكرة القدم. كل هذا الموضوع بالطبع ليس عن النادي الأهلي, ولا عن كرة القدم, ولا حتي عن انجلترا, ولكنه عرض لأوضاع عالمية تجعل الانغماس في العولمة من خلال شبكات استثمارية متنوعة يعني في النهاية تأكيد الخصوصية وجعلها ذات صفة عالمية. وربما فقدت بريطانيا إمبراطوريتها التي قامت علي الغزو والعسكر واحتكار البضائع والأسواق; ولكن كل ذلك انتهي لأنه كان منطلقا من جانب واحد, ويسير في اتجاه واحد من الدولة المستعمرة بكسر الميم إلي الدولة المستعمرة بفتح الميم بحيث لا يحدث تفاعل حقيقي بين الجانبين. الآن فإن العالم كله يتنافس علي الدوري الإنجليزي والمنتجات الإنجليزية لأنها تسير في كل الاتجاهات ويشارك فيها كل البشر كلاعبين أو ممولين أو مشاهدين. لقد انتهت الإمبراطورية الأولي وغابت عنها الشمس, وبدأت الإمبراطورية الثانية التي لا يغيب عنها لا شمس ولا قمر لأنها تقوم علي تشابك العالم والدنيا كلها. معرفة ذلك في مصر مشكوك فيها, صحيح أن الأجيال الجديدة ربما تعرف عن كريستيانو رونالدو البرتغالي الذي يلعب لمانشستر يونايتد المملوك أمريكيا كما تعرف عن أبو تريكة; ولكنها لم تعرف بعد كيف يمكن أن تتشابك الصلات والعلاقات والتفاعلات بينهما. ولكن لا يوجد لدي شك في أنه في يوم ما سوف تعرف مصر ما يجري في عالمها, المهم ألا يحدث ذلك متأخرا كثيرا!!.