التصعيد يعصف بالسودان والمنطقة تحقيق: إيمان التوني وصف خبراء في القانون الدولي والعلوم السياسية طلب الادعاء العام بالمحكمة الجنائية الدولية باعتقال الرئيس السوداني عمر البشير واتهامه بارتكاب الإبادة الجماعية في إقليم دارفور ب"الخطير" والمسيس وبأنه لا يخلو من أخطاء. واتفق كل من السفير الدكتور عبد الله الأشعل أستاذ القانون الدولي والدكتور محمود أبو العنين أستاذ العلوم السياسية مدير مركز البحوث الإفريقية بجامعة القاهرة على تسييس المحكمة الجنائية الدولية لتصعد الموقف في السودان لصالح أطراف دولية بعينها. الأشعل: القرار تشوبه أخطاء عديدة وقال الأشعل إن قرار المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بالقبض على الرئيس البشير يعد قراراً خطيرا في تاريخ العلاقات السياسية الدولية. ومن الناحية القانونية فإن القرار يشوبه العديد من الأخطاء ومنها : أولا) قانونيا يجب أن يكون القرار بالاتهام فقط، أي يعلن المدعي العام التهم المبنية على أدلة وليس بالقبض والإحضار أو الاعتقال. ثانيا) نقل المدعي العام من منصب الادعاء إلى منصب القاضي، حيث خلط بين الاتهام – وهو من اختصاص المدعي العام - وبين الحكم – وهو من اختصاص القاضي – ثالثا) لم يعلن المدعي العام عن قراره إلا بعد إعلان الخارجية الأمريكية والصحف الأمريكية، ما يعني أن هناك تنسيقا مع الولاياتالمتحدة، ما يؤكد تسييس المحكمة الجنائية الدولية، لمواجهة رؤساء الدول الذين لا يمتثلون لأوامر وضغوط الولاياتالمتحدةالأمريكية. رابعا) يجب أن يكون القرار سريا، حيث يعرض أولا على غرفة المشورة – المكونة من 3 قضاة – للموافقة على القرار أو رفضه، أما تسريب القرار والإعلان عنه في 10 يوليو / تموز 2008 ثم الحديث اليوم عن أدلة جديدة فإن هذا يتجاوز سلطات المدعي العام. خامسا) تجاوز المدعي العام النظام الأساسي للمحكمة - الذي يجعل للمحكمة سلطة احتياطية – بمعنى أن الدول هي التي تحاكم، أما المحكمة الدولية فهي استثناء في حالات محددة. سادسا) معلوم أن السودان ليس طرفا في المحكمة الجنائية الدولية، ومن ثم فإن الحذر مطلوب من المحكمة إزاء تعاملها مع دولة غير طرف فيها. وأشار الدكتور الأشعل أن هناك عطلة قضائية سيعرض القرار بعدها على المحكمة، معربا عن اعتقاده بأنها سترفض هذا القرار لأنه غير قانوني بصرف النظر عن مسألة المؤامرة. وأضاف أن ما أقدمت عليه المحكمة الجنائية الدولية هو تصعيد لخطوة أولى اتخذت لفتح ملف دارفور منذ عام 2004، ومحاولة للدخول إلى المنطقة العربية من خلال السودان، واصفا ذلك بأنها مقدمة خطيرة. أما عن التحرك القانوني الذي يجب اتخاذه لمواجهة مثل هذا التجاوز، أوضح الأشعل أن على حكومة السودان أن تتجاوز رد الفعل العاطفي الداخلي – على حد وصفه – الذي قامت به حتى الآن، وأن تدرس الجهود العملية والتحرك الدبلوماسي اللازم، كما عليها الاستعانة بالدول الإقليمية من خلال جامعة الدول العربية والاتحاد الإفريقي. وحول ما يمكن أن تتخذه الجامعة العربية في اجتماعها الطارئ المزمع عقده لبحث هذه الأزمة، أعرب الدكتور عبد الله الأشعل عن شكه في أن يتخذ وزراء الخارجية العرب موقفا حازما لأنها لا تريد أن تقف أمام الولاياتالمتحدة التي هي وراء ذلك القرار. لكنه أشار في الوقت نفسه إلى ضرورة أن يسارع الرؤساء العرب جميعهم في تأييد السودان، مشددا على أن المحكمة الجنائية الدولية يجب أن تعمل في إطار القانون الدولي، الذي يعطي لرؤساء الدول الحصانة أمام أي محكمة حتى ولو دولية. التصعيد يعصف بالسودان والمنطقة من جانبه، أكد الدكتور محمود أبو العينين أن المحكمة الجنائية الدولية تحاول تصعيد الموقف لدرجة تعصف بالاستقرار في السودان والمنطقة كلها وقال إن ادعاء المحكمة ينسف ما تم تحقيقه من إنجازات كبيرة أسفرت عنها الجهود التي بذلت في جنوب السودان منذ عام 2004 وحتى الآن. وأضاف أن ما جاء على لسان ممثل الادعاء في المحكمة الجنائية الدولية "أوكامبو" يعكس خصومته الشخصية مع السودان، وهو في الوقت نفسه يلعب دورا ما لخدمة أطراف سودانية بعينها، مؤكدا أن قرار المدعي العام للمحكمة الدولية قرار "مسيس" بطبيعة الحال، حتى إن مفهوم الادعاء عن الإبادة الجماعية يختلف عن المفهوم الذي توصلت إليه الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي ذكرت من قبل أن الأوضاع في السودان لا تصل إلى حد الإبادة الجماعية، واصفا ما أورده المدعي العام بأنه كلام غير مفهوم وغير مبرر. وأشار الدكتور أبو العنين أن الأمر سيعرض على المحكمة خلال 3 أشهر، وقد تؤيد القرار أو ترفضه، مرجحا رفض المحكمة لهذا القرار – إذا كانت عادلة – إلا إذا كانت هي الأخرى "مسيسة" لخدمة أطراف دولية بعينها. وعما إذا كان هذا القرار - الذي لا سابقة له – قد يتكرر استخدامه ضد رؤساء آخرين فيما بعد، قال إن هذه سابقة لها ما بعدها، لأنه من الواضح أن المحكمة أصبحت أداة من أدوات إقالة وتعيين رؤساء الدول رغما عن الشعوب أصحاب الحق الوحيد في عزل أي رئيس وليس أي جهة أخرى. وأضاف أما إذا كانت لجهة دولية ما أن تعزل رئيس دولة فهي سابقة خطيرة، مشيرا أنه يمكن أن تحاسب الرئيس بعد أن يترك السلطة وبعد أن يتخلى عنه شعبه، أما إذا كان في السلطة ووسط حماية شعبه فهذا في عصر "قلة الحياء" وفعلا "اللي اختشوا ماتوا". وأشار أن المسألة اتضحت أمام الشعب السوداني والعالم العربي، حيث استقى ادعاء المحكمة الدولية مستنداته والأدلة التي يرتكز عليها من بعض الجماعات دخل معسكرات المتمردين، وهناك من زار لإقليم دارفور من الدول العربية والإسلامية والإفريقية وكذلك من الأممالمتحدة ومن جهات متعددة ولم تصل إلى ما توصل إليه الادعاء من ارتكاب إبادة جماعية. أوضح أنه إذا كانت المحكمة الدولية تقصد الضغط على السودان قبل مغادرة الرئيس الأمريكي جورج بوش منصبه لأخذ ما يمكن أخذه من حكومة السودان لصالح جماعات التمرد، فبدلا من أن تتوجه المحكمة الدولية وغيرها إلى الضغط على الجماعات المسلحة وإلزامها على توقيع معاهدة السلام في أبوجا، فها هي تتوجه لضرب رأس الدولة كي تسبب فوضى هائلة إذا حدثت لا يمكن تصور ما ستسفر عنه ليس فقط في السودان وإنما في مصر أيضا وفي دول المنطقة، خاصة الدول المشاركة في قوات حفظ السلام – وقوامها 10 آلاف جندي – في جنوب السودان، حيث قد تسحب هذه الدول قواتها، ومن ثم يصبح الوضع في غاية الخطورة. ووصف الدكتور محمود أبو العنين المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بأنه رجل مخرب، ولا يعمل لمصلحة السلام وإنما يعمل لمصالح معينة، مثل الدور الذي لعبه من قبل مفتش الوكالة الدولية للطاقة الذرية – عميل الاستخبارات الأمريكية "CIA") حيث أوحى بوجود مشروع نووي بالعراق، وأوقع الدنيا كلها، وكانت هذه هي المقدمة للتدخل الأمريكي في العراق، وقال أبو العينين إننا لا نريد أي تدخل أجنبي بالقوة. وأضاف أنه على الشعب السوداني أن يلتف حول رئيسه ويرفض ما يأتي من الخارج، ويدرك أن الأمر موجه ضد الشعب كله وليس ضد الحزب الحاكم فقط ، كما عليه أن يحافظ على الإنجازات التي تحققت على طريق السلام و لا تتخذ خطوات تعرض هذه الإنجازات للخطر. وشدد على أهمية التحرك على المستوى الإقليمي، مشيرا إلى دعم جامعة الدول العربية والاتحاد الإفريقي للشرعية السودانية، ورفض قرار المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، وتحويل القرار إلى الأممالمتحدة والطعن في إمكانية لجوء المحكمة الدولية مرة أخرى ضد أي رئيس دولة، مشيرا أن المحكمة لا تجرؤ على فعل ذلك مع أي دولة أوروبية أو مع الولاياتالمتحدة، فإذا كان ذلك ممكنا فعليها أن توجه الاتهام بالإبادة الجماعية إلى الرئيس بوش، إزاء مقتل نحو مليون عراقي جراء التدخل الأمريكي في العراق، إنما مثل هذه القرارات الدولية موجهة للدول النامية وخاصة الدول العربية، للضغط عليها من أجل الاستحواذ على ثرواتها ولفرض الهيمنة على المنطقة.