النهار: 26/6/2008 السؤال الذي يثير قلق الناس ويقض مضاجعهم هو: ما العمل اذا ظل الامن في البلاد مضطربا يهدد باحتمال قيام حرب اهلية، وليس في امكان قوات الدولة المسلحة سوى القيام بدور الفصل بين المتقاتلين حقنا للدماء من جهة، ولامتلاك هؤلاء المتقاتلين اسلحة تضاهي إن لم تفق اسلحة هذه القوات من جهة اخرى، الامر الذي يجعلها غير قادرة على التدخل لوقف الاقتتال ولو باستخدام القوة؟ لقد كانت قوات الدولة في الماضي قادرة على حفظ الامن وفرضه عندما يضطرب في اي منطقة، لان السلاح لم يكن موجودا خارج الشرعية، واذا وجد فهو سلاح خفيف او متوسط، وكانت هذه القوات قادرة على اسكاته، وكانت قوى الامن الداخلي عندما تعجز عن السيطرة على الوضع، تستعين بقوات الجيش التي لم تكن تحقق الامن بالتراضي والحوار بل بالقوة، وكان الجيش عندما يدعى للتدخل يطلق النار على كل من يحاول التصدي له او الاعتداء على اي عنصر من عناصره، وليس كما هي الحال اليوم، بحيث يُعتدى عليه، كما حصل في احداث مار مخايل الشياح، ولا يحق له حتى الدفاع عن نفسه، ومن يفعل ذلك يعاقب بالسجن. فالامن كان مستتبا في عهد الشيخ بشارة الخوري بفضل هيبة الجيش عندما يدعى للتدخل، وكذلك الامر في عهد الرئيس شمعون، الا عندما وقعت حوادث 1958 بتدبير خارجي جعل السلاح ينتشر في ايدي الناس، واستتب الامن في عهد الرئيس شهاب بقرار محلي واقليمي ودولي وخصوصا بفضل دعم الرئيس عبد الناصر ذاك العهد. ولم يكن في امكان قوات الدولة وقف الاقتتال بين اللبنانيين عندما بدأ عام 1975، الا بعد دخول "قوات الردع العربية" بقرار عربي، ثم تحولت قوات سورية صرفة ما لبثت ان أخضعت لبنان للوصاية السورية مدة ثلاثين سنة، وكان على اللبنانيين ان يضحوا بالحرية والديموقراطية والاستقلال من اجل الامن. وبعد انسحاب القوات السورية وجد لبنان نفسه امام سلاح منتشر بين ايدي فئات لبنانية من اجل مقاومة اسرائيل وتحرير الاراضي اللبنانية التي تحتلها، وبين ايدي الفلسطينيين الموجودين في لبنان من اجل الدفاع عن مخيماتهم ضد اي عدوان اسرائيلي، وبحجة ان قوات الدولة اللبنانية قد تكون عاجزة عن ذلك... وهكذا وجدت الدولة نفسها امام سلاح خارج شرعيتها وخارج سلطتها وفوق قوانينها، وهو سلاح من العيار الخفيف المتوسط والثقيل، ولا سبيل الى مواجهة الحوادث الامنية التي تقع في اي منطقة الا بالحوار والتراضي، وهو ما يحصل حاليا. كيف السبيل اذاً لجعل الامن مستتبا في البلاد؟ هذا السؤال طرح في حلقة ضمت نوابا وسياسيين ومفكرين، فتعددت الاجوبة عليه وكانت الآتية: اولا: ان تجمع الاسلحة من جميع اللبنانيين وغير اللبنانيين وتسلم الى الدولة التي تكون هي المسؤولة عن امن الوطن والمواطن ولا احد سواها، وهذا يحتاج الى قرار سياسي يجمع عليه الزعماء على اختلاف اتجاهاتهم ومشاربهم ومذاهبهم. وقد يكون من الصعب التوصل الى اتفاق على اتخاذه ما دام ثمة من يبرر حمل السلاح لمقاومة اسرائيل وتحرير الارض والدفاع عن لبنان ضد اي عدوان يقع عليه، وان لا سبيل الى التخلي عن هذا السلاح الا عندما يتحقق السلام مع اسرائيل... ثانيا: ان تدعى قوات عربية لتتولى حفظ الامن في لبنان الى حين زوال الاسباب التي تبقي السلاح في ايدي فئات لبنانية وفلسطينية، وتنعم المنطقة بالهدوء والاستقرار ولا تظل العلاقات متوترة بين عدد من الدول فيها فتهدد الامن. لكن ليس من السهل التوصل الى اتخاذ قرار بتأليف هذه القوة، ومن ثم تحديد الدول التي تشارك فيها، ولا يكون مصيرها مثل مصير "قوات الردع العربية". ثالثا: ان يصير اتفاق على تحديد المناطق التي يوجد فيها المسلحون من اجل مقاومة اسرائيل او الدفاع عن لبنان، بمؤازرة قوات الدولة، وهي المناطق المتاخمة لاسرائيل فقط، بحيث لا يبقى سلاح خارج هذه المناطق سوى سلاح الشرعية. رابعا، ارسال قوات دولية الى لبنان لحماية الامن فيه ومساعدة السلطة فيه على تنفيذ القرار 1701 توصلا الى بسط سيادتها على كل اراضيها، بحيث لا يبقى سلاح غير سلاحها ولا سلطة غير سلطتها. وهذا الاقتراح سبق للبروفسور فيليب سالم ان طرحه واعاد تأكيده في تصريحات ومقالات له معتبرا ان لبنان لن يخرج من ازمته الا بمظلة امنية دولية، وان الشرعية الدولية هي الطريقة الوحيدة المتاحة للبنان، ويرى ان ما يقع اليوم من حوادث متنقلة يؤكد صواب رؤياه لقيامة لبنان، ويتهم السياسيين اللبنانيين بانهم هم الذين اوصلوا لبنان الى هذا المنزلق الخطير لانهم تصرفوا لخدمة مصالحهم الشخصية على حساب الوطن. فاذا لم يتم تأمين هذه المظلة، فانه يخشى ان تزعزع اسرائيل الامن في لبنان وتعود القوات العسكرية غير اللبنانية لتغتصب ارضه مرة اخرى. لكن هل في امكان الزعماء اللبنانيين ان يتفقوا على طلب قوات دولية او وضع لبنان تحت مظلة امنية دولية لمدة من الوقت يتم خلالها ترتيب البيت الداخلي، واذا اتفقوا، هل الاممالمتحدة مستعدة لاستجابة طلبهم ولاسيما الولاياتالمتحدة الاميركية التي لها مصالحها وحساباتها ومستعدة لعقد صفقات ساعة تشاء لهذه الغاية. ان الامن في لبنان هو هاجس اللبنانيين ولاسيما منهم رجال المال والاعمال، فلا اقتصاد من دون امن ولا ازدهار من دون استقرار. فهل يبقى لبنان غير مستقر ما دامت المنطقة، وهو جزء منها، غير مستقرة، وهل يبقى السلاح خارج الشرعية، ولا سبيل الى التخلص منه الا بعد تحقيق سلام شامل في المنطقة وإنهاء الصراع العربي – الاسرائيلي؟