لاتزال المعارك داخل حلبة القضاء الفرنسي مستمرة حول إبطال زواج بين مهاجرين مسلمين بسبب كذب العروسة حول عذريتها، حيث طلبت النيابة العامة في مدينة ليل مؤخرا من قاضي الأمور المستعجلة وقف تنفيذ الحكم مؤقتا لتجنب تسجيله في مصلحة الأحوال المدنية.حتى لا يشكل سابقة في اعتبار عدم العذرية سببا لإبطال الزواج في فرنسا . كان القضاء قد حكم في الأول من أبريل الماضي ببطلان هذا الزواج بسبب أخطاء حول "المواصفات الأساسية" للزوجة لأنها كذبت على الزوج بشأن عذريتها ولكن الزوج اكتشف الأمر ليلة الزفاف يوم 8 يولية 2006. والهدف من مسعى النيابة الفرنسية عدم السماح للعروسين بالزواج مرة أخرى لأن في هذه الحالة لن يكون ممكنا إلغاء الحكم في محكمة الاستئناف حيث سيعني ذلك أن يكون كل من العروسين جامعا بين زوجين. إجماع أوربي وقد استمرت القضية في إثارة الجدل. هذه المرة جاء دور النواب في البرلمان الأوروبي ليعبروا عن استنكارهم لهذا الحكم من القضاء. فقد وجه 150 نائبا أوروبيا إلتماسا إلى وزيرة العدل الفرنسية رشيدة داتي لاستنكار هذه السابقة الخطيرة التي يمثلها الحكم الذي أصدرته محكمة مدينة ليل الفرنسية حول إبطال الزواج. الموقعون على هذا الالتماس يمثلون كافة القوى السياسية: محافظون، ليبراليون، شيوعيون، خضر، حيث أوضحوا أن هذه المعركة التي يخوضونها تتجاوز الخلافات السياسية لأنها تتعلق بالكرامة الإنسانية. وقد أوضح النواب الأوربيون في التماسهم أن العذرية لا تشكل صفة رئيسية للزواج، وأن مثل هذا الحكم سيشجع بعض الأصوليين فيما اسموه معركتهم "الجاهلية" ، بينما يشكل القانون أحد الحصون الأساسية ضد هذا التعصب. ويقول محامي الزوج زافييه لابيه أن الطلاق جاء نتيجة الإخلال بالتزام أساسي في متطلبات الزواج ألا وهو عدم الوفاء. ويضيف المحامي أنه لايجب اعتبار ذلك عودة إلى ما دعاه عصور الظلام ، لكنه ببساطة تطبيق لقواعد يقرها القانون لإبطال الزواج. الزوج برر لمحاميه طلب بطلان الزواج بأنه سيسمح بمحو الآثار، بمعنى أن الارتباط عندما يعتبر كأن لم يكن، فان الإهانة تمحى و يستعيد بذلك " عذريته" أما الطلاق فسيبقى طلاقا إلى الأبد. يستند القرار الذي أصدرته محكمة الدرجة الأولى في مدينة ليل إلى المادة 180 من القانون المدني وتقضي بأن:" إذا اتضح وجود خطأ ما في أحد الطرفين أو خطأ في مواصفاته الأساسية، من حق الطرف الآخر إبطال الزواج في مهلة أقصاها خمس سنوات". من جانبه، النائب العام لمدينة ليل، فيليب لومار يقول " إن المسألة ليست عذرية الفتاة، وإنما الكذب، فالفتاة أخفت عن زوجها حقيقة علاقة كانت أقامتها قبل الزواج". غضب فرنسي وبالطبع فان قرار المحكمة كما كانت له تداعياته الأوروبية فإن أصداءه داخل فرنسا لم تقل شدة بل وربما كانت أقوى . فقد أثار استياء المناصرين لحقوق المرأة في فرنسا إذ استنكر الحزب الاشتراكي الحكم واعتبره "انتهاكا لحق المرأة في التصرف في حياتها وجسدها بحرية مثل الرجال". إحدى المنظمات الحقوقية اعتبرت ذلك ارتدادا للعصور البائدة معربة عن شعورها بالغضب إزاء اعتبار العذرية في فرنسا "من المواصفات الأساسية". أما الفيلسوفة إليزابيت بادنتر أعلنت إحساسها بالمرارة إزاء الحكم ووصفته بأنه "خزي" للعدالة الفرنسية . وقد زاد من حدة استياء الرأى العام ما صرحت به وزيرة العدل الفرنسية رشيدة داتي بأن " إلغاء الزواج قد يكون وسيلة لحماية الشخص الذي يريد التخلص منه". وأضافت أن الفتاة أرادت بدون شك التخلص من الزواج بأسرع وقت، وأن الزوجين كانا متفقين على إلغاء الزواج. إلا أن رشيدة داتي عدلت بعد ذلك موقفها وأمرت النيابة العامة باستئناف الحكم بعد أن أثار موقفها استنكارا من عدة قوى سياسية فقد وصفه جان ماري لوبان زعيم الجبهة الوطنية " بالهذيان". فيما أدانه "الاتحاد من أجل حركة شعبية" حيث صرح المتحدث باسم الحزب فريدريك لوفبر بأن القرار كان صدمة وطالب وزارة العدل بإلغاء الحكم. أما المستشار السياسي للرئيس نيكولا ساركوزي فقد اقترح تعديل القانون بحيث يلغى أية إمكانية بإبطال الزواج والإبقاء على الطلاق فقط. سيجولان رويال المرشحة السابقة للرئاسة الفرنسية اعتبرت الحكم "نكوصا للقانون ولكرامة المرأة". وقالت انه ارتدادا أمام حركات تحرر النساء بعد حصولهن على الحق في حرية التصرف في أجسادهن. كما اعتبرت القرار مخالفا للاتفاقية الأوربية حول حقوق الإنسان.