اكتظ قصر العظم الأثري بدمشق بجمهور ملأ بهوه الكبير على مدى ست أمسيات من الطرب العربي أحيتها خمس مغنيات من أهم الأصوات العربية المعاصرة واختتمتها مساء السبت المطربة المغربية كريمة الصقلي في حفل ثان لها أقيم بطلب من الجمهور. وجاءت هذه الأيام الغنائية التي نظمتها احتفالية دمشق عاصمة للثقافة العربية 2008 تحت عنوان "النساء تغني.. صوتها يحكي ويحملني" بمشاركة كل من لبانة قنطار (سوريا) كريمة الصقلي (المغرب) فريدة العلي وفرقة المقام العراقي مجموعة رتيبة الحفني للموسيقى العربية من مصر والمغنية اللبنانية جاهدة وهبي. وحظيت هذه الفعالية بحضور لافت وكان الجمهور يتوافد الى مكان الحفلات قبل أكثر من ساعة على بدئها ولم يمانع من لم يستطع منه إيجاد مكان للجلوس من افتراش الأرض أو الوقوف. واعتبرت المغنية اللبنانية جاهدة وهبي في حديث لوكالة فرانس برس أن فكرة "التظاهرة النسائية" كانت "جميلة فهي تعرف الجمهور على نساء لديهن بصمة خاصة من خلال أصرارهن على تقديم الأغنية التراثية الأصيلة". وأضافت "في زمن الفضائيات الفج الذي نعيشه لا يتسنى للجمهور رؤية نساء يغنين الأصالة بل نساء تقدمن أشكالا غوغائية من الغناء". عندما صعدت وهبي على المنصة كان قصر العظم مكتظا بالحضور. تحكي كم أثر فيها رؤيتها لصغار يجلسون على الأرض بانتظار سماع أغنياتها وآخرين جاؤوها بعد الحفل وشكروها باكين وتقول إن تفاعل الجمهور جعلها ترتجل أكثر مما تفعل عادة. وتعلق على ذلك بقولها "النشوة العالية التي أصابت الجمهور أطربتني" وتضيف "كنت أراهم يتمايلون ويتأوهون وحالة الثناء والطرب هذه مستني وجعلتني أغني بشكل أجمل". وغنت وهبي قسما من أغنيات البومها الأخير "كتبتني" ومنها أغنيات مأخوذة عن الأديب الألماني غونتر غراس والجزائرية أحلام مستغانمي إضافة الى مجموعة منوعة من أغاني الطرب لأم كلثوم وعبد الوهاب ووديع الصافي وآخرين. وأعجبت المغنية المغربية كريمة الصقلي إيضا بالجمهور وقالت "إنه جمهور عظيم" وأضافت "هذه أول مرة أغني في سوريا والجمهور أعادني لأقدم حفلة ثانية". وغنت الصقلي عددا من أغاني أسمهان إضافة الى أغان من التراث المغربي والأندلسي. وكان النجاح الذي لقيته الحفلة الأولى للمغنية المغربية دفع المنظمين الى تمديد التظاهرة يوما تحيي فيه الصقلي حفلة ثانية وذلك "بعد أن أبدى الحضور إعجابا استثنائيا بصوت كريمة الصقلي وطالبنا الكثيرون بتقديم حفل آخر لها" على حد تعبير منظم الحفلات الموسيقي السوري هانيبعل سعد. واذا كان عدد الحضور في مجمل الحفلات تجاوز الألف شخص فإن حضور حفل العراقية فريدة العلي وصل ضعف هذا العدد. وتوافد الكثير من العراقيين الموجودين في سوريا الى الحفل الذي غنت فيه العلي مجموعة من المقامات العراقية وأغاني التراث العراقي إضافة الى تقديمها أغنيتين باللغة الكردية أهدتهما الى "الأكراد في كل مكان". أجواء الحفلات الأخيرة لفتها رياح مفاجئة. وكان من مضاعفات إقامة الحفلات في الهواء الطلق بعض العثرات التقنية. تحدث موسيقيون عن تأثير الطقس الذي جعل خشب الآلات الموسيقية ينكمش وبالتالي يتغير الدوزان والصوت وقبل نهاية حفل وهبي انقطع وتران من أوتار العود. وصارت حلقات المطاط مطلبا رئيسيا للموسيقيين كي يؤمنوا على النوتة من مشاكسة الريح. الإقبال اللافت والمتنوع الذي لقيته حفلات الطرب النسائية جعلت البعض يتساءلون عمن يروج لمقولات تردي ذوق الجمهور. وتساءلت جاهدة وهبي "هل المنتجين هم من يتحكمون بالذائقة الفنية عند المجتمعات العربية؟" وما لبثت أن أجابت بنفسها "للأسف نعم فعندما يتلقى الجمهور شيئا مختلفا عما هو سائد يتفاعل معه". وفي نفس السياق تلفت وهبي التي لحنت وانتجت البومها "كتبتني" الى أنها لا تسقط الجمهور من اعتباراتها وتضيف حول توفيقها بين الشعر "المكثف" واللحن "المعاصر" في أغانيها "أنه فخ صغير وجميل احاول ان اتسلل الى اذن المتلقي من خلال الموسيقى وتوزيعها كي يدخل بعدها الى عالم القصيدة". واستقبل الالبوم الغنائي الاول لوهبي بحفاوة نقدية وحقق نسبة مبيعات عالية وتوضح المغنية اللبنانية انها عملت على اغنياته حوالي اربع سنوات وكان بالنسبة لها "فشة خلق اردت فيها ان اقول ذاتي الصرفة بعد سنوات قضيتها وانا البس عباءة الغناء العربي القديم واستعيد مقامات غنائية كبيرة". وتعتبر كريمة الصقلي ان الحديث عن ابتعاد الجمهور عن الطرب الاصيل هو "خطاب تسويقي يريد منه اصحابه ترويج انتاجهم" وتضيف "لا اعتقد ان الاغاني المنتشرة الان ستشكل تراثا لنا بعد عشرين عاما" وتعلل الصقلي استنتاجها الاخير بالقول "لان الذهب يدخل النار ويخرج ذهبا فالصلب هو وحده الذي يبقى". (اف ب)