فى ظل ما تفترضه العولمة ونظام السوق من ضرورة للأخذ بالنظام الديمقراطي للحكم؛ حيث أصبحت الدول المتقدمة تربط بين أي إصلاح تنموي أو اجتماعي في أي زاوية من العالم وبين الإصلاح الديمقراطي، أعطت الدساتير والقوانين الخليجية أهمية قصوى للمرأة لكي تقوم بدورها سياسيًا، وبوأتها مكانة أفضل في أغلب مجالات التنمية المختلفة، ونتيجة لذلك بدا العديد من المؤشرات التي تؤكد نجاح المرأة الخليجية في توظيف الوضع لصالحها والاستفادة القصوى لتحسين أحوالها، ولاسيما مع تشجيع الحكومات الخليجية لها على ممارسة العمل السياسي، حيث منحت سلطنة عمان عام 1997 المرأة حق التصويت والترشح لعضوية المجلس في ست من ولاياتها، بعد أن كانت قاصرة على ولاية العاصمة مسقط فقط، كما أعطتها عددًا من المقاعد بالتعيين في المجالس البلدية، وفي الانتخابات الأخيرة للفترة السادسة في سبتمبر 2007 بلغ عدد المترشحين لخوضها 808 بينهم 25 امرأة. وفي دولة قطر منح المرسوم رقم 17 لسنة 1998 حق الانتخاب لكل قطري (أو قطرية) بالغ من العمر 18 سنة، وبدأت المرأة البحرينية ممارسة العمل السياسي على أرض الواقع عام 2002؛ حيث خاضت 31 امرأة الانتخابات البلدية التي أجريت في التاسع من مايو، مقابل 306 من الرجال. كما خاضت ثماني سيدات الانتخابات النيابية التي عقدت في أكتوبر من العام نفسه، وخاضت التجربة عينها في عام 2006؛ إذ شاركت 18 مترشحة للعمل النيابي و4 للبلدي، ومارست المرأة الكويتية التجربة الديمقراطية بحصولها على حق التصويت والترشح في 16 مايو 2004، بعد أن أقر مجلس الوزراء مشروع قانون يتيح لها هذا الحق. من جانبه، شجع الشيخ «زايد بن سلطان آل نهيان« الرئيس الراحل لدولة الإمارات منذ قيامها عام 1971 المرأة على اقتحام ميادين العمل الوطني، واستطاعت المرأة بالفعل تحقيق نقلة في وضعها في المجتمع عام 2001، بتمثيلها في المجلس الاستشاري الوطني لإمارة الشارقة بخمس سيدات في أول مشاركة نسائية في العمل البرلماني ، أما في الانتخابات الأخيرة (2006)، فاختار حكام الإمارات السبع نحو 6600 من أصل 800 ألف مواطن يحق لهم الإدلاء بأصواتهم أو الترشح في الانتخابات، كان من بينهم نحو 1100 امرأة، ولكن لم تصل إلا امرأة واحدة فقط إلى قبة المجلس بالانتخاب والباقيات تلقين دعمًا كبيرًا من قبل قيادة البلاد السياسية، بعد أن تم تعيين 8 نساء في أول مجلس وطني منتخب جزئيًا، وعينت 6 إمارات سيدات ضمن حصتها في عضوية المجلس، وهو الأمر الذي اتبعه بعض الدول الخليجية الأخرى كالبحرين وعمان. ورغم كل هذا التطور، فقد واجهت المرأة الخليجية العديد من التحديات على صعيد مشاركتها السياسية، أو على وجه التحديد ضعف مردود هذه المشاركة التنموي.. فمع تزايد مشاركتها الاقتصادية في الحياة العامة التي تشهد تزايدًا مستمرًا، وما تشكله ما بين 30 و40% من إجمالي القوى العاملة، إلا أنها لا تتولى صناعة القرار الاقتصادي أو حتى المساهمة فيه بشكل فاعل.. ويبدو أن ذلك يرجع إلى ضعف وازع البعض لترشيح وانتخاب المرأة في المناصب العامة؛ خاصة السياسية. ومن الواضح أن ضعف مشاركة المرأة سياسيًا في المنطقة يعود إلى أزمة عامة تمس الحركة النسوية في شتى دول العالم ولا تقتصر فقط على دول المنطقة، وهو الأمر الذي أكده مسح أجراه الاتحاد البرلماني الدولي العام الماضي على 177 دولة؛ حيث أظهر أن اثنتين من دول الخليج تأتيان في مراكز دون المستوى في القائمة مع دول أخرى بالنسبة إلى حصول النساء على مقاعد برلمانية مقارنة بالرجال. ودلت إحصاءات أعدتها الأممالمتحدة شملت 151 دولة على أن معدل نسبة النساء في البرلمان عام 2000 كانت 15،2% في بلدان أوروبا (بما فيها دول الشمال)، وفي بلدان أمريكا 2،14% وفي آسيا 14،2 % وفي دول المحيط الهادي 13،5% وبلدان افريقيا في جنوب الصحراء 11،7 %، وتجدر الإشارة إلى أن تلك الدول خاضت تجاربها السياسية قبل دول الخليج، ومن ثم فإن وضع هذه الأخيرة يمكن تبريره بالنظر إلى القصور الحاصل في دول تعد تجاربها السياسية أقدم من الناحية التاريخية مقارنة بها. إن مشاركة المرأة الخليجية سياسيًا لاتزال في بداية الطريق، لكن ما هي أسباب هذا الضعف، الذي يراه البعض؟ وما هي المتغيرات التي تؤثر في مشاركتها تلك؟ يبدو أن ذلك يرجع إلى عدة أمور، منها: نظرة المجتمع للمرأة، ودورها فيه، ووضعيتها في المجتمع، ونظرتها لذاتها، ودرجة استقلالها الاقتصادي عن الرجل، والقيم والتقاليد الاجتماعية السائدة وطبيعة الثقافة السياسية السائدة، والقوانين المنظمة لحقوقها في المجتمع بصفة عامة ولحقوقها السياسية بصفة خاصة، ودرجة وعيها السياسي. وفي حقيقة الأمر ان هذه المتغيرات تؤثر سلبًا في بناء التصورات عن الأدوار الاجتماعية للمرأة والرجل على السواء، ويؤكد ذلك وجود صراع بين رؤية تنتمي إلى الحداثة وتنمية مشاركة المرأة وأخرى مغايرة، تصارع من أجل المحافظة على النظام التقليدي الذي يقوم على اقتصار المشاركة في الحياة العامة على الرجل وحده. أما الرؤية التنموية الحديثة فهي تؤمن بمبدأ الشراكة في الحياة وبحقوق المواطنة وواجباتها للطرفين معًا. وما يثير الاستغراب أن المرأة بذاتها سلبت قرينتها حقها كمترشحة، نظرًا لعدم قناعتها بقدرة الأخريات على الترشح للمناصب العامة، وافتقادها الوعي السياسي، والاعتقاد أنها غير قادرة على إدارة الشؤون العامة، وقد وصفت إحدى الصحف هذا السلوك بالقول: «إن المرأة في الخليج هي أكبر عدو للمرأة«. من هنا، تبدو أهمية البحث في آليات ووسائل تفعيل دور المرأة ومشاركتها سياسيًا، ومحاولة تدارك السلبيات التي تؤدي إلى انخفاض نسبة ترشحها في الانتخابات التشريعية، ولاسيما أن المطلوب هو تحقيق النساء مصالحهن من خلال الالتحاق بمؤسسات الدولة أو العمل من خارجها في إطار مؤسسات المجتمع المدني، الأمر الذي يستوجب العمل على مستويين:- المستوى الأول - دور الحكومات، وذلك عبر: - السعي نحو إحداث تمييز إيجابي للمرأة في الحياة السياسية من خلال تخصيص حصة معينة لها في المجالس والهيئات المختلفة تسمح لها بميزة مؤقتة على الرجل حتى يعتاد المجتمع إعطاءها فرصة لإثبات قدراتها ووضعها في مواقع صنع القرار عن طريق الدستور. وفي هذا الصدد، يمكن تطبيق نظام تخصيص مقاعد للمرأة (الكوتا) في الهياكل الانتخابية من خلال نص دستوري ينص على تخصيص نسبة لتمثيلها في المجالس واللجان الانتخابية في البرلمان والحكومة، ومن خلال القوانين الانتخابية التي تخصصها بنسبة تصل إلى 30% أو40%. ولكن قبل تطبيق هذا النظام لابد من وجود قوانين وتشريعات تساعد على تكريس حضورها السياسي في الأحزاب السياسية، وأن تصل إلى مرحلة تشكيل أحزاب سياسية، كما حدث في فرنسا، حيث تشكل النساء 50% من القوائم. - قيام وسائل الإعلام الرسمية بدورها في دعم مشاركة المرأة ترشحًا وتصويتًا وإبراز النماذج الإيجابية لعملها في شتى ميادين العمل العام، وتقليص الفجوة القائمة في الصحافة والإعلام التي تكاد تبتلع قضايا المرأة الأساسية، وإطلاق أي مبادرة تخدم قضيتها، وأي معالجة تنتصر لحقوقها، ومواجهة أي أفكار أو تصورات تعود بها إلى الخلف. المستوى الثاني - دور المجتمع المدني، وذلك من خلال: توحيد الجهود التي تقوم بها منظمات المجتمع للإعداد للانتخابات منذ اليوم الأول لانتهاء الاستحقاق الانتخابي بدراسة النتائج واستخلاص الدروس، وصوغ البرامج والخطط للاستمرار في مخاطبة الجمهور وتشجيع المرأة على المشاركة، والتصدي لكل العوائق والعراقيل التي تحول دون تحقيق هذه الأهداف. تدريب المرأة المترشحة على مهارات الاتصال الجماهيري، وتعبئة الجماهير وكيفية إلقاء الخطب السياسية وقواعد إدارة الحوار وأساسيات العمل السياسي، وكيفية وضع برنامج انتخابي، وإدارة العملية الانتخابية، وتدبير موارد الحملة الانتخابية، إضافة إلى صقلها بالمعلومات عن الكثير من الموضوعات المهمة مثل قوانين مباشرة الحقوق السياسية، وتأثيرها في المشاركة السياسية للمرأة والقوانين المنظمة للانتخاب والمواثيق الدولية، وموضوعات حيوية أخرى مثل اتفاقية الجات والخصخصة والمجتمع المدني ودوره.. وغيرها. تطوير أداء المرأة في البرلمان من خلال استمرار تدريبها بعد دخولها البرلمان على الاضطلاع بدورها من خلال استخدام الأدوات التشريعية والرقابية والسياسية، بمهارة تجذب أنظار المحيطين ومنتخبي دائرتها إلى كفاءتها العالية وحسن حديثها بما يعزز ثقة الجميع وحسن اختيارهم لها، إضافة إلى تركيز النائبات في طرح قضايا المرأة للمناقشة داخل البرلمان وطرح مشروعات القوانين الخاصة بها، مثل قانون الأحوال الشخصية، أو الجنسية... الخ، لتثبت أنها سند للمرأة عمومًا والناخبة خاصة حتى يدفعها هذا مستقبلاً إلى إعطاء صوتها لنظيرتها التي لا تقل في الأداء البرلماني عن الرجل. إن إزالة التحديات التي تواجه المرأة في طريقها للوصول إلى مقاعد البرلمان والبلديات، ضرورة قصوى في ظل الإيجابيات التي يتركها وجود تمثيل نسائي في البرلمان، فليس هناك دليل يؤكد أهمية مشاركتها السياسية مقارنة بما وصلت إليه نسبتها من إجمالي التمثيل السكاني في المنطقة؛ حيث وصلت إلى5،49% في سلطنة عمان، و44% في المملكة العربية السعودية، و42% في كل من الكويت والبحرين، و33% في قطر، في حين ان المتعارف عليه في منطقة الخليج أن رفاهية المجتمع، على المدى البعيد، تتوقف على مدى قدرة شعبه على إدارة الموارد الموجودة وتنمية موارد جديدة، والعنصر البشري سواء كان رجلاً أم امرأة هو الوسيلة لتحقيق التنمية المستدامة التي تسعى إليها هذه المجتمعات في مختلف المجالات، وهنا تظهر أهمية مشاركة المرأة. وثمة رابط قوي بين تطور المشاركة السياسية للمرأة والنمو الاقتصادي للوطن، فوجود المرأة في ساحة صنع القرار أمر ضروري، إذ يؤدي إلى التخطيط السليم والمتوازي الذي يأخذ في الحسبان احتياجاتها العملية والاجتماعية، فعلى سبيل المثال لو كانت هناك مشاركة فعلية لها في القرارات التعليمية لما نتجت المشكلات والثغرات التي نشهدها اليوم في التنمية والتعليم، فقد صدر مؤخرًا في السعودية، مثلاً، تقرير أكد أن حوالي 60% من خريجات الجامعات لا يوظفن، لذا فالمشاركة السياسية للمرأة في المستويات المختلفة لصنع القرار تخدم فكرة المساواة بين جميع المواطنين عمومًا. كما أن الناظر إلى خريطة التنمية العالمية، على سبيل المثال، سيجد أن ثلثي فقراء العالم هم من النساء، وأن ثلثي أميي العالم هم من النساء أيضًا، ومن ثم فإن الغياب السياسي للمرأة عمومًا، والخليجية بشكل خاص، قد يترتب عليه عدم الحفاظ على حقوقها الاقتصادية والاجتماعية في وقت يشهد اهتمامًا عالميًا واسعًا بإرساء هذه الحقوق.