يحتفل العالم كافة فى الحادى والعشرين من سبتمبر من كل عام باليوم العالمى للسلام وفقاً لإعلان الأممالمتحدة تقوم أكثر من مائتى منظمة بنشاطات متنوعة فى مُعظم بلاد العالم ما بين " أمسيات موسيقية - مسيرات - مؤتمرات - احتفالات - برامج خدمات - نشاطات للأطفال - فنون - صلوات دينية وصيام " . وما أحوج العالم اليوم والغد لنشر السلام أكثر من أى وقت مضى، إلى الانتصار لمبادئ السلام فى مواجهة الحرب وأهوالها ونتائجها المأساوية على الشعوب، فالعالم يمضى بفعل العولمة، فى اتجاه مُعالجة المشاكل المطروحة والبحث عن أسبابها وجذورها، ويُعد هذا اليوم العالمى للسلام فرصة للتأمل فى مصير عالمنا ومناسبة لمد الجسور نحو المستقبل، والالتفات إلى القيم الأساسية الواردة فى المواثيق الدولية، وذلك لنوفير على الأجيال الراهنة والآتية المزيد من القهر والموت والدمار، مع الحرص أَلا يكون التقدم العلمى والتطور التكنولوجى على حساب النزعة الإنسانية، والعمل على التوافق بين الاثنين . وقد عرفت الأممالمتحدة 21 سبتمبر كيوم عالمى للسلام، وطالبت بوقف إطلاق النار فى هذا اليوم، مؤكدة أن السلام أكثر من مجرد " غياب الحرب "، وداعية إلى تحويل مجتمعاتنا المحلية وتوحيد مجتمعاتنا العالمية، للعمل المشترك لصالح عالم يتحقق فيه السلام لجميع البشر . مفهوم السلام لدى الأممالمتحدة : والمعنى الاصطلاحى لثقافة السلام لدى المنظمة العالمية للتربية والعلوم والثقافة " اليونسكو " يعتبر السلام أحد الأهداف الأساسية لليونسكو منذ إنشائها فى نهاية الحرب العالمية الثانية، بل قد آلت اليونسكو على نفسها مُهمة بناء السلام فى عقول البشر منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وهى مُهمة بالغة التعقيد نظراً لما يكتنف العالم اليوم من حروب وتحولات اقتصادية واستراتيجية كبيرة . وقد أبدت الأممالمتحدة اهتماماً كبيراً بالسلام منذ تأسيسها فى عام 1945، وفى 13 يناير 1992 أجمع مجلس الأمن على قرار لم يسبق له مثيل يتبنى طرق لتطوير الدبلوماسية الوقائية وصناعة السلم، وفى يونيو 1992 قدم الأمين العام للأمم المتحدة للجمعية العمومية لمجلس الأممالمتحدة تقريراً عُرف ب " أجندة السلام "، ولصناعة سلام حقيقى دعت الأممالمتحدة مُتمثلة فى أمينها العام إلى المُساهمة التامة فى دعم جهود الوساطة والمفاوضات والتحكيم، كما دعا الأمين العام للأمم المتحدة الحكومات المختلفة إلى إدخال ثقافة مختلفة لمحكمة العدل الدولية فى القضايا الدولية الخلافية، مما يدعم قيم السلام الدولية، كما وجه نداء عبر الأممالمتحدة لتطوير الوضع والظرف الاقتصادى – الاجتماعى الذى من شأنه الحد من الصراعات فى العالم، كما شهد نهاية القرن العشرين تحولات كبيرة، وتطوراً ملحوظاً فى مجالات الاتصالات والنقل والطب والزراعة وخلافه ، مما يدل على ازدهار ورقى الحضارة الإنسانية، كما شهد العقد الأخير من القرن العشرين وبداية هذا القرن الحادى والعشرين اهتماماً كبيراً من قبل اليونسكو بالسلام. تعريفات اليونسكو للسلام : أوردت اليونسكو التعريف التالى لثقافة السلام : ثقافة السلام كيان مكون من " قيم – مواقف – سلوكيات مشتركة " ترتكز على عدم العنف واحترام الحقوق الأساسية للإنسان بالتفاهم والتسامح والتماسك .. كل ذلك فى إطار التعاون المُشترك والمُساهمة الكاملة للمرأة، واقتسام تدفق المعلومات، ويمس هذا التعريف الأخير عدداً كبيراً من جوانب الحياة الإنسانية وثقافات الشعوب وسلوكها وقيمها التى اكتسبتها عبر التاريخ الطويل وممارستها الإنسانية العديدة . وتذهب اليونسكو فى تحديدها لمصطلح " ثقافة السلام " إلى القول إن المفتاح إلى ثقافة السلام هو تحويل التنافس العنيف إلى تعاون فى مجال تحقيق الأهداف، وترى اليونسكو أن تستدعى ثقافة السلام كى تعمل كل المجموعات المُتنافسة والمُتصارعة فى إطار التعاون لتطوير نفسها إلى الأفضل، وترى اليونسكو إمكانية تحقيق مصطلح " ثقافة السلام " وازدهاره على أرض الواقع فى حالات تقليص بيئة الحرب وإحلال بدائل إيجابية فى محلها، ولتحقيق هذا الهدف الإنسانى النبيل تنظر منظمة اليونسكو إلى ثقافة السلام كمشروع شائع متعدد الجوانب، يرتبط بالتنمية والأمن الاقتصادى والديمقراطية والأمن السياسى، وكذلك نزع السلاح والأمن العسكرى والكفاءة والحوار الاقتصادى وتطوير التماسك الدولى . ويأتى " اليوم العالمى للسلام " فى الحادى والعشرين من سبتمبر، بعد يومين من افتتاح المناقشة العامة للدورة الثانية والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة، هذه الدورة التى تختصر فيها كلمات زعماء العالم أحوال عالمنا وصراعاته وتحدياته والأسئلة المطروحة حولها . " اليوم العالمى للسلام " أقرته الجمعية العامة للمرة الأولى عام 1981 بمقتضى القرار67//36 ، وكان الهدف منه منذ البداية الاحتفال بالسلام وتعزيز مثله بين الأمم وفى علاقاتها بعضها بالبعض الآخر، واعتباره مناسبة سنوية لإعادة النظر فيما تحقق وفيما يمكن تحقيقه من أجل السلام، وهذا اليوم لا يقتصر فقط على الهيئات والحركات السلمية فى العالم، بل لكل مواطن من أجل العمل نحو عالم لا ينوء تحت وطأة الحروب واللامساواة واللاعدالة. وفى إطار البحث عن أصول ومرتكزات وقيم عالمية لثقافة السلام عقدت اليونسكو من خلال آلية (CPP) أول مؤتمر فى باريس فى فبراير عام 1994 بعنوان " المؤتمر الأول لثقافة السلام " وفيه تم تحديد مفهوم ثقافة السلام بالآتى : - تؤكد ثقافة السلام أن الصراعات المتوارثة بين الناس يمكن حلها بعيداً عن العنف . - السلام وحقوق الإنسان مسألة فردية مكفولة لكل فرد . - بناء ثقافة السلام مهمة تعددية تطلب تضافر جهود كل الناس فى كافة القطاعات . - ثقافة السلام امتداد للعملية الديمقراطية . - تطبيق السلام مشروع يتم من خلال كل أنواع التعليم الرسمى وغير الرسمى وكذلك الاتصالات . - تحتاج ثقافة السلام إلى التعليم وتوظيف وسائل جديدة وكذلك الحفاظ على السلام وفض النزاعات . - يمكن لثقافة السلام التطور والنمو من خلال تطور الإنسان المرتكز على الاستقرار والأصالة والعدالة ولا يمكن فرض السلام من الخارج . بيان اليونسكو حول ثقافة السلام : فى عام 1997م أعلنت الجمعية العمومية للأمم المتحدة عام 2000عام لثقافة السلام، حيث قام عدد من الشخصيات العالمية التى نالت جائزة نوبل للسلام بصياغة مسودة (بيان 2000 سنة دولية للسلام) على أن يبدأ هذا المشروع فى 4 ديسمبر 2000م إبان انعقاد الجمعية العمومية للأمم المتحدة، وترغب اليونسكو بنشرها للاستبيان الحصول على 100 مليون صوت، ولقد شمل الاستبيان التوقيع على العناصر التالية والتى أرست عليها المنظمة الدولية للتربية والعلوم والثقافة (UNESCO) بوصفها عناصر لثقافة السلام تم الاتفاق عليها عالمياً : - احترام الحياة بكل أنواعها :أى أحترم حياة وكرامة كل كائن بشرى بلا تمييز. - نبذ العنف : أى ممارسة العنف الإيجابى ورفض العنف بكل أشكاله: العنف الجسدى والجنسى والنفسى والاقتصادى والاجتماعى، لا سيما تجاه أضعف الناس وأشدهم حرماناً، كالأطفال والمراهقين . - التشاطر والعطاء : أى البذل والسخاء لوضع حد للنبذ والطغيان السياسى والاقتصادى . - الإصغاء سبيل التفاهم : أى الدفاع عن حرية التعبير والتنوع الثقافى والحوار دائما وعدم الإنسياق إلى التعصب والنميمة. - صوت كوكبنا : أى الدعوة إلى سلوك استهلاكى مسؤول وإلى نمط إنمائى يراعيان أهمية الحياة بكل أنواعها ويصونان توازن الموارد الطبيعية للكوكب . - تضامن مُتجدد : أى المُساهمة فى تنمية المجتمع، بمشاركة النساء الكاملة فى ظل احترام المبادئ الديمقراطية، بهدف الابتكار لأشكال جديدة للتضامن . نحو ثقافة سلام افريقية : تدل كل الوقائع على حاجة قارة افريقيا لبرنامج ثقافة السلام، فالحروب التى تنشب بين الدول الأفريقية ، والصراعات القبلية التى تنشأ فى مناطق عديدة ، ومختلفة تدل على انتشار ثقافة الحرب مما يدعو الى توفير ثقافة سلام تنبع من أصول الثقافة الافريقية، لم تكن نهايات القرن العشرين نهايات سعيدة بالنسبة لأفريقيا، فالجوع والفقر والمرض خصائص للمشهد الأفريقى، وبينما تكشف بدايات القرن الحادى العشرين عن برامج التوحد ، ونبذ العنف ، وتحويل الصراع الى تعاون فى قضايا التنمية البشرية ورقى الإنسان لدى العديد من الشعوب فى كافة بقاع العالم، تظل قارة افريقيا تعيش حالة الشتات ، والتشظى ، والتفرقة والحرب التى لا تبق ولا تزر، أطفال ونساء أفريقيا تلون صورهم شاشات التلفزيون عبر الفضائيات، مما يؤكد أن هناك حقيقة قاطعة تثبتها تجارب الكائن البشرى فوق كوكب الأرض عبر التاريخ، هى أن السلام وثقافته قضية تنموية بالغة التعقيد لأرتباطه بالعقل البشرى . وكما هو معروف لدى العاملين فى مجال ثقافة السلام فالخطورة ليست فى الخوف من الحرب بل الخطورة فى الاستسلام للحرب، و فى حالة الاستسلام لاتكتفى الحروب بقتل الإنسان الأفريقى، بل تقوم بقتل وتدمير ثقافته، لهذا ظل الأمل بين الأفارقة والمفكرين العاملين فى مجال ثقافة السلام، هذه مسألة جوهرية فى تاريخ الفكر البشرى ومسيرته الطويلة وكفاحه ضد الحروب وقوى الشر، إن المؤسسات والروابط الأفريقية تجعل من ممارسة ثقافة السلام ممارسة إبداعية، مرتبطة بطبيعة الانسان الأفريقى الذى فى الغالب لا يفصل بين حياته اليومية وممارساته الابداعية كما هو فى نمط المدنية الأوربية، إن المدخل لتوعية الإنسان الأفريقى بقضايا السلام والأمراض الفتاكة مثل الإيدز لابد له من مدخل ثقافى- سيسيولجى وهو ما تقوم به روابط مثل ( الرابطة الكينية للدراما والتربية ) ، ( وجماعة أمانى للمسرح الشعبى بكينيا) ، و( مركز السودان لأبحاث المسرح ) وكل أطراف الرابطة الأفريقية للسلام . يمكن إيجاد المدخل إلى ثقافة سلام أفريقيا ذلك بالفهم السليم لمفهوم ثقافة السلام وطبيعة الثقافة الأفريقية نفسها، لقد انتج الإنسان الأفريقى حضارته ومكوناته الثقافية منذ فجر التاريخ، ولا زال يمارس تلك الثقافات دون انقطاع، ولكأن الكائن الأفريقى نموذجاً للممارسة الديناميكية والتطبيقة للثقافة، فالحياة الطقوسية ، والعادات والتقاليد ونظم وأنماط التفكير التقليدى والتراثى والفولكلورى كلها خصائص تجعلنا أقرب إلى اكتشاف عناصر ثقافة السلام فى أفريقيا . مصر ودورها فى نشر السلام : لم تكن مصر بمعزل عن نشر الثقافة على المستوى المحلى بل وعلى المستوى الدولى والإقليمى وبالعودة إلى تاريخ مصر فى نشر ثقافة السلام نجد أن مصر لم تدخر جُهداً فى يوم ما لنشر السلام والعمل على حل النزاعات بالطرق التفاوضية والسلمية، كما يبدو جلياً فى استضافة مؤتمرات السلام على أرضها، خاصة فيما يتعلق بعودة الاستقرار للشعب العراقى أو الفلسطينى، ومناشدة الدول والأطراف المتنازعة بهدف تغليب لغة الحوار على لغة السلاح، بهدف بسط السلام بين تلك الأطراف، بل وتدعيم مبادرات السلام بكل ما تملك . ولعل فكرة استضافة منتدى الشباب الدولى بمدينة شرم الشيخ تحت عنوان " شباب من أجل السلام .. الشباب يتحدث ونحن نستمع " على أرض مصر برعاية السيدة سوزان مبارك - رئيس ومؤسس حركة سوزان مبارك الدولية للمرأة من أجل السلام - يُعد أكثر دليل على أن مصر " أرض السلام " كما وردت فى الكتب السماوية . فقد نجح المنتدى فى التوصل إلى إطار عمل مشترك للشباب وتوفير الآليات اللازمة لهم للبدء فى حملة كبيرة للدعوة إلى السلام الذى يستند إلى دعوة الشباب لنبذ العنف، والتحلى بالسلوكيات الإيجابية مثل التسامح وقبول الاختلاف فى الرأى مع الآخر، حيث أكد الشباب المُشارك فى المنتدى من مصر ومختلف دول العالم أن عملهم الجماعى لتعزيز السلام ونشر ثقافته اكتسب أهمية خاصة ومتزايدة خلال تواصلهم على مدى ثلاثة أيام، بما سيحول الرسالة التى خرج بها المنتدى إلى رسالة سلام قوية تجد صداها فى أنحاء المعمورة وتستجيب لها شعوب الأرض بحيث لا تقف نتائجها عند منطقة جغرافية معينة أو مشكلة محددة، ولكنها تتجاوز ذلك لتربط بين الإنسان وعصره وبين الشعوب وأمنها وبين الأمم واستقرارها . أفلام عالمية بمكتبة الاسكندرية : وفى إطار الاحتفال باليوم العالمى للسلام، تعرض مكتبة الإسكندرية فى الفترة من 21 إلى 25 سبتمبر 2007، مجموعة من أهم الأفلام العالمية التى ناقشت قضايا السلام، وتحث على التفاهم المُتبادل بين الشعوب والثقافات المختلفة. ويشير الناقد سمير فريد مستشار المكتبة لشئون السينما إلى أن المهرجان هو الأول من نوعه فى العالم الذى يختص بعرض الأفلام التى تعبر عن حوار الثقافات، وتدعو إليه وتحذر من مخاطر غيابه خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 فى الولاياتالمتحدة، كما أنه المهرجان الأول فى العالم الذى يُفتتح يوم 21 سبتمبر، وهو يوم السلام العالمى الذى قررته الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 7 سبتمبر 2001، أى قبل ثلاثة أيام فقط من أحداث 11 سبتمبر. 20/9/2007