يوم 6 أكتوبر إندلعت الحرب في الساعة الثانية ظهرا حيث قامت القوات المصرية والسورية بشن هجوم مفاجئ على إسرائيل في شهر رمضان وهو شهر الصيام عند المسلمين وفي يوم عيد الغفران وهو يوم صيام عند اليهود، صيام هنا وهناك وحرب شرسة بين الطرفين في إطار صراع الأفكار الذي يقود دائما إلى صدام مادي على أرض الواقع تلك هي فطرة الله في بني أدم وفق معايير أهمها من يستحق النصر هو من سعى إليه ليس بمجرد شعارات جوفاء إنما بالعمل وصدق النية وكان هذا هو أهم عوامل النصر في حرب أكتوبر المجيدة التي تعد معركة في دائرة السجال المستمر بين معتقدات البشر والذي سيستمر حتى قيام الساعة فقد جعل الله الإختلاف هو جوهر الحياة، كان كل طرف في هذه الحرب يتصور أن لديه شرعية إلهية فهو يؤدي فريضة الصيام لله وأن الله يدعمه نحن كمسلمين نؤمن بذلك وهم كيهود يتصورون ذلك ويمكن أيضا أن نرى هذا الصراع الأبدي بين الأفكار حتى بين أطياف المجتمع الواحد. هناك تساؤلات ثابتة يطرحها الإعلام الإسرائيلي كل عام في ذكرى حرب أكتوبر ويحاولون البحث عن إجابات مقنعة ومرضية لها أهم هذه التساؤلات ماهي الدروس المستفادة من هذه الحرب؟ وهل يمكن تكرار ما حدث في يوم السادس من أكتوبر عام 73؟ وما هي الإستعدادات الإسرائيلية للتعامل مع مثل هذا السيناريو إذا تكرر مرة أخرى؟ تساؤلات تعد تقليدية يطرحها الإعلام الإسرائيلي في كل عام لكن الإجابات تختلف من عام لأخر فدائما ما يحاولون دراسة إخفاقات الماضي لمنع تكرارها مرة أخرى في المستقبل الأمر الذي يدفع الكثيريين داخل إسرائيل إلى الشعور بالملل والإستياء من تكرار هذه الظاهره كل عام في ذكرى هذه المناسبة ففي تقرير نشر في الموقع الإلكتروني الشهير "والا" حول ضخامة المادة الإعلامية في ذكرى مرور 40 عاما على هذه الحرب تحت عنوان "أصبحنا خبراء في الشعور بالندم بعد فوات الأوان" قيل: بعد مرور 40 عاما على حرب عيد الغفران كشفت لنا القنوات التلفزيونية أننا خبراء في توثيق الصدمات التي يتعرض لها المجتمع الإسرائيلي وأننا مجبرون على أن نتسائل "من أجل أي شئ سنجلد أنفسنا بعد 40 عاما من الأن؟". ما جاء في هذا التقرير يجسد الحالة العامة السائده في المجتمع الإسرائيلي فقد إهتم الإعلام الإسرائيلي هذا العام بالحديث عن سوء أداء القيادة الإسرائيلية في التعامل مع هذه الأزمة بإسهاب شديد عن السنوات الماضية وعن الضحايا الذين لقوا حتفهم في هذه الحرب نتيجة هذا الإخفاق وتم عرض الكثير من القصص المؤثرة عن الجنود الذين خرجوا ولم يعودوا مرة أخرى إلى منازلهم حيث أجريت عده لقاءات مع أسرهم وأقربائهم الذين تحدثوا عن اللقاء الأخير وماذا كانت أخر كلماتهم قبل التوجه إلى ميدان المعركة، فعلى سبيل المثال نجد في فيلم "حرب بكاميرا منزلية " وهو من أهم الأفلام التي تناولت هذا الأمر تسجيل لمكالمة هاتفية بين أحد الجنود وزوجته وهو يبكي محاولا أن يطمئنها وعندما سألته متى ستعود قال غدا وربما اليوم ثم قاطعها قائلا أنا مضطر لأن أنهي هذه المكالمة الأن فهناك الكثير من الجنود يرغبون في الإتصال بذويهم وإنتهت المكالمة حيث كانت هذه هي أخر مرة سمع فيها صوت هذا المجند، وهناك الكثير من القصص المؤثرة على غرار هذه القصة قدمها الإعلام الإسرائيلي هذا العام. وجاء في التقرير أيضا: مثل كل أسبوع يسبق عيد الغفران وحتى أكثر من المعتاد هذا العام أذاعت القنوات الإسرائيلية أراء مختلفة حول الصدمة الكبرى والجماعية التي تعرضت لها إسرائيل. في كل عام يظهرالمزيد من القصص ويعرض المزيد من الأفلام ويكشف المزيد من الوثائق وكأن كل الحقائق لم تكشف كاملة بعد. في حوار مع "اريك برينشتين" منتج فيلم "يوميات حرب" بالإشتراك مع شركة "كيشت" نشر تحت عنوان "جرح حرب عيد الغفران الذي لم يندمل بعد مازال ينزف دما" قال فيه: في الاسابيع الأخيرة وكما كان متوقعا اهتمت وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة باحداث حرب عيد الغفران والدروس المستفادة منها. لم يكن هناك جانب إستخباراتي إلا وذكر، لم تكن هناك عملية بطولية أو تقصير عسكري إلا وحظي بالإهتمام المنشود، لم يكن هناك ضابط في الجيش ولو حتى برتبة رقيب إلا وأجري معه لقاء أو كتب مذكراته. على ضوء ما قاله برينشتين يمكننا ملاحظة مدى التركيز والتكثيف الإعلامي الإسرائيلي هذا العام فيما يتعلق بهذه الحرب وهو الأمر الذي بدا مثيرا للدهشة والإستياء داخل المجتمع الإسرائيلي وكذلك يمكننا ملاحظة أمر هام أشرنا إليه في تقرير سابق الا وهو إستخدام الفاظ تعبر إلى حد كبير عن مدى الكارثة التي عمت المجتمع الإسرائيلي مثل الجرح الذي لم يندمل والصدمة والندم وجلد الذات وكذلك الإشارة إلى هذه الحرب على أنها تعد أكبر كارثة تعرضت لها إسرائيل على مر تاريخها وأنها نقطة فاصلة في تاريخ دولة إسرائيل كل هذه المصطلحات تقودنا الى نتيجة واحدة منطقية وهي أن إسرائيل تعترف بأن ما حدث في 73 هو هزيمة منكرة بكل ما تحمله الكلمة من معنى إلا أن العقلية الإسرائيلية- الخاضعة لتأثير فكرة الإختيار الإلهي لهذا الشعب فهم شعب الله المختار وسائر البشر هم "גויים" جوييم (لفظ يطلق على غير اليهودي والنظرة التوراتية والتلمودية للجوييم أنهم كالبهائم وأن جنة عدن هي لليهود فقط)- ترفض الإعتراف بذلك فعلى مر التاريخ اليهودي ينظر اليهود إلى اي إخفاق على أنه إبتلاء من الرب لكثرة ذنوبهم هكذا كانت النظرة اليهودية لتدمير الهيكل الأول والثاني وتمرد باركوخفا وكذلك تدمير الهيكل الثالث على حد وصف موسى ديان لحرب أكتوبر. أضاف برينشتين قائلا: النمط الثابت يقول أن التاريخ يعلمنا عن المستقبل ولكن عندما ننبش في أعماق التاريخ محاولين فهم إنعكاسات حرب مثل حرب عيد الغفران على المجتمع الإسرائيلي يجب أن نطرح سؤالا: على اي شئ يجب أن نلقي الضوء. مالم يذكر وبالتأكيد لم يدرس ولم يستوعب وهو الإخفاق الأكبر الإخفاق الذي بسببه إندلعت هذه الحرب الا وهو الإخفاق السياسي. ليس مصادفة أن القياده السياسية التي تتحمل مسئولية هذه الحرب أكثر من اي طرف أخر لم يحقق معها حيث أنه لاتوجد لجنة تحقيق على مر تاريخ دولة إسرائيل قامت بالتحقيق في أحداث ما بعمق. اشار برينشتين إلى انه ليس أمرا مثيرا للدهشة أنه حتى يومنا هذا لا تهتم وسائل الإعلام الإسرائيلية بهذا الأمر الا وهو التحقيق مع القياده السياسية التي رفضت التوقيع على الإتفاق السياسي مع مصر والذي كان سيؤدي إلى تحقيق السلام دون الدخول في حرب. يعبر برينشتين عن رأي شريحة لايستهان بها في الشارع الإسرائيلي يتزعمها تيارات سياسية يسارية مثل حركة "السلام الأن" التي كانت من أهم نتائج حرب أكتوبر كما أنه أشار إلى نقطة هامة وهي تجاهل الإعلام الإسرئيلي لأهم الدروس المستفادة من هذه الحرب الا وهي رفض القياده السياسية في إسرائيل للتوصل إلى تسويات سياسية تجنب إسرائيل ويلات الحروب.