ضمان حرية الإعلام لا يكون فقط بإعتاقه من القيود القانونية المرهقة, لكنها تكون أيضا بضمان أعلي درجة ممكنة من المهنية والاحتراف بين العاملين فيه. فالإعلام في العصر الحاضر صناعة قائمة بذاتها تتطلب من محترفيها درجة عالية من الوعي بحقوقهم واحتياجات مهنتهم ومعرفة واسعة بثقافات ولغات متعددة وإمكانات أخري تساعد علي فهم واستخدام التطورات التقنية الحديثة مع الأخذ في الاعتبار وفي المقام الأول مراعاة أنه لا سلطان علي صاحب هذه المهنة غير ضميره وأصول مهنته. كما أن وسائل الإعلام تسعي لتغطية الأوضاع في المناطق المشتعلة من العراق إلي الأراضي الفلسطينية ولبنان ومن أفغانستان إلي دارفور في وقت يفتقر فيه الصحفيون للتوعية بسبل المحافظة علي سلامتهم, خاصة في أوقات الحروب والأزمات فمثلا توفي في العراق ما يقرب من400 إعلامي منذ الحرب وحتي الآن. من هنا تأتي أهمية ورشة التدريب الثالثة للإعلاميين( الاستثمار في المستقبل) التي تهدف إلي وضع استراتيجية لتطوير القدرت المهنية والقانونية للإعلاميين العرب التي نظمها مركز حماية وحرية الصحفيين في الأردن بالتعاون مع مؤسسة الصوت الحر التي استمرت خمسة أيام. وكانت بداية المشروع قد انطلقت من القاهرة في شهر أبريل الماضي(2007). وأوضح نضال منصور مدير مركز حماية وحرية الصحفيين أننا قمنا بإجراء دراسة عن واقع الإعلاميين العرب في ست دول عربية هي مصر والبحرين واليمن ولبنان والأردن والمغرب بهدف تحليل المشكلات التي تواجهنا ووضع خطة طويلة المدي لتنمية الحقل الإعلامي عبر برنامج شامل ومستديم في مجال التدريب المهني. وتم اختيار هذه الدول لأنها تمثل صورة حقيقية للأقاليم العربية المختلفة كما تمثل ما يطلق عليه الديمقراطيات الناشئة في العالم العربي وتعتبر ديمقراطيات حديثة فيما عدا لبنان ومصر حيث تتراوح بداياتها بين تسعينيات القرن العشرين وحتي السنوات الأولي من عمر القرن الحادي والعشرين. وتم التعاون مع مركز البحرين لدراسات حقوق الإنسان ومركز المعلومات والتأهيل لحقوق الإنسان, ومنتدي التنمية والثقافة والحوار في لبنان, والمجموعة المتحدة( محامون ومستشارون قانونيون واقتصاديون) في مصر, وتم تقسيم الدراسة إلي ثلاثة أبواب رئيسية هي: الأول: عن العوامل المؤثرة في أوضاع الإعلام والإعلاميين, وتم تقسيمه لثلاثة فصول, الأول عرض لوضع الإعلام في العالم العربي, والثاني عرض للأوضاع السياسية, والثالث عرض للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية. أما الباب الثاني فيتناول المشكلات التي تواجه الإعلام, وتم تقسيمه إلي أربعة فصول, الأول استمارة جمع المعلومات, والثاني أوضاع التعليم والمشكلات والتصورات, والثالث تناول الوعي بالحقوق القانونية وإمكانات الدعم والمساندة, والرابع حدد واقع التدريب المهني والقانوني للصحفيين. أما الباب الثالث فتناول استراتيجية عربية لتطوير قدرات الإعلاميين العرب, ورفع درجات اهتمامهم بالوعي القانوني. لذلك تأتي أهمية المشروع لأن الاستثمار في دعم حرية التعبير في الوطن العربي هو استثمار في تنمية مستقبل هذا الوطن كما أن التدريب المستمر للكوادر الإعلامية يعتبر أفضل وسائل هذا الاستثمار لأنه يؤدي إلي إيجاد أجيال من الإعلاميين يدركون حقوقهم وواجباتهم من ناحية والمسلحين بالعلوم اللازمة لتطوير قدراتهم والمؤمنين بأهمية دورهم في دعم الأفكار الليبرالية وقبول الآخر الأمر الذي يفتح أمامنا فرصة بناء مجتمعاتنا بطريقة مختلفة ويساعد في دعم الحريات المختلفة. كما ذكرت نيكولين نروفجيست مستشارة بمؤسسة الصوت الحر بأمستردام أنه لا يمكن فهم مشكلات الإعلام العربي بغير معرفة الأوضاع العامة في البلدان العربية فلا يجوز الحديث عن أوضاع الإعلام والإعلاميين بغير الحديث عن العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية المؤثرة فيهم. فالحكمة الصينية تقول: أفضل من أن تعطيني سمكة علمني صيد السمك وهذا يدل علي أن التعليم والتعلم هما الطريق الوحيد لبناء مستقبل مستقر ومستقل. وتم التدريب علي دور الإعلام ومفهوم الصحافة, وتطوير المهارات الصحفية مع التركيز علي ما يحدث في الواقع وآلية نقل المعرفة والمهارات وكيفية تدريب مدرب جيد. أما بطرس إسكوترست مستشار بمؤسسة الصوت الحر ومدرب الدورة فيقول: إن المشاركين تم اختيارهم علي أسس منهجية(30 صحفيا وإعلاميا من الدول الست في مجال الدراسة) وان عملية التدريب تعني الاستخدام الأمثل للحواس جميعا في اكتساب المعرفة وتنمية المهارات وعلينا أن نتذكر أن الدراسات أثبتت أن البالغين يتذكرون20% مما يسمعون, و30% مما يشاهدون, و50% مما يرون ويسمعون, و70% مما يرون ويسمعون ويقولون, و90% مما يرون ويسمعون ويقولون ويفعلون. وهناك بعض الفروق بين التدريب والتعليم: فالتعليم يعني تعريض الأفراد لمهارات واتجاهات جديدة من خلال خبرات مقصودة تحدث بجهد منظم أو غير مقصودة تحدث بدون تنظيم ويتحكم فيها مستوي النضج والقدرات النفسية والجسدية والاجتماعية والعقلية للأفراد, ويكون محتواها عاما ولمدة طويلة. أما التدريب فأهدافه سلوكية محددة تجعل العاملين أكثر كفاءة وفاعلية في وظائفهم, ويكون المحتوي طبقا لحاجة العمل الفعلية ومدته قصيرة. وفي تساءل طرحه بطرس عن أنسب سن للتعلم ذكر أنه من3 5 سنوات تكون قدرة أطفالنا للتعلم أعلاها, وتقل تدريجيا حتي65 عاما. وقد أثبتت العديد من الإحصاءات أن الطريقة التي يري فيها الشخص الحياة وكيف يثق بالناس تتشكل في سن الثالثة, لذا يجب علينا احترام أطفالنا. كما أن الكبار يستطيعون التعلم بصورة أفضل إذا ما شعروا بأنهم محفزون, لكن الأطفال ليسوا بحاجة إلي التحفيز. كما أثبتت الدراسات الطبية أن أكثر ما يحد قدرة الأطفال علي التعلم هو الجوع, لذلك تحرص الحكومات علي وضع برامج تغذية للأطفال في المناطق الفقيرة. كما أن القدرة علي تعليم كبار السن تكون أعلي عندما يستمعون ويرون تطبيقا عمليا. أما مبادئ تعليم الكبار فحدثنا عنها إيهاب سلام المستشار التقني لمشروع الاستثمار في المستقبل بضرورة وجود دافعية داخلية وأن يشبع حاجة فورية بحيث يكتشف بنفسه العلاقات والمعاني المرتبطة بمشكلاته, ويتعلمون التطبيق والمشاركة, ويملون الجلوس لفترات طويلة ولا يقبلون أفكار وخبرات الآخرين بسهولة, فهم يميلون لأن يكونوا شكاكين, ويتعلمون الأشياء الجديدة التي يمكن ربطها بخبراتهم السابقة. وأكد أهمية تحديد مراحل الاحتياجات التدريبية التي تتمثل في تقويم الوضع الحالي, ووضع تصور مستقبلي, وجمع المعلومات, ثم تصنيف المعلومات ثم وضع التوصيات ثم عرض النتائج ثم اتخاذ القرار المناسب. وأكدت الدورة التدريبية في ختام أعمالها أهمية الانتقال من مفهوم المحاضرة إلي أولوية المتدربين وما يمتلكون من مهارات واحترام شخصية الفرد وخبرته, والانتقال من الحفظ والتلقين إلي تطوير حس المشاركين وتفعيل عمليات تبادل الخبرات, وأهمية المشاركة من خلال دمج المشاركين وسد الفجوات السلوكية والمعرفية والمهارية بينهم حيث إن الأساليب التدريبية تعمل علي تعزيز عمليات إكساب المشاركين المهارات واحتفاظهم بها في ذاكرتهم لفترات أطول. وقد طالبت الدراسة في ختام أعمالها, كما يقول نضال منصور مدير مركز حماية وحرية الصحافة بأنه يجب أن تؤمن المؤسسات الصحفية جميع وسائل الحماية اللازمة لمراسليها ومساندة وإعداد برامج السلامة لكل العاملين في وسائل الإعلام علي المستويين المحلي والعالمي وتشجيع الاتفاقات فيما يتعلق بالصحة والسلامة ونشر المعلومات من خلال التدريب العملي والتقارير الاستشارية والنشرات وتأسيس شبكة عالمية من المنظمات الملتزمة للحد من الأخطار. والعمل علي تحسين أجور الصحفيين بما يتماشي مع المتغيرات الاقتصادية العالمية.