التركيز الاممي والاميركي والاوروبي والعربي ينصب على روسيا في محاولة لتليين موقفها في شأن المسألة السورية. موسكو صارت بيت القصيد في هذه المسألة المعقدة، ان هي غيرت موقفها مما يجري هناك فتحت أبواب التغيير المنشود في بلاد الشام وصار ما يعتبر مستحيلا اليوم ممكنا غدا. الكرملين حتى الساعة يبدو اكثر تشددا من ذي قبل في المسألة السورية وخصوصا بعدما عاد فلاديمير بوتين الى عرشه. فالقيصر القديم - الجديد عازم على مواصلة لعبة التحدي في سوريا حتى لو كلف الامر نصف دزينة من "الفيتوات" في مجلس الامن. سوريا ليست مجرد مرفأ للبحرية الروسية على المياه الدافئة، ولا رأس الجسر الاخير في الشرق الاوسط للامبراطورية الساعية الى استرجاع امجادها، ولا سوق سلاح لا يمكن خزينة البلاد الباردة الاستغناء عن الحفنة من الدولارات الناتجة منها... سوريا اليوم هي البوابة التي يمكن روسيا عبرها ان تعود قوة كبرى يحسب لها حساب في السياسة الدولية. لولا العناد الروسي في سوريا هل كنا لنشهد مثل هذا الزحف الديبلوماسي العالمي على موسكو والذي غاب عنها اكثر من عقدين؟ موقف الصين في شأن دمشق لا يقل تشدداً عن موقف موسكو. العاصمتان تتذرعان بالمواثيق الدولية التي تمنع تدخل الدول في شؤون الدول الاخرى لتبرير موقفهما مما يجري في سوريا، وان يكن هذا الموقف غير مربح شعبيا في العالم العربي. لكن النظامين في كلتا الدولتين يخشيان ضمنا ان يشكل الطلب الاميركي - الاوروبي من الرئيس بشار الاسد التنحي عن الحكم بعد الطلبات المماثلة، التي استجيبت، من الرؤساء زين العابدين بن علي وحسني مبارك ومعمر القذافي وعلي عبدالله صالح، سابقة يمكن ان تتكرر مع زعماء دول اخرى. فما الذي يمنع واشنطن غدا ان تطالب مثلا الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد بالتنحي؟ واذا حصل ذلك، من يضمن الا يبلغ الامر حد الطلب من بوتين او الحزب الشيوعي الصيني ترك السلطة؟ لذا، يبدو ان كل الاغراءات والحوافز او الضغوط لن تجدي نفعا في اقناع موسكو وبيجينغ بتغيير موقفيهما جذريا في الشأن السوري من دون مقابل كبير لا يبدو حتى الآن متوافرا او متاحا. ولعل من الاسهل ان تعيد واشنطن النظر في تعاملها مع النظام السوري من أن تفعل روسيا او الصين ذلك. وثمة من يراهن على مثل هذا التحول في الموقف الاميركي بعد انقضاء سنة الانتخابات. فاذا نجحت واشنطن في نقل هذا النظام، الذي صار ضعيفا ومتآكلا، ولا يبغي سوى النجاة بنفسه، من الموقع السياسي الذي هو فيه الى موقع نقيض، تكون قد ضربت كل العصافير الروسية والصينية والايرانية بحجر واحد. نقلا عن صحيفة النهار اللبنانية