حضارتنا الانسانية بنيت حرفيا على "الرمال" ، لقد اعتاد الناس استخدامها بالبناء على الأقل منذ زمن قدماء المصريين. وفي القرن 15، كشف الحرفيين الإيطاليين كيفية تحويل هذه الرمال إلى الزجاج الشفاف، وهو ما ممكن ايضا من تغطية النوافذ بأسعار معقولة. والذي جعل من الممكن صناعة المجاهر والتلسكوبات، وغيرها من التقنيات التي ساعدت في دفع الثورة العلمية والنهضة. والرمل من مختلف الأنواع هو عنصر أساسي في صناعة المنظفات ومستحضرات التجميل ومعجون الأسنان، والألواح الشمسية، ورقائق السليكون، وخصوصا المباني. كل الهيكل الخرساني هو في الأساس خليط من الرمل والحصى مع الاسمنت. والرمال الصغيرة هى الحبيبات السائبة من الصخور وغيرها من الأشياء التى تتكون نتيجة حركة الأنهار الجليدية وطحنها للحجارة، او من خلال المحيطات التى تطرح الرمال وتكون الشواطىء، كذلك للحمم البركانية الى تقشعر لها الأبدان وتتحطم عند ملامسة الهواء.. ويقرب من 70 في المئة من جميع حبيبات الرمل على الأرض هي من الكوارتز، التي شكلتها البيئة من رياح و امطار وغيرها من مظاهر الطقس. ومع الوقت تتاكل الرمال بعيدا من الصخور، فوق وتحت الأرض. وبعيدا عن استهلاك البشر للماء والهواء نجد ان مادة الرمال المتواضعة هى أكثر الموارد الطبيعية التي يستهلكها البشر. حيث يتم استخدام أكثر من 40 مليار طن من الرمل والحصى كل عام. وهناك الكثير من الطلب حيث بدا تجريد مجاري الأنهار والشواطئ حول العالم من الرمال – بينما معظم رمال الصحراء لا تصلح للبناء – وكميات الرمال التى تستخرج فى تزايد باطرادعلى الرغم من أن الرمل مورد محدود مثل أي موارد طبيعية أخرى. وطفرة البناء المتزايدة في جميع أنحاء العالم بالسنوات الأخيرة فى كل المدن الكبرى، من لاجوس الى بكين، تستهلك كميات غير مسبوقة من الرمال، وهى صناعة عالمية قيمتها تتعدى 70 مليار دولار سنويا. في دبي استنفدت المشاريع الهائلة لاستصلاح الأراضي و بناء ناطحات السحاب الفائقة، جميع المصادر القريبة، وبدا المصدرون في أستراليا يبيعون حرفيا الرمال للعرب.. وفى مناطق اخرى بدا تجريف مجارى الأنهار واستغلالها، وعمال مناجم الرمال يتحولون إلى البحار، حيث الآلاف من السفن التى تستخرج كميات ضخمة من من قاع المحيطات. وكما قد تتوقع، كل هذا في كثير من الأحيان يلحق الدمار بالأنهار، و باراضى الدلتا، والنظم الإيكولوجية البحرية. ويلقى باللوم على استخراج الرمال في الولاياتالمتحدة فى تآكل الشواطئ وتلوث المياه والهواء، وغيرها من العلل، بدا من ساحل كاليفورنيا إلى بحيرات ولاية ويسكونسن في الشمال. وقد حذرت المحكمة العليا في الهند مؤخرا من أن استخراج الرمال على ضفاف الانهار يقوض الجسور ويعطل النظم البيئية في جميع أنحاء البلاد، فضلا عن احداث الضرر بالثروة السمكية والطيور. ولكن اللوائح شحيحة والإرادة لإنفاذها أكثر شحا من ذلك، وخاصة في العالم النامي.. فقد محى استخراج الرمال اثنين على الأقل من عشرات الجزر الاندونيسية منذ عام 2005 ، والكثير من الجزر انتهى معظمها في سنغافورة، والتي تقوم حكومتها ببرنامج محدد يحتاج كميات كبيرة و ضخمة من الرمال لإضافة المزيد من الأراضي عن طريق استصلاح الأراضي من البحر. وقد اضافت سنغافورة نحو 130 كيلومترا مربعا في السنوات ال 40 الماضية، ومازالت تتمد أكثر، مما يجعلها إلى حد بعيد أكبر مستورد للرمال في العالم. ولقد كانت الأضرار البيئية المصاحبة شديدة بحيث قيدت اندونيسيا وماليزيا وفيتنام تصدير الرمال إلى سنغافورة المحظورة. كل ذلك ولد طفرة في جميع أنحاء العالم في استخراج الرمال غير قانوني. ففي جزيرة بالي الاندونيسية، بعيدا بالمناطق الداخلية عن الشواطئ السياحية، تجد منطقة تعدين للرمال حفرة سوداء اتساعها14 فدان من الرمال والصخور المكشوفة وسط الوادي الجميل المتعرج بين الجبال الخضراء، وتحيط بها الغابات وحقول الأرز.. حيث الرجال يستخرجون الرمال ويحملونها بالالات الضخمة المملوكة للشركات المتعددة الجنسيات التى وجدت تجارة الرمال كتجارة النفط واصبحت تعمل فى هذا المجال المربح على الرغم من كونه يحدث دمارا كبيرا بالبيئة. واليوم العصابات الاجرامية تتواجد في ما لا يقل عن اثني عشر بلدا، من جامايكا الى نيجيريا، يعملون فى صناعة وتجارة الرمال غير الشرعية لاستخراج الاف الاطنان سنويا لبيعها في السوق السوداء. ويقدر ان نصف الرمال المستخدمة للبناء في المغرب مستخرجة بشكل غير قانوني، فمساحات كاملة من الشواطئ هناك اختفت.. واتهم العشرات من المسؤولين الماليزيين في عام 2010 بقبول رشى وخدمات جنسية مقابل السماح بتعدين الرمال بشكل غير قانوني ليتم تهريبها إلى سنغافورة. لكن النضال أكثر شراسة من أجل الرمال في الهند، حيث تدور معارك بين وضد ‘مافيا الرمال' هناك وبحسب ما ورد قتل مئات الأشخاص في السنوات الأخيرة، بما في ذلك ضباط الشرطة والمسؤولين الحكوميين، والناس العاديين.. و قد بدات طفرة البناء هناك قبل نحو عقد من الزمن، وكذلك ايضا بدا نشاط مافيا الرمال الهندية، كان النشاط محدودا ثم اتسع مع النهضة العمرانية الممتدة ، فسيطرت هذه المافيا على الأراضي المشاع وجردوالتربة السطحية، بحثا عن الرمال التي تراكمت عبر قرون من الفيضانات. وعلى الرغم من كون الهند بلد شاسعة تضم أكثر من 1 مليار شخص الا انها اتخذت ولو بشكل متقطع خطوات للتحكم فى عملية استخراج الرمال وجعلها تحت السيطرة بالمصادرة و الغرامات واحيانا السجن. وفتحت المحكمة الاتحادية للشؤون البيئية، أبوابها لأي مواطن لتقديم شكوى حول استخراج الرمال غير القانوني. وفي بعض الأماكن منع القرويين على الطرق تحرك شاحنات الرمل، والى حد كبير هناك جهود مبذولة رسمية وغير رسمية فى الدولة لمكافحة استخراج الرمال.