لم تخف ايران تفاؤلها بتولي غوردن براون رئاسة الوزارة في بريطانيا ، لكن هذا التفاؤل كان يرافقه بعض الأماني بتغير ما في السياسة الخارجية البريطانية من الملف النووي الايراني وكذلك قضايا الشرق الاوسط الساخنة الاخرى. التفاؤل الايراني ربما كان يراهن على طبيعة براون كاقتصادي ، وبأنه ربما يفضل اللجوء للخيارات السيايسة في حل النزاعات وعدم اللجوء للعمل العسكري ، وحتى عندما لا يكون هناك من خيار الا العمل العسكري فانه يفضل ان يشرك ممثلي المجتمع البريطاني في اتخاذ القرار وتحمل المسؤوليات الناتجة عن هذا القرار ، وهو ما اقترحه مشروع التعديل الذي تقدم به غوردن براون حول صلاحيات رئيس الوزراء البريطاني في اعلان الحرب خيمت على العلاقات الايرانية البريطانية خلال العقد الماضي ازمات حقيقية زادت من حدة التوتر بين البلدين ، فالعلاقات التي لها تاريخ طويل يعود الى القرن التاسع عشر كان الشك والريبة حاضرين دائما فيها ، حتى أنه يوجد في الموروث الثقافي الايراني قول «كار انجليزها» ويعني بالعربية ان كل شيء سيىء يحصل لايران هو من فعل الانجليز ، بعبارة أخرى ان هناك دائما مؤامرة بريطانية ضد ايران. لا ينسى الايرانيون ان بريطانيا التي لعبت دورا هاما في الثورة الدستورية عام 1906 ، عادت وانقلبت عليهم في عام 1953 حيث تآمرت بالتعاون مع الولاياتالمتحدة ضد رئيس الوزراء الايراني محمد مصدق الذي اراد تأميم صناعة النفط الايرانية لقد لعب التاريخ كما تلعب السياسة الان دورا كبيرا في تعميق الهوة بين البلدين ، لا سيما مع الاصرار الايراني على برنامجها النووي وحضورها الفاعل في العراق ، وهو الأمر الذي يثير حفيظة الحكومة البريطانية المتهمة من ايران بانها كانت العوبة في اليد الامريكية. ان العلاقة الخاصة بين واشنطنولندن منذ ايلول 2001 قد لعبت دورا كبيرا في تعميق الخلاف البريطاني الايراني ، وهكذا دخلت العلاقات في سلسلة من الازمات لم تنته حتى مع قدوم غوردن براون مما يؤكد ان الموقف من ايران ليس بالضرورة بعكس وجهة نظر رئيس الوزراء السابق توني بلير ، بل على العكس هو موقف المؤسسة السياسية والأمنية في بريطانيا ، ويكفي هنا التذكير بأزمتي البحارة البريطانيين الذين احتجزتهم السلطات الايرانية في عامي 2004 2006و ، وكذلك الدور الايراني الذي ترى لندن انه كان سببا في اختطاف خمسة موظفين من وزارة الصناعة والتجارة العراقية ، وكذلك دور ايران في دعم الميليشيات الفاعلة في جنوب العراق للقيام بعمليات ضد القوات البريطانية المتمركزة هناك ، وتذهب السلطات في لندن للقول ان طهران زودت الميليشيات بصواريخ ارض جو كانت مسؤولة عن اسقاط مروحية بريطانية في شهر حزيران. بريطانيا التي لم تخف انزعاجها من كل هذا تصر على ان تغير سياستها من ايران مرتبط بتغيير السياسات الايرانية في العراق ، والأهم الالتزام بمقررات المجتمع الدولي فيما يتعلق بوقف تخصيب اليورانيوم تصريحات وزير الخارجية البريطاني الجديد ديفيد مليباند جاءت لتضع حدا للتفاؤل الايراني حول حكومة براون ، كما انها جاءت لتؤكد ان هناك فصلا آخر حول الملف النووي من شأنه ان يفتح قريبا. لقد امتنع الوزير مليباند عن الاشارة الى عبارة جاك استرو التي كان يكررها بانه «لا يمكن التفكير بالحل العسكري» ، مؤكدا في ذات الوقت ان على ايران ان تستعد الى مشروع عقوبات ثالث ان هي لم تلتزم بقرارات مجلس الامن السابقة والمتعلقة بوقف كامل لانشطة التخصيب. الموقف البريطاني الذي اعلنه وزير الخارجية سبقه مقترح عقوبات بريطاني قيل عنه «انه مؤلم» ، قد يفضي الى اغلاق كل المطارات والموانىء ابوابها امام الطائرات والسفن الايرانية ، اضافة الى بذل جهد اكبر في معرفة الوسائل التي تخترق ايران من خلالها النظام المالي العالمي ، بحيث تحاصر من جميع الجهات في تعاملاتها المالية وعقد الصفقات ولا سيما المتعلقة منها في النفط والغاز. ان السلطات في لندنوواشنطن وبقية العواصم الاوروبية التقطت بلا شك تصريحات وزير النفط الايراني حيث اعترف بتأثير مقاطعة البنوك في العالم على حصول ايران على التسهيلات الضرورية لعقد صفقات متعلقة بتوسعة حقول الغاز والنفط او القيام بالتنقيب عن حقول جديدة ، اعتراف وزير النفط الايراني سيعطي للبريطانيين مزيدا من التأكيد على ان ما وصف بالعقوبات المؤلمة سيترك اثارا حقيقية على الاقتصاد والسياسة في ايران. ان التفاؤل الايراني الذي بدأ متفائلا بشأن عهد براون وان قائمة الخصوم العنيفين قد تنقص خصما كان في غير مكانه ، وانه على العكس فان ايران تواجه خصما يبدو أكثر تصميما على ضرورة ايجاد تحالف قوي ضد ايران ، وانه لا يقل في تشدده عن واشنطن ، هذا التشدديفتح الباب امام كل الاحتمالات الا الحل الدبلوماسي