عشنا عاما من القحط السينمائى، لم تكن الحصيلة تليق بتاريخ السينما المصرية. البعض يقول هل هذه السينما التى ننتظرها بعد الثورة، وكأن الثورات فى العالم تمنع الفن الردىء، والحقيقة أن الفن سواء جاء بعد هزيمة أو انتصار لا يمكن أن يخلو من رداءة، 25 يناير لا تتحمل مسؤولية التردى الفنى. أهم ما أنجزناه سينمائيا لم يكن فى الأفلام ال27 التى عرضت هذا العام، ولكن الأفلام التى شاركت فى المهرجانات السينمائية، واستطاعت أن تحقق لمصر قيمة تليق بها. كانت هالة لطفى بفيلمها «الخروج للنهار» قد شاركت فى مهرجان أبو ظبى أكتوبر الماضى وحصدت جائزتين «الفيبرسى للنقاد» كأفضل فيلم عربى ومن لجنة التحكيم جائزة أفضل مخرجة عربية ثم برونزية قرطاج، بعد ذلك اقتنصت قبل ثلاثة أيام جائزة الوهر الذهبى من وهران السينمائى.
نادين خان قبل عشرة أيام حصلت بكل جدارة على جائزة لجنة التحكيم من أبو ظبى عن فيلم «هرج ومرج»، بينما شاركت ماجى مورجان بفيلم «عشم» فى مهرجان الدوحة، ولم تحصل على أى جائزة، ورغم ذلك فإنها قدمت قيمة إبداعية على الشريط السينمائى.
المخرج إبراهيم البطوط وعمرو واكد بطل فيلم «الشتا اللى فات» حققا جوائز من مهرجانى القاهرة ودبى. الأفلام الأربعة تنتمى إلى ما يعرف بالسينما المستقلة، ورغم أن التوصيف نفسه يحتاج إلى توصيف، ولكن هذه قصة أخرى.
كانت تلك هى أفلامنا فى المهرجانات، ولكن أفلامنا فى دور العرض تجد أفضلها «ساعة ونص» لوائل إحسان، أما على مستوى جودة الصنعة فإن الأفضل هو «المصلحة» لساندرا نشأت الذى جمع بين أحمد السقا وأحمد عز لأول مرة. ونتوقف أمام أحمد السقا مرة أخرى فى فيلم «بابا» لعلى إدريس، حيث رأينا الممثل السقا وهى حالة لم نألفها للسقا الذى لعب بطولة فيلمين. أحمد عز فعلها أيضا فى «حلم عزيز» لعمرو عرفة، فكرة مغايرة للسائد، كانت بحاجة إلى نفس أطول للتأمل والتفكير. تامر حسنى قدم الجزء الثالث من فيلمه «عمرو سلمى»، فكان فى أضعف حالاته، عاد محمد هنيدى فى «تيتة رهيبة» لسامح عبد العزيز بعد غياب عامين، ولكنه فى الحقيقة لم يعد إلى مكانته الرقمية التى تعود عليها. إلا أن حالة هنيدى أفضل بكثير من فيفى عبده التى شاهدناها مجددا بعد عشر سنوات غياب بفيلم «مهمة فى فيلم قديم»، فكانت تبدو مثل عربة كارو شاركت فى سباق سيارات الدفع الرباعى. ياسمين عبد العزيز خيبت التوقعات فى «الآنسة مامى»، كانت الدراما تصطدم بجدار يحول دون تدفقها، كما أن ياسمين عندما لم تجد شيئا يضحك قررت الافتعال. «عبده موتة» هو المفاجأة الرقمية فى هذا العام. الفيلم صنعه أحمد السبكى على مقاس الجمهور، شخصية البلطجى أحدثت مع المشاهدين قدرا من التماهى، فتحققت إيرادات فاقت التوقعات، صَدق الكثير من الشباب شخصية عبده موتة، ودخلوا إلى دار العرض وهم يحملون السنج والمطاوى.
ويبقى حدثان كنت شاهدا عليهما. الأول هو إصدار المفتى د.على جمعة توصية بحذف أغنية «يا طاهرة يا أم الحسن والحسين» بحضور ممثلى نقابتى السينمائيين والممثلين، وبالطبع من حق المؤسسة الدينية أن تستشعر فى أى لحظة بأن عليها الدفاع عن الدين وتُصدر قرارات أو توصيات ضد أى عمل فنى، ولكن لا يمكن أن يحدث ذلك بحضور ومباركة الفنانين حتى لا تتحول إلى سابقة، ونجد أن مؤسستى الأزهر والكنيسة تطالبان برقابة مماثلة على كل الأعمال الفنية. الواقعة الثانية هى زيارة وفد فنى إلى طهران، وكانت الأحلام هى أن يعودوا بأكثر من مشروع، ورأيى الشخصى والذى أعلنته هناك أن كل الأعمال سوف تصطدم بضرورة خضوعها لرؤية الشيعة الدينية، ولهذا لا أتصور أنه من الممكن أن يتم تصوير أى عمل تاريخى فى مصر مثل مسلسل سيدنا «موسى» الذى اعتبره البعض بداية التعاون المشترك. الممكن فقط أن يسافر فنانون من مصر إلى إيران يشاركون فى أعمال تُقدم طبقا لرؤيتهم مثلما استمعت هناك إلى الأذان بصوت الشيخ مصطفى غلوش وهو يضيف للأذان المعروف للسنة، أشهد أن عليا ولى الله، أشهد أن عليا حُجة الله، حى على الصلاة حى على العمل. غير ذلك فنخدع أنفسنا لو تصورنا أن هناك إنتاجا فنيا مشتركا فى ظل نظام خاضع ثقافيا وفنيا لمرجعية الملالى.