لم يستطع الرئيس الراحل أنور السادات أن يجبر الشعب المصرى بجميع مؤسساته على التطبيع مع إسرائيل.. حتى بزيارة القدس والصلاة فى المسجد الأقصى أو أن يقوم الأقباط بالحج وزيارة مقدساتهم فى الأراضى الفلسطينية تحت الاحتلال الإسرائيلى. .. بل نشطت الحركات المقاومة للتطبيع بعد توقيع السادات اتفاقية السلام مع إسرائيل التى تتيح تطبيع العلاقات وتبادل الزيارات.. وقد وقفت تلك الحركات بالمرصات لحركات التطبيع التى كان يشجعها النظام.
.. ولم يستطع الرئيس المخلوع حسنى مبارك أن يفعل الشىء نفسه مع الشعب.. فقد أصبح الشعب وجميع المؤسسات عصية على التطبيع مع إسرائيل.. فما زال الشعب المصرى يرى فى إسرائيل كيانا صهيونيا عنصريا متطرفا يحتل فلسطين ويعمل على إبادة الشعب الفلسطينى، وعدوا لكل القوى العربية.
وحاول مبارك الذى اعتبر إسرائيل فى سنواته الأخيرة الملاذ له وطريقه إلى البقاء فى السلطة إلى الأبد -عن طريق تسويقه للغرب بأنه الحاكم المعتدل الذى يعمل للحفاظ على إسرائيل، فكان الكنز الاستراتيجى لهم كما قالت قيادات إسرائيلية- الضغط على الشعب وتسهيل مهمته فى التطبيع مع إسرائيل والزيارات المتبادلة وتوقيع اتفاقية «الكويز» بضغط إسرائيلى أمريكى وتقديم حُجج من قبيل أن هناك مفاوضات لإقامة دولة فلسطين، ولكن تم كشفه وفضحه فى وقوفه وأجهزته إلى جانب إسرائيل فى تلك المفاوضات حتى تبين موقفه المخزى فى الاعتداءات الإسرائيلية على غزة ومن قبلها الهجوم الإسرائيلى على لبنان.
.. ومع كل هذا رفض الشعب المصرى التطبيع مع إسرائيل ولم يزر المدن الفلسطينية ما دام يتم ذلك بموافقة إسرائيلية وبتأشيرة من سفارة الكيان الصهيونى.
.. أى نعم كان هناك بعض رجال الأعمال الذين ينتمون إلى النظام وعائلته الذين كانوا يتعاملون مع الكيان الصهيونى نفاقا وتزلُّفًا للنظام وللاستفادة من المنح والعطايا التى كان يمنحها النظام الفاسد من تسهيلات وأراضٍ بأسعار بخسة على حساب الشعب المصرى، كما كان هناك بعض رجال الأعمال الذين بدؤوا فى «استيراد» خبراء إسرائيليين فى مزارعهم.. ومع هذا كانوا ينفون دائما أن لهم علاقات تطبيعية مع إسرائيل.. لأنهم يعلمون أنهم سينالون احتقار الشعب لهم.
.. وعدد من رجال الأعمال فعلوا ذلك.
.. ومع هذا حاول مبارك أن يبنى علاقات قوية مع إسرائيل وقد نمَّاها بشكل شخصى بعلاقاته المثبتة مع كل قادة إسرائيل السفاحين بدءًا برابين ومرورا ببيريز وشارون وبن إليعازر.. وبل وبعض حاخامات إسرائيل. وأراد فى مراحل معينة إقامة علاقات بين هؤلاء الحاخامات والمؤسسات الدينية اليهودية، والمؤسسات الدينية المصرية.. وقد تم رفضه تماما حتى عندما أرسل أحد الحاخامات اليهود من إسرائيل إلى شيخ الأزهر وقتها الدكتور سيد طنطاوى.. ورغم استقبال الأخير له فإنه قوبل بهجوم شديد من المؤسسة الدينية نفسها قبل الشعب.. ولم يفعلها الرجل مرة أخرى.
.. وعندما عقد الرئيس الراحل أنور السادات اتفاقية الصلح مع إسرائيل ضغط على بعض المشايخ لإصدار بيان تأييد له. وقد حدث بالفعل أن أيد الشيخ عبد الرحمن بيصار شيخ الأزهر وقتها وأفتى بشرعية الصلح مع إسرائيل.. وقد لقى استهجانا كبيرا من مشايخ الأزهر.. ولم يُستمع إليه فى هذا الأمر أبدا.
.. وظل الأزهر ومشايخه رافضين للتطبيع مع إسرائيل.
كان هذا قبل ثورة 25 يناير.. وبعد الثورة وخلع مبارك زاد التضافر الشعبى ضد إسرائيل وسياساتها الاستعمارية والقمعية، وحاول الأزهر أن يسعى إلى دور حقيقى وجاد فى الحركة السياسية العامة من خلال التواصل مع جميع القوى السياسية لا الدينية فقط، والعودة إلى الشعب وتأييد ثورته بعدما حاول النظام المخلوع أن يستخدم الأزهر فى جانبه والمؤسسات الدينية الأخرى كالكنيسة فى إجهاض الثورة.. لكن فى النهاية يبقى الحق حقا ويجب اتباعه ويبقى الباطل باطلا ويجب اجتنابه.
لكن الشيخ على جمعة مفتى الديار المصرية فاجأ الجميع بالقيام بزيارة إلى القدس أول من أمس.
.. وقد فوجئ بتلك الزيارة مشايخ ومؤسسة الأزهر كما فوجئ بها الشعب المصرى كله، كأن الشيخ على جمعة يتصرف بليل ويُخيَّل إليه أن أحدا لن يراه.
فلماذا ذهب الشيخ على جمعة إلى القدس حتى إن صلى فى المسجد الأقصى إلا أنه كان تحت حماية إسرائيلية.. حتى إن لم يحصل عل تأشيرة إسرائيلية؟
فيا شيخنا، أنت ذهبت إلى القدس مطبِّعًا وأنت فى نفس الوقت مفتى الديار المصرية.. يعنى أنت مفتى كل المصريين.. وبتصرُّفك هذا كأنك أفتيت بزيارة المصريين إلى القدس فى الوقت الراهن.. وما هو إلا تطبيع مع الإسرائيليين.
.. هل تدرك ذلك يا أيها الشيخ أم ستقدم لنا مبرراتك الواهية عن الحق فى زيارة الأقصى وأنك لم يكن لك علاقة بالإسرائيليين -رغم أنهم كانوا حراسا لك- وأنك كنت تسعى إلى الفلسطينيين ومؤازرتهم.
.. حلمك يا مولانا.
.. أنت لم تعد على قدر منصبك الهام مفتيا للمصريين فاسْتَقِل يرحمك الله.