أحمد أبودوح يكتب: المصريون مازالوا في حاجة إلى «كتالوج العصيان المدني» أحمد أبودوح عندما تحدث الكاتب الأمريكى الشهير هنرى ديفيد ثورو فى مقالته التى أتت تحت عنوان " مقاومة السلطة المدنية " عام 1849 لأول مرة عن كيفية إخضاع الحكومة المدنية لتنفيذ إرادة الجماهير فى إنهاء القمع والإضطهاد والحرب مع المكسيك إعتمد فى فكرته على ضرورة لجوء " المقاوم السلمى " إلى مفارقة غيره عند إختلافه معه، أى أنه " ليس على الفرد محاربة الحكومة، لكن عليه أن لا يدعمها فى أى شىء وأن لا يستفيد من دعمها له فى أى شىء إن كان معارضا لها ". لاقت هذه المقالة رواجا كبيرا فيما بعد، ولجأ إليها كثير من زعماء العالم فى سعيهم للإطاحة بنظام ما أو للتخلص من إحتلال أجنبى لبلادهم أو لوضع نهاية لسياسات معينة تؤدى فى غالبيتها إلى خلخلة المجتمع وتفكيكه، فى كلا من الهند وجنوب أفريقيا والولايات المتحدةالأمريكية ودول وسط وشرق أوروبا فيما عرف " بالعصيان المدنى Civil disobedience ". كان المصريون أيضا من بين أولئك الذين لجأوا إلى العصيان المدنى كوسيلة سلمية للضغط على الإحتلال الإنجليزى أثناء ثورة 1919، والذى أدى فى نهاية الأمر إلى تلبية مطالب الجماهير بالإفراج عن الزعيم سعد زغلول ورفاقه . الموضوع إذن ليس بالجديد على المصريين إذا ما أخذنا فى الإعتبار تلك الدعوات التى ظهرت مؤخرا على مواقع التواصل الإجتماعى فيسبوك وتويتر، والتى تطالب عموم المصريين بتنفيذ عصيان مدنى فى ذكرى تنحى الرئيس المخلوع عن الحكم فى 11 فبراير المقبل لإجبار المجلس العسكرى على التنحى هو أيضا عن السلطة فى أسرع وقت، وتقديم مرتكبى مزبحة بورسعيد – الحقيقيين – إلى المحاكمة . بالمناسبة.. لا أحد يستطيع أن يدعى معرفته بالأطراف المتورطة فى هذه الجريمة النكراء أو أن يؤكد أن المجلس العسكرى أو جهاز الأمن أو حتى نزلاء سجن طرة هم من قاموا بإرتكابها حتى الأن، ولكننا من الممكن أن نجمع على أن الضحايا من المصابين والشهداء قد وقعوا فريسة لمؤامرة دنيئة قام بها أحدهم بهدف زعزعة إستقرار البلاد وإشعال الفوضى فى أرجاءها، وربما يكون أيضا بهدف تلقين الألتراس درسا قاسيا فى نفس ذكرى تصديهم لمليشيات النظام الساقط وإختيارهم التقدم لحماية متظاهرى التحرير فى موقعة الجمل، أو يكون الهدف هو تحقيق غرض أخر بعيد تماما عن ما سبق وهو الإطاحة باللواء محمد إبراهيم وزير الداخلية الحالى . هنا يظهر، بما لا يدع مجالا للشك، أن " مذبحة بورسعيد " كانت هى السبب الرئيسى الذى أدى بغالبية القوى الثورية إلى البحث عن أفكار جديدة لتبنيها فى نضالهم المستمر ضد حكم المجلس العسكرى، بحيث تأتى هذه الأفكار من خارج صندوق المظاهرات المليونية والإعتصامات المتقطعة فى ميدان التحرير، على أن يكون لها مردود فعال سياسيا قد يصل إلى إجبار المجلس العسكرى على التنحى عن إدارة شئون البلاد . والواقع أن فكرة " العصيان المدنى " كانت من الممكن أن تكون هى الأنسب لتحقيق أهداف الثوار فى أسرع وقت ممكن بما تتسم به من سلمية ورقى فى مناهضة السلطة، وبما تحمله من تأثير قوى ربما يأتى مفعوله بمثابة ضربة قاضية للحكم العسكرى الذى مازالت مصر تعانى تحت وطأته.. إذا كان هذا العصيان مدعوما بقاعدة صلبة تسمح له بالتوغل فى أعماق وجذور المجتمع المصرى المتشعبة . فمثلا يحتاج العصيان المدنى لكى يطلق عليه " عصيانا ناجحا " أن يخرج جميع المواطنين بمختلف إنتماءاتهم وعقائدهم وطبقاتهم للتظاهر مع رفض الذهاب إلى المدارس والجامعات والمصانع والمصالح الحكومية، وإغلاق المحال وإمتناع سائقى السيارات الخاصة والعامة وسائقى السكك الحديدية عن العمل، كما يتطلب أيضا الإمتناع عن دفع الرسوم والضرائب وأية فواتير خاصة بالشركات أو المؤسسات التابعة للسلطة، مع التأكيد على السماح للمستشفيات والعيادات الخاصة وسيارات الإسعاف والطافىء بالعمل . أما القاعدة الصلبة التى نتحدث عنها فهى عبارة عن المقومات المطلوب توافرها فى المجتمع ذاته حتى يستطيع القيام بهذا العصيان وإنجاحه، والتى – عند إسقاطها على المجتمع المصرى – نجد أنها تنقسم إلى شقين : الأول : وهو قدرة المجتمع على التوحد نحو تحت راية العصيان، والتى أعتقد أنها للأسف لم تعد متوفرة نتيجة لسببين رئيسيين : 1-تعمد المجلس العسكرى إظهار الحركات الشبابية والثورية على أنها مجموعة من المخربين والداعين إلى الفوضى وهدم الدولة المصرية.. وهى الأفعال التى أدت بدورها إلى حدوث حالة الإنفلات الأمنى والإنهيار الإقتصادى التى نعيشها حاليا، ساعده فى ذلك الثوار أنفسهم عن طريق تصديرهم طوال الوقت لخطاب يحمل مسحة إستعلاء على هؤلاء الذين يبحثون على الإستقرار ودوران ما يسمى " بعجلة الإنتاج ".. أدى فى نهاية المطاف إلى حالة نسبية من " الإنعزالية الثورية " عن الطبقات الأدنى فى المجتمع . 2-إرتفاع نسبة الأمية بين طوائف الشعب المختلفة من ناحية، وعدم توفر الإدراك الكامل لدى أبناء الطبقة الوسطى – التى تنتمى إليها معظم قوى الثورة – للسياسات والأليات الواجب إتباعها لإنجاح العصيان المدنى من الناحية الأخرى، والتى تتطلب – على سبيل المثال - تبنى تكتيك جديد يعتمد فى أغلبه على عدم مقاومة السلطات ولو فى سبيل الدفاع عن النفس، أو اللجوء إذا لزم الأمر إلى إسلوب المقاومة السلبية.. بالإضافة إلى طبيعة الشعب المصرى التى تتسم بالمحافظة والذى من الممكن أن ينظر إلى هذا الأمر على أنه أعلى درجات الراديكالية التى لا تتسق مع المفاهيم السائدة فى المجتمع . أما الشق الثانى : فيتمحور حول إفتقاد مصر للمفهوم الحقيقى للعصيان المدنى الذى يحتاج غالبا إلى نوع من تراكم الإضرابات والمظاهرات والإعتصامات المتقاربة من الناحية الزمنية، والتى تعم جميع أرجاء البلاد فى نفس الوقت من الناحية المكانية . والحقيقة أن فكرة القيام ب " إضراب عام " – وليس عصيان مدنى - كانت من الممكن أن تكون الأكثر واقعية والأنسب فى الوقت الحالى لما لها من إيجابيات تتبلور فى محاولة الثوار أولا إعادة الإلتحام من جديد بالطبقات الأقل فكريا وإجتماعيا كأحد المكونات الرئيسية للثورة، مع إستمرار التأكيد على تغيير يوم السبت 11 فبراير كأحد أيام العطلة الرسمية لكثير من المؤسسات الحكومية والخاصة وإختيار يوم أخر – قد يكون الأحد مثلا -حتى يتفهم المضربون الجدوى من وراء المشاركة، وحتى ينجح لدى الحكومة فى أن يصل إلى التأثير المرجو من القيام به . ولكن تبقى الدعوة للقيام " بعصيان مدنى " فى ذكرى تنحى الرئيس المخلوع محاولة إيجابية جديدة من قبل الثوار لطرح نقاش مجتمعى فعال نحو إيجاد حلول وأليات لإنهاء الحكم العسكرى فى مصر .