على الرغم من مشاعر الآلم والحسرة والآسى من احداث الأيام الماضية ومشاهد القتل والضرب والسحل والتعرية وهتك الآعراض، وعلى الرغم من التضليل الآعلامى والتخوين و الأتهامات الباطلة التى تنهال على رؤسنا من كل جانب بالزور والبهتان وعلى الرغم من ان الثورة تتعرض لمحنة شديدة ولا تجد مناصريين كما كان الحال فى السابق، فأنى لن اكتب عن احداث الأيام الماضية وتفاصيلها ولا المؤتمر الصحفى الذى يدين صاحبه قبل ان يبراء ساحة الثوار ولكن ساكتب عن موقع تلك الآحداث والى اين تآخذنا. نستطيع ان ننغمس فى تفاصل كل ما يجرى، ثم نتوه فى الصورة التى نراها حتى نصل الى طريق سد ونقول فى قرارة انفسنا "الصورة ضبابية، واننا لا نرى شيئا". لكن اذا رجعنا خطوة الى الوراء او التقطنا صورة من اعلى، فمن الجائز ان نقول اننا امام معركة واحدة طول الوقت وهى معركة "الحرية!" لقد كان شعار "عيش حرية عدالة اجتماعية" و معه "عيش حرية كرامة انسانية" هو انجز شعار لثورة 25 يناير. هذا الشعار وبالآخص كلمة "الحرية" يلخص كل ما خرجنا من اجله وكل ما نقاتل عليه ونثور من اجل تحقيقه. معركة الحرية هذه وقعت بعدة ميادين. الميدان الأول كان الأستفتاء على تعديل مواد الدستور، وازعم اننا خرجنا من الأستفتاء ثلاثة قوى وليس اثتنتان كما كنا نرى. فلقد تبين مع مرور الوقت اننا امام المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وامام التيار الأسلامي، ثم الثورة. بعدها التبست الصورة امام البعض ظنا بأن هناك صفقة ما بين التيار الأسلامي والمجلس الأعلى على شكل المستقبل! نسي من يطرح هذا الطرح اوجه تشابه عديدة بين الجيش والتيار الأسلامى يجعل من يراى مواقفهما يرى وكأنهما متفقين والحقيقة غير هذا! كلاهما يؤمن بالسلطة الهرمية وتسلسل القيادة ومركزية القرار واعلاء (او تقديس) الجالس على رأس الهرم مرشد كان او مشير او حتى قيم (ارباب المدارس السلفية تسمى رأس المدرسه قيم لذلك كان الجوزية يطلق عليه ابن القيم لأن اباه كان قيم المدرسة).. ثم ان كلاهما يؤمن بأن التغير يجب ان يحدث بالتدريج، فهما قوتان محافظتان ولذلك تشابه آدائهما ويبقى ما فى القلب فى القلب. وعلى أي حال، خرجنا من ميدان الأستفتاء خاسريين... ثم انتقلت معركة الحرية الى ميدان أخر وهو ميدان الأنتخابات البرلمانية وفى هذا نقول، ان قوى الثورة التى وصلت الى البرلمان ضعيفه للغاية ولا تمثل اى قوى ممكن التعويل عليها بداخل البرلمان، مع شديد اعتزازنا بمصطفى النجار وعمرو حمزاوى وزياد العليمي وان شاء الله عمرو الشوبكى وغيرهم من اصحاب الفكر المستنير والمواقف الثورية، الا ان عددهم قليل وعدد مقاعد قوائم احزابهم و احزاب الثورة قليل، وبالتالى فأن البرلمان لم يعلق يافطة مكتوب عليها "هنا ميدان التحرير". ومن هذا المنطلق! اعرف ان هناك من بيننا من يريد ان يخوض غمار عدة صراعات فى "ميدان البرلمان" من اجل ترسيخ عدة قواعد للمستقبل منها على سبيل المثال ان الحكومة يجب ان تشكل من القوى الممثلة فى البرلمان وان رئيس البرلمان يجب ان يستلم الحكم من الجيش بموجب صلاحيات دستور 71 المعدل او بموجب قرائة للآعلان الدستورى. لمن يريد ان يدخل معركة الحرية محظة "ميدان البرلمان"، نقول له... على رسلك. هذه معركة تضيع للوقت، الحكم فيها هو الأعلان الدستورى واللاعبون فيها هم المجلسان الأعلى والشعب والباقى عبارة عن كرة يتلقفها اى من اللاعبين ويشوطها حيث آراد. سيختلفون اذا كان من حق مجلس الشعب المكون ان يقيل وزير او ان يشكل حكومة او ان يمارس دوره التشريعي والرقابى. وفى هذا الصدد نقول مرة اخرى، لا ناقة لنا فيها ولا جمل. والسبب ان كل هذه تفاصيل سيتصدى لها اعضاء مجلس الشعب من التيار الديني بمواجهة المجلس الأعلى والمستفيد هو اما التيار الديني اما المجلس الأعلى. الأستفادة التى قد تعود علينا هى اتساع مساحة الأختلاف بين المدارس المحافظة. لذلك اهيب بكل منشغل بالشأن العام ان ينشغل بالمعركة الأم وهى الحرية ويترك "ميدان البرلمان" لأربابه.. نصل بعد البرلمان الى ميدان اخر لمعركة الحرية وهو المجلس الدستورى. هنا يجب ان تكون للثورة وقفه. مبدأيا الدستور هو القانون الأعلى فى البلاد وهو الأساس الذى يبنى عليه كل شيئ. وهو ليس خالد حتى فى الديمقراطيات العتيدة وانما يجرى عليه تغيرات من آن الى آخر حسب تغير الزمن. لكن تبقى بعض الشروط الأساسية. ليس هذا وقت الحديث حولها لكى لا نختلف. لكن من الممكن الحديث حول موقع الدستور لكى نتفق على ما هو العمل. الدستور له معنى مبسط وهو كيف ينظم الجتمع نفسه وما هو شكل المستقبل الذى اجمع عليه واضعوا الدستور. تنظيم المجتمع ببساطة معناه كيفية الحكم سواء كان جمهورية برلمانية (انجلترا واسرائيل) او رئاسية (امريكا) او شبه برلمانية شبه رئاسية (فرنسا) الى غيرها من التفاصيل. وتجدر الأشارة هنا الى ان المعركة الحقيقة بين الآخوان والجيش قد تأتى فى هذه التفصيل (ان آتت) لأن الأخوان تفضل البرلمانية من اجل اطمئنانهم الى الآغلبية فى البرلمان وهو ما يضمن لهم ان يتبنوا سياسات طويلة الآجل تخدم مصالحهم حتى يتحولوا مع الوقت الى السيطرة الكاملة على الحياة السياسية. على الجانب الآخر المجلس الآعلى قد يكون له موقف ضد الجمهورية البرلمانية لأنه بهذه الطريقة قد يفقد منصب وزير الدفاع الذى قد يصبح مدنى او على الآقل مختار من ضمن القادة و معين من قبل الآغلبية فى البرلمان ولن يكون للمجلس الأعلى سيطرة على البرلمان فى حين قد يكون له سيطرة على الرئاسة. قد يرتاح المجلس الأعلى الى الدولة الرئاسية لأن السلطة لم تخرج من يديهم منذ ثورة 1952 والى الآن. مكان الثورة فى هذا الصراع يجب الا يبنى على اساس حسابات المكسب اللحظى او الخوف من مكسب آخريين. وانما اتجاه الثورة يجب ان يكون وراء الهيكل الآمثل لتنظيم المجتمع لأننا يوما ما قريب سنكون فى الصدارة مجددا بأذن الله (قرابة 70% من الشعب المصري تحت سن ال30 سنة). الهيكل الأمثل فى نظرى هو الجمهورية الرئاسية مثل الولاياتالمتحدة. ساعتها سيكون البرلمان مستقل عن جدارة وصانع سياسات ومراجع على آداء الحكومة عن جدارة. وساعتها لن يكون هناك رئيس وزراء "يشيل الليلة" ولكن رئيس الجمهورية! وسيكون الفصل بين السلطات حقيقي وواقعى! اما المطلب الذى يجب الآحتشاد حوله فى تنظيم المجتمع هو الغاء نسبة العمال والفلاحيين من مجلس الشعب! اما شكل المستقبل فهو الآمال التى اجتمع على تحقيقها اهل الدستور وتوافقوا عليها ونظموا المجتمع من اجل ان يصلوا بتنظيمهم الى الغاية والهدف. شكل المستقبل هذا على الرغم من خطورته لا يجب ان تتصدر فيه الثورة منفردة لأن المواجهه ستكون مع التيار الأسلامي او بالآحرى سيصدر الأخوان السلفيين من اجل خوض المعركة حول موضوع الشريعة والمرشح الوحيد ليكون مع الثورة ضد السلفيين هو المجلس الأعلى، اما الأخوان فلن يتصدروا (ارجو من القارئ الكريم ان يفهم خلفية الكاتب. انا ارى ان الأسلام هو الحل، ولكن المشكلة فى الأخوان والسلفيين) وانما سيتركوا هذا المعترك للسلفيين ثم يحاولوا التوفيق بين جبهة السلفيين وباقى جبهات المجتمم (يعنى الأخوان هتلعب دور باب نويل، لأن هدفهم هو تنظيم المجتمع من اجل آتاحة الفرصة لتنظيمهم ان يسود).. بعد ميدان الدستور ستنتقل معركة الحرية الى "ميدان الرئاسة" وفى المنافسة على رئاسة الجمهورية يجب ان يفهم الجميع اى كان توجههم او الشخص الذى يحتشدوا خلفه ان خسارة الثورة لمقعد رئاسة الجمهورية سيقضى على الثورة تماما. اذا جاء رئيس جمهورية مثل عمرو موسي الذى يتحدث عن الثورة ويقول انها عمل عظيم ثم يثني كلامه ويقول ان الفوضى الخلاقة هى التى آتت بالثورة! وجود هذا الرجل فى الرئاسة معناه ان الرجل سيتصدى للثورة ويقتلها لأنه يرها من اجندة الفوضى الخلاقة الموجهه من امريكا، وهو دائم الأستشهاد بما حدث فى العراق من فوضى بعد ان تم حل مؤسسات الدولة على يد الأحتلال الأمريكي ويرى ان المقصود بالثورة فى مصر هو احداث نفس الفوضى! لذلك ارجو من كل الحملات الرئاسية الجادة والتى لها مرشحون محتملون جادون (حمدين صباحى وابو الفتوح والبرادعى) ان يتوافقوا على مرشح ونائب او مرشح ونائبان او مرشح ونائب ورئيس وزراء ليس من اجل المنصب ولكن من اجل مصر ومن اجل الثورة ومن اجل مستقبل افضل لنا جميعا! والا..... ستبقى معركة الحرية الى ان يدرك الشعب المصرى النجاح بأذن الله، ثم بعدها سنتحول الى معارك العيش، والعدالة الأجتماعية والكرامة الأنسانية (لاحظ ان المصريين خرجوا فى ثورة 25 يناير لأن عندهم كرامة وليس صحيح ان الثورة آتت لهم بالكرامة) .. لكن الكرامة التى اقصد هي كرامة العرب والمنطقة! نحن نعيش فى عالم جديد، تتغير فيه موازين القوى المالية من امريكا واوروبا الى الصين والهند وتلك دول ليس لها نموذج اقتصادى منفصل يمكن اتباعه او قوى ناعمة مؤثرة يمكن الأسترشاد بدفئها. العالم الجديد الذى نعيش فيه مازال يتشكل ويولد امامنا ولم ندرك بعد ابعاده. نحن نرى مستقبل يولد وماضى يرحل. جيل اباء يولى (وان آبى الرحيل وتشبث بالسلطة) وجيل ابناء يحل محله (بطبائع الأشياء) ولا عجب ان نرى صراع بين ثوار شباب فى مصر وسلطة أباء بل قل أجداد.. بل الآعجب، ان تكون الرأسمالية فى العالم تترنح، ثم يختار الناس فى بلادي قوى رأسمالية لتكون اكثر من 80% من البرلمان فى حين كان شعار الثورة العدالة الأجتماعية! اعرف ان تلك مفارقة اخرى ولكن المفتاح الأيدولوجي السياسي الأقتصادى الذى نستعمله للمستقبل "لا يعمل" ... ان التحرير يقع فى هذه المعادلة بمثابة العنصر الذى يستطيع ان يصحح المسار بكلفة أقل وبتوائم مثالى مع المستقبل، وان لم تصدقنى فأنتظر لترى كيف سيصف التاريخ من حرق "وصف مصر" وكيف سيغير التاريخ من قال "هنا ميدان التحرير"