إذا افترضنا أن هناك لصا حاول سرقة محفظة داخل أحد الأتوبيسات، فشاهده راكب آخر غير المسروق فنهره وفضحه، فقام اللص بإخراج مطواة وضرب الشاهد وشوه وجهه، ثم قفز من باب الأتوبيس مسرعا، فقز ورائه مجموعة من الركاب واستطاعوا اللحاق به، فأوسعوه ضربا ولم يتركوا جزءا من جسمه إلا وبه دما، ثم سلموه لقسم الشرطة لعمل محضر بالواقعة، فقام الضابط بسب اللص وشتمه بالأب والأم، وقام أمين الشرطة بمجاملة الضابط فضرب اللص عدة أقلام وركله برجليه حتى تحول اللص إلى شبه إنسان مكوم على الأرض. أما صاحب المحفظة فقد كان منزعجا وخائفا من كل ما حدث، فهو لم يدخل قسم شرطة من قبل ودائما فى حاله، وعندما شاهد الضرب أمام عينيه تأثر جدا وقرر أن يتنازل عن المحضر مكتفيا بكل ما لقيه اللص من ضرب على إيدى الناس ومن أمين الشرطة، إلا أن الشاهد الذى أصيب رفض وطلب منه عدم التنازل وبدأت مشادة بينهما انتهت بخناقة وتشاجر بالأيدى، خاصة أن أقارب الطرفين كانوا قد وصلوا وشاركوا فى الخناقة كل لصالح صاحبه، فقام الضابط بإدخال الشاهد والمسروق مع اللص إلى الحبس لينال الجميع علقة ساخنة من المحجوزين بالتخشيبة، ويخرج اللص والمسروق والشاهد فى حالة يرثى لها: هدوم مقطعة.. وجوه مشوهه.. الدماء تسيل من أجزاء عديدة من أجسامهم.. ليس لديهم قدرة على الوقوف. يا ترى من المخطئ فى هذه القصة.. هل هو الضابط أم اللص أم الشاهد أم المسروق؟! فإذا افترضنا مجددا أن اللص استطاع أن يثبت أن الشاهد ليس على حق وأنه لم يسرق المحفظة أو يمد يده عليها، وأنه اقترب من المسروق بسبب الزحام الشديد بالأتوبيس وأن جيب المسروق كان صغيرا والمحفظة كانت تخرج منه وتكاد تقع.. وأنه رجل شريف وأمكنه إثبات ذلك، فيخرج براءة بينما يستطيع الشاهد إثبات تجنى المسروق عليه وتعديه بالضرب ويحضر تقرير طبى يثبت ذلك، فيتم الحكم على المسروق بثلاثة أشهر سجن، ويتم الإفراج عن الشاهد الذى يظل بعاهة مستديمة نتيجة ضربة المطواة من اللص داخل الأتوبيس. فأصبح اللص حرا طليقا.. وأصبح المواطن الشريف مسجونا.. والشاهد مشوها بعاهة مستديمة.. والآن، ما هى نظرة المجتمع بعد عدة سنوات لكل فرد من الثلاثة، وهل سيتذكر أحد هذه القصة وهو يتعامل مع أى من الثلاثة.. أم سيكون الحرامى إنسانا صالحا من وجهة نظر المجتمع، والشاهد المشوه بلطجى، والمسروق مجرم خريج سجون. لقد انقلب الحال وأخذ كل فرد من هؤلاء دورا غير دوره.. هذا هو حال المجتمع الذى نعيش فيه فى ظل غيبة من تطبيق القانون، أو تطبيقه على البعض دون الآخر، وعدم تطبيق المساواة وكذلك تنفيذ الناس لقانون الغاب بأخذ حقوقهم بأيديهم إن استطاعوا ذلك لعدم إيمانهم بأن هناك قانونا يمكن أن يقوم بذلك. والحل، هو سيادة القانون وتطبيق العدل على الجميع: الغنى وصاحب النفوذ، وصاحب السلطة وليس فقط على الفقير والذى لا يملك.. وأن يكون لكل إنسان فى المجتمع حقوقه الطبيعية، وهى ليست فقط الحقوق السياسية كما تسلط الضوء عليها جماعات حقوق الإنسان ولكن أيضا الحق فى السكن، وفى العلاج بشكل آدمى، وفى التعليم وفى العمل وفى المعرفة، الحق فى الحياة بشكل آدمى دون الإقلال بشأنه ومعاملته معاملة غير كريمة. إن القصة المذكورة هى قصة خيالية ولكنها تحدث فى كل وقت ونراها بشكل أو آخر حولنا بنفس التفاصيل أو تفاصيل أخرى، لأنه مع الأسف كثير من الأوضاع داخل مجتمعنا معكوسة، وليست فى مكانها الصحيح، فهل يمكن أن تعتدل هذه الأوضاع فى القريب العاجل.. أتمنى ذلك.