بخصوص ما نشر علي لساني بعدد الجمعة 12-2-2010 تعقيباً علي ما طرحه د. عبدالمنعم أبو الفتوح من دعوة الاخوان للانسحاب من المنافسة الانتخابية لمدة عشرين سنة، وقد تم إختزال الحديث عني بصورة أخلت بمضمونه، فإنني أريد أن أوضح عدة نقاط: 1- كل الحب والتقدير لشخص أخي وأستاذي د. عبدالمنعم أبوالفتوح، ولأصل الفكرة التي طرحها وهي: كيف نخرج من حالة الاستقطاب الحاد والثنائية الموجودة في الحياة السياسية المصرية (بين النظام والإخوان المسلمين) والتي أتفق معه - ومع كثير من المهمومين بحال الوطن- في أنها شاركت في تبرير النظام لجريمة التعطيل للحياة السياسية بأكملها وللتطور الديمقراطي وللإصلاح عمومًا ولقمع الحريات العامة ولاستمرار الطواريء ولتزوير الانتخابات بحجة أن الإخوان هم البديل المطروح فورا إذا ما تمت انتخابات نزيهة بل إذا ما ساد مناخ ديمقراطي وحريات حقيقية، وتم استخدام وتسويق هذه الحجة فزاعة لتخويف الداخل والخارج من أي تطور ديمقراطي وأي تغيير في اتجاه الإصلاح السياسي والدستوري. 2- إن حالة الاستقطاب والثنائية هذه، يتحمل وزرها وتسبب فيها النظام بمنظومة القمع الأمني والاحتكار لكل مواقع المسئولية في الوطن من العمدة وشيخ البلد والغفر في القرية إلي رئاسة الدولة مرورا بعمداء الكليات ورؤساء الجامعات ورؤساء الأحياء والمدن والمحافظين ( اختيارات كلها تأتي بناءً علي الولاء والثقة وليس الكفاءة والتخصص )، ثم الكراهية لكل مدلولات الاختيار الحر من القواعد ومن ثم التزوير لكل الانتخابات أو تجميدها إذا ما عجز عن التزوير (سواء كانت انتخابات طلابية أو عمالية أو مهنية أو محليات أو شعب أو شوري أو حتي جمعية أهلية)، مما تسبب في انسحاب قطاع عريض من أهل الكفاءة والخبرة من الميدان العام وغياب كثير من القوي السياسية والمجتمعية، بينما بقي الإخوان بقدرتهم علي الجمع بين السعي الدائم للمشاركة السياسية وبين تحملهم التضحيات والثمن الباهظ لهذه المشاركة من حرياتهم. 3- أتفق مع أخي الحبيب د. عبدالمنعم في التمييز بين العمل السياسي والمنافسة الانتخابية، وأثمن ما أكده هو أن الاهتمام بالشأن العام والمشاركة السياسية بالحضور والتفاعل مع قضايا الأمة والوطن فريضة لا يسع الإخوان التخلي عنها، وكانوا وسيظلون يعتبرونها فريضة إسلامية ضمن فكرتهم المحورية أن الإسلام نظام شامل يتناول مظاهر الحياة جميعا والحكم- الرشيد-جزء منه والحرية فريضة من فرائضه، وأن المسلم لا يسعه إلا أن يكون سياسيا بهذا المعني، مهتمًا بشأن وطنه وأمته (من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم)، بينما المنافسة الانتخابية وسيلة وآلية من آليات العمل السياسي تحسب بقدرها وبنتائجها وبمدي قدرتها علي المساهمة في تطوير وإصلاح وتغيير الواقع لصالح نهضة الأمة. 4- أختلف مع أخي الحبيب د. عبدالمنعم أبوالفتوح في اعتباره أن انسحاب الإخوان من الانتخابات سيساهم في الإصلاح الديمقراطي، رغم اتفاقي معه علي ضرورة مساهمة الإخوان في نزع الفزاعة التي تستخدمهم حجة وذريعة لتعطيل التطور الديمقراطي، وأظن أن إبطال مفعول هذه الفزاعة يكون بالمناقشة حول حجم المشاركة الذي يجب أن يؤكد به الإخوان قناعتهم بالمشاركة لا المغالبة، وبأنهم يؤمنون حقيقةً بأن إصلاح حال الوطن والأمة لا تقوي عليه حركة سياسية منفردة ولكنه يحتاج لعمل مشترك يؤمن بالتعددية السياسية والدينية والفكرية ويقوم علي القواسم المشتركة بين كل الشركاء في الوطن -وهي كثيرة-، أما أن ينسحب الفصيل السياسي (الأقدر علي المشاركة والمنافسة والمواجهة وتحمل التضحيات) من المنافسة الانتخابية تماماً فأظن أن هذا لن يستفيد منه إلا النظام وسيتم توظيفه لصالح مزيد من التغييب للمجتمع وتضييع حقوقه، ولن يقف عند حد الانسحاب من الانتخابات البرلمانية بل سيجُبر معه الإخوان - وكل الفاعلين في الحياة العامة- علي ترك كل الحقول الانتخابية (الطلابية والعمالية والمهنية والأهلية) لاحتكار الحزب الوطني وجماعة المنتفعين، بل حتي فكرة التفاعل مع هموم وقضايا الوطن والأمة سينحسر أنصارها نتيجة هذا الانسحاب، وستخسر هذه القضايا مناصرة ممثلين منتخبين عن الأمة لها بما لذلك من أهمية كبيرة. إجمالاً أتصور أن الانسحاب الكامل للإخوان من المنافسة الانتخابية سيضير بالحركة الوطنية وسيضعفها وستحتاج لسنين طويلة لحين استعادتها زخمها وقدرتها علي مواجهة (الاستبداد والفساد والاستسلام لأجندة المشروع الأمريكي- الصهيوني)، وبديلاً عنه أري دخول الإخوان في شراكة حقيقية مع كل القوي الوطنية وأري ضرورة سعي الإخوان للمشروعية السياسية والقانونية (تكوين حزب سياسي مثلا ) وهو ما يتعارض مع فكرة الانسحاب الانتخابي. 5- أخيرا أؤكد أنني أتفق مع أخي د. عبدالمنعم أبو الفتوح في الهدف وأختلف معه في الوسيلة لتحقيق الهدف، ولعل ما سبق أن طرحته علي صفحات «الدستور» في عدد الأربعاء4 نوفمبر 2009من رؤية تساهم في الخروج من مأزق الاستقطاب والثنائية وإبطال استخدام الإخوان كفزاعة لقوي الداخل والخارج بما يحقق تقوية مشروع الإصلاح الوطني وفرص نجاحه وإبطال حجج وذرائع خصومه.