يقول الله تعالى في كتابه الكريم في سورة الصف : ( يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِندَاللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ )، صدق الله العظيم. أكاد احترق كل يوم مليون مرة مع كل خبر أقرأه و كل برنامج أشاهده و كل قرار لا يصدر. أطنان من الكلام بلا أي فعل، و لا أحد يحاسب، و الحرية تتجلى في طول اللسان، و البطولة تنحصر في تصرفات فردية عشوائية حماسية لا ينتج عنها أي فائدة، و الطاقة تتبدد في حديث عن ماضي تخيلي من قبل أفاقين يزيفون التاريخ، و جدل خزعبلي حول مسميات و هطرسات لا علاقة لها بلقمة العيش و مصائر الأمم. و يقول لي الخبثاء أن الأمر مدبر حتى نصل الى واحد من اثنين: اما أن ينفذ صبر الشعب و يدفعه الخوف للقبول بحكم عسكري، أو نصل الى الانتخابات و ينحاز الشعب الى الجهة الوحيدة المنظمة ذات خطة و استراتيجية واضحة (الاخوان) وننتخبهم واضعين الأيدي على القلوب خوفا من فقدان الحرية المتمثلة في أفلام ايناس الدغيدي و السبكي و كلاسيكيات الأدب الجنسي . أشرككم معي في نماذج و أمثلة و أتساءل و أسألكم ألم يكن في الامكان أفضل مما كان؟ - مفيش حسم: دعونا نتذكر، قانون دور العبادة، قانون الغدر، قانون مجلس الشعب و الشورى (برضه لسه في مجلس شورى!)، قانون استقلال القضاء، كلام كلام كلام و جعجعة بلا طحن و مبادئ فوق دستورية و تحت النملية ، و النتيجة صفر. و عندما تسأل لا تستطيع ايجاد سبب منطقي لعدم الحسم. و الغريب أن غالبية هذه القوانين يجب حسمها لضمان استكمال المرحلة الانتقالية بسلام. و الأغرب أن كمسارية الاعلام لا يسألون عن هذه القوانين و لا يهتمون بحسمها، و يفضلون الاستمتاع بحوارات الفلول و السبايدرمان المصري و المحاكم العسكرية في مقابل المدنية، و الأكثر غرابة أن موضوعات خطيرة مثل قواعد المصالحة و اعادة استيعاب الفلول لم تناقش أو تحسم اطلاقا.. لحد امتى.. أرجوكم أن تقارنوا ما نفعله بما تفعله الثورة الليبية الوليدة( مع كل الاحترام للفروق و شوائب الدم و التدخل الخارجي و غيره). لديهم قيادة موحدة و متحدث أوحد هو مصطفى عبد الجليل، ثالث يوم بعد دخول طرابلس يعلنون توحيد كل الفصائل بسلاحها و توجهاتها تحت راية المجلس الأعلى، لا مجال للاختلاف، و عندما تحوم الشبهات حول القائد العسكري عبد الفتاح يونس يتم اعدامه. قسوة و عنف و لكن الثورات لا تحتمل اللون الرمادي، يا أبيض يا أسود، عبد الناصر أخرج الملك فاروق من مصر في 3 أيام، و طبق الاصلاح الزراعي و اعادة توزيع الثروات في 6 أشهر. مفيش هزار. يبقى ليه يا ربي احنا لسه قاعدين بنهزر كل ده.. - مفيش تنفيذ: ثم أن هناك قوانين موجودة و قوانين جديدة تم الاتفاق على تطبيقها، و قرارات حاسمة تم اصدارها، و لكن للأسف لا تطبق. مثال بسيط: أول قانون في تاريخ المدنية : لما حد يسرق أو يبلطج يتم القبض عليه، لما حد يمشى عكس الاتجاه يعاقب و يغرم. هذه البديهيات لا تطبق، و نسمع و نقرأ كل يوم عن عودة الشرطة تدريجيا و انتشار الأمن بشكل تصاعدي، فين ده يا شباب؟ الأمن بيسخن بقاله 89 دقيقة و الماتش خلاص بيخلص، هينزل امتى؟ و بعدين الجميع طالب بقانون البلطجة و استحسن موضوع تحويل كل من تنطبق عليه أحكام القانون الى المحاكم العسكرية، و عندما بدأ التطبيق تعالت الصرخات ( لأ ده ظلم، ده غير دستوري، الجيش بيفرض نفوذه، ده انقلاب على الثورة). واضح ان ماحدش قرأ القانون اللي وافقوا عليه! أمر طبيعي في ظل عشوائية و ضوضاء مرعبة. البشر بطبيعتهم يختبرون النظام فاذا وجدوا الحسم في التنفيذ التزموا و استجابوا. و نحن ببساطة لا ننفذ ما نعلنه. أمر في غاية الخطورة. سيخطئ الجميع سهوا و عن عمد ثم يجدون من يدافع عنهم بكلام مثل معلش و اصله قلبه على البلد ، و حتى لو غلط غيره بيغلط). مش هنخلص كده. طبقوا القانون مرة واحدة و كله هيلتزم ( بما في ذلك بدلة مبارك البيضاء في المحكمة، بلاش استفزاز!) - مفيش وضوح: وعد عصام شرف ببيان أسبوعي لتقديم تقرير بما تم انجازه في مقابل ما التزمت به الحكومة من خطط. كما وعد بعد تشكيل الحكومة الجديدة بتقديم خطط و أهداف محددة خلال أسبوع من تشكيلها. و النتيجة؟ لا شيئ . لا بيان اعلامي أسبوعي و لا خطط و لا أهداف. و لا أحد يسأل و لا أحد يحاسب، و السادة الصحفيون و المنظرون منشغلون بمدنية الدولة و تزاوج الفن و السياسة .عندما كنا صغارا نعمل في مجال المبيعات كان الاجتماع الأسبوعي هو المحك الرئيسي، حيث يعرض الجميع نتائج أعمالهم و يظهر الفارق بين المنتج و الفاشل. عندما تكتشف أنه لا يوجد موعد و مكان و زمان للمحاسبة فما الداعي للعمل. ثم أن هناك الكثير من الموضوعات التي ماتت اعلاميا، مثل استرداد أموال الدولة المنهوبة و كشف تفاصيل الأراضي التي تمت اعادتها للدولة، و الموقف النهائي من تعديل عقود الغاز (يعني هنلغيها و لا هنعدلها و لا هتفضل زي ما هي)، و غيرها من الموضوعات الشائكة و الحساسة. يبدو أننا نبتعد عن الصراحة لأننا نخشى الاعتراف بالخطأ، و دي حاجة تحرق الدم، لأن الاعتراف بالخطأ هو أول خطوة في الاصلاح.. طب بلاش كل ده، أطلب مثالا واحدا، في ظل قوانين البورصة و الاستثمار و الشفافية المالية من المفترض أن تعلن أسماء ملاك كل قناة تليفزيونية و حساب الربح و الخسارة، و أيضا تعلن أسماء ملاك محطة اذاعة الاف ام الخاصة الوحيدة و التي مازالت تحتكر البث الخاص لمدة 9 سنوات. و لو فعلوا ذلك ستكون فضيحة عالمية عندما نكتشف تحالفات غير متوقعة و نجد الجميع يخسرون بعشرات الملايين. و وقتها سنعرف من هو المجرم الحقيقي و من هم أصحاب الأجندات.. لو رجالة بصحيح اعملوها. - مفيش دم: اكيد مفيش دم خالص. كل حرامي محترف من رجال مبارك أخرج أمواله (اللي هي أموال الشعب أساسا) و أطلق قنوات و أنتج برامج و كلها تبرر و تبروز و تمجد و تخلق أبطالا وهميين. و يتم تثبيت هذه الصور المزيفة من خلال تعليقات منظمة و مكثفة في صحف مملوكة لنفس الناس و العصابات. بدأ الأمر ببعض التبريرات الساذجة ثم استفحل ليصل للعب دور البطولة و يصبح تامر أمين مفجر روح الثورة و طلعت زكريا الصديق الصدوق الذي اعترف له مبارك بكل أسرار الحكم و تحدث معه عن جيمي و سوزان و كله. بينما تهدد علا غانم و سمية الخشاب بترك البلد لو حكمها الاخوان و تحلل ايناس الدغيدي الخلفية السياسية للحجاب ( و هي في الغالب تتحدث عن الحجاب اللي بيعملوه عشان الأعمال السفلية المناظرة لمستوى أفلام سينما الليل و آخره). و الكارثة انهم جميعا لا يعترفون اطلاقا بأي خطأ أو رغبة في التوبة و الوحيد الذي اعترف كان شوبير الذي اعترف بجريمة تزوير و عدت عادي خالص!! مش ممكن اننا لا نطبق من الديمقراطية و فلسفة الثورة سوى أمر واحد هو حرية الكلام و الأباحة و الافتاء و الهطرسة. انها البيئة المثالية للطفيليات و الحشرات المتسلقة ، و أكاد أسمع أصواتا تهمس في قلب كل فاسد و تقول أحمدك يا رب، لعبناها صح و طلعنا براءة. - مفيش أمانة: عشرات المستشارين و المتطوعين لمساعدة و معاونة رئيس الوزراء،كلهم يستفيدون من هذا التطوع، يكتبون المقالات و يدعون الى الندوات و يفتتحون المحلات ، و يتألقون في السهرات ، و يبدأون العلاقات العاطفية و يستمتعون بالهمسات. و في نفس الوقت فانهم لا يتوقفون عن انتقاد عصام شرف و حكومته و مستشاريه و أدائهم ؟ الله، مش سعادتك معاهم برضه؟ يعني لو مش عاجبك ممكن تستقيل أو تعتذر أو تحاول تصلح الوضع و تغير المسار؟ أكيد انت عايز بس مشغول في الندوات و السهرات و القعدات، و كله من أجل الوطن.. حاجة تكسف.. - السؤال: و بناء على كل ما سبق، هل الموضوع مؤامرة أم جهل أم تهاون أم ترجمة طبيعية لواقع شعب تعرض لأسوأ عمليات الافساد و التجهيل و التدمير و التعذيب و الاستنزاف، حتى أصبحنا نحتاج سنوات طويلة من أجل الاصلاح الجذري. و اذا كان الأمر كذلك، فمتى سنبدأ؟ حتى الآن لم نسمع كلمة واحدة عن تطوير التعليم ( بعيدا عن مشروع زويل و الذي أراه في رأيي المتواضع مشروع للقمة بينما لازلنا نحتاج لاصلاح القاعدة)، و لم نسمع كلمة تنفيذية واحدة فيما يتعلق بمشروعات محور التعمير و تنمية سيناء (بعيدا عن المؤتمرات) . و للمرة الألف،أرجوكم لا تقولوا لي انها حكومة مؤقتة و غيره، لو مؤقتة اذن يجب أن نصل الى الانتخابات بأسرع وقت، و ليستعد من يريد و ليتحالف من يريد، لأننا بصراحة نفقد الصبر و الثقة و الأمل اذا استمر الوضع على النحو الراهن. لن يضيرنا أن نصبر لسنوات و لكن فقط عندما نرى هناك خطة و خطوات و تنفيذ فعلي و اتفاق على الاتجاه و الطريق. أقوى السيارات لن تتحرك خطوة اذا كان كل اطار من اطاراتها في اتجاه مختلف.. - جملة اعتراضية مليونية: ممكن كفاية كلمة مليونية على كل حاجة و كل تجمع؟ الاستخدام العشوائي يضعف المعنى و يسفه من القيمة، و بعدين احنا ما صدقنا نوصل لمرحلة عدم المبالغة ، يا ريت كل شيء يأخذ حجمه الحقيقي.. - القذافي: صور كوندوليزا رايس في غرفته، يعني كمان ذوقه وحش..اخص على كده..