المكان: الإسكندرية. التى يصفونها بأنها عروس البحر الأبيض المتوسط. الزمان: لحظة انتصاف الليل يوم الجمعة 31 ديسمبر 2010. إنها اللحظة الفاصلة التى تنتهى فيها سنة 2010 لتبدأ بعد لحظات قليلة السنة التالية 2011. وأهمية هذه اللحظة أنها تعنى انتهاء العقد الأول من الألفية الثانية. وبداية العقد الثانى من نفس الألفية. الإسكندرية مدينة كوزموبوليتانية تجاورت فيها الأديان والملل والنحل والجنسيات. واستطاعت أن تهضم كل غريب وأن تجعله جزءاً منها. والإسكندرية اجتذبت أدباء العالم وجعلتهم يكتبون عنها أجمل ما كتبوا فى حياتهم. فرباعية الإسكندرية للورانس داريل تكاد تكون أهم أعماله الأدبية. وما كتبه كفافس عن الإسكندرية يفوق كل نتاج آخر له. ورواية ميرامار لنجيب محفوظ جمالها الجوهرى أن أحداثها تجرى فى الإسكندرية. بل إن رواية مثل: السمان والخريف لنجيب محفوظ أيضاً. يختلف الحكى فيها وإيقاع الكتابة عندما يترك عيسى الدباغ القاهرة راحلاً إلى الإسكندرية. فى اللحظة التى انتهت فيها سنة 2010 بكل ما حملت من آلالم وما خلفت من أحزان وما أثارت فى النفوس من آمال. وقع انفجار فى كنيسة تقع فى شارع جانبى من كورنيش الإسكندرية فى منطقة ميامى. وهى المنطقة الواقعة بين محطة الرمل وبين المنتزة حيث قصر الملك فاروق وفندق فلسطين. تباينت الحكايات. لكن يحتمل أن الانفجار نتج عن شاب انتحارى فجر نفسه وقتل قبل أن يقتُل 22 مصرى ويصيب 45 ارتفع عددهم بعد ذلك إلى 73. ليضع مصر أمام مفترق طرق بالغ الخطورة. فبعد ساعات من التفجير الذى لم تعرفه مصر من قبل. خرج بابا روما ليطالب بحماية المسيحيين فى مصر. على طريقة الفلاش باك فى القصص الحديثة وفى المسلسلات والأفلام السينمائية الجيدة نعود إلى نوفمبر من العام الماضى. عندما أعلن تنظيم القاعدة فى العراق أنه بسبب الأخوات المسلمات الأسيرات فى الأديرة والكنائس. نطالب بالإفراج عنهن فوراً وإلا سيقوم التنظيم بعمل تفجيرات. وأعطى مهلة من الوقت. لكن يبدو أنه لا أحد أخذ هذا التهديد مأخذ الجد. بعدها خرج علينا رئيس سابق للموساد الإسرائيلى. حيث اعترف بأن إسرائيل تقف وراء كثير من حوادث الفتنة الطائفية فى مصر. يومها سخرنا منه. وقلنا أن العدو الإسرائيلى يريد أن ينسف لنفسه كل ما يجرى على أرض مصر حتى التخريب والقتل والدمار. وأنه لا يريد أن يترك للمصريين أى شئ بالمرة. السؤال الآن: من الذى فعلها هذه المرة؟ أصدقاء من الإسكندرية قالوا لى أنه راجت شائعة فى المدينة فى الأيام الثلاثة السابقة على التفجير قالت أن وفاء قسطنطين وكاميليا شحاتة نقلتا إلى الكنيسة التى جرى التفجير أمامها. ووفاء قسطنطين لمن لا يتذكر امرأة حدثت بسببها مشكلة منذ عامين. حيث تركت بيتها وأهلها وقيل أنها أحبت مسلماً زميلاً لها. وأنها دخلت دين الإسلام. وعند إلقاء القبض عليها من أجل تسليمها للكنيسة كانت صائمة. لأن الوقت كان رمضان. أما كاميليا شحاتة. فقد كانت زوجة كاهن فى صعيد مصر. وزوجة الكاهن ينظر إليها باعتبارها إنسانة شبه مقدسة. يقولون عنها: مرات أبونا. وهذه اختلفت مع زوجها وتكررت نفس القصة. حيث قيل أنها أحبت مسلماً ودخلت الإسلام. بل ونشرت لها على مواقع الإنترنت صوراً وهى منتقبة. وقد قيل أن الكنيسة تسلمتهما وأودعتهما فى أحد الأديرة. وفى كل يوم جمعة بعد صلاة الجمعة تقوم المظاهرات مطالبة باستلام المرأتين المسلمتين المحتجزتين فى الكنيسة كرهاً وظلماً وعدواناً. فهل هذا هو السبب؟! أم أن هناك أسباب أخرى؟! من المعروف أن السابع من يناير أصبح عيداً للإخوة المسيحيين. وقد تقرر أن يكون أجازة لأول مرة منذ العام قبل الماضى. فهل الهدف منع احتفالات المسيحيين بهذا العيد؟ خصوصاً أن مصر عرفت قدراً من التوتر الطائفى فى الفترة الماضية دفع البابا شنودة للاعتكاف فى الدير. ولولا وساطة قام بها مصطفى الفقى ومنير فخرى عبد النور. ما حضر البابا شنودة للقاء الرئيس مبارك خطابه فى افتتاح مجلسى الشعب والشورى. ثم استقبل الرئيس مبارك البابا شنودة بمكتبه فى القصر الجمهورى لأول مرة فى تاريخ العلاقة بين الدولة والكنيسة. فقد جرى العرف أن يلتقى الرئيس بالبابا لقاءات عامة. لكن هذه العامة كان الاجتماع منفرداً ولم يحضره أحد. فهل الهدف صب الزيت على النار؟ أم أنه استهلال لسنة 2011 الذى سينتخب فيها الرئيس حسنى مبارك لولاية جديدة؟ أم أن ما يحدث للمسيحيين فى العراق من اضطهاد دفع البعض منهم للتفكير فى الهجرة قد سمع فى مصر. خصوصاً أن التهجير هذه المرة للمسيحيين المصريين آت من قاعدة العراق. وهم الذين سبقوا أن هددوا المسيحيين المصريين. أما أن هناك التباس بين المسلمين والمسيحيين فى مصر. فهذا واقع وموجود. والكلام كثير. وتدور الاحتكاكات اليومية حول أمرين أساسيين. أولهما بناء الكنائس أو توسيعها. والثانى قصص الحب التى تدفع بعض النساء المسيحييات والرجال المسيحيين للتحول عن ديانتهم إلى الديانة الأخرى. والحلول معروفة. أن يصدر قانون دور العبادة الموحد. وتقوم دون صدورها عقبات كثيرة لا مجال للخوض فيها. وأن تكون هناك حرية الانتقال بين الأديان. وهو أمر أصعب من الأول. أصابع خارجية أم توترات داخلية؟ هذا هو سؤال المصريين الآن. والتحقيقات بدأت يوم السبت الماضى وإلى أن تنكشف الغمة ونعرف رؤوسنا من أرجلنا سيقى السؤال عاصفاً باستقرار أهل مصر. فالعلاقة الملتبسة بين المسيحيين والمسلمين خط أحمر لا يجوز الاقتراب منهم أو المساس به. لأن كيان مصر كله قام على هذه العلاقة. لقد استمرت المحنة التى كنت أتمنى أن تسكن خانات التاريخ. لأن الجهات الخارجية التى حاولت استخدامها واستثمارها كثيرة جداً هذه المرة. أول من حاولوا ذلك بابا روما. طالب بحماية المسيحيين فى الشرق الأوسط. وحدد المسيحيين فى العراق والمسيحيين فى مصر. وأكد على ضرورة توفير حماية لهم فى مواجهة الأخطار التى تتهددهم. لم يرد عليه أحد فى العراق. وهذا طبيعى. لكن رد عليه فى مصر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر وجرى سيجال وأخذ ورد بين الشيخ الطيب – هكذا قال لى عندما سألته عن الإسم الذى يحب أن نناديه به. فقال لى الشيخ أحمد فقط – وبين مكتب بابا روما. ووصل السجال لتوجيه دعوة للشيخ أحمد لزيارة الفاتيكان. لكن الأمر ما زال فى دائرة الكلام. بعده مباشرة خرج علينا الرئيس الأمريكى باراك أوباما. لفت نظرى فى كلامه بعد تعبيره عن دهشته مما جرى للمسيحيين فى مصر أنه قال أن الولاياتالمتحدةالأمريكية مستعدة لتقديم خبراتها الأمنية واللوجستية لمساعدة الشعب المصرى على تجاوز محنته ومواجهة الأخطار التى تهدد المسيحيين فيه. هل هى ذلة لسان؟ أم أن الأمر مقصود؟ هل تجاهل أوباما كيان الدولة المصرية؟ أم أن رؤساء الدول الكبيرة لا يتوقفون أمام هذه الأشياء؟ ثم جاءت السفيرة الأمريكية فى القاهرة: مارجريت سكوبى لتقدم العزاء. كنت أتصور أن تقدمه للرئيس مبارك. لأنه يوجد بين الشهداء ثمانية من المسلمين. لكنها ذهبت مباشرة إلى البابا شنودة. وكأنها لا يعنيها سوى دماء المسيحيين فقط. حتى لم تفكر فى تقديم العزاء لوزير خارجية مصر أحمد أبو الغيط. أو لأى جهة مصرية وفضلت الذهاب للكنيسة. عندما عبرت عن دهشتى من هذا الذى يجرى فى مصر. قال لى الدكتور وحيد عبد المجيد. المحلل السياسى والكاتب أن مشكلتى – من وجهة نظره الخاصة – أننى أحاول أن أعثر على معان ودلالات فيما يقع. وهذا يمكن أن يحدث لو أن هناك منطق أو شبه منطق. لكن فى حالة الفوضى غير الخلاقة الراهنة من الصعب العثور على أى معنى أو أى دلالة. هذه ليست كتابة عن المحنة. لأن تفاصيل التحقيقات تتبدى مثل النهار الطالع من رحم الليل بصمته وظلامه. إن ما أحاول وضعه فوق الورق الذى أكتب عليه خليطاً من المشاعر والأحاسيس والرؤى وربما الأحلام الغامضة. لأننى أكتب عن موضوع ساخن. بل شديد السخونة. لدرجة أن القلم يتسابق مع الدم. مع كل لحظة هناك جديد. وكل جديد يحول الجديد الذى قبله إلى قديم بقدرة قادر. ولأن هذه الكتابة تنشر بعد كتابتها بأيام وليست فى اليوم التالى مباشرة. لذلك سأحاول الابتعاد عن كل ما هو خبر. مع أن الناس فى مثل هذه الحوادث لا تجرى إلا وراء الأخبار. وإن عزت عليها الأخبار ومن المؤكد أنها تكون شحيحة وعزيزة وغالية فى بلادنا. فلا يبقى أمامها سوى الشائعات. وسوق الشائعات الرائج فى مصر يمكن أن يهز أركان مصر كلها. وأن يضع مصر بكل من فيها وما فيها. بتاريخها وحاضرها ومستقبلها على عبة المجهول. الجدل الدائر فى مصر على مدى الأسبوع الأول بعد التفجيرات هو الأسئلة التى لا إجابات عليها. هل هى عربة مفخخة؟ وهل يحدث هذا يحدث فى مصر لأول مرة؟ إن هل الثانية تتكأ على إجابة هل الأولى. ولأن السؤال الأول ليس هناك إجابة حاسمة عليه. فلا يصبح من حقى طرح السؤال الثانى. وأنا لا ذنب لى. لأن الناس هى التى تطرح وهى التى تقول وهى التى تتكلم. هل فجر انتحارى نفسه أمام الكنيسة؟ وإن كانت الإجابة بنعم فلا بد من القول أن هذا الفعل غير مسبوق فى تاريخ مصر. وأن الأمر يقف وراءه قاعدة العراق. وأن هناك محاولة – أو يقولون مؤامرة – لتعريق مصر أو عرقنة مصر. والقاعدة تعنى إرهاباً إسلامياً. والهدف كان مسيحياً. ولذلك قد تتجه مصر نحو الكلام عن فتنة طائفية لا وجود لها فى الحدث. ربما كان هذا هو الهدف. أنا محتار لماذا يتناسون إسرائيل؟ قال لى واحد بلدياتى يعيش فى الإسكندرية أنه قبل الحادث بيومين فقط كان فى الإسكندرية 350 إسرائيلى حضروا من مولد أبو حصيرة فى قرية دمتيوه بالقرب من مدينة دمنهور بالبحيرة. وأن الإسكندرية كانت مجرد ترانزيت بالنسبة لهم. فهل تأكدت الدولة المصرية من خروج العدد الذى دخلها من الإسرائيليين؟ قال لى أكثر من محلل سياسى: لا تشغل بالك بإسرائيل. قلت إن مسئوليها تحدثوا بالأمس القريب عن دورهم فى الفتنة الطائفية المصرية. قال لى إنهم يفعلون هذا حتى يبدون أمامنا بأنهم القوة الفاعلة لكل شئ وأى شئ فى الدنيا كلها وليس فى مصر وحدها. لكن يوم السادس من يناير جاء نيتانياهو إلى شرم الشيخ. وهى زيارته الأولى بعد اكتشاف الجاسوس الذى نسيه المصريين بسبب التفجيرات وحكايات شهداء التفجيرات. وكأنه لم يكن. ولم أحب أن أتنفس هواء مصر فى الوقت الذى قضاه هذا الإرهابى على أرض مصر. حمدت الله أن مؤتمره الصحفى قد ألغى. وأن سليمان عواد الناطق الرسمى بإسم الرياسة المصرية وزع ورقة مكتوبة على الصحفيين بما جرى.