من الواضح أن زيارة الأمين العام لحلف شمال الأطلسي أندرس فوج راسموسن الأخيرة إلي موسكو كانت لترتيب أوراق عام 2010 من أجل خدمات روسيا في أفغانستان. ومن الواضح أيضا أن الكرملين قبل بالأمر الواقع.. أقصد الوجود الغربي الكامل في أفغانستان مقابل أشياء لا يمكن التكهن بها ويتم الاتفاق عليها خلف الأبواب الموصدة جدا. روسيا في الحقيقة سلمت أمرها لله في أفغانستان، إما لعدم القدرة فعليا علي الوجود هناك، والأسباب كثيرة، علي رأسها عدم رغبة الشركاء الغربيين في إشراك «الشريك الروسي!» في الكعكة الأفغانية مستقبلا، وإما لخبث الروس من أجل رد الصفعة السوفيتية إلي حلف الناتو والولايات المتحدة، وتحسين صورة روسياالجديدة - ما بعد السوفيتية طبعا- أمام المواطن الأفغاني المشغول ليس إطلاقا لا بروسيا ولا بأمريكا ولا بطالبان أو القاعدة، بل بأحواله المتردية في بداية الألفية الثالثة. راسموسن اتفق مع الروس علي تكثيف مرور الشحنات العسكرية وغير العسكرية إلي أفغانستان عبر الأراضي الروسية. وأكد للكرملين أن حلفه حريص علي التعاون رغم وجود الخلافات والعقبات. واكتفي بالتأكيد علي العمل المشترك في أفغانستان المنكوبة دائما سواء بالسوفيت أو الأمريكيين أو ما يسمي بقوات التحالف الدولي. بعد عدة أيام فوجئنا بتصريحات راسموسن «الاستراتيجية» في مؤتمره الصحفي مع الرئيس الأفغاني حامد كرزاي في كابول حول أن علاقات الناتو وأفغانستان تتسم بطابع استراتيجي طويل الأمد، وأن الناتو لن ينسحب من أفغانستان قبل أن يكون باستطاعة القوات الأفغانية تحقيق الأمن والاستقرار بنفسها علي كامل أراضيها. وتلا في النهاية الرسالة التاريخية للأفغان وغيرهم والتي أكد فيها 3 أمور: الأول، ستبقي قوات الناتو في الأراضي الأفغانية لمدة زمنية غير محددة، لإعادة تسليح ورفع القدرات القتالية للجيش الوطني الأفغاني وقوي الأمن كي تكون قادرة دون أي مساعدة علي بسط الأمن والاستقرار. والثاني، الموعد النهائي لانسحاب قوات حلف شمال الأطلسي من أفغانستان ليس مرتبطا بعامل الوقت. والثالث، سوف يقوم حلف شمال الأطلسي بنقل المسئولية الأمنية إلي القوات المسلحة الأفغانية تدريجيا من حيث المكان والزمان. بقي فقط أن ينقلوا إلينا الرسالة الخاصة بالعراق!