رشيد محمد رشيد أخطر أضلاع المجموعة المتحلقة حول نجل الرئيس أولئك الذين يعتنقون ما يُسمي في الغرب بالرأسمالية المتوحشة.. وكان الراحل صلاح حافظ يسميهم أطفال الليبرالية المتوحشة داخله رشيد محمد رشيد..وزير التجارة والصناعة اتعليقاً علي ما ذكرَتْه بعض المواقع من أن الوزير رشيد محمد رشيد قد حطّم الرقم القياسي لسفريات الوزراء والمسجل للوزير محمود محيي الدين، إذ لم يمكث في مصر علي مدي عامٍ كاملٍ إلا 67 يوماً فقط وأمضي باقي العام (298 يوماً) خارج مصر، سألني أحد الأصدقاء «من أين يأتي رشيد بالوقت اللازم لكي يؤدي مهامه؟» فسألته بدوري «وما هي المهام التي تستوجب وجود رشيد في مصر أصلاً؟».. فتلعثم الصديق.. وتذكرتُ ما يحدث عندما يقول لك أحدهم أحياناً إن رشيد هو أفضل هذه المجموعة وأصلحهم لرئاسة الوزارة، فإذا سألته لماذا؟ أجابك بأنه رجلٌ محترم وبشوش الوجه وابن ناس ويتكلم كلاماً مرتباً ومريحاً.. فإذا سألت محدَِثك ثم ماذا؟ وما هي إنجازاته؟ تلعثم ثم توقف.. ولم يُضف شيئاً. والحقيقة أن الصفات السابقة كلها متوفرةٌ فعلاً في المهندس رشيد، فهو من رجال الأعمال المحترمين الذين لم يرتبط اسمهم بشائعة فساد (وكذلك أبوه وأسرته) كما أن وجهه بشوشٌ فعلاً بدليل أننا نطالع صورته عشر مراتٍ علي الأقل في الصحيفة الواحدة يومياً دون أن يصيبنا الملل، فضلاً عن أن لديه القدرة علي الكلام المرتب بغّض النظر عن محتواه أو قيمته (وهي صفةٌ مشتركةٌ في وزراء أمانة السياسات).. ولكن هذه كلها في رأيي مؤهلات نَسَبٍ تصلُح لعريسٍ يتقدم للزواج، وليست مؤهلاتٍ لتولي رئاسة وزارة مصر. والحقيقة أنه لا حاجة لرشيد للوجود كثيراً في مصر.. إذ إن الدور الرئيسي لرشيد في هذه الوزارة هو ألا يكون له دور، كما أن المطلوب منه أن يفعله بالتحديد هو ألا يفعل شيئاً!. فرشيد وزيرٌ للصناعة والتجارة، ودوره الذي نجح فيه علي مدي ست سنواتٍ هو ألا يفعل شيئًاٍ (كدولة) لا في الصناعة ولا في التجارة. إن رشيد محمد رشيد في رأيي هو أخطر أضلاع المجموعة المتحلقة حول نجل الرئيس، أولئك الذين يعتنقون ما يُسمي في الغرب بالرأسمالية المتوحشة وكان الراحل صلاح حافظ يسميهم أطفال الليبرالية المتوحشة.. والذين يؤمنون إلي درجة التقديس بتقليص الملكية العامة وإلغاء دور الدولة في جميع المجالات، وينحازون للاستيراد والتوكيلات علي حساب الإنتاج والمنتجين، ويعتبرون الوطنية والاستقلال في الاقتصاد نوعاً من الشعارات الجوفاء.. وفي رأيي أنه لا بأس في أن يعتنقوا ما يشاءون من الأفكار والنظريات حتي تلك التي اعترف أساتذتهم في الغرب بخطئها، ولكن البأس كل البأس هو أن يفرضوا معتقداتهم علينا ويجربوا فينا نظرياتهم دون تفويضٍ منا ويعبثوا ببلدٍ بحجم مصر فتكون النتيجة ما نعانيه الآن. عودة إلي المهندس رشيد، فإذا استبعدنا القرارات الروتينية التي تصدر عن أي وزارة (حتي بدون وزير) سنجد أن القرار الحقيقي الوحيد الذي اتخذه رشيد ويمكن نسبته إليه علي مدي السنوات الست في وزارته هو قرار الكويز الذي استحق عليه الإشادة من بوش.. ثم لم يفعل شيئاً بعد ذلك.. لا عن إهمالٍ لا سمح الله، ولكن عن قصدٍ وتعمد. ففي مجال الصناعة وقف رشيد بشراسةٍ ضد أي محاولةٍ للدولة (التي يمثلها) لإقامة مصانع.. وكلنا يذكر غضبته الشديدة علي تصريحٍ دعائيٍ لأخيه وزير الاستثمار قال فيه إن شركات قطاع الأعمال تدرس المشاركة في إنشاء مصنع أسمنت في الصعيد.. فانبري رشيد غاضباً في اليوم التالي نافياً هذا الخبر ومطمئناً رجال الأعمال إلي أنه لا عودة لأيام الستينات، أيام إسهام الدولة في إنشاء مصانع. وأعتقد أن ست سنوات مرت من وزارة الفكر الجديد تكفي الآن لملاحظة تكامل الأدوار في القضاء علي دور الدولة في التصنيع فوزير الاستثمار يقضي بالبيع علي ماهو موجودٌ من مصانع ووزير الصناعة يمنع بناء مصانع جديدة. سيرُّد رشيد أو آلته الإعلامية بحكاية برنامج الرئيس لإقامة ألف مصنع.. وهي خدعةٌ كبري قد تنطلي علي بعض البسطاء الذين يظنونها مصانع من عينة مجمع الألومنيوم مثلاً.. بينما القصة كلها عبارة عن قيام هيئةٍ تتبع وزير الصناعة بتخصيص أراضٍ لمواطنين طبناء مصانع فتحتسبها الوزارة ضمن إنجازاتها (لا إنجازات المواطنين).. ومع هذا فقد تحديت (ولاأزال) أن تنشر وزارة الصناعة جدولاً توضح فيه بالتفصيل اسم كل مصنعٍ ومكانَه والسلعة التي ينتجها وعدد العاملين به، والأهم من ذلك هل هو مصنع جديد أم مجرد إضافة لخط إنتاجٍ صغير.. وإلي أن يحدث ذلك سأضطر إلي تصديق ما رواه لي صديقٌ من أن أحد مصانع برنامج الرئيس (أو رشيد) عبارة عن ماكينة تثقيب أحذية يعمل عليها عاملٌ واحدٌ في غرفة صغيرة بالصعيد، أي أنه إذا تغيرت الموضة إلي الأحذية (البانص) سيغلق (المصنع) أبوابه! ومما يؤكد ظنوننا أن الوزير قد صرّح منذ أسبوعين أن وزارته ساهمت في الإسراع في تنفيذ البرنامج الانتخابي للرئيس مبارك لإنشاء 1000 مصنع فمنحت أراضيٍ لنحو 2053 مشروعاً بدأت فعلاً مراحل الإنتاج باستثمارات 3 مليارات جنيه (بحسبة بسيطة نجد أن تكلفة المصنع أقل من 1.5 مليون جنيه وهي لا تكفي لإنشاء مصنع لبان).. ولا أدري كيف تسهم الوزارة في الإسراع في برنامج الألف مصنع بإنشاء 2053 مصنعاً إلا إذا كانت تفترض أنه لا أحد يراجع هذه الأرقام ولا أحد يقرأ (وبالطبع لا أحد يحاسب).. ويا ليت الرقم توقف عند 2053 مصنعاً.. إذ أضاف بيان الوزارة 1713 مصنعاً يجري توفيق أوضاعها وكذلك 975 مصنعاً تم إعادة طرح مليون متر مربع خلال الشهرين الماضيين لإنشائها (أي إجمالي 4741 مصنعاً في برنامج الرئيس لإنشاء 1000 مصنع.. حد فاهم حاجة؟!) هذا في مجال الصناعة.. أما في مجال التجارة فقد وقف رشيد بشراسة أيضاً ضد أي محاولةٍ للدولة (التي يمثلها) لضبط الأسواق.. والمتابع لتحركاته سيلاحظ دون عناءٍ أنه لا يتصدي لأي أزمةٍ في السوق (وما أكثرها) إلا بلقاءات حميميه مع أصدقائه في الغرف التجارية يوجه فيها (نصائح) رقيقة وكلاماً حلواً عن ضرورة عدم المغالاة في الأسعار خشية أن يُحجم المستهلكون عن الشراء منهم (!) أو يدلي هو أو مرءوسوه بتحليلاتٍ لا تُسمن ولا تُغني من جوع مثل التصريح بأن «أسعار الخضروات والفواكه قد ارتفعت في بداية رمضان 30% بسبب زيادة الطلب وأن معظم الأسعار ستعود إلي طبيعتها مع إقبال المستهلكين علي سلعٍ أخري وظهور أعباء جديدة كملابس العيد ومصاريف المدارس!».. وهي تحليلاتٌ يمكن أن نقبلها من أستاذٍ في مركز بحثي أو من جهاز التعبئة والإحصاء.. أما الوزير المختص فدوره يجب أن يتجاوز حدود الكلام بكثير. ولم يكتفِ رشيد بتنفيذ أيديولوجيته في مجالي الصناعة والتجارة فقط وإنما امتدت آثاره إلي مجالاتٍ أخري، من بينها ما ذكره وائل قنديل في الشروق عن دوره في الإطاحة بأحمد الليثي علي خلفية تصريحات رشيد التي برر فيها فشله في توقيع اتفاقية تجارة حرة مع أمريكا باعتراض الأمريكيين علي وجود وزير يعلن كل يومٍ أن هدفه هو تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح، وما هي إلا أسابيع قليلة بعد تصريح رشيد الغاضب إلا وأصبح الليثي والقمح والاكتفاء الذاتي في خبر كان (ولم تُوقع اتفاقية التجارة الحرة أيضاً). أما المشهد الجامع الذي يُلخص الحالة العبثية التي تعيشها مصر فقد حدث منذ أسابيع قليلة، عندما ذكرت دعاية رشيد اليومية بالنص (إن المهندس رشيد افتتح توسعاتٍ لأضخم استثماراتٍ بلجيكية في مصر في مصنع الإسكندرية لكربونات الصوديوم، حيث يصل حجم الاستثمارات البلجيكية إلي 760 مليون جنيه.. ويصل إنتاج المصنع إلي 90 ألف طن سنوياً ويعمل به 630 عاملاً.. وأشارت إلي أن إنتاج المصنع من كربونات الصوديوم يمثل إضافةً مهمةً وضرورية لتعميق الصناعة المصرية.. وهو ما يحقق أهداف خطط الوزارة لتعميق التصنيع المحلي وزيادة القيمة المضافة من الخامات والمواد الأولية المصرية). المفاجأة أن ما نُسِب لرشيد من إنجازٍ هو إنجاز الدكتور عزيز صدقي الذي قاد كتيبة البنائين المصريين لإنشائه منذ 40 سنة.. فالمصنع المشار إليه يا سادة هو مصنع الاسكندرية لكربونات الصوديوم الذي باعه محمود محيي الدين منذ عامين إلي شركة سولفاي البلجيكية ب760 مليون جنيه فقط، هي نفسها ال760 مليون جنيه التي أشار إليها رشيد باعتبارها أضخم استثمارات بلجيكية في مصر.. وال630 عاملاً الذين أشار إليهم الخبر هم عدد العمال الباقين بعد الخصخصة من إجمالي حوالي 2000 عامل.. أي أن عزيز صدقي بني، ومحمود محيي الدين باع، ورشيد زار المصنع فاعتبره من إنجازاته الشخصية!!!. أما الذين بنوا المصنع وحققوا قيمةً مضافةً للاقتصاد المصري (لا البلجيكي) فلا يزالون عُرضةً لسخرية وزراء أمانة السياسات.. وما المانع مادام لا أحد يراجع ولا أحد يحاسب والأرقام أرقامهم والدفاتر دفاترهم والصحافة صحافتهم والإعلام مِلك يمينهم. وأتوجه في نهاية مقالي بسؤال دينيٍ بحت بمناسبة الشهر الكريم إلي فضيلة مفتي الديار المصرية علي خلفية إحصائية سفريات الوزير التي رصدت أن وجوده خارج مصر أكثر من تواجده بها، هل يجوز للوزير رشيد والأمر كذلك أن يُقصر الصلاة ويجمعها ويفطر رمضان أثناء وجوده في مصر باعتبارها دار سفرٍ لا دار إقامة؟ (هذا سؤالٌ حقيقي).