تنتظر شاشة رمضان صلاح السعدني، وتهيئ نفسها لملاقاته، وتفقد كثيرا من بهائها إذا غاب.. هو واحد من أهم «كبارات» التليفزيون سواء كان طبيبا أو محاسبا أو أسطي أو تاجر مخدرات أو عمدة.. أو كما هو حاليا باشا مصري من أربعينيات القرن الماضي.. يرتدي قبعة، ويتاجر في كل شيء يقع تحت يده، بما في ذلك الآثار، ولكنه مع ذلك يعشق وطنه عشقا هائلا، ويكره الإنجليز، لكنه يحضر حفلاتهم ويتزوج منهم، ويعيش بمنطق غاية في الإقناع.. كان من الصعب جدا أن تتقبل هذه الصفات في شخصية «سلطان الغمري» بطل مسلسل «بيت الباشا» لو كان هناك رجل آخر غير صلاح السعدني في هذا الدور.. يضيف صلاح السعدني بعدا ساحرا لأي شخصية يرتديها، حتي قسوته التي قد تحمل نوعا من الظلم تكون مقنعة، ومتقبلة، ونحن نلتمس له العذر دوما.. هو العاشق الذي يبكي حنينا وخوفا عند لقائه بحبيبته الأولي كارمن، وهو الرجل العصبي الذي لا يتوقف عن توبيخ زوجاته الثلاث.. لينتهي الأمر كالعادة بابتسامتنا، لأن السعدني يضيف للحوار أفاقا أخري بقدرته الهائلة علي تحويل الدنيا كلها إلي كوميدية محببة محتفظا في كل الأوقات بهيبة ينفرد بها وحده. منذ سنوات طويلة ونحن نعايش تألق هذا الرجل علي شاشة التليفزيون، تماما مثلما يعيشه هو في «الزوجة أول من يعلم»، و«أبنائي الأعزاء شكرا»، و«ليالي الحلمية» بأجزائه، و«أرابيسك»، و«حلم الجنوبي»، و«الحساب»، و«وجع البعاد»، و«أوراق مصرية»، و«الأصدقاء»، و«الناس في كفر عسكر»، وكنا معه لحظة بلحظة العام الماضي في دور الحاج إبراهيم العقاد في مسلسل «الباطنية»، بجلبابه، وعباءته، وشاربه، وقوة شخصيته التي لم تصل أبدا لحد القسوة المنفرة، أو المفتعلة، ورغم أنه كان يتاجر في المخدرات، إلا أننا تعاطفنا معه جدا، عندما شاهدنا أبوته المجروحة في أبنائه. حضر صلاح السعدني هذا العام وتسلل بهدوء إلي منطقته المفضلة في الأداء التي أهم ما يميزها الثقة الشديدة، والإخلاص التام لكل تفصيلة من تفصيلات المشهد، وذلك النضج، وتلك الخبرة التي تليق بممثل يحمل صفة قديرا منذ بدايته.. تلك الصفة التي تلازمه في كل عمل، وتجعل المشاهد منصتا لأدائه المدهش دوما، والذي يحمل بريقا متجددا بمرور السنوات.