أثارت التصريحات التي أعلنها وزير الثقافة فاروق حسني مساء أمس الأول بشأن استعادة لوحة «زهرة الخشخاش» التي تمت سرقتها في اليوم ذاته من متحف محمود خليل بالدقي، ثم تراجعه عنها في أعقاب ذلك حالة من الفوضي والبلبلة التي تسببت في فضيحة له هو شخصياً ولوزارته كلها ربما لا تقل دوياً عن فضيحة السرقة نفسها. تفاصيل الفضيحة الأولي وردت في بيان صادر عن الوزارة وعلي لسان فاروق حسني شخصياً عندما أعلن عن سرقة لوحة «زهرة الخشخاش» التي رسمها الفنان الهولندي العالمي «فان جوخ»، والتي تبلغ قيمتها نحو 55 مليون دولار من داخل متحف «محمود خليل»، وإلي هنا والمهزلة يمكن ابتلاعها وسيكون الوزير مشكوراً علي شفافيته وشجاعته في إعلان الفضيحة، كما فعلها في عام 2009 عندما أعلن أيضاً عن سرقة تسع لوحات أثرية من قصر محمد علي باشا بشبرا الخيمة، ولم تكد تمر ساعات قلائل حتي طير الوزير خبر القبض علي اللصوص واستعادة لوحة «زهرة الخشخاش» لكنه بنفس السرعة عاد وتراجع عن تصريحاته، مؤكداً أن اللوحة لم يتم استعادتها، وأنها لا تزال في أيدي اللصوص، هكذا بكل بساطة وكأنه يسعي لإحراز 4 فضائح في وقت قياسي.. أجل 4 فضائح في 8 ساعات فقط، لكن تبقي الفضيحة الأخيرة هي الأكثر ضجيجاً ودوياً، فالوزير لم يعلن استعادة اللوحة وكفي بل أطلق للسانه الحبل علي الغارب ومضي سارداً تفاصيل دقيقة عن كيفية حدوث السرقة، وقال الوزير إن أجهزة الأمن ألقت القبض علي الصين في مطار القاهرة قبل سفرهما، مشيراً إلي أنهما إيطاليان «رجل وزوجته» والرجل عمره 35 عاماً، ليس هذا فحسب، بل أكمل المهزلة للنهاية بهذه التفاصيل، مضيفاً أن اللص الإيطالي كان يخفي اللوحة في حقيبة يد «هاندباج»، وأنه كان بصحبة زوجته في زيارة للمتحف صباح نفس اليوم ضمن فوج سياحي مكون من 9 أسبان آخرين، وغافل اللص رفاقه ومشرفي الرحلة وتسلل إلي الغرفة التي تعرض بها اللوحة وقام بنزعها من إطارها باستخدام «كتر»، ثم توجه إلي الحمام هو وزوجته، ثم خرجا سوياً، وهو ما أثار شكوك أمن المتحف من الداخل وأبلغوا الجهات الأمنية عن اشتباههم في الزوجين فتم القبض عليهما. الغريب من أين أتي الوزير بكل هذه التفاصيل التي نسف صحتها بعد ساعتين علي الأكثر، خاصة إذا كانت أجهزة الأمن في كل مراحل هذه الفضائح قد التزمت الصمت التام، وهو ما دفع مصدراً أمنياً بارزاً للتعليق بانفعال: «لم نصرح بأي شيء مطلقاً من أين أتي الوزير بهذه المعلومات لم نبلغه بأي شيء».. الوزير ظل يصرح ويتراجع عن تصريحاته.. دون أن يستمد أي معلومة من الأمن هو بيجيب الكلام ده منين؟! والأغرب أن خبر القبض علي اللصوص بلغ جهات التحقيق التي لم تجد حرجاً في التعامل مع الأمر وكأنه حدث فعلاً، وهو ما ظهر علي لسان مصادر قضائية معلنة أن التحقيق مع اللصوص سيكون في نيابة النزهة التي يقع مطار القاهرة في دائرتها. ثم ساق الوزير ما اعتقد أنه عذر مقبول عن هذه الفضائح بقوله «اتضح أن هذه المعلومات غير دقيقة ولم نتأكد حتي الآن من الجهات المختصة» هكذا أيضاً وبكل بساطة. وزير الثقافة لم يكتف بإحراج نفسه وحده بل أحرج الأمن أيضاً، هذا بخلاف حالة البلبلة التي سببها لجهات التحقيق القضائية ويبدو أنه كان يسعي لتحاشي آثار فضيحة سرقة لوحات قصر محمد علي التي ظلت مختفية لأكثر من شهر، ثم ظهرت في نفس موضوعها داخل القصر بطريقة لا تقل غموضاً عن واقعة السرقة وحتي الآن لم يتم العثور علي الفاعل وأغلب الظن أن هذه الواقعة سيكون فاعلها مجهولاً هو الآخر رغم محدوديه نطاق البحث، لأن الفاعل إما من الزوار وعددهم 11 وقد يقل العدد أو يزيد من واقع سجلات الزوار أو من بين العاملين بالمتحف أنفسهم. ومرة أخري تعود الواقعة لتضع نظام تأمين المتاحف المصرية علي المحك.. وهو النظام الذي يعاني هشاشة وضعفاً يفوق الوصف بحيث ينجح لص بكل سهولة في اختراقه وسرقة لوحة بهذه القيمة.. وينجح آخرون بالطريقة نفسها في سرقة 9 لوحات دفعة واحدة من قصر محمد علي باشا بشبرا الخيمة. لكن كل ما نرجوه أن يتوقف الوزير عن مثل هذه التصريحات ولا يفاجئنا في أيام وربما ساعات قادمة بأن لوحة زهرة الخشخاش «منحوسة» أو «معمولها عمل» وقدرها أن تسرق قاصداً بذلك ما حدث لهذه اللوحة في عام 1978 عندما سرقها لصوص وظلت مختفية لأكثر من 3 سنوات، ثم عادت لمكانها بطريقة غامضة دون معرفة الفاعل أو أن يستبدل الوزير ذلك وهو متماسكاً يعلن «سبوها هتلف وهترجع لوحدها.. ما هي عملتها قبل كده»!