منذ عشرين عاماً لم أكن أسمع في مصر عن وجود أي منظمة من منظمات حقوق الإنسان سوي منظمة واحدة هي المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، أما الآن فلا يمكنني حصر منظمات حقوق الإنسان بسبب كثرتها، وكانت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان تعاني ضعف التمويل علي الأقل حتي نهايات الثمانينيات، ورغم ذلك فقد كان المعتقلون السياسيون يشعرون بمساندة قوية من هذه المنظمة الوحيدة واستطاعت هذه المنظمة وقتها أن تغير أحوال المعتقلين والمسجونين السياسيين في السجون المصرية إلي الأفضل بجهودها المتواصلة وعبر تعاونها مع منظمات دولية عريقة وعديدة في هذا المجال، لكن في السنوات الأخيرة تغيرت الأمور فالمنظمة المصرية لحقوق الإنسان ربما منذ أزمة الكشح وهي تبدو أنها آثرت السلامة فلم نعد نشعر لها بأي أثر فيما يتعلق بالدفاع عن المعتقلين والمسجونين السياسيين ولا بالسعي لتحسين أحوالهم في السجون ولا حتي السعي "الجاد" لتحسن أحوال المعتقلين والمساجين الجنائيين، أما المنظمات الكثيرة الأخري التي لا يكاد يحصيها أحد لكثرتها التي نشأت في نفس الفترة التي غابت فيه المنظمة المصرية عن أي دور فتكاد كلها تكون متولدة منها إذ يندر ألا يكون مؤسس أي من المنظمات الجديدة قد مر في فترة من الفترات علي المنظمة المصرية كأحد الموظفين بها كمحام أو نحو ذلك بل إن عددا من قادة المنظمات الجديدة كان قد شغل منصب الأمين العام للمنظمة المصرية في فترة من الفترات، ولذلك نجدهم كلهم قد استوعبوا الدروس التي علمتها الحكومة المصرية للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان فآثروا الاشتغال بأمور حقوقية تبتعد بهم عن الأنشطة التي تستفز الحكومة وعلي رأسها الدفاع عن المعتقلين والمسجونين السياسيين الإسلاميين والسعي لتحسين أوضاعهم في السجون، فأصبح هؤلاء المعتقلون بلا ظهر يسندهم وأصبحوا هم وأسرهم أمام غول القمع الحكومي بكل أشكاله كرجل ضعيف عار يواجه وحده أسداً جائعًا شرسًا في قفص محكم الإغلاق، أما هذه المنظمات الحقوقية فانغمست في أمور الله أعلم بجدواها لكنها علي كل حال لا يشعر ولن يشعر بجدواها المواطن العادي أو الناشط الإسلامي بينما قد يشعر بشيء من جدواها في بعض الأحيان النشطاء غير الإسلاميين الذين قد يتعرضون لقمع وهم قلة علي كل حال كما أن الحكومة ليست لديها أي مانع للدفاع عنهم (مع بعض الاستثناءات). لذلك نجد المئات من المعتقلين الإسلاميين (من غير الإخوان المسلمين) وقد زادت سنوات اعتقالهم حتي الآن علي 15 عامًا متواصلة دون اتهام أو محاكمة بل ومع صدور المئات من الأحكام القضائية النهائية لكل واحد منهم بالإفراج عنه، مع وجود العشرات منهم في ظروف مزرية جدا بسجن الواحات الجديد (الوادي الجديد) رغم ابتعاد هذا السجن عن موضع إقامة أسر المعتقلين بنحو 1000كيلو متر، فأين منظومة حقوق الإنسان المصرية من هذه الأمور بما تتلقاه من تمويل داخلي وخارجي يعد بعشرات الملايين من الدولارت؟ وأين منظومة حقوق الإنسان المصرية من قضايا المسجونين السياسيين الإسلاميين الذين أتموا مدة العقوبة التي قررها لهم القضاء ورغم ذلك ولأسباب سياسية مازالت أجهزة الأمن تعوق الإفراج عنهم ورغم أن أشهر حالة في هذا المجال هي حالة عبود وطارق الزمر لكن المعلومات تفيد بوجود العشرات من هذه الحالات ولكنهم أقل شهرة فلا نسمع عنهم شيئا، وأين منظومة حقوق الإنسان المصرية من استمرار استخدام الاعتقال السياسي الذي يمتد بلا نهاية محددة (بالمخالفة حتي لقانون الطوارئ) كفزاعة للإسلاميين واستخدام سجن الواحات الجديد كفزاعة للمعتقلين والمسجونين السياسيين الإسلاميين وتعذيبهم هم وأسرهم بنقلهم لهذا السجن الرهيب بما فيه من معاملة في غاية السوء للمعتقلين ولأسرهم أيضا؟! وهناك قضية أخري تتعلق بفئوية بعض منظمات حقوق الإنسان كحالة منظمة معينة لا تدافع إلا عن معتقلي تيار سياسي معين كالإخوان المسلمين مثلا، ولكن المساحة لن تسمح بذلك الآن. واليوم قد يظن البعض أن كل هذه قضايا جزئية وأن قضية الإصلاح السياسي العام هي الأهم والأشمل، لكننا نري أن هذا منطق خاطئ لأن الذي يعوق حركة الإصلاح السياسي هو سلبية الجماهير وضعف الحركات السياسية المعارضة وهذا سببه أن سيف الاعتقال السياسي الذي لا نهاية له والتعذيب وسوء المعاملة في السجون مسلط علي رقاب الجماهير فتخاف أن تتحرك.