المشير عبد الفتاح السيسى اتخذ أخيرًا قرار ترشحه فى انتخابات الرئاسة المقبلة، محققًا رغبة ومطالب الملايين من الشعب المصرى. إعلان ترشح المشير سبقه العديد من الخطوات التى تسارعت وتيرتها فى الساعات الأخيرة، بدءًا من تقديم الاستقالة من منصب وزير الدفاع، ثم تسمية وزير الدفاع الجديد لرئيس الجمهورية، يعقبه تعيين رئيس الأركان الجديد. المجلس الأعلى للقوات المسلحة عقد اجتماعًا مطولًا بعد ظهر أول من أمس (الأربعاء)، قبل وصول الرئيس عدلى منصور عائدًا من الكويت بعد حضوره اجتماعات القمة العربية، حيث امتد الاجتماع حتى حضر منصور نصفه الثانى، وبدا أن الاجتماع سينهى ما اتفق عليه فى نصفه الأول، ومع ذلك خرج الاجتماع بعد ساعات ليتم الإعلان فقط عن أن الفريق صدقى صبحى رئيس الأركان تمت ترقيته إلى رتبة فريق أول. رسميًّا كان هدف اجتماع المجلس الأعلى هو استعراض أوضاع القوات المسلحة وتقديم كشف حساب إجمالى عما تم تحت إدارة المشير السيسى منذ أغسطس 2012 وحتى نهاية مارس 2014، أى خلال نحو 19 شهرًا، وتم ذلك فى النصف الأول من الاجتماع، أما فى نصف الاجتماع الثانى فكما أعلنت مؤسسة الرئاسة، فإن الرئيس منصور ترأس الاجتماع الذى تم خلاله تدارس تطورات الموقف الأمنى والأوضاع الراهنة، كما استعرض جهود القوات المُسلحة لرفع مُعدلات الكفاءة القتالية والفنية وأعمال التطوير فى كل المجالات. مؤسسة الرئاسة أشارت إلى ترقية صدقى صبحى إلى رتبة الفريق الأول دون أى توضيح لمزيد من المعلومات حول تعيينه وزيرًا للدفاع. مصادر ذكرت ل«الدستور الأصلي» أنه كان من المفترض أن يكون التعيين وحلف اليمين بعد توديع السيسى لأعضاء الحكومة وهو ما حدث صباح أمس (الخميس). كواليس اجتماع المجلس العسكرى شهدت أجواء احتفالية بالمشير السيسى الذى بات واضحًا أن الاجتماع كان لتوديع الرجل الأول وتسليم القيادة لنائبه رئيس الأركان، لكن كلمة المشير السيسى التى بُثت بعد انتهاء الاجتماع استحوذت على كل تساؤلات المراقبين، حيث ظهر المشير السيسى ببذة عسكرية ليلقى بيانه الذى لم يقتصر فقط على إعلان شحتى إعلان عزمه الترشح للرئاسة، حيث امتد إلى عرض ملامح برنامجه الانتخابى التى طال انتظار الكثيرين لمعرفته وامتلأت الصحف والفضائيات بتسريبات عنها، وهو ما يثير سؤالًا حول سر إعلان المشير السيسى لاستقالته وترشحه وبرنامجه فى نفس الوقت، وهل كان موفقًا فى إلقاء كل هذه الخطوات بلقطة واحدة وبالزى العسكرى؟ الكلمة التى وجهها السيسى إلى الجماهير الواسعة التى طالبته بالترشح كتبها بنفسه ولم يكتبها له الكاتب الكبير هيكل والذى عُرف ارتباطه به، حيث تردد أنه يدير له الانتقال نحو كرسى الرئاسة، كما لم يكتبها عمرو موسى السياسى المخضرم الذى عُرف أيضًا أنه على رأس الحملة الانتخابية للمشير، ولا أى من الكتاب والإعلاميين الذين عرف قربهم الشديد من السيسى وخروج تسريبات تخصه على لسانهم.
السيسى اختار أن يظهر ببذة عسكرية لكن أيها اختار؟ فهناك بذة المناسبات الرسمية التى وزعت عقب ترقيته مشيرًا، والتى يرتديها فى استقبال الضيوف الرسميين ويرتديها أيضا فى الصور الرسمية مع رئيس الجمهورية والمجلس الأعلى للقوات المسلحة، لكنه ارتدى بذة الميدان التى لا تختلف عن بذة الضابط العادى إلا فى الرتبة التى تظهر على كتفيه، فظهر ببذة الميدان المموهة وتحتها تظهر فانلة المقاتل التى يرتدى مثلها الجنود والضباط وهذه البذة عادة ما يرتديها العسكريون فى أثناء عملهم اليومى فى وحداتهم ويرتديها القادة الكبار أيضا فى أثناء حضورهم أى فاعلية من تدريب أو مناورة أو تفتيش على الوحدات، حيث ترى القائد العام ومساعديه يسيرون وسط الجنود من دون تفرقة.
اختيار بذة المقاتل لتكون آخر لقطة يودع بها تاريخه العسكرى ويستقبل بها بداية مشواره السياسى إشارة مؤكدة إلى اعتزاز السيسى بالمؤسسة العسكرية التى جاء منها ورسالة ربما عكسها فى عبارة استهل بها كلمته، حيث قال: «إننى عشت جنديًّا أقاتل من أجل الوطن»، وبدا واضحًا أن المشير السيسى يودع الحياة العسكرية بصعوبة بالغة، فهو يتذكر أنه ارتدى الزى العسكرى وعمره 15 عامًا عندما كان طالبًا فى الثانوية العسكرية، فحياته سارت هذا المسار مع بداية انتقاله من الصبا إلى الشباب وليست مع التحاقه بالكلية الحربية، وربما وجد صعوبة واضحة فى خلع البذة التى تعبر عن عقيدة مؤسسة آمن بها وخدم مصر من خلالها. لكن إعلانه الترشح ثم عرض برنامجه فى نفس اللقطة وبالزى العسكرى كان رسالة أو أكثر إلى أطراف متعددة، أولها الشعب المصرى الذى أحب ما فعله السيسى له وهو قائد عسكرى ومن خلفه الجيش فكانت رسالة بأن مَن يترشح الآن ويتصدى لقيادة البلاد، هو نفسه الذى تعرفونه وتصدى من قبل، ومن ثَم فهى رسالة تطمين بأنه يتجه إلى منصب سياسى لكن بنفس عزم وروح وتصميم المقاتل.
الرسالة الثانية حملت تحديًّا لحملة ابتزاز الجيش وقائده ومؤيديه التى شنها الطابور الخامس، رافعين ومروجين لقصة عودة الحكم العسكرى بترشح قائد الجيش السابق، والتى أطلقت دراويشها يصفون ترشح السيسى بأنه تأكيد لانقلاب الجيش على الحكم المدنى، وأنه سيضر الحياة السياسية فى مصر ويعود بها ستين عامًا فى إشارة إلى ثورة يوليو 1952 التى قادها الجيش وأيدها الشعب وتولى الزعيم الراحل عبد الناصر مقاليد الحكم. السيسى وكأنه قصد تحدى هذه الأصوات فخرج ببذة المقاتل، يؤكد أنه لا يعبأ ومن خلفه المصريون بهذه التراهات، وأنه يراها عبثًا واستهتارًا ولم يقدم أول تنازل توقعه الكثيرون بأن يتبرأ من خلفيته العسكرية وهو يعرض نفسه مرشحًا للرئاسة على الجماهير. المشير واصل تحديه وهو يحذر القوى الإقليمية والدولية بصفته رئيسًا محتملًا، لكنه يرتدى بذة عسكرية من أن مصر لم ولن تكون ملعبًا لتدخلاتهم، فبعث برسالة تحذير قوية بأنه كرئيس لن يقدم تنازلات عما تبناه من عقيدة الجيش والمؤسسة العسكرية فى الدفاع عن مصالح الشعب والوطن والانحياز لها، بل أنه بانخراطه فى السياسة أصبح أكثر حرية فى التعبير عن آرائه وأفكاره التى يعتنقها، والتى بدا أها تحمل كثيرًا من التحدى والإصرار على استقلال القرار السياسى والإرادة السياسية لمصر.
اللافت أيضًا أن السيسى خلع البيريه أو الكاب، وهذا عادة ما لا يفعله القادة والضباط إلا بعيدًا عن الكاميرات وبعد انتهاء الفاعلية التى يظهرون بها، وربما قصد السيسى من ذلك أنه لم يكن فى مشهد خطاب كوزير دفاع أو قائد عسكرى وإنما كان ينتقل من العسكرية إلى المدنية، كما أن ظهور وجه السيسى بالكامل وعدم حجب الكاب لجبهته ربما أعطى الفرصة للملايين من مؤيديه ليتابعوا تعبيرات وجهه بشكل أفضل وهو يعبر بتلقائية شديدة عن الأفكار التى صاغها وقرأها من بيان مكتوب، لكنه ألقاه بما يشبه الارتجال فحقق تواصلًا مع المتلقين وتفاعلًا معه أكثر أريحية.
من جهة أخرى وفى اليوم التالى ودع المشير عبد الفتاح السيسى بالبذة المدنية زملاءه أعضاء الحكومة فى اجتماعهم (الخميس)، ثم غادر وبعد دقائق علق رئيس الحكومة الاجتماع ليتوجه بسرعة إلى قصر الاتحادية، حيث حضر أداء الفريق الأول صدقى صبحى اليمين وزيرًا للدفاع وقائدًا عامًا للقوات المسلحة أمام الرئيس المستشار عدلى منصور، ثم توجه وزير الدفاع الجديد إلى مجلس الوزراء لينضم إلى الاجتماع المرفوع مؤقتًا فى انتظاره.
أما اسم رئيس الأركان الجديد فقد ظل معلقًا ورفضت المصادر تأكيد تقارير سابقة عن حسمه لصالح قائد الدفاع الجوى عبد المنعم الترّاس، لكنها أيضًا أشارت إلى أن التسمية وإعلانها حق أصيل لوزير الدفاع الجديد الذى أدى اليمين ظهر أمس (الخميس)، وهو ما حدث بالفعل حيث تمت تسمية مدير المخابرات الحربية اللواء أ.ح محمود حجازى رئيسًا للأركان، وأشار بيان للرئاسة إلى أن الرئيس منصور، أصدر قرارًا جمهوريًّا بترقية اللواء حجازى، إلى رتبة الفريق، كما أصدر قرارًا آخر بتعيينه رئيسًا لأركان حرب القوات المسلحة. كما غادر الخدمة بالقوات المسلحة مع السيسى اللواء عباس كامل مدير مكتب السيسى حتى يتفرغ للحملة.