لحظة نادرة وعير مسبوقة نُطق فيها اسم «مصر» من بين الدول المرشحة لجائزة أكاديمية العلوم والفنون الأمريكية (الأوسكار) عن فيلم «الميدان» (The Square)، ولهذه اللحظة تاريخ ولهذا الفيلم رحلة. لم تختلف رحلة فيلم «الميدان» الوثائقى المرشح للأوسكار عن رحلة الثورة نفسها من صعود وهبوط وركود وصحوة واستمرار وفرحة واعتقال وتصادم مع الأمن فى الشارع، وبعد أن أكملت المخرجة جيهان نجيم فيلمها «الميدان» عن ثورة يناير 2011 وعرضته بالفعل وجدت ثورة أخرى تنطلق فى 30 يونيو العام الماضى، واضطُرَّت إلى فتح قوس فيلمها الوثائقى لإضافة مشاهد جديدة إلى العمل، رغم أن العمل كان قد عُرض وفاز بجوائز فى عدة مهرجانات.
مخرجة الفيلم الأمريكية المصرية الأصل جيهان نجيم وجدت نفسها كأى مصرى يقيم بالخارج مرتبطة بثورة المصريين فى 2011، ولأنها تعرف قيمة الكاميرا وتوثيق لحظات تاريخية لن تتكرر فقد حضرت إلى القاهرة فى نوفمبر 2011، وتصادف وقت وجودها فى ميدان التحرير مع اندلاع أحداث شارع محمد محمود والمواجهة الأمنية الأعنف مع المتظاهرين منذ أيام ثورة يناير، ووجدت نجيم وفريق عملها أنفسهم أمام مشاهد واحدة من ملاحم الثورة وتضحياتها فى سبيل حياة أفضل، وجدت الشباب النبيل وقد انتزع خوفه مضحيًا بحياته فى سبيل حلم الثورة، العيش والحرية والكرامة الإنسانية، ووجدت نجيم نفسها أيضًا وسط غاز كثيف ومطاردة رجال الأمن، إذ كانت ومَن معها فى قلب «محمود محمود» وأحداثه، وقبض عليها جندى بالشرطة العسكرية وحطّم الكاميرا التى كانت معها واتهمها بأنها جاسوسة، ورغم أنها ظلت تحاول أن تشرح للمجند ولاحقًا لضباط الشرطة العسكرية أنها مخرجة وأنها كانت تصوِّر الأحداث، فإن الشرطة العسكرية اتهمتها بالجاسوسية، وأنها كانت تُلقِى قنابل المولوتوف على الأمن وخرّبَت الممتلكات العامة، وبقيت معتقَلة مدة 36 ساعة، ولاحقًا أُفرِجَ عنها بعد التأكد من هُوِيَّتها.
فى لقائها مع الإعلامى الأمريكى جون ستيوارت قبل شهور قالت نجيم إنها شعرت خلال يناير 2013 أن فى الطريق ثورة أخرى بعد إحباط الناس من استخدام الرئيس السابق محمد مرسى سلطاته لإعادة إنتاج نظام دكتاتورى جديد، ودفعها هذا إلى العودة للشارع وتصوير مظاهرات يونيو وإعادة مونتاج الفيلم لإضافة هذا الجزء من مراحل ثورة يناير لفيلم «الميدان».
كان فيلم «الميدان» من بين الأفلام المفترَض عرضها فى «بانوراما الفيلم الأوروبى» بالقاهرة فى نوفمبر من العام الماضى، لكن قيل وقتها إن أسبابًا فنية تتعلق بجاهزية نسخة الفيلم حالت دون عرضه ضمن الفاعليات، هذا على المستوى الرسمى، ولكن قيل أيضًا إنه مُنع من العرض لأنه يُحرِج المؤسسة العسكرية التى كانت تدير البلاد فى عهد المجلس العسكرى بقيادة المشير حسين طنطاوى، ويصوِّر الفيلم كيف خاضت قوات الجيش والداخلية مواجهات أمنية دامية فى الشارع ضد المتظاهرين، وقد عُرض الفيلم فى كثير من المهرجانات الدولية واستُقبِلَ بحفاوة كواحد من الأفلام القليلة النادرة التى عاصرت لحظات نادرة من الثورة المصرية، وفاز بعديد من الجوائز الهامة، منها جائزة الجمهور بمهرجان تورنتو فى سبتمبر الماضى بعد تعديل نهايته وإضافة مشاهد جديدة إليه، وجائزة «المهر العربى» من مهرجان دبى، وجائزة الرابطة الدولية للفيلم الوثائقى، وجائزة الجمهور بمهرجان «صندانس»، وعديد من الجوائز الأخرى قبل الترشيح الأخير لجائزة أوسكار الفيلم الوثائقى الذى تُعلَن نتيجته بحفل الأكاديمية فى الثانى من مارس القادم، وبقى فقط أن يُعرَض الفيلم نفسه فى مصر حتى لو لم يُعجِب بعض مؤسسات الدولة، ولنا فى أكاديمية الفنون والعلوم الأمريكية أسوة حسنة، فقد رشحت للأوسكار بجوار فيلم «الميدان» فيلمًا بعنوان «Dirty Wars» (حروب قذرة)، وهو وثائقى يهاجم بعض تصرفات المؤسسة العسكرية الأمريكية فى حروبها الخارجية.