حالة من الذهول المختلط بالحزن واليأس لاتزالت تسيطر على اثنين من مصابي حادثة تصادم قطارين مساء أمس فيما عرف بقطار البدرشين. هم مجندون في العشرين من أعمارهم، جاءوا بأحلامهم البسيطة من الصعيد إلى القاهرة ليلتحقوا بأول أيامهم بالتجنيد، لكن الموت كان بانتظارهم على مقربة من محطة وصولهم.
أربع حالات من مصابي "قطار البدرشين" تم تحويلها إلى مستشفي أم المصريين بالجيزة، خرج أحدهم ظهر اليوم ويدعى أحمد عبد المنعم من محافظة سوهاج لتحسن حالته الصحية، بينما بقي الثلاثة الآخرون، أحدهم ويدعى وليد ناصر أحمد، في حالة اعتبرها الأطباء "شبه مستقرة أو خطرة"، فهو يعاني – حتى استكمال باقي فحوصاته الطبية- من كسر في الحوض وكدمات متفرقة في الجسم.
ويستغرق وليد، ابن العشرين، في نوم عميق، ربما يحاول بنومه أن يمحو من ذاكرته تفاصيل شبح الموت الذي كان بانتظارهم قبيل محطة وصولهم.. استقبل عمه فرج أحمد علي، خبر "الكارثة" كما أطلق عليها، فجر اليوم الثلاثاء، فجاء تاركًا خلفه دموع عائلته بمركز الصوامع شرق بمحافظة سوهاج.
يقول العم: وليد هو الابن الأكبر لأب "على باب الله"، حصل على دبلوم صنايع وحاول العمل "أجري باليومية" لمساعدة والده حتى جاء له جواب التجنيد، ينظر لابن أخيه الذي يرقد مستغرقًا في نومه ويعاود كلامه منكسرًا "محدش عارف هنرجع بيه لأمه وأبوه وأخواته ولا إيه".
على السرير المواجه لوليد، يرقد خالد خلف الله، هو أيضا في العشرين من عمره.
ألقى خالد، تحيته على زملائه الذين تعرف عليهم خلال رحلة الفرز في الثامنه صباحًا بسوهاج واستكمل معهم رحلة الترحيل إلى القاهرة ليلتحق بمعسكر مبارك للتدريب بعد 11 ساعة قضوها بمحطة القطار قبل أن يركبوا معًا القطار القادم إلى القاهرة.
يستدرك قائلا: "مش فاكر غير إني صحيت لقتني تحت عربية البضائع وبعدين غبت عن الوعي لحد ما قالوا لي إني في مستشفى الحوامدية وبعدين لقتني جيت مستشفي أم المصريين".
سيد خلف الله، هو الأخ الثاني لخالد، ترك امتحاناته بكلية الحقوق بجامعة أسيوط وأتى مسرعا ليطمئن على أخيه الأصغر، تاركا خلف "نحيب وصريخ" أمه وأقاربه الذي لا يصدقون أن ابنهم لايزال على قيد الحياة، حسب قوله.
بحسبة بسيطة أجراها زوج أخت خالد، وهو "كومساري" بالسكة الحديد ويدعى ناصر عبد الرءوف، كانت عربة القطار الواحدة تحمل نحو 300 مجند، فالعربة، حسب قوله، بها 88 كرسيا، يجلس على كل كرسي منهم 3 أفراد إضافة إلى من يرقدون بين الكراسي وفوق الأرفف.
أسامة عصام، هو الأكثر مغامرة بين ركاب "قطار البدرشين"، يقول: "نطيت من القطار يا أبلة.. ياروح ما بعدك روح"، هكذا اختصر أسامة ماحدث له مساء أمس مضيفا: "في البداية ركبت بالعربة الوسطى من القطار لكن العكسري أمرني أرجع للعربات الأخيرة لأني "مش تبع حد"، موضحا أنه تم تكديسهم في العربات الأخيرة من القطار لكي تترك عربتان بالوسط للضباط ومحاسيبهم، حسب قوله.
عصام، جاء من نجع عبد الرسول بمحافظة أسيوط، بعد أن التحق بالجيش بشهادة الثانوية العامة، لم يسعفه الحظ بأن يجلس فوق أحد الكراسي فكان موقعه بجانب أحد أبواب عربة القطار قبل الأخيرة، يقول: "كنت بدردش أنا وزمايلي لأننا مكناش قادرين ننام ولما شفت العربة الأخيرة بالقطار بتنفصل نطيت أنا وزميلي.. الروح غالية برضه".
ويتابع: بعد دقائق استطعت أن أقف على رجلي فنظرت إلى ما حدث للقطار ووجدته "زي سندوتش المربي"..، اقتربت بسرعة من أحد العساكر بالقرب من القطار وسألته عما جرى، فأكد لي "مفيش حاجة"، فما كان منه إلا صرخ بوجهه "أمال عربيات الإسعاف دي جايبة مياه للقطار؟".عصام، يشكك في تصريحات المسئولين ووزارة الصحة بشكل خاص مؤكدًا أن عدد الذين ماتوا بالقطار أكبر بكثير مما أعلنوه، ويتساءل عن مصير أصدقائه "محمد وألبير" الذين جاءوا معه للتجنيد وفرَّق بينهما شبح الموت.
ويختتم عصام كلماته بإشارة إلى أن عددًا من المجندين هربوا بعد الحادثة، لافتًا إلى أن الصدمة ورائحة الموت وأشلاء زملائهم ستظل عالقة بأذهانهم.