عندما أمرنا الله بالصيام لم يقصد أن يحرمنا مما حلله لنا بقية العام.. لكنه أراد أن يسمو بنا وبنفوسنا حتى نستحق أن يباهي بنا ملائكته.. لذا فالصيام ليس سهلا كما نتصور في بعض الأحيان بل هو شاق ويحتاج منا إلى مجهود جبار حتى نتغلب على شهواتنا ورغباتنا وألسنتنا، وعلى ما يستقر في قلوبنا من مشاعر سلبية، ولكن هل يعني هذا أننا إذا حاولنا ولم ننجح في كل هذا هل نيأس ويضيع صيامنا؟! عَنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَمِّهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَيْسَ الصِّيَامُ مِنَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فَقَطْ، إِنَّمَا الصِّيَامُ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، فَإِنْ سَابَّكَ أَحَدٌ وَجَهِلَ عَلَيْكَ فَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ".
ومعنى الحديث واضح جدا إذا أن الصيام ليس عن الأكل والشرب فقط، لكن الهدف الحقيقي هو تحقيق تقوى الله بالابتعاد عن كل ما يغضبه تعالى.
حكم صيام من شتمَ أو اغتاب أو كذِب هل إذا قام الصائم بسبّ أحد أو غيبته أو كذب أو قال زورا فهل يفطر أو هل يقوم بقضاء اليوم؟ "لا ليس عليه ذلك، لكن عليه بالاستغفار كثيرا، والابتعاد عن هذه الأفعال التي تنقص بالطبع من ثواب صيامه، فلا يناله منه سوى الجوع والعطش، فإذا كانت المعاصي قبيحة في كل وقت ومن أي شخص فهي في رمضان ومن الصائم أشدُ قبحًا". ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ وَالْجَهْلَ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ". وكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَأَصْحَابُهُ رضي الله عنهم إذَا صَامُوا جَلَسُوا فِي الْمَسْجِدِ وَقَالُوا: "نُطَهِّرُ صِيَامَنَا".
وقال الغزالي مبينا آدب الصوم وتمامه ب6 أمور: أولها غض البصر.. والثاني حفظ اللسان عن الهذيان، والكذب، والغيبة، والنميمة، والفحش، والجفاء، والخصومة، وشغله بذكر الله سبحانه، وتلاوة القرآن، فهذا صوم اللسان..
أما الثالث فهو كف السمع عن الإصغاء إلى كل مكروه، لأن كل ما حرم قوله حرم الإصغاء إليه..
والرابع كف بقية الجوارح عن الآثام: من اليد، والرجل، وعن المكاره، وكف البطن عن الشبهات وقت الإفطار فلا معنى للصوم وهو الكف عن الطعام الحلال ثم الإفطار على الحرام مثل الخمور مثلا..
والخامس أن لا يكثر من الطعام الحلال وقت الإفطار بحيث يمتلئ جوفه..
والأمر الأخير أن يكون قلبه بعد الإفطار معلقا مضطربا بين الخوف والرجاء، إذ ليس يدري أيقبل صومه فهو من المقربين، أو لا يُقبل فيكون من المغضوب عليهم؟ وفقنا الله وإياكم لما فيه الخير دائما.