قصة "مزرعة الحيوانات" كانت لها مِن القمة نصيب؛ سواء في الإبداع الأدبي أو الإسقاط السياسي في بريطانيا موطن الكاتب العبقري جورج أورويل أو في أي دولة أخرى. الفكرة تبعث في النفوس التمرّد ضد الديكتاتور، ولأنها كانت تتحدّث عن القيم المطلقة مثل الحرية والحق والعدالة، وإسقاطها سياسيا بصورة واضحة على الديكتاتور السوفييتي ستالين؛ لذا حقّقت المعادلة الصعبة بين القصة الأدبية والتحليل السياسي. لن نستفيض في "مزرعة الحيوانات"، وسننتقل إلى "مَن يطرد الخرفان؟" تلك الأقصوصة أو المقال الأدبي الذي خطّه الأديب العالمي علاء الأسواني على صفحات "المصري اليوم" في إسقاطات واضحة على الواقع السياسي المصري، دون التطرّق للقيم المطلقة، وكان لكل قوى فاعلة على الساحة إسقاط في عالم حيوانات الغابة. مِن وجهة نظري، نال وصف الأسد في مقال الأسواني "الجيش"، وكانت "الزرافة" إسقاطا على شخصية الدكتور محمد البرادعي، ووصف "الذئاب" فازت به "الداخلية"، أمّا "الخرفان" فكان ملتصقا فعليا ب"جماعة الإخوان"، هذا لا يحتاج مناقشة ولا جدالا، أمّا القيادات الفلولية فاختار الأسواني لها "الخنازير"، و"الفيل" كان الرئيس المخلوع حسني مبارك. دعْ عنك باقي الإسقاطات؛ فلن يختلف إسقاط الحيوانات على باقي الأحزاب، لكن عفوا كاتبنا الكبير؛ فمقالك وإن دلّ؛ فإنما يدلّ على تناقض واسع في آرائك ومواقفك القديمة، عمّا أوردته بأقصوصة "مَن يطرد الخرفان؟". دون إطالة، الأسواني تناول في مقاله أن المجلس العسكري أدار البلاد بحنكة وروعة ودقة عالية، سادت معها حالة مِن التفاؤل والسرور لم يعكّر صفوها سوى استعانة العسكر بجماعة الإخوان المسلمين!! الأسواني أكّد أن المجلس العسكري قام بحماية الثورة وحماية أرواح الشعب المصري، بعد إسقاط "الفيل" أو مبارك مع "خنازيره" أو فلوله على حدّ وصف الروائي الكبير، واستفاض في مديح طويل للمجلس العسكري أو "الأسد"، ولم يستنكر عليه سوى استعانته بالإخوان -أو "الخرفان"- وسعيه لتسليم السلطة لهم. هكذا بكل بساطة أصبح المجلس العسكري الذي أدار البلاد نحو 18 شهرا "أسدا" شريفا لم يمسّ مصريا واحدا، بل أشاع التفاؤل والأمل في النفوس. دعني أوضّح لك يا سيد علاء أن كل الاتهامات والآثام التي ارتكبتها جماعة الإخوان المسلمين -على حدّ وصفك- هي ذاتها التي اقترفها المجلس العسكري؛ سواء مِن قتل أو سحل.. أم نسيت سيادتكم الشيخ عماد عفت ومينا دانيال وسحل ست البنات؟ في أقصوصتك تستعين بالعسكر ضد الإخوان، وتنتظر نزوله لإعطاء الحرية مرة أخرى للشعب لاختيار مَن يشاءون مِن جديد، هل نسيت أم تناسيت هجومك اللاذع في يوليو الماضي ضد مَن طالبوا بنزول العسكر لتخليص مصر من العسكر؟ هل تذكر ماذا قلت؟ "أيتها القطط المتمسّحة بالعسكر خوفا من الإخوان.. هل تطلبون الديمقراطية من الشرطة العسكرية؟!! الحرية تنتزع والشعب الذي أسقط مبارك قادر على الإخوان، وإذا كنّا سنرفض رئيسا منتخبا ونقبل بالعسكر خوفا من سيطرة الإخوان، فلم يكن هناك داعٍ للثورة أساسا؛ لأن وجود مبارك كان سيحمينا من الإخوان". إذا لم تكن تذكر؛ فالتاريخ لا ينسى ويوتيوب يذكر وتويتر يشهد هجومك الضاري ضد كل مَن تمسّح ب"الأسد العسكري"، للتخلّص ممن اخترته، أم هل نسيت كيف وصفت العسكر بأنه "اختطف مصر؟". يا سيد علاء أبلغ الرد على ما تقول هو لو أنك تظنّ أن "آفة حارتنا النسيان"؛ فالتاريخ سيُثبت أنك تتمحّك في عودة العسكر للتخلّص من الإخوان، كدليل واضح على مدى التناقض الذي تحيا فيه، وتسوقه عبر أقلامك على الصحف وأفلامك ببرامج التوك شو. تذكرة أخيرة يا سيدي، "الزرافة" التي ناضلت في أقصوصتك كانت في عز الحكم العسكري تتناضل إمّا عبر تويتر أو التواجد في فيينا، "الزرافة" -أو البرادعي كما أسقطت أنت- في كل مرة يكون فيها حراكا شعبيا تنسحب وتتنصّل من المسئولية كل مرة بحجة، أعلم أنه الذي حرّك المياه الراكدة، لكن التاريخ لا يذكر موقفا وينسى، بل يضعك في المقارنة بينما ما فعلت وما تفعل وما ستفعل. البرادعي رفض استفتاء مارس، ورفض المشاركة بالانتخابات البرلمانية والانتخابات الرئاسية، وفي كل مرة تجده يستجمّ في فيينا، وكأن المياه الراكدة لا تتحرّك إلا مِن هناك. البرادعي لا غبار عليه حاليا، ولا يعكّر صفوه إلا بعض الأقاويل التي تظلّ مجرّد أقاويل حول دوره "السلبي المنسحب" في أزمة الحرب على العراق، ويبدو أن موقفه بالاحتياج إلى وقت كان أشبه بمواقفه الحالية إمّا سلبية أو منسحبة. بعيدا عن كل ذلك يا سيد علاء.. أنت تعيب على الإخوان أو كما تتشدّق ورفاقك "خرفان"، بأنهم رفضوا منهج الانسحاب وشاركوا وحاربوا -قل ما شئت- للوصول إلى السلطة، السياسة حرب ضروس بين المشاركين والفائز يرفع الراية، ولا عزاء للمنسحبين، ولا عيب على الإخوان الذين أقدموا على الحرب لتحمّل المسئولية. نصيحة أخيرة لكاتبنا العالمي.. التناقض يهدم بيوت الصدق، وذاك اتهام موجّه للإخوان من سيادتكم، وقد اقترفته بيديك؛ فحاول أن تجتنبه.