أحمد عثمان يبدو أن الأمل قد ضاع في عيون الشباب بعد مرور أكثر من عامين على ثورة ميدان التحرير، وماتت البسمة على شفاه الملايين الذين خرجوا للمطالبة بغد مشرق، تسود فيه الحرية وينعم فيه المصري بالعيش والكرامة في بلده، فبدلا من أن تنفتح الأبواب أمام شباب فيسبوك للمشاركة في بناء الوطن الذي ثاروا من أجله، جاء تنظيم القاعدة ليرفع أعلامه السوداء في سماء مصر، ويهدد الدولة وأمنها من دون ردع أو مقاومة. فقد هددت الجماعات الجهادية جهاز الأمن الوطني، وحاصرت مقره بمدينة نصر. جاء الجهاديون في مسيرة عسكرية غير منظمة، يرتدون زيا أسود ويطلقون الألعاب النارية والشماريخ في الهواء، وقاموا برفع أعلام القاعدة فوق مبنى أمن الدولة، وهم يرددون هتافات وسبابا. وبينما اختبأ رجال الأمن داخل مبناهم خوفا من الصدام، حاول شباب "القاعدة" اقتحام المبنى وكتبوا على أبوابه عبارة "كلنا أسامة بن لادن". وكان جهاديو القاعدة قد هاجموا السفارة الأمريكية في القاهرة في ذكرى التاسع من سبتمبر الماضي رافعين أعلامهم، ووضعوا صورة أسامة بن لادن -زعيم القاعدة- على حوائط السفارة، من دون أن تتدخل الشرطة لمنعهم. وبعد القبض على خلية إرهابية في مدينة نصر شرق القاهرة، أعلن اللواء محمد إبراهيم -وزير الداخلية- أن الأجهزة الأمنية تمكّنت من القبض على أعضاء خلية أخرى على صلة بخلية مدينة نصر، كانت تخطط للقيام بهجوم انتحاري على سفارة غربية ومراكز للشرطة، وعثر مع من ضبطوا على كميات كبيرة من المتفجرات وأجهزة خاصة بإعدادها، إلى جانب جهاز كمبيوتر يحتوي على رسومات ل"القاعدة" وجهاز لتصنيع الصواريخ، وفي الوقت ذاته تجمّعت عناصر جهادية مصرية وأجنبية في شبه جزيرة سيناء، حيث أقامت معسكرا خاصا للتدرب على القتال في سوريا، وقيل إن سلطات الأمن المصرية لم تحاول التعرض لهذه الجماعات، بدعوى أنهم يستعدون للقتال في إسرائيل. كانت الغالبية العظمى للحركات الجهادية في مصر قد ظهرت منذ منتصف القرن الماضي، انشقاقا عن جماعة الإخوان المسلمين، مستندة إلى فكر سيد قطب، فبعد محاولة قام بها بعض أعضاء الجهاز السري للجماعة لاغتيال الرئيس جمال عبد الناصر في 1954، قرر ناصر حل جماعة الإخوان، وألقى بهم في السجون. في تلك الفترة حدث تطور مهم في المجال الفكري للإسلام السياسي، فقد كتب سيد قطب -الذي كان عضوا في جماعة الإخوان المسلمين- كتابا اقترح فيه إقامة نظام إسلامي من دون حكومة، وقال إن العالم الإسلامي لم يعد قائما في نظره، حيث عاد المسلمون إلى عصر الجاهلية، واعتبر قطب أن حكومات الدول الإسلامية كلها ليس لديها شرعية في الحكم، ورأى أن الوسيلة الوحيدة لإصلاح هذا الخلل يأتي عن طريق استخدام القوة للقضاء على السلطات الحاكمة فيها عن طريق الجهاد، كما ذهب إلى أنه "في المستقبل عندما يستطيع المجاهدون إقامة الدولة الإسلامية الصحيحة، يجب عليها الجهاد (القتال) ضد الدول الأخرى في العالم، لنشر الحكم الإسلامي عليها بالقوة". ومنذ وصول جماعة الإخوان إلى سدة الحكم، وجد شباب "القاعدة" مجالا للعمل في مصر بشكل علني، واتخذوا لأنفسهم أسماء تتعلق بالجهاد الإسلامي والإسلام الثوري، وأصدر الرئيس مرسي قرارا بالعفو عن 571 من المتهمين في قضايا الإرهاب فور فوزه بمنصب الرئاسة في مصر، من بينهم محمد الظواهري -شقيق أيمن الظواهري زعيم القاعدة- ومن المعروف أن علاقة تنظيمات الجهاد الإسلامي بجماعة الإخوان كانت متواصلة منذ أن بدأ أيمن الظواهري حياته السياسية والعقائدية في جماعة الإخوان، ثم التحق بجماعة الجهاد الإسلامي في 1973، وفي 1981 تم اعتقاله ضمن المتهمين باغتيال الرئيس الراحل أنور السادات لمدة ثلاث سنوات، وبعد خروجه من السجن سافر الظواهري إلى باكستان ومنها إلى أفغانستان، حيث التقى أسامة بن لادن وشاركه في قيادة تنظيم القاعدة الذي صار زعيمه بعد مقتله. ويبدو أن القوات المسلحة في مصر أصبحت الآن تواجه التهديد ذاته الذي يلاقيه رجال الأمن، وبدلا من مواجهة الجماعات الإرهابية، قيل إن الفريق أول عبد الفتاح السيسي -وزير الدفاع- قرر استبعاد المواجهة العسكرية مع الجهاديين، بدعوى أنها في غاية الخطورة، وأكد أنه في حال تدخل الجيش في الحياة السياسية "قد يحوّل مصر إلى أفغانستان والصومال". والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: إذا كانت مواجهة الإرهاب في غاية الخطورة، فما هي نتيجة عدم المواجهة؟ نُشر بجريدة الشرق الأوسط اللندنية