صارت الأخبار السورية -لدى البعض- شيئا مملا في محطات الإذاعة والقنوات الفضائية، يستدعي تحويل المحطة وتغيير القناة بمجرد ذكره، والبنج الذي يخدّر به هؤلاء ضمائرهم الغافلة جملة "اللي يحتاجه البيت يحرم على الجامع" ليرددها البعض ببغائية شديدة دون فهم وتحليل. قبل مناقشة الوضع السوري، اسمعوا معي الحديث القدسي القائل: "اطلبوا الخير عند الرحماء من أمتي تعيشوا في أكنافهم، فإن فيهم رحمتي، ولا تطلبوه من القاسية قلوبهم فإن فيهم سخطي". وهل هناك مقارنة بين حديث قدسي عن رب العزة، ومقولة حفظها البعض وصار يرددها بغير فهم؟ فالثابت أنه "ما قلّ مال من صدقة" كما روى سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم، بالإضافة إلى من أعطى في سبيل الله شيئا هو بحاجة إليه أعطاه الله تعالى أفضل مما كان يحتاج. والآن تعالوا نلقي نظرة على حقيقة الوضع السوري المأساوي.. وصلت أزمة اللاجئين السوريين -طبقا ل"مركز أنباء الأممالمتحدة"- إلى "نقطة الانهيار" بسبب العجز الهائل في الأموال، وحذّر المسئولين أن نزوح الأشخاص الفارين من الصراع يمكن أن يقفز إلى 4 ملايين بحلول نهاية العام في غياب حل سياسي. تستضيف الأردن وتركيا ولبنان والعراق حتى الآن أكثر من مليون و300 ألف مواطن سوري، قبل أن يؤكد مفوّض الأممالمتحدة لشئون اللاجئين أن جهود الإغاثة تعثّرت بسبب نقص التمويل، رغم ارتفاع أعداد اللاجئين، وقبل عام لم يكن هناك سوى 30 ألف لاجئ سوري فقط في البلدان الثلاثة. قالت مفوضية الأممالمتحدة إنه يتم تسجيل 7 آلاف لاجئ سوري يوميا، وتشمل الأولويات الملحّة التي تتطلب التمويل بناء مخيمات جديدة لتخفيف التكدس السكاني في المخيّمات القائمة التي تتدهور فيها الخدمات الصحية بسبب الاكتظاظ. وفي آخر مستجدات الأزمة السورية، والتي قتل فيها أكثر من 70 ألف شخص سوري، وتشرد أكثر من 3 ملايين داخل وخارج البلاد منذ بدء الانتفاضة ضد الرئيس بشار الأسد في مارس 2011، ذكر تقرير مكتب الأممالمتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية أن مليونا و200 ألف منزل قد تم تدميرهم أو الإضرار بهم. "ما يقلقنا هو الاستغلال الجنسي للنساء وعمالة الأطفال".. هكذا صرّح مسئولون بالأممالمتحدة، بينما برهن الواقع على صحة ذلك مع انتشار ظاهرة زواج السوريات في مصر والسعودية بأسعار زهيدة. فقد تفاقمت ظاهرة زواج اللاجئات السوريات من مصريين إلى الحد الذي جعل منظمات المرأة في مصر، تنتفض وتصدر بيانات مناهضة لهذه الظاهرة -بحسب ما جاء في بوابة الأهرام- معتبرة ما يحدث "جريمة ضد المرأة ودعوة لتعدد الزوجات"، وازدادت حدة القضية بعد تدخل مشايخ المساجد كطرف فيها لدعوة الرجال المصريين المقتدرين للزواج من اللاجئات السوريات كنوع من أنواع "الستر"، وأفرزت الظاهرة سماسرة لهذا الزواج وبمهر متواضع لا يتجاوز 500 جنيه. وتقول سلمى الجزايرلي، إحدى السوريات المقيمات بمصر: "المشكلة بدأت منذ أن نزحت العائلات السورية إلى مصر كلاجئين، فتلقفتنا السلطات المصرية، ووضعتنا في مساكن بطريق الواحات بمدينة 6 أكتوبر، وهذه الأماكن غير آدمية، وتتعرض فيها الأسر للمساومة على تزويج بناتهن من قِبَل المسجلين خطر والشباب العاطل عن العمل". وأشارت سلمى إلى أن الشيوخ التابعين للجمعيات الشرعية بمدينة السادس من أكتوبر يتوافدون على بيوت العائلات السورية، ويعظوهم بتزويج بناتهم من أجل "الستر" وبحجة أن ظروفهم المعيشية سيئة، مضيفة أن المهور التي تدفع في مثل هذه الزيجات قليلة ولا تتعدى خمسة آلاف جنيه، في حين أن الفتاة في سوريا تتزوج دون أن تدفع مليما واحدا، وليس عليها من نفقات الزواج سوى حفل خطوبتها". وأكد راسم الأتاسي -رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان وأحد السوريين المقيمين في مصر- أنه يقوم حاليا على حل هذه الظاهرة بالتنسيق مع المنظمات النسائية في مصر، وأيضا جمعيات حقوق الإنسان، مضيفا أن تلك الظاهرة قد أصبحت شيئا مهينا للسوريين، وهي شيء ضد الإنسانية. وأشار الأتاسي إلى أن أنه تابع نحو 7 زيجات لسوريات من مصريين خلال شهر واحد، وقد ذهب إلى أسرهم للتحدث معهم وإقناعهم بعدم التمادي في هذه الزيجات، مؤكدا أن عقود الزواج لم تثبَت رسميا، بل كانت عقودا عرفية، مما يجعل الأمر يمثل خطورة فيما بعد عند إنجاب الأطفال، كما أن هذه الزيجات تتم بعد تدخل سماسرة بين العائلات السورية والمصريين الراغبين في الزواج من سوريات، مضيفا أن هذه الزيجات للمتعة فقط، لذلك فهي لا تستمر ويتم الطلاق سريعا. كما شدد الأتاسي على أن هناك مصريين يتبرعون في البداية ببيوت ومؤن لهذه العائلات، ثم يهددون هذه الأسر بالطرد من البيت، والتوقف عن الإعانة مقابل أن يتزوجون ببناتهم، لافتا إلى أن هذه الزيجات تكون من فتيات صغيرات السن. وسلّطت صحيفة "تيليجراف" البريطانية الضوء على اللاجئين السوريين في مخيم "الزعتري" بالأردن، حيث توجد مئات العائلات السورية التي فرّت من بلادها، لتعاني بعدها من المساومة، إذ يلجأ رجال أردنيون وسعوديون إلى وكلاء بحثا عن لاجئات سوريات لأهداف جنسية. وغالبا ما يتم الأمر تحت غطاء الزواج، كما يتم تحديد سعر الصفقة بتحديد المهر، الذي تحول إلى ثمن يدفعه العريس مقابل خدمات جنسية في إطار علاقة زوجية لا تستمر لأكثر من أيام معدودة، أو ساعات في بعض الأحيان، كما تشير الصحيفة. وتقتبس صحيفة "تيليجراف" البريطانية أقوال ناشط بجمعية "كتاب السنة" للأعمال الخيرية، وهي إحدى أكثر الجمعيات الخيرية انتشارا في الأردن، حيث أشار إلى أن "هذه الزيجات غير حقيقية، وتوثق بخط اليد دون تسجيلها بواسطة أي شيخ". وأضاف الناشط أن الأزواج يأتون غالبا من السعودية بالإضافة إلى بلدان أخرى بهدف الزواج بواحدة من نساء المخيمات، ويقوم هؤلاء باستئجار منازل لذوي زوجاتهم بعيدا عن مخيم اللجوء، كما يتعهدون بالتكفل بمصاريفهن، ثم يقع الطلاق بعد أسبوع واحد. ويقول إنه تم خداع العديد من النساء السوريات من قِبل أزواجهن الذين يعدونهن بأن الزواج سيتم على هذا النحو لفترة قصيرة، وإنهم سيصطحبونهن إلى السعودية لتوثيق الزواج، لكن الرجال يتركون اللاجئات ويغيرون أرقام هواتفهم، وبحسب تقديرات هيئة الأممالمتحدة ومنظمات الإغاثة فقد تم تزويج 500 سورية على الأقل ممن لم يبلغن سن الرشد بعد في هذا العام فقط. وتكفي تلك التفاصيل المفزعة التي سردتها شبكة ABC الإخبارية الأمريكية بخصوص بدء تحول بعض اللاجئات السوريات إلى العمل في الدعارة، في سبيل توفير قوت يومهن هن وأسرهن، سواء من اللاجئين أو من الذين لا يزالون في سوريا. واستهلّت الشبكة الأمريكية حديثها بهذا الخصوص، بلفتها لتلك الفتاة التي تُدعى ندى وتبلغ من العمر 19 عاما وهي تقف بين الخيام البلاستيكية في مخيم الزعتري على الحدود الأردنية وتقول: "تعالَ، سوف تحصل على وقت جيد"، وأضافت الشبكة أن ندى فتاة لاذت بالفرار من مدينة درعا السورية، ووصلت إلى الأردن قبل عدة أشهر، وأنها تعرض خدماتها كبائعة هوى على مرأى ومسمع من والدها، دون أن يحرّك ساكنا. اذهبوا للبنوك المصرية واسألوا عن حساب "إغاثة اللاجئين السوريين في دول جوار سوريا" وتبرّعوا.. اسألوا عن اتحاد الأطباء العرب وشاركوا.. توجّهوا لمنظمة "الهلال الأحمر" المصرية وتفاعلوا.. فإن لم تفعلوا فادعوا للشعب السوري بظهر الغيب عسى ألا يسألنا الله عن الأرواح التي تزهق، والأعراض التي تباع، ونحن نردد ببغائية "اللي يحتاجه البيت يحرم على الجامع".