قال مصدر أمني رفيع المستوى إن الصراع بين جمال مبارك -نجل الرئيس المخلوع حسني مبارك- واللواء الراحل عمر سليمان -المدير السابق للمخابرات العامة- قديم وليس وليد اللحظة، حيث لم تكن علاقتهما قبل عقد على الأقل من الثورة إيجابية على نحو الخصوص. وأوضح المصدر: "جمال مبارك كان ينظر دوما لسليمان على أنه معرقل لمشروعه، لأنه كان ينقل تقارير الرأي العام التي تفيد بعدم شعبية التوريث"، وأضاف أن العلاقة الوثيقة التي كانت تربط سليمان ومبارك كانت مثار ضيق جمال، حيث كان يريد أن يصبح "موضع الثقة الوحيد لوالده"؛ حسب ما أوردت صحيفة الشروق. وبدأت الأزمة التي أثار الحديث عنها جهاد الخازن -الكاتب بجريدة الحياة- عشية جمعة الغضب 28 يناير 2011، في أحد الاجتماعات التي أجراها مبارك لبحث إمكانية احتواء الموقف، وقد أشار عليه العادلي وجمال التعامل مع الموقف بقبضة أمنية حديدية، بينما أشار سليمان أن الحملة الإعلامية والتعامل الأمني لن يحلا الموقف، وأنه حان الوقت لاتخاذ إجراءات تعمل على طمأنة الناس "ولو بشكل مؤقت أن موضوع التوريث مش ماشي وإن الحكاية دي خلصت" وقد اقترح تعيين نائب لرئيس الجمهورية. إشهار جمال مسدسه في وجه سليمان وينبري المصدر قائلاً "القصة التي تم تناقلها عن إطلاق نار في قصر رئيس الجمهورية وتدخل بعض من كبار معاوني مبارك في ذلك الحين لوقف التشاحن كانت حقيقية تمامًا"، مضيفًا "بعد أن تجاوز جمال في الحديث خرج عمر سليمان عن طبيعته شديدة التحكم وتحدث بحدة، مشيرا إلى أن الواقع يفرض نفسه وأن سيناريو التوريث أصبح مهددا لاستمرار نظام الحكم، ثم تطور التجاذب بينهما إلى أن أخرج جمال مسدسه وصوبه باتجاه سليمان مهددا، قبل أن يحول علاء مبارك وأنس الفقي بين الرجلين، لكن ظل جمال يصيح بغضب". تعيين سليمان نائبًا للرئيس ويستكمل المصدر الأمني كلامه قائلاً لم يكن سليمان وحده الذي يرى أن تعيين نائب للرئيس وإشارة مبارك إلى عزمه التقاعد يخرج مصر من أزمتها في الأيام الأولى للثورة، بل اتجه لذلك الرأي المشير محمد حسين طنطاوي الذي اعتذر عن توليه منصب نائب الرئيس عندما فاتحه مبارك في ذلك. وفي السياق ذاته، ذكر مصدر عمل من قبل مع جمال مبارك أن "لقد كاد يجن من أن سليمان الذي كان عادة ما يكتفي بنقل التقارير تحدّث متفقا مع طنطاوي في ضرورة إعلان أن مشروع التوريث قد انتهى وأن اختياره نائبًا هو مقدمة لعملية سياسية ستشمل عدم ترشح مبارك نفسه". وعلى هذا فإن المصادر تشير إلى أن التصريحات المنسوبة لعمر سليمان في مقال جهاد الخازن بصحيفة الحياة صحيحة مائة بالمائة، وأن جمال في هذه اللحظة شعر بأن سليمان سيضيع له مشروعه، من ثمّ حاول بمساعدة أنس الفقي عدم إذاعة أداء عمر سليمان للقَسَم بعد تعيينه نائبًا للرئيس، إلا أن مبارك أصر على إذاعته. محاولة الاغتيال تعرض عمر سليمان لمحاولة اغتيال وقعت في شارع الخليفة المأمون، عقب خروجه من قصر الاتحادية؛ وأشارت المصادر الأمنية والسياسية إلى أن هذه المحاولة تمت من قِبل قتلة مأجورين، دخلوا إلى مصر في ثالث أيام الثورة، وقد استعان بخدماتهم واحد من أكبر داعمي مشروع التوريث بمصر، وحسبما تذكر هذه المصادر فإن هؤلاء القتلة الذين استجوب بعضهم جهاز المخابرات المصري هم المصدر لما حكاه سليمان للخازن. وتعتبر هذه الواقعة التي وصفها طنطاوي ب"الكارثة" كانت أحد الأسباب الحاسمة التي أدت بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة للانحياز إلى الثورة، حيث كان البيان الأول الصادر عن المجلس رسالة للرئيس المتنحي نفسه، والذي أخبره سليمان بمحاولة الاغتيال التي وقعت له. ولم تكن محاولة قتل عمر سليمان الطريقة الوحيدة لنقل السلطة بطريق آمن لخارج عائلة مبارك، بل كانت أيضا هناك محاولة إقناع مبارك بعزل المشير طنطاوي وتعيين قائد الحرس الجمهوري وزيرًا للدفاع، الأمر الذي تمت عرقلته أيضًا رغم ميل مبارك لتطبيقه بعد صدور البيان رقم واحد من المجلس العسكري والذي رآه مبارك انقلابًا عليه.