"صناعة الموت" برنامج تليفزيوني جريء متخصص في شئون الإرهاب، تبثه قناة العربية، وغالباً ما أدى إلى تعريض معدّيه للمخاطر والتهديدات بالقتل. البرنامج من تقديم "ريما صالحة" و"محمد الطميحي" وإعداد "علي بريشة"، والفكرة تهتمّ بتحليل ظاهرة الإرهاب، والفكر الكامن وراءه، ومناقشة المنطق الذي يتبعه أولئك الذين يصفهم البرنامج ب"صانعي الموت". "علي بريشة" صحفي مصري، غطّى في بداياته الهجمات التي كانت تشنّها الجماعات المتطرفة في مصر في أوائل التسعينيات، وتحدث "بريشة" عن محاولة البرنامج الفصل بين الإرهاب والدين الإسلامي، وإظهار "سطحية" الفكر الإرهابي. وعن فكرة البرنامج وكيف نمت ونضجت إلى الشكل الذي هي عليه حالياً، يقول "بريشة": عندما يتعاطى الإعلام مع العمليات الإرهابية، فإنه يتعاطى مع تغطية سطحية للخبر، مكتفين بذكر ما حدث فحسب، بينما نحن في "صناعة الموت" نناقش الفكر والمنهج الذي تتّبعه هذه الجماعات بشكل أعمق من مجرد التغطية الخبرية، وعندما نقابل متطرفين نحاول حثّهم على شرح تجاربهم وأفكارهم، واكتشاف الأساس الفكري السطحي والمنطق الضعيف، ومن خلال ما سبق يسعى البرنامج لإقناع قاعدة المتعاطفين معهم ومع أفكارهم بإعادة التفكير في أطروحاتهم. الشخصيات القيادية التي سعى البرنامج للتحاور معها، ونجح بالفعل كلها أسماء ربما فشلت حكومات وأجهزة أمنية كاملة في الوصول إليها، ومجرد التفكير في الوصول الإعلامي لهذه الشخصيات في حدّ ذاته فكرة مخيفة، فيتذكر "بريشة" بعض الأسماء التي نجح البرنامج في الوصول إليها بالفعل، مثل "أبو بكر باعشير" -المرجع الروحي للجماعة الإسلامية في أندونيسيا- وهي الجماعة ذاتها التي كانت مسئولة عن تفجيرات "بالي"، و"عبد الرحمن القيسي" -المتحدث الإعلامي باسم الجيش الإسلامي في العراق- و"محمد حنيف" -المتحدث الإعلامي باسم طالبان- و"شحادة جوهر" -قائد تنظيم "جند الشام" في مخيم عين الحلوة، وأمير التدريب في تنظيم القاعدة بالعراق- الذي صدرت بحقه 12 مذكرة إعدام، في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في لبنان عام 2007، كما قابلنا "شهاب القدور" (أبو هريرة)، ومجموعة من فتح الإسلام "المتطرّفة". ويتذكر "بريشة" أكثر المقابلات المريبة التي قام بها "شحادة جوهر" -قائد تنظيم "جند الشام" في مخيم عين الحلوة- والذي كان يحمل رشاش كلاشينكوف ومسدسا طوال المقابلة، حيث كان عُرضة للاستهداف في أية لحظة، وكان "جوهر" صريحاً للغاية حتى إنه اعترف بعمليات القتل التي نفّذها. وبعد سنة من إجراء المقابلة تعرّض للقتل، وبعد أحداث مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين في شمال لبنان تمّت إعادة بثّ الحلقة. البعض كان يخشى مع بداية ظهور برنامج "صناعة الموت" أن يأخذ العاطل بالباطل؛ أو بمعنى أصح لا يفرق بين الحركات الإرهابية وبين الحركات التحررية، ولكن مع الوقت وضح أن البرنامج لا يتحدّث عن الحركات التحررية، التي لها أهدافها المشروعة في تحرير أرضها، وهذا ما أكّده "بريشة" بنفسه؛ حيث أكد أن البرنامج يتناول موضوعات الإرهاب والتنظيمات والحركات المتطرفة مثل تنظيم القاعدة، وهو يهدف إلى مناقشة كل الأطياف، وعرض كل وجهات النظر، محاولاً الفصل بين الإرهاب والدين الإسلامي. ففكرة الجهاد كانت لها ضوابط في الإسلام. نحن كشعوب عربية عشنا تجارب الاحتلال عشرات السنين، لكن شكل مقاومته كان أكثر نضجاً، كانت عبارة عن زعيم معلن للمعارضة يمكن أن يُسجن أو يُقتل، وكانت وقتها حركات المقاومة تفرّق بين الأهداف المدنية والعسكرية، ولم تكن تعتدي على الجاليات الأجنبية، ونادراً ما كان يتم قتل المتعاون مع الاحتلال. حتى الكتابات حول الإسلام كانت أكثر تحرراً، ولم يكن هنالك استهداف للمفكرين؛ حيث أصدر عدة كتّاب إصدارات تناولت الإسلام مثل "علي عبد الرازق" وهو محامي تخرج في جامعة أكسفورد البريطانية، وأحد أئمة الأزهر ووزير الأوقاف الذي أصدر عام 1927 كتاب "الإسلام وأصول الحكم"، وطه حسين في كتاب "في الأدب الجاهلي" عام 1926، وإسماعيل أدهم في كتيّب بعنوان "لماذا أنا ملحد؟". ولكن وعلى الرغم من هذا التاريخ المشرف للأمة الإسلامية في الكفاح والنضال غير الملوث بدماء بني دينهم أو بدماء الأبرياء العزّل- فإن شيئا ما تغير، وتغير هذا المنهج النبيل، ليحل محله منهج آخر أكثر خسة، وهذا التصاعد يرجعه "بريشة" إلى "الحكومات العسكرية" التي جاءت في الستينيات، وغيّرت الكثير من هذه الأوضاع؛ إذ أتى العسكر ومعهم نظرية إقصاء الآخر: أنت ضدي، إذن أنت ضد الوطن. ومع سقوط التجربة العسكرية بعد حرب 1967 سُمح للتيارات الدينية باستعمال نفس المنطق مع تعديل الشعار: أنت ضدي إذن أنت ضدّ الدين. وكرّت مسبحة الحركات التي تؤمن بالعنف مثل الإخوان المسلمين، والجماعة الإسلامية، والتكفير والهجرة. واليوم باتت الحركات الإسلامية أكثر تنظيماً وعنفاً؛ إذ بات هناك أمير لكل جماعة، ومن الواجب طاعته بموجب مبايعة، والمبايعة تكون على السمع والطاعة وتنفيذ الأوامر من دون أية أسئلة. ووفقاً ل"بريشة" فهذه الفئة تحديداً هي الفئة التي يسعى البرنامج إلى الوصول إليها من المضللين والمتعاطفين مع الجماعات الأصولية، والذين هم في غالبيتهم شباب قليل الخبرة، وبالتالي يسعى البرنامج لإشراكهم في نقاش فكري يطرح البدائل والمنطق الآخر، ومن هذا المنطلق كانت مقابلة قتلة الرئيس المصري الراحل أنور السادات، والذين ناقشهم البرنامج في جدوى العنف والأصولية. وقبل أن يختتم "بريشة" حديثه أوصى بضرورة متابعة الأصوليين التائبين، ووضعهم ضمن برنامج إعادة تأهيل؛ لتحسين أوضاعهم وتحفيزهم على القيام بمراجعة فكرية، كما فعلت السعودية لتفادي عودتهم إلى تبني الأفكار الأصولية والعنيفة. نقلاً عن موقع "الشرفة"