حينما قررت أن أدع الأحمال تثقلك.. لست أدري كيف أمكنني ذلك. دوما كنت أنت الأول في حياتي قبل أي أعتبار. كل شيء يهون إلاّك. كلما فكرت أن أرتاح وأدع الحمل على كتفيك وحدك أعود فلا أستطيع وأكمل الطريق معك وأتماسك. هل كان تماسكا حقا؟ الآن أشك في ذلك، بعد أن اكتشفت أن كل دقة من دقات الزمن كانت تفت في لبنات جداري حتى ما عدت أستطيع أن أقيمه. أستند عليك عمادي، وأترك الأحمال عليك. تقبل حملها وحدك بنفس راضية تعينني على اتخاذ القرار. لكن داخلي صراخ يؤنبني فلا تكتمل راحتي أبدا. أستخير وأستخير.. أطلب منك أن تساعدني في قراري. تأبى، تقول لي "هذه المرة يجب أن يكون قرارك" أتخذه .. أسألك "راضٍ؟" .. تبتسم وتقول "الحمد لله.. قد استخرتي، ولن يكون من الله الا خيرا". أرتاح قليلا هذه آخر أيامي معهم. وجوه كثيرة تتغير. عجبا أشد العجب.. ا لبسمة لمن يبقى فقط.. طالما ستتركهم تتبدل القلوب صدق القائل "الدنيا مصالح" لا يهم. قد بعت كل هذا ولم يعد يعنيني سوى ذلك الحصن الدافيء. قلبك وثلاث نبتات تنمو بيننا. أكثر ما أحب أن أراك راضيا بما تراه منهم. وعليّ الآن أن أغيّر الشاشة التي يرونها. لا يزال هذا ممكن. لم تزل نبتاتي غضة لم يشتد عودها.. لم تزل قابلة لتغيير ميلها.. وسأفعل. أعرف أنه قد مر الكثير وأنا أرويهم وأحرث أرضهم و ..و.. و.. لكن لم يكن في وسعي الولوج مع ذلك الأثير المتغلغل داخلهم ليشكل ما هو آت و متغير. أول الثلاثة قد بدأ يشتد.. يجب اذن أن أثبته بحبل الى الاتجاه الأمثل والا فستعوجه الريح تماما يقول ابليس ان ابناء هذه المساحة العمرية هم أحباؤه يلهو بهم دون مشقة! حسنا فهذا حبلي أمده في الاتجاه الآخر.. دعنا نقف أيها الإبليس في ذلك التحدي وسأجذبه بعيدا عنك. ثاني الثلاثة يضحكني وهو يحاكي الأول.. هكذا يثبت لنفسه أنه أيضا قد اشتد.. يوما ما سألني "الا يمكن لابن التاسعة أن يبلغ أيضا؟" ضحكت داخلي. لكني لم أشأ أن أظهر ضحكتي فيظنها ساخرة من براءته. وأجبته "اذن يفقد من عمره متعة الطفولة التي لن يمكنه تعويضها.. وما أقصرها!" أظنه اقتنع، لكن بين الحين والآخر يحاول أن يطاول أخاه. فقط كي لا يدع له الفرصة أن يكون يدا عليا عليه. يحتاجان للكثير والكثير كي يرتبط حبلاهما معا ليس فقط برباط الدم. ثالثتهما.. زهرتنا.. تلك التي تضفي شيئا خاصا جدا داخل هذا الحصن قال الأول مرة "انها معنا منذ وقت قصير، لكنني حين أحاول أن أستعيد كيف كنا قبل وجودها أجد أنني لا أتخيل أننا كنا كذلك بالفعل" الثاني تعرف حاله معها حين يتقابلا بالرؤوس.. تصيح، فيصيح.. فتغرق في الضحك، فينطلق ملء صدره ضحكا.. انهما متفاهمان. فارسي.. أو فلأقل فارسنا.. ربما تتغير أشياء كثيرة. لكن دعني أعدك أنني ان كنت تركت لك تلك الثقال على كتفيك، فإنني سأعوضك بكثير فرح وراحة واطمئان على نبتاتك. فهل يرضيك ذلك؟ لا أنطق سؤالي ولا ينطق الإجابة لكنه يرى السؤال في نظرتي، وأحس إجابته في ضغطة يدي أسحب ورقة بيضاء. أزينها بحروف قليلة "أرجو قبول أستقالتي" اضعها على مكتب رئيسي، وأنصرف راضية.
إيمان الدواخلي التعليق: أرحب بإيمان لأن النص يشير إلى كاتبة ناضجة تملك أدواتها جيداً، وأولها اللغة من حيث الدقة والكثافة، ثم إحكام النص في بناء سلس. لكن هناك بعض الجمل ليست ضرورية، مع نقص في إبراز الأزمة، أي الصراع بين العمل والأسرة، قرار مهم كنت أفضل أن يأتي فقط في النهاية مع حذف جملة: "اتخذه.......". د. سيد البحراوي أستاذ الأدب العربي الحديث بكلية الآداب، جامعة القاهرة