تعرف على عقوبة جريمة التسول طبقا للقانون    تراجع سعر الدولار منتصف تعاملات اليوم فى البنوك المصرية    سعر جرام الذهب صباح اليوم في مصر    وزير الصحة: انخفاض معدلات الزيادة السكانية من 5385 إلى 5165 مولودًا يوميًّا    رقم تاريخي جديد.. الزراعة تعلن تجاوز تمويل مشروع "البتلو" 10 مليارات جنيه    الوزير يتابع تنفيذ أعمال القطار الكهربائي السريع ويشهد الانتهاء من «كوبري الخور» العملاق    ارتفاع عدد ضحايا المجاعة في غزة إلى 258 شهيدا بينهم 110 أطفال    أمواج بارتفاع 15 وانزلاقات أرضية ضخمة تضرب ألاسكا (فيديو)    الدوري الفرنسي، مصطفى محمد يقود نانت أمام باريس سان جيرمان الليلة    مواعيد مباريات اليوم الأحد 17-8-2025 والقنوات الناقلة لها    القبض على المتهمين بسرقة هاتف مسن أمام الصراف الآلي بالإسكندرية    شهيد لقمة العيش .. وفاة شاب أقصري إثر تعرضه لحادث خلال عمله بالقاهرة    إصابة 3 سيدات في حادث انقلاب سيارة بالإسماعيلية    انتظام لجان امتحانات الدور الثاني للثانوية العامة بالدقهلية    أروى جودة تعلن عن وفاة ابن شقيقها    صحفي فلسطيني: أم أنس الشريف تمر بحالة صحية عصيبة منذ استشهاد ابنها    الصحة تقدم أكثر من 30 مليون خدمة طبية وعلاجية خلال النصف الأول من 2025    مجمع السويس الطبي ينجح في إجراء عملية دقيقة بالقلب    «الرعاية الصحية» تطلق مبادرة لاستقطاب الخبرات الطبية المصرية العالمية    العذراء في عيون الفن.. من الأيقونة القبطية إلى الشاشة واللحن    طقس الإسكندرية اليوم.. انخفاض الحرارة والعظمى تسجل 31 درجة    تحويلات مرورية بشارع 26 يوليو بالجيزة بسبب أعمال المونوريل    فحوصات طبية ل فيريرا بعد تعرضه لوعكة صحية مفاجئة عقب مباراة المقاولون    "لا يصلح".. نجم الأهلي السابق يكشف خطأ الزمالك في استخدام ناصر ماهر    يسري جبر: الثبات في طريق الله يكون بالحب والمواظبة والاستعانة بالله    موعد آخر فرصة لتقليل الاغتراب والتحويلات بتنسيق المرحلتين الأولى والثانية    تحرك شاحنات القافلة السادسة عشرة من المساعدات من مصر إلى غزة    الأحد 17 أغسطس 2025.. أسعار الأسماك في سوق العبور للجملة اليوم    شرطة الاحتلال: إغلاق 4 طرق رئيسية بسبب إضراب واسع في إسرائيل    "بشكركم إنكم كنتم سبب في النجاح".. حمزة نمرة يوجه رسالة لجمهوره    الأردن يدين تجميد إسرائيل حسابات بطريركية الروم الأرثوذكس في القدس    صناديق «الشيوخ» تعيد ترتيب الكراسى    إصلاح الإعلام    فتنة إسرائيلية    جمعية الكاريكاتير تُكرّم الفنان سامى أمين    حظك اليوم وتوقعات الأبراج    قوات الاحتلال تُضرم النار في منزل غربي جنين    "يغنيان".. 5 صور لإمام عاشور ومروان عطية في السيارة    عيار 21 الآن.. أسعار الذهب اليوم في مصر الأحد 17 أغسطس 2025 بعد خسارة 1.7% عالميًا    موعد إجازة المولد النبوي الشريف 2025 بحسب أجندة رئاسة الجمهورية    مشيرة إسماعيل تكشف كواليس تعاونها مع عادل إمام: «فنان ملتزم جدًا في عمله»    مصرع شخصين وإصابة 30 آخرين فى انقلاب أتوبيس نقل على الطريق الصحراوى بأسيوط    للتخلص من الملوثات التي لا تستطيع رؤيتها.. استشاري يوضح الطريق الصحيحة لتنظيف الأطعمة    فرح يتحوّل إلى جنازة.. مصرع 4 شباب وإصابة آخرين خلال زفة عروسين بالأقصر    وكيل صحة سوهاج يصرف مكافأة تميز لطبيب وممرضة بوحدة طب الأسرة بروافع القصير    رويترز: المقترح الروسي يمنع أوكرانيا من الانضمام للناتو ويشترط اعتراف أمريكا بالسيادة على القرم    8 ورش فنية في مهرجان القاهرة التجريبي بينها فعاليات بالمحافظات    «مش عايز حب جمهور الزمالك».. تعليق مثير من مدرب الأهلي السابق بشأن سب الجماهير ل زيزو    رئيس جامعة المنيا يبحث التعاون الأكاديمي مع المستشار الثقافي لسفارة البحرين    كيف تفاعل رواد مواقع التواصل الاجتماعي مع تعادل الزمالك والمقاولون العرب؟ (كوميك)    وزيرا خارجية روسيا وتركيا يبحثان هاتفيًا نتائج القمة الروسية الأمريكية في ألاسكا    المصرية للاتصالات تنجح في إنزال الكابل البحري "كورال بريدج" بطابا لأول مرة لربط مصر والأردن.. صور    «أوحش من كدا إيه؟».. خالد الغندور يعلق على أداء الزمالك أمام المقاولون    «زي النهارده».. وفاة البابا كيرلس الخامس 17 أغسطس 1927    "عربي مكسر".. بودكاست على تليفزيون اليوم السابع مع باسم فؤاد.. فيديو    يسري جبر يوضح ضوابط أكل الصيد في ضوء حديث النبي صلى الله عليه وسلم    عاوزه ألبس الحجاب ولكني مترددة؟.. أمين الفتوى يجيب    هل يجوز إخراج الزكاة في بناء المساجد؟.. أمين الفتوى يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«فيسبوك».. منصة للهامش الأدبي أم وسيلة لتغييب وعي المتلقي
نشر في صوت البلد يوم 20 - 05 - 2018

يبقى الأدب روح الحياة، وتبقى النصوص هي المحرك الذي يغذي هذه الروح، وتخلق عبر مخيلة القارئ/المتلقي عالماً يمكن احتماله والتواصل معه أكثر، وكانت اسماء لها قيمتها في عالم الأدب تعمل على إشعال هذه المخيلة أكثر بمقدار تواصلها مع القارئ العربي من المحيط إلى الخليج، فنص لمحمود درويش يصل مثل نص لنزار قباني أو السياب، وكذلك مقالة لطه حسين تصل بمستوى وصول قصة أو رواية لنجيب محفوظ وعبد الرحمن مجيد الربيعي، ولكن .. مع توافر تقنيات التواصل الآن، على رأسها الفيسبوك، امتلكت بعض أصوات الهامش الأدبي وجودها، وخلقت جمهورها من القراء، لكن من ناحية أخرى اختفت قيمة الأصوات القادرة على النهوض بوعي القارئ، فظهرت اسماء لا تقدم شيئاً، ويبدو الحال أشبه بالردة الفكرية والجمالية، عن هذه الإشكالية كانت هذه المداخلات مع بعض المثقفين العرب ..
تقريب المسافات
يؤكد الناقد والصحافي المصري أسامة الألفي، أن العالم صار بفضل وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة أشبه بقرية صغيرة، إذ لم تكتف هذه الوسائل بتقريب المسافات بين البشر على الأوطان، ولكنها أيضًا ساعدت مرتادي الفضاء الإلكتروني على اكتساب خبرات إبداعيَّة في مجالات ثقافيّة متنوّعة، فقبل اختراع الفيسبوك لم يكن المتلقي يعرف الكثير عن حركة الإبداع داخل وخارج وطنه، فأجهزة الإعلام لا تستضيف سوى مشاهير المبدعين، ولا تلقي بالاً للشباب الواعد إلا في مناسبات معينة، كما لا تلقي ضوءًا على نوعيات الإبداع الجديدة أو الخارجة عن المألوف، فجاء الفيسبوك ليحقق طفرة كبيرة، حيث أتاح للشباب المبدعين طرح نتاجهم الفكري والوصول إلى المتلقي، من خلال بوابة اتصال مفتوحة لا تكلفه شيئًا. بشكل عام أسهم الفيسبوك في التعريف بجديد طرائق الأدب ومبدعيه، فظهرت أسماء لم نكن نعرفها وشاع إبداعها، فيما فضل كبار المبدعين الاكتفاء بالقنوات الإعلامية التي اعتادوها والقراء الذين ارتبطوا بهم، تاركين ساحة الفيسبوك متنفسًا لمن لم يحظوا باهتمام الإعلام التقليدي.
رصانة المنجز
الناقد العراقي عبد علي حسن يرى أن ظهور أسماء مهمة في الفضاء الثقافي العربي، قبل شيوع الميديا المعاصرة، ومنها الفيسبوك، كان بسبب من رصانة وحقيقية ونضج المشاريع الأدبية، التي تبنتها مؤسسات النشر العربية والمؤسسات الثقافية الرسمية، التي كانت تدرك المسؤولية الثقافية، التي ينبغي الضلوع بها بعيدا عن مبدأ الخسارة والربح.
كانت مثلا مجلة «الآداب» البيروتية ومجلة «الهلال» المصرية و«الموقف الأدبي» السورية ومجلة «الكلمة» و«الشعر 69» العراقية، لا تبشر بموهبة أدبية لا تملك قوة التجاوز والاختلاف والمغايرة، ونتيجة لهذه السياسات الصحيحة فقد ظهرت المشاريع الأدبية المتكاملة التي صنفت على أنها مشاريع جديدة تمتلك قوة التأثير والتجاوز، هذه المشاريع شكلّت لعدد من الشعراء العرب والقصاصين والروائيين، على قلتهم، عتبات مؤسسة لخطاب أدبي حداثي وسم الحركة الأدبية والثقافية العربية بميسم التأثير والإضافة الحضارية التي تجاوزت حدود البلدان العربية إلى بلدان العالم المختلفة، ونتيجة لتلك الصرامة في تقديم المنجز الناضج فلم يظهر ما يسمى نصف المواهب التي وجدت ضالتها في وسائل الاتصال الحديثة، ومنها الفيسبوك الذي لم يتمكن من وضع حدود أو اشتراطات لمرور المنجز الأدبي الضعيف، ونصف الموهوب..
وكذا الأمر بالنسبة لوجود العدد الكبير من المواقع الأدبية والمجلات والصحف الإلكترونية، التي لم يمارس عدد كبير منها دور الرقيب وتمحيص المنجز وتقديمه إلى القراء. إن عددا كبيرا من المنجزات الضعيفة تسللت إلى ذائقة المتلقي، ولم تغن مرجعيته المعرفية والجمالية على حد سواء، والمواقع الثقافية والمجلات والصحف الإلكترونية والمجموعات الأدبية المنتشرة على صفحات الفيسبوك بإمكانها أن تعزز من مسؤوليتها الثقافية والرقابية، في تقديم ما هو مؤثر ومتجاوز ومغاير للمنجز الشائع، كي تسهم في تشكيل الملامح الجيدة والجديدة في الإنتاج الثقافي العربي المعاصر.
مناهج التعليم
ويعتقد الشاعر والباحث المغربي عمر لوريكي أن النصوص الأدبية التي كتبها الأدباء القدامى أو المحدثون ووصلت للقراء، إنما كان ذلك بفضل مناهج التعليم الدراسية، وبرغبة ملحة وتأكيد وموافقة من أنظمة الحكم التي كانت تركز على مبادئ الوحدة بين الشعوب العربية، وكانت تتخذ من الأدب، المطية اللينة والوسيلة المباحة والمتاحة لذلك. ويرى أن مناهج التعليم الآن لا تستجيب، وحركة الشعر والنثر النشيطة بالتالي لم تقم بدورها المنوط بها؛ من التعريف بالنصوص الرصينة والعميقة وأصحابها ونشرها عبر مناهج التعليم وفي المقررات الجامعية؛ ليتعرف عليها القراء.
إن القائمين على مناهج التعليم السابقة كانوا أساتذة وأدباء وشعراء ونقادا، بالضرورة من طراز رفيع، وكانوا يحرصون أشد الحرص على انتقاء أجود النصوص للقراء والأجيال على اختلاف قدراتها وكفاءاتها، أما الآن فقد أسند أمر انتقاء النصوص لغير أهله للأسف الشديد.
وبتنا نرى نصوصا لا قيمة أدبية لها، ومع ذلك تدرس بمقرراتنا ويساهم هذا بانتشار الرداءة، فوسائل التواصل الاجتماعي كانت سببا من أسباب عدة أفرزت لنا أدباء لا رصيد معرفي أو لغوي أو إبداعي لهم، سوى السباق واللهث نحو الشهرة والأضواء الكاشفة بدون معنى.
أما بالنسبة للواقع الاجتماعي فإن له تأثيرا كبيرا على المتلقي العربي، فبعد أحداث 2011 واستمرار الأزمة السورية في النزيف وكذا جرح فلسطين وقضية اللاجئين، أدى هذا للنفور من الشكل النمطي للنصوص الأدبية السابقة، وسعى الأدباء المعاصرون إلى التجديد ما أمكن، سواء في المواضيع والثيمات الأدبية، أو في بوتقة نصوصهم على وتر نغم هذا العصر المرتبك والمضطرب سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا باستمرار، ما أفقدها قيمتها الأساسية وساهم في خلوها من العمق.
سرعة الحياة
الشاعرة الأردنية محاسن الحمصي تعتقد أن الظروف الاقتصادية واشتعال الحروب في منطقة الشرق الاوسط، وإغلاق بعض الصحف أبوابها وتسريح موظفيها، بالإضافة إلى تكميم وتضييق الخناق على الأقلام وتغيير السياسات.. هذه كلها جعلت القارئ والكاتب يملان ويسأمان ويشعران باكتئاب ثقافي وحياتي، ويبتعدان بدون وعي أو انتباه لما يكتب ويصدر من روايات ودواوين.
والأغلببة يفضلون متابعة سريعة أو سطورا قليلة يتابعونها على مواقع التواصل تفي بالغرض وتعطيهم المعلومة ويكتفون بها، طبعا أستثني الكتاب والأدباء المتابعين. الفيسبوك أتاح لبعض الأقلام الناشئة الظهور والإبداع، وألا تنحصر الكتابة بالأسماء الكبيرة اللامعة التي تحتل الشهرة بفضل كثرة الأقلام التي تحيط بها، وهناك نصوص تنشر تسيء إلى الكلمة والحرف، ومجرد تفاهات تنشر لكن لها معجبوها في عالم التواصل السريع، وقد تجد نصا أخذ على الفيسبوك مكانه وذاع صيته بفضل قارئ لا يفقه الأدب والثقافة، أي فزعة صداقة فقط.
الغث والسمين
ويعتبر الناقد والروائي التونسي فوزي الديماسي أن الفيسبوك مثله كمثل الحياة، فيه الغثّ والسمين، وفيه البهيّ والخبيث وقد ساهم في التعريف بأصوات أدبيّة عديدة من الماء إلى الماء على اختلاف مشاربهم ورؤاهم ومعتقداتهم وتصوّراتهم ومستوياتهم، وقرّب الأفئدة من بعضها بعضا، وساهم في عملية التّثاقف، مثلما اعتبره نافذة على التعرّف على أقلام لم نعرفها لولا هذا الفضاء، أقلام تبشّر بأسماء كبيرة مستقبلا يمكن أن تكون في مقبل الأيّام في أعلى درجات النصّ الأدبيّ العربيّ شريطة أن تتمثّل كل لحظات النصّ الأدبي قديمها وحديثها، وتسعى سعي الكادحين للتميز بالاطلاع على كلّ التجارب، بعيدا عن منطق الإقصاء والنفي لهذا اللون أو ذاك، كما أنه يعده من جانب آخر نافذة على نصوص وتجارب أخرى لا تمتّ للجمال بصلة، ومآلها لزوال لعدم قدرتها على الصمود أمام محكّ النقد والتقبّل..
رغم ما يدور حولها من جميل المدح. إلا أنه بالتراكم يمكن أن نتحدّث عن الكيف، لذلك نقبل على جميع المحاولات، فلولا السواد لما عرفنا البياض، ولولا كثرة النّصوص والتجارب لما وقفنا على متون عربية حبلى تبشّر بنصّ جميل في الأيام القليلة المقبلة. إن المتلقّي اليوم هو إنسان مقبل على الجديد في غير انبهار، ومطّلع على القديم في غير إسراف، يبحث بين أحشاء المعاصر عمّا يضيف لبنة لصرح النصوص العربية، وعلى الكاتب اليوم أن يكون عارفا بأسباب رقيّ النصّ وذلك بتكثيف التجارب والإمساك بناصية أدبنا القديم لكي يحقّقٌ التجذّر والتجاوز ويكون بالتالي جديرا بنحت مكان له تحت شمس الأدب العربي، ويكون خير خلف لأحسن سلف أدبيّ.
يبقى الأدب روح الحياة، وتبقى النصوص هي المحرك الذي يغذي هذه الروح، وتخلق عبر مخيلة القارئ/المتلقي عالماً يمكن احتماله والتواصل معه أكثر، وكانت اسماء لها قيمتها في عالم الأدب تعمل على إشعال هذه المخيلة أكثر بمقدار تواصلها مع القارئ العربي من المحيط إلى الخليج، فنص لمحمود درويش يصل مثل نص لنزار قباني أو السياب، وكذلك مقالة لطه حسين تصل بمستوى وصول قصة أو رواية لنجيب محفوظ وعبد الرحمن مجيد الربيعي، ولكن .. مع توافر تقنيات التواصل الآن، على رأسها الفيسبوك، امتلكت بعض أصوات الهامش الأدبي وجودها، وخلقت جمهورها من القراء، لكن من ناحية أخرى اختفت قيمة الأصوات القادرة على النهوض بوعي القارئ، فظهرت اسماء لا تقدم شيئاً، ويبدو الحال أشبه بالردة الفكرية والجمالية، عن هذه الإشكالية كانت هذه المداخلات مع بعض المثقفين العرب ..
تقريب المسافات
يؤكد الناقد والصحافي المصري أسامة الألفي، أن العالم صار بفضل وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة أشبه بقرية صغيرة، إذ لم تكتف هذه الوسائل بتقريب المسافات بين البشر على الأوطان، ولكنها أيضًا ساعدت مرتادي الفضاء الإلكتروني على اكتساب خبرات إبداعيَّة في مجالات ثقافيّة متنوّعة، فقبل اختراع الفيسبوك لم يكن المتلقي يعرف الكثير عن حركة الإبداع داخل وخارج وطنه، فأجهزة الإعلام لا تستضيف سوى مشاهير المبدعين، ولا تلقي بالاً للشباب الواعد إلا في مناسبات معينة، كما لا تلقي ضوءًا على نوعيات الإبداع الجديدة أو الخارجة عن المألوف، فجاء الفيسبوك ليحقق طفرة كبيرة، حيث أتاح للشباب المبدعين طرح نتاجهم الفكري والوصول إلى المتلقي، من خلال بوابة اتصال مفتوحة لا تكلفه شيئًا. بشكل عام أسهم الفيسبوك في التعريف بجديد طرائق الأدب ومبدعيه، فظهرت أسماء لم نكن نعرفها وشاع إبداعها، فيما فضل كبار المبدعين الاكتفاء بالقنوات الإعلامية التي اعتادوها والقراء الذين ارتبطوا بهم، تاركين ساحة الفيسبوك متنفسًا لمن لم يحظوا باهتمام الإعلام التقليدي.
رصانة المنجز
الناقد العراقي عبد علي حسن يرى أن ظهور أسماء مهمة في الفضاء الثقافي العربي، قبل شيوع الميديا المعاصرة، ومنها الفيسبوك، كان بسبب من رصانة وحقيقية ونضج المشاريع الأدبية، التي تبنتها مؤسسات النشر العربية والمؤسسات الثقافية الرسمية، التي كانت تدرك المسؤولية الثقافية، التي ينبغي الضلوع بها بعيدا عن مبدأ الخسارة والربح.
كانت مثلا مجلة «الآداب» البيروتية ومجلة «الهلال» المصرية و«الموقف الأدبي» السورية ومجلة «الكلمة» و«الشعر 69» العراقية، لا تبشر بموهبة أدبية لا تملك قوة التجاوز والاختلاف والمغايرة، ونتيجة لهذه السياسات الصحيحة فقد ظهرت المشاريع الأدبية المتكاملة التي صنفت على أنها مشاريع جديدة تمتلك قوة التأثير والتجاوز، هذه المشاريع شكلّت لعدد من الشعراء العرب والقصاصين والروائيين، على قلتهم، عتبات مؤسسة لخطاب أدبي حداثي وسم الحركة الأدبية والثقافية العربية بميسم التأثير والإضافة الحضارية التي تجاوزت حدود البلدان العربية إلى بلدان العالم المختلفة، ونتيجة لتلك الصرامة في تقديم المنجز الناضج فلم يظهر ما يسمى نصف المواهب التي وجدت ضالتها في وسائل الاتصال الحديثة، ومنها الفيسبوك الذي لم يتمكن من وضع حدود أو اشتراطات لمرور المنجز الأدبي الضعيف، ونصف الموهوب..
وكذا الأمر بالنسبة لوجود العدد الكبير من المواقع الأدبية والمجلات والصحف الإلكترونية، التي لم يمارس عدد كبير منها دور الرقيب وتمحيص المنجز وتقديمه إلى القراء. إن عددا كبيرا من المنجزات الضعيفة تسللت إلى ذائقة المتلقي، ولم تغن مرجعيته المعرفية والجمالية على حد سواء، والمواقع الثقافية والمجلات والصحف الإلكترونية والمجموعات الأدبية المنتشرة على صفحات الفيسبوك بإمكانها أن تعزز من مسؤوليتها الثقافية والرقابية، في تقديم ما هو مؤثر ومتجاوز ومغاير للمنجز الشائع، كي تسهم في تشكيل الملامح الجيدة والجديدة في الإنتاج الثقافي العربي المعاصر.
مناهج التعليم
ويعتقد الشاعر والباحث المغربي عمر لوريكي أن النصوص الأدبية التي كتبها الأدباء القدامى أو المحدثون ووصلت للقراء، إنما كان ذلك بفضل مناهج التعليم الدراسية، وبرغبة ملحة وتأكيد وموافقة من أنظمة الحكم التي كانت تركز على مبادئ الوحدة بين الشعوب العربية، وكانت تتخذ من الأدب، المطية اللينة والوسيلة المباحة والمتاحة لذلك. ويرى أن مناهج التعليم الآن لا تستجيب، وحركة الشعر والنثر النشيطة بالتالي لم تقم بدورها المنوط بها؛ من التعريف بالنصوص الرصينة والعميقة وأصحابها ونشرها عبر مناهج التعليم وفي المقررات الجامعية؛ ليتعرف عليها القراء.
إن القائمين على مناهج التعليم السابقة كانوا أساتذة وأدباء وشعراء ونقادا، بالضرورة من طراز رفيع، وكانوا يحرصون أشد الحرص على انتقاء أجود النصوص للقراء والأجيال على اختلاف قدراتها وكفاءاتها، أما الآن فقد أسند أمر انتقاء النصوص لغير أهله للأسف الشديد.
وبتنا نرى نصوصا لا قيمة أدبية لها، ومع ذلك تدرس بمقرراتنا ويساهم هذا بانتشار الرداءة، فوسائل التواصل الاجتماعي كانت سببا من أسباب عدة أفرزت لنا أدباء لا رصيد معرفي أو لغوي أو إبداعي لهم، سوى السباق واللهث نحو الشهرة والأضواء الكاشفة بدون معنى.
أما بالنسبة للواقع الاجتماعي فإن له تأثيرا كبيرا على المتلقي العربي، فبعد أحداث 2011 واستمرار الأزمة السورية في النزيف وكذا جرح فلسطين وقضية اللاجئين، أدى هذا للنفور من الشكل النمطي للنصوص الأدبية السابقة، وسعى الأدباء المعاصرون إلى التجديد ما أمكن، سواء في المواضيع والثيمات الأدبية، أو في بوتقة نصوصهم على وتر نغم هذا العصر المرتبك والمضطرب سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا باستمرار، ما أفقدها قيمتها الأساسية وساهم في خلوها من العمق.
سرعة الحياة
الشاعرة الأردنية محاسن الحمصي تعتقد أن الظروف الاقتصادية واشتعال الحروب في منطقة الشرق الاوسط، وإغلاق بعض الصحف أبوابها وتسريح موظفيها، بالإضافة إلى تكميم وتضييق الخناق على الأقلام وتغيير السياسات.. هذه كلها جعلت القارئ والكاتب يملان ويسأمان ويشعران باكتئاب ثقافي وحياتي، ويبتعدان بدون وعي أو انتباه لما يكتب ويصدر من روايات ودواوين.
والأغلببة يفضلون متابعة سريعة أو سطورا قليلة يتابعونها على مواقع التواصل تفي بالغرض وتعطيهم المعلومة ويكتفون بها، طبعا أستثني الكتاب والأدباء المتابعين. الفيسبوك أتاح لبعض الأقلام الناشئة الظهور والإبداع، وألا تنحصر الكتابة بالأسماء الكبيرة اللامعة التي تحتل الشهرة بفضل كثرة الأقلام التي تحيط بها، وهناك نصوص تنشر تسيء إلى الكلمة والحرف، ومجرد تفاهات تنشر لكن لها معجبوها في عالم التواصل السريع، وقد تجد نصا أخذ على الفيسبوك مكانه وذاع صيته بفضل قارئ لا يفقه الأدب والثقافة، أي فزعة صداقة فقط.
الغث والسمين
ويعتبر الناقد والروائي التونسي فوزي الديماسي أن الفيسبوك مثله كمثل الحياة، فيه الغثّ والسمين، وفيه البهيّ والخبيث وقد ساهم في التعريف بأصوات أدبيّة عديدة من الماء إلى الماء على اختلاف مشاربهم ورؤاهم ومعتقداتهم وتصوّراتهم ومستوياتهم، وقرّب الأفئدة من بعضها بعضا، وساهم في عملية التّثاقف، مثلما اعتبره نافذة على التعرّف على أقلام لم نعرفها لولا هذا الفضاء، أقلام تبشّر بأسماء كبيرة مستقبلا يمكن أن تكون في مقبل الأيّام في أعلى درجات النصّ الأدبيّ العربيّ شريطة أن تتمثّل كل لحظات النصّ الأدبي قديمها وحديثها، وتسعى سعي الكادحين للتميز بالاطلاع على كلّ التجارب، بعيدا عن منطق الإقصاء والنفي لهذا اللون أو ذاك، كما أنه يعده من جانب آخر نافذة على نصوص وتجارب أخرى لا تمتّ للجمال بصلة، ومآلها لزوال لعدم قدرتها على الصمود أمام محكّ النقد والتقبّل..
رغم ما يدور حولها من جميل المدح. إلا أنه بالتراكم يمكن أن نتحدّث عن الكيف، لذلك نقبل على جميع المحاولات، فلولا السواد لما عرفنا البياض، ولولا كثرة النّصوص والتجارب لما وقفنا على متون عربية حبلى تبشّر بنصّ جميل في الأيام القليلة المقبلة. إن المتلقّي اليوم هو إنسان مقبل على الجديد في غير انبهار، ومطّلع على القديم في غير إسراف، يبحث بين أحشاء المعاصر عمّا يضيف لبنة لصرح النصوص العربية، وعلى الكاتب اليوم أن يكون عارفا بأسباب رقيّ النصّ وذلك بتكثيف التجارب والإمساك بناصية أدبنا القديم لكي يحقّقٌ التجذّر والتجاوز ويكون بالتالي جديرا بنحت مكان له تحت شمس الأدب العربي، ويكون خير خلف لأحسن سلف أدبيّ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.