تنسيق الجامعات 2025.. 35 ألف طالب يسجلون في تنسيق المرحلة الأولى    لجنة المنشآت في جامعة بنها تتابع معدلات تنفيذ المشروعات الحالية    215 مدرسة بالفيوم تستعد لاستقبال انتخابات مجلس الشيوخ 2025    سعر الجنيه الذهب اليوم الأربعاء 30 يوليو 2025 فى مصر.. استقرار ملحوظ    رئيس الوزراء يؤكد التزام مصر الكامل بالتصدى الحاسم لجريمة الإتجار بالبشر    معلومات الوزراء: مصر في المركز 44 عالميًا والثالث عربيا بمؤشر حقوق الطفل    شركة UEG الصينية تعلن استعدادها لتعزيز استثماراتها في مصر    انخفاض أرباح بورشه بنسبة 71% في النصف الأول من 2025    بدء تسليم دفعة جديدة من وحدات مشروع سكن مصر بالقاهرة الجديدة    تحذير من "تسونامي" فى بولينيزيا الفرنسية بعد زلزال روسيا    رئيس وزراء السودان يبحث استعادة عضوية بلاده فى الاتحاد الإفريقى    الجيش الأردني يعلن إسقاط طائرة مسيّرة حاولت تهريب مواد مخدرة على الواجهة الغربية في المنطقة العسكرية الجنوبية    زيارة تبون لإيطاليا.. اتفاقيات مع روما وانزعاج في باريس    الداخلية السورية: الحكومة فتحت ممرات إنسانية لإدخال المساعدات للمدنيين فى السويداء    السفير الأمريكي بإسرائيل: لا خلاف بين ترامب ونتنياهو.. والوضع في غزة ليس بالسوء الذي يصوره الإعلام    قائد الجيش اللبناني: لن نتهاون في إحباط أية محاولة للمساس بالأمن والسلم الأهلي أو جر الوطن للفتنة    صلاح يقود تشكيل ليفربول لمواجهة يوكوهاما الودية    رسميا.. بايرن ميونخ يعلن التعاقد مع لويس دياز    مفاجأة.. الزمالك يستهدف التعاقد مع أليو ديانج برعاية ممدوح عباس    في حوار خاص ل"الفجر الرياضي".. مكتشف كاظم إبراهيما: شوقي حسم الصفقة ووليد رشحه لريبيرو    خسارة شباب الطائرة أمام بورتريكو في تحديد مراكز بطولة العالم    بعد أنباء عودته للزمالك.. شوبير يكشف عن تحرك الأهلي تجاه إمام عاشور    إعادة حركة المرور على طريق الإسكندرية الزراعى بعد تصادم 4 سيارات ببنها    تراجع قليل في درجات الحرارة بكفر الشيخ اليوم الأربعاء 30 يوليو 2025    ضبط وتحرير 100 مخالفة فى حملة مرافق وإشغالات بحى غرب سوهاج    إصابة 5 أشخاص بحادث سيارة في بلطيم    النائبة إيلاريا سمير حارص: إنشاء أول مدرسة WE التكنولوجية في الغردقة خطوة تاريخية لتمكين شباب البحر الأحمر    نقابة المهن الموسيقية تنعي الفنان لطفي لبيب    توم كروز يؤكد علاقته ب آنا دى آرماس.. صور    مبيعات فيلم أحمد وأحمد تصل ل402 ألف تذكرة في 4 أسابيع    القومى للمرأة يهنئ الفائزات بجوائز الدولة للفنون والآداب والعلوم الاجتماعية    لمسات فنية لريهام عبد الحكيم ونجوم الموسيقي العربية ترتدي قفاز الإجادة بإستاد الأسكندرية    أسعار رمزية وخيارات معرفية متنوعة قِسمٌ مخصّص ل "الكتب المخفّضة" في معرض المدينة    ما حكم كشف وجه الميت لتقبيله وتوديعه.. وهل يصح ذلك بعد التكفين؟.. الإفتاء تجيب    الرعاية الصحية تبدأ تنفيذ مشروع "رعايتك في بيتك"    محافظ أسوان: الانتهاء من مبنى الغسيل الكلوى بمستشفى كوم أمبو    الصحة تطلق المرحلة الرابعة لتدريب العاملين على أجهزة إزالة الرجفان القلبي    ما معنى (ورابطوا) في قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا)؟.. عالم أزهري يوضح    علي جمعة يكشف عن حقيقة إيمانية مهمة وكيف نحولها إلى منهج حياة    هل التفاوت بين المساجد في وقت ما بين الأذان والإقامة فيه مخالفة شرعية؟.. أمين الفتوى يجيب    تعليم الفيوم تعلن عن مسابقة لشغل الوظائف القيادية من بين العاملين بها    - هجوم بالشوم على موظف في قرية أبو صير بالبدرشين    براتب 550 دينار .. العمل تعلن عن 4 وظائف في الأردن    حفل جماهيري حاشد بالشرقية لدعم مرشح حزب الجبهة بالشرقية    نجاح 37 حكمًا و51 مساعدًا في اختبارات اللياقة البدنية    ليلى علوي تعيد ذكريات «حب البنات» بصور نادرة من الكواليس    تنسيق الجامعات.. تفاصيل الدراسة ببرنامج الهندسة الإنشائية ب"هندسة حلوان"    استراتيجية الفوضى المعلوماتية.. مخطط إخواني لضرب استقرار مصر واستهداف مؤسسات الدولة    وفري في الميزانية، طريقة عمل الآيس كوفي في البيت زي الكافيهات    ثروت سويلم: لن يتكرر إلغاء الهبوط في الدوري المصري.. وخصم 6 نقاط فوري للمنسحبين    حظك اليوم الأربعاء 30 يوليو وتوقعات الأبراج    فلكيًا.. موعد بداية شهر رمضان 1447-2026    عبداللطيف حجازي يكتب: الرهان المزدوج.. اتجاهات أردوغان لهندسة المشهد التركي عبر الأكراد والمعارضة    يسمح ب«تقسيط المصروفات».. حكاية معهد السياحة والفنادق بعد قضية تزوير رمضان صبحي    رسميًا.. جدول صرف مرتبات شهر أغسطس 2025 بعد تصريحات وزارة المالية (تفاصيل)    الدكتورة ميرفت السيد: مستشفيات الأمانة جاهزة لتطبيق التأمين الصحي الشامل فور اعتماد "Gahar"    سعر الفول والسكر والسلع الأساسية بالأسواق اليوم الأربعاء 30 يوليو 2025    السيطرة على حريق هائل بشقة سكنية في المحلة الكبرى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السينما والتاريخ في قطار الشرق السريع
نشر في صوت البلد يوم 15 - 04 - 2018

لدى البحث عن قطار الشرق السريع، تجده قطاراً لنقل المسافرين لمسافات طويلة، أُنشئ عام 1883. المسار والمعدات الدارجة للقطار تغيرت مرات عدة. مع أن قطار الشرق السريع كان في البداية مجرد خدمة سكك حديد دولية عادية، ولكنه ومع مرور الزمن أصبح القطار يُرادِف الإثارة والسفر الفاخر. ومن أبرز المدن التي يربطها قطار الشرق السريع باريس والقسطنطينية (إسطنبول).
كان قطار الشرق السريع معرضاً من الفخامة والراحة في السفر، وسرعان ما بات مثالاً يُحتذى فمدَّدت شركة سيول خطوطاً فاخرةً أخرى في جميع أنحاء أوروبا، ومنها القطار الأزرق والسهم الذهبي، وخط الشمال السريع، إلخ. وأصبحَت شركة سيول أول وأهم وكيل وشركة للنقل الحديث متعدد الجنسيات، والتي امتدَّت من أوروبا إلى آسيا وأفريقيا. في العام 1977، أُوقِف قطار الشرق السريع عن العمل في إسطنبول. ثم توقف في باريس حيث استبدل بقطار آخر يربط باريس بفيينا، وقد عَمِلَ القطار للمرة الأخيرة في باريس يوم الجمعة 8 حزيران (يونيو) 2007. وإلى الآن مسار القطار يُعرَف بقطار الشرق السريع. وفي 14 كانون الأول (ديسمبر) 2009، توقف قطار الشرق السريع عن العمل واختفت طرق السكك الحديد الأوروبية الخاصة به، حيث يُقال إن قطار الشرق السريع قُضِيَ عليه بسبب القطارات عالية السرعة وخفض أسعار شركات الطيران.
السينما على الخط
وهنا بالتحديد جاءت السينما لتضفي المعالجة الجديدة، التي قدمها المخرج والممثل كينيث براناه، لرواية «جريمة في قطار الشرق السريع» للكاتبة الشهيرة أغاثا كريستي، طابعاً حيوياً على القصة، ففي الفصل الأول من رواية «جريمة في قطار الشرق السريع»، تصف الكاتبة أغاثا كريستي محققها الشهير هيركيول بوارو بأنه «رجلٌ ضئيل الحجم عظيم الشاربين»، لذا يصعب على المرء أن يُنحي باللائمة على المخرج والممثل كينيث براناه، في أن يُظهر هذا المخبر بلجيكي الجنسية، بشاربٍ كثٍ إلى حدٍ مخيف. فما أبعد الشقة بين هذا الشارب، ونظيريه ذوي المظهر الطبيعي في شكل أكبر، اللذين اتخذا شكل خطٍ رفيعٍ ملتوٍ لأعلى، وظهرا على وجه الممثليْن دافيد سوشيه وألبرت فيني عندما جسدا شخصية بوارو في معالجاتٍ سابقة للقصة نفسها. ولكن يمكنك أيضاً قراءة العمل ككوميديا سوداء ذات إسقاطات غير مقصودة. ففي «جريمة في قطار الشرق السريع»، يحاول براناه -وهو مخرج العمل وبطله في الوقت ذاته- أن يحوّل هذه الأحُجية المعقدة التي أبدعتها قريحة كريستي إلى فيلمٍ ناجحٍ وباذخٍ ومفعمٍ بالحيوية. ولا شك في أن هذه النزعة التي تتسم بالسخاء وتحظى بحب غالبية الجماهير، هي ما يجعل النسخة الجديدة من «جريمة في قطار الشرق السريع» ممتعةً على نحوٍ دافقٍ ومتجدد.
بيد أنها تشكل أيضاً أحد الأسباب التي تجعل هذه المتعة تتلاشى حتى تنفد تماماً، وتؤدي إلى أن يفقد الفيلم قوته الدافعة قبل وصوله إلى مقصده. إلى جانب ذلك، أضاف براناه وكاتب السيناريو مايكل غرين إلى أحداث الفيلم، بعض أعمال التحري والبوليس السري التي لم تتضمنها الرواية. فالمشاهد الافتتاحية للعمل، تُظهر بوارو وهو يتباهى ويتفاخر ببراعته في الشوارع الصاخبة لمدينة القدس في العام 1934.
نعم قد تبدو هذه المشاهد هزليةً نابضةً بالحيوية، وتُذّكِر بما تضمنته أفلام «شارلوك هولمز» التي قام غاي ريتشي ببطولتها. كما أنها تضفي مزيداً من العمق والسمت الانفعالي والعاطفي على شخصية بوارو، كما لم تفعل أيٌ من الأفلام المستوحاة من روايات أغاثا كريستي من قبل. فإلى جانب كون المحقق الشهير -كما جسده براناه في العمل- كيَسّاً وعطوفاً ولطيفاً، فإنه كذلك مُغرم بالإتقان والكمال إلى حد مُهلِك ومُعذِب، من حيث كونه مهووساً بالتناظر والتناسق، إلى حد أنه يشعر عندما يضع قدمه عرَضاً في كومة من الروث أو السماد، بأنه من اللازم عليه وضع القدم الثانية فيها أيضاً، وذلك نُشداناً للتماثل والتوازن.
المخرج والممثل كينيث براناه وبمجرد أن ينظف حذاءه، يتلقى استدعاءً للسفر على وجه السرعة إلى لندن، وهو ما يضطره إلى أن يحجز في اللحظات الأخيرة قبل انطلاق «قطار الشرق السريع» سريراً في إحدى مقصوراته، ليخوض رحلةً مع مجموعة من الركاب المثيرين للاهتمام. من بينهم، راكبٌ ذو ندبة على وجهه يحمل مسدسه دائماً، ويلجأ إلى الغش والخداع لتحقيق أهدافه (جوني ديب). ويرافق هذا الرجل سكرتيره الذي يلقى منه دوماً معاملة سيئة (جوش غاد)، وكذلك خادمه الخاص أو لنقل وصيفه المتكتم (ديريك جاكوبي). وتضم قائمة الركاب شقراء تعمل دوماً على إظهار مدى الحزم في شخصيتها عبر الصراخ والوقاحة والعجرفة، بل وتُطلق على نفسها اسم «صائدة الأزواج» (ميشيل فايفَر).
كما نرى بين الركاب أميرة روسية متغطرسة (جودي دَنِش) وخادمتها الألمانية (أوليفيا كولمان)، بالإضافة إلى أستاذ جامعي نمساوي عنصري (ويليم دفاو). وتشمل القائمة كذلك مُبشرة إسبانية (بينلوبي كروز) ومربية بريطانية مُفعمة بالحيوية (دايزي ريدلي)، وآخرين أيضاً. يمكنك أيضاً قراءة هل يقدم الفيلم الثالث من سلسلة «كينغزمان» أي جديد؟ وفي ظل وجود هذا العدد الكبير من الشخصيات المثيرة للاهتمام والإعجاب، والممثلين المشاهير المشاركين في العمل، يبدو من المؤسف أن أدوارهم جاءت محدودةً بالقدر الذي ظهرت عليه على الشاشة.
جمل حوارية عابرة
وعلى الرغم أن كاتب السيناريو غرين وضع على لسان كلٍ منهم عباراتٍ يكشفون من خلالها عن خلفياتهم وتوجهاتهم وميولهم السياسية، فإنه لم يتسن لأيٍ منهم أن يتفوه بأكثر من بضع جُمَلٍ حوارية، إلى حد أن الحوار الذي ورد على لسان ممثلة مثل «دَنِش»، استغرق بالقطع وقتاً أقل من ذاك الذي كرسته لارتداء الثياب الفخمة التي صورت بها المشاهد. على الرغم ذلك، ثمة عناصر كثيرة في المشاهد الأولى للعمل تجعل المرء يقع في غرامها، على غرار الحركة المستمرة التي نراها سواء للكاميرا أو للقطار في تلك المرحلة، وهو ما يضخ في شرايين العمل حيويةً ونشاطاً يصيبانك بالدوار، على نحوٍ لم يكن متوافراً في نسخة الفيلم التي قدمها المخرج والمنتج وكاتب السيناريو الأمريكي سيدني لوميت عام 1974.
الواقع أنه لم يقدم أي فيلم سينمائي من قبل تجربة السفر في مقصورات الدرجة الأولى لقطارٍ يعود إلى عصر البخار، بالبهاء والروعة اللذين ظهرا في فيلمنا هذا، إلى حد أن الأمر يستحق بالفعل أن يشتري المرء بطاقة دخول لمشاهدة الفيلم، فقط للاستمتاع بتذوق مشاهد المناظر الطبيعية للجبال الشاهقة المحيطة بمسار القطار. أضف إلى ذلك مشاهدة تلك الزخارف وقطع الأثاث المتألقة اللامعة المُنتمية لموجة «آرت ديكو» للتصميم الفني، وكذلك للاستماع إلى موسيقى الجاز التي توّلد إيقاعات جذابة ومؤثرة، وأيضاً لكي ينعم الإنسان بمرأى مشاهد تقديم الطعام التي تُسيل اللعاب. الاستثناء الوحيد هنا يتمثل في توظيف منتجٍ لم يبد ملائماً لشركة شوكولاتة، يُخلّف تناوله مذاقاً كريهاً في الفم.
ولكن في وسط ذلك المشهد كله، تقع جريمة القتل؛ بعبارة أخرى عملية الطعن التي تحدث قبيل اضطرار القطار إلى التوقف بفعل الثلج جراء الرياح العاتية. وبينما تُصوّر الرواية الأمر على أنه مجرد تراكمٍ للثلوج بسبب العواصف، يصوّره الفيلم على نحو أكثر دراماتيكية بطبيعة الحال، إذ يضرب لسانٌ من البرق الجليد ليُحْدِثَ انهياراً ثلجياً مدوياً، ما يُخْرِجَ «قطار الشرق السريع» عن مساره.
قد لا أغالي هنا إذا قلت إن الفيلم كله يخرج في تلك اللحظات عن سكته بدوره، ولكن ربما دون أن يتسنى له أن يعود للانطلاق بسرعته السابقة بعد ذلك أبداً. وقد يكون تراجع الزخم هذا مَثّلَ أمراً حتمياً. بالطبع، يكرس براناه كل جهوده لهذا الصراخ والصياح. فقصص كريستي التي يدور السؤال الأهم فيها حول «من فعلها؟» -أي الجريمة- تحظى بالإعجاب والحب من الجماهير، نظراً لما تنطوي عليه من حبكات مُحكمة ومبتكرة وبارعة، وليس لأنها تحكي عن رجالٍ بشوارب كثيفة، يعدون غاضبين فوق الثلوج.
لدى البحث عن قطار الشرق السريع، تجده قطاراً لنقل المسافرين لمسافات طويلة، أُنشئ عام 1883. المسار والمعدات الدارجة للقطار تغيرت مرات عدة. مع أن قطار الشرق السريع كان في البداية مجرد خدمة سكك حديد دولية عادية، ولكنه ومع مرور الزمن أصبح القطار يُرادِف الإثارة والسفر الفاخر. ومن أبرز المدن التي يربطها قطار الشرق السريع باريس والقسطنطينية (إسطنبول).
كان قطار الشرق السريع معرضاً من الفخامة والراحة في السفر، وسرعان ما بات مثالاً يُحتذى فمدَّدت شركة سيول خطوطاً فاخرةً أخرى في جميع أنحاء أوروبا، ومنها القطار الأزرق والسهم الذهبي، وخط الشمال السريع، إلخ. وأصبحَت شركة سيول أول وأهم وكيل وشركة للنقل الحديث متعدد الجنسيات، والتي امتدَّت من أوروبا إلى آسيا وأفريقيا. في العام 1977، أُوقِف قطار الشرق السريع عن العمل في إسطنبول. ثم توقف في باريس حيث استبدل بقطار آخر يربط باريس بفيينا، وقد عَمِلَ القطار للمرة الأخيرة في باريس يوم الجمعة 8 حزيران (يونيو) 2007. وإلى الآن مسار القطار يُعرَف بقطار الشرق السريع. وفي 14 كانون الأول (ديسمبر) 2009، توقف قطار الشرق السريع عن العمل واختفت طرق السكك الحديد الأوروبية الخاصة به، حيث يُقال إن قطار الشرق السريع قُضِيَ عليه بسبب القطارات عالية السرعة وخفض أسعار شركات الطيران.
السينما على الخط
وهنا بالتحديد جاءت السينما لتضفي المعالجة الجديدة، التي قدمها المخرج والممثل كينيث براناه، لرواية «جريمة في قطار الشرق السريع» للكاتبة الشهيرة أغاثا كريستي، طابعاً حيوياً على القصة، ففي الفصل الأول من رواية «جريمة في قطار الشرق السريع»، تصف الكاتبة أغاثا كريستي محققها الشهير هيركيول بوارو بأنه «رجلٌ ضئيل الحجم عظيم الشاربين»، لذا يصعب على المرء أن يُنحي باللائمة على المخرج والممثل كينيث براناه، في أن يُظهر هذا المخبر بلجيكي الجنسية، بشاربٍ كثٍ إلى حدٍ مخيف. فما أبعد الشقة بين هذا الشارب، ونظيريه ذوي المظهر الطبيعي في شكل أكبر، اللذين اتخذا شكل خطٍ رفيعٍ ملتوٍ لأعلى، وظهرا على وجه الممثليْن دافيد سوشيه وألبرت فيني عندما جسدا شخصية بوارو في معالجاتٍ سابقة للقصة نفسها. ولكن يمكنك أيضاً قراءة العمل ككوميديا سوداء ذات إسقاطات غير مقصودة. ففي «جريمة في قطار الشرق السريع»، يحاول براناه -وهو مخرج العمل وبطله في الوقت ذاته- أن يحوّل هذه الأحُجية المعقدة التي أبدعتها قريحة كريستي إلى فيلمٍ ناجحٍ وباذخٍ ومفعمٍ بالحيوية. ولا شك في أن هذه النزعة التي تتسم بالسخاء وتحظى بحب غالبية الجماهير، هي ما يجعل النسخة الجديدة من «جريمة في قطار الشرق السريع» ممتعةً على نحوٍ دافقٍ ومتجدد.
بيد أنها تشكل أيضاً أحد الأسباب التي تجعل هذه المتعة تتلاشى حتى تنفد تماماً، وتؤدي إلى أن يفقد الفيلم قوته الدافعة قبل وصوله إلى مقصده. إلى جانب ذلك، أضاف براناه وكاتب السيناريو مايكل غرين إلى أحداث الفيلم، بعض أعمال التحري والبوليس السري التي لم تتضمنها الرواية. فالمشاهد الافتتاحية للعمل، تُظهر بوارو وهو يتباهى ويتفاخر ببراعته في الشوارع الصاخبة لمدينة القدس في العام 1934.
نعم قد تبدو هذه المشاهد هزليةً نابضةً بالحيوية، وتُذّكِر بما تضمنته أفلام «شارلوك هولمز» التي قام غاي ريتشي ببطولتها. كما أنها تضفي مزيداً من العمق والسمت الانفعالي والعاطفي على شخصية بوارو، كما لم تفعل أيٌ من الأفلام المستوحاة من روايات أغاثا كريستي من قبل. فإلى جانب كون المحقق الشهير -كما جسده براناه في العمل- كيَسّاً وعطوفاً ولطيفاً، فإنه كذلك مُغرم بالإتقان والكمال إلى حد مُهلِك ومُعذِب، من حيث كونه مهووساً بالتناظر والتناسق، إلى حد أنه يشعر عندما يضع قدمه عرَضاً في كومة من الروث أو السماد، بأنه من اللازم عليه وضع القدم الثانية فيها أيضاً، وذلك نُشداناً للتماثل والتوازن.
المخرج والممثل كينيث براناه وبمجرد أن ينظف حذاءه، يتلقى استدعاءً للسفر على وجه السرعة إلى لندن، وهو ما يضطره إلى أن يحجز في اللحظات الأخيرة قبل انطلاق «قطار الشرق السريع» سريراً في إحدى مقصوراته، ليخوض رحلةً مع مجموعة من الركاب المثيرين للاهتمام. من بينهم، راكبٌ ذو ندبة على وجهه يحمل مسدسه دائماً، ويلجأ إلى الغش والخداع لتحقيق أهدافه (جوني ديب). ويرافق هذا الرجل سكرتيره الذي يلقى منه دوماً معاملة سيئة (جوش غاد)، وكذلك خادمه الخاص أو لنقل وصيفه المتكتم (ديريك جاكوبي). وتضم قائمة الركاب شقراء تعمل دوماً على إظهار مدى الحزم في شخصيتها عبر الصراخ والوقاحة والعجرفة، بل وتُطلق على نفسها اسم «صائدة الأزواج» (ميشيل فايفَر).
كما نرى بين الركاب أميرة روسية متغطرسة (جودي دَنِش) وخادمتها الألمانية (أوليفيا كولمان)، بالإضافة إلى أستاذ جامعي نمساوي عنصري (ويليم دفاو). وتشمل القائمة كذلك مُبشرة إسبانية (بينلوبي كروز) ومربية بريطانية مُفعمة بالحيوية (دايزي ريدلي)، وآخرين أيضاً. يمكنك أيضاً قراءة هل يقدم الفيلم الثالث من سلسلة «كينغزمان» أي جديد؟ وفي ظل وجود هذا العدد الكبير من الشخصيات المثيرة للاهتمام والإعجاب، والممثلين المشاهير المشاركين في العمل، يبدو من المؤسف أن أدوارهم جاءت محدودةً بالقدر الذي ظهرت عليه على الشاشة.
جمل حوارية عابرة
وعلى الرغم أن كاتب السيناريو غرين وضع على لسان كلٍ منهم عباراتٍ يكشفون من خلالها عن خلفياتهم وتوجهاتهم وميولهم السياسية، فإنه لم يتسن لأيٍ منهم أن يتفوه بأكثر من بضع جُمَلٍ حوارية، إلى حد أن الحوار الذي ورد على لسان ممثلة مثل «دَنِش»، استغرق بالقطع وقتاً أقل من ذاك الذي كرسته لارتداء الثياب الفخمة التي صورت بها المشاهد. على الرغم ذلك، ثمة عناصر كثيرة في المشاهد الأولى للعمل تجعل المرء يقع في غرامها، على غرار الحركة المستمرة التي نراها سواء للكاميرا أو للقطار في تلك المرحلة، وهو ما يضخ في شرايين العمل حيويةً ونشاطاً يصيبانك بالدوار، على نحوٍ لم يكن متوافراً في نسخة الفيلم التي قدمها المخرج والمنتج وكاتب السيناريو الأمريكي سيدني لوميت عام 1974.
الواقع أنه لم يقدم أي فيلم سينمائي من قبل تجربة السفر في مقصورات الدرجة الأولى لقطارٍ يعود إلى عصر البخار، بالبهاء والروعة اللذين ظهرا في فيلمنا هذا، إلى حد أن الأمر يستحق بالفعل أن يشتري المرء بطاقة دخول لمشاهدة الفيلم، فقط للاستمتاع بتذوق مشاهد المناظر الطبيعية للجبال الشاهقة المحيطة بمسار القطار. أضف إلى ذلك مشاهدة تلك الزخارف وقطع الأثاث المتألقة اللامعة المُنتمية لموجة «آرت ديكو» للتصميم الفني، وكذلك للاستماع إلى موسيقى الجاز التي توّلد إيقاعات جذابة ومؤثرة، وأيضاً لكي ينعم الإنسان بمرأى مشاهد تقديم الطعام التي تُسيل اللعاب. الاستثناء الوحيد هنا يتمثل في توظيف منتجٍ لم يبد ملائماً لشركة شوكولاتة، يُخلّف تناوله مذاقاً كريهاً في الفم.
ولكن في وسط ذلك المشهد كله، تقع جريمة القتل؛ بعبارة أخرى عملية الطعن التي تحدث قبيل اضطرار القطار إلى التوقف بفعل الثلج جراء الرياح العاتية. وبينما تُصوّر الرواية الأمر على أنه مجرد تراكمٍ للثلوج بسبب العواصف، يصوّره الفيلم على نحو أكثر دراماتيكية بطبيعة الحال، إذ يضرب لسانٌ من البرق الجليد ليُحْدِثَ انهياراً ثلجياً مدوياً، ما يُخْرِجَ «قطار الشرق السريع» عن مساره.
قد لا أغالي هنا إذا قلت إن الفيلم كله يخرج في تلك اللحظات عن سكته بدوره، ولكن ربما دون أن يتسنى له أن يعود للانطلاق بسرعته السابقة بعد ذلك أبداً. وقد يكون تراجع الزخم هذا مَثّلَ أمراً حتمياً. بالطبع، يكرس براناه كل جهوده لهذا الصراخ والصياح. فقصص كريستي التي يدور السؤال الأهم فيها حول «من فعلها؟» -أي الجريمة- تحظى بالإعجاب والحب من الجماهير، نظراً لما تنطوي عليه من حبكات مُحكمة ومبتكرة وبارعة، وليس لأنها تحكي عن رجالٍ بشوارب كثيفة، يعدون غاضبين فوق الثلوج.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.