منافس الأهلي.. بورتو يسابق الزمن لضم فيجا قبل انطلاق مونديال الأندية    7 لاعبين مهددون بالرحيل عن ريال مدريد    أحمد الفيشاوي يثير الجدل مجددًا بظهوره ب«حلق» في أحدث إطلالة على إنستجرام    من مدريد إلى نيويورك..فى انتظار ولادة صعبة لحل الدولتين    باريس سان جيرمان ينهي عقدة تاريخية لأندية فرنسا أوروبيًا    بعد رحيله عن الأهلي.. هل طلب سامي قمصان ضم ميشيل يانكون لجهاز نادي زد؟    لاعبان سابقان.. الزمالك يفاضل بين ثلاثي الدوري لضم أحدهم (تفاصيل)    معاكسة فتاة ببنها تنتهى بجثة ومصاب والأمن يسيطر ويضبط المتهمين    متحدث الصحة: نضع خطة طوارئ متكاملة خلال إجازة العيد.. جاهزية كل المستشفيات    ديستربتيك: استثمرنا 65% من محفظتنا فى شركات ناشئة.. ونستعد لإطلاق صندوق جديد خلال عامين    مطالب برلمانية للحكومة بسرعة تقديم تعديل تشريعى على قانون مخالفات البناء    البلشي يرفض حبس الصحفيين في قضايا النشر: حماية التعبير لا تعني الإفلات من المحاسبة    القومي لحقوق الإنسان يكرم مسلسل ظلم المصطبة    الحبس والغرامة للمتهمين باقتطاع فيديوهات للإعلامية ريهام سعيد وإعادة نشرها    «سيبتك» أولى مفاجآت ألبوم حسام حبيب لصيف 2025    مدير فرع هيئة الرعاية الصحية بالإسماعيلية يستقبل وفدا من الصحة العالمية    رئيس النحالين العرب: 3 جهات رقابية تشرف على إنتاج عسل النحل المصري    وزير الصحة: تجاوزنا أزمة نقص الدواء باحتياطي 3 أشهر.. وحجم التوسع بالمستشفيات مش موجود في العالم    بحثًا عن الزمن المفقود فى غزة    مصطفى كامل وأنوشكا ونادية مصطفى وتامر عبد المنعم فى عزاء والد رئيس الأوبرا    20 صورة.. مستشار الرئيس السيسي يتفقد دير مارمينا في الإسكندرية    موعد أذان مغرب السبت 4 من ذي الحجة 2025.. وبعض الآداب عشر ذي الحجة    بعد نجاح مسابقته السنويَّة للقرآن الكريم| الأزهر يطلق «مسابقة السنَّة النبويَّة»    ماذا على الحاج إذا فعل محظورًا من محظورات الإحرام؟.. الدكتور يسري جبر يجيب    الهمص يتهم الجيش الإسرائيلي باستهداف المستشفيات بشكل ممنهج في قطاع غزة    الإخوان في فرنسا.. كيف تُؤسِّس الجماعة حياةً يوميةً إسلاميةً؟.. خطة لصبغ حياة المسلم فى مجالات بعيدة عن الشق الدينى    المجلس القومي لحقوق الإنسان يكرم أبطال مسلسل ظلم المصطبة    وزارة الزراعة تنفي ما تردد عن بيع المبنى القديم لمستثمر خليجي    برونو يحير جماهير مانشستر يونايتد برسالة غامضة    القاهرة الإخبارية: القوات الروسية تمكنت من تحقيق اختراقات في المواقع الدفاعية الأوكرانية    "أوبك+": 8 أعضاء سيرفعون إنتاج النفط في يوليو ب411 ألف برميل يوميا    قواعد تنسيق العام الجديد.. اعرف تفاصيل اختبارات القدرات    ما حكم بيع جزء من الأضحية؟    محافظ القليوبية يوجه بسرعة الانتهاء من رصف وتطوير محور مصرف الحصة    ب حملة توقيعات.. «الصحفيين»: 5 توصيات ل تعديل المادة 12 من «تنظيم الصحافة والإعلام» (تفاصيل)    استعدادًا لعيد الأضحى| تفتيش نقاط الذبيح ومحال الجزارة بالإسماعيلية    محافظ أسيوط ووزير الموارد المائية والري يتفقدان قناطر أسيوط الجديدة ومحطتها الكهرومائية    تكشف خطورتها.. «الصحة العالمية» تدعو الحكومات إلى حظر جميع نكهات منتجات التبغ    وزير الخارجية يبحث مع عضو لجنة الخدمات العسكرية ب"الشيوخ الأمريكي" سبل دعم الشراكة الاستراتيجية    مصادرة 37 مكبر صوت من التكاتك المخالفة بحملة بشوارع السنبلاوين في الدقهلية    حظك اليوم السبت 31 مايو 2025 وتوقعات الأبراج    لماذا سيرتدي إنتر القميص الثالث في نهائي دوري أبطال أوروبا؟    تفاصيل ما حدث في أول أيام امتحانات الشهادة الإعدادية بالمنوفية    "حياة كريمة" تبدأ تنفيذ المسح الميداني في المناطق المتضررة بالإسكندرية    بدر عبد العاطى وزير الخارجية ل"صوت الأمة": مصر تعكف مصر على بذل جهود حثيثة بالشراكة مع قطر أمريكا لوقف الحرب في غزة    وزير التربية والتعليم يبحث مع منظمة "يونيسف" وضع خطط لتدريب المعلمين على المناهج المطورة وطرق التدريس    استخراج حجر بطارية ألعاب من مريء طفل ابتلعه أثناء اللعب.. صور    أفضل الأدعية المستجابة عند العواصف والرعد والأمطار    رئيس الإنجيلية يستهل جولته الرعوية بالمنيا بتنصيب القس ريموند سمعان    ماذا قالت وكالة الطاقة الذرية في تقريرها عن أنشطة إيران؟    مصدر كردي: وفد من الإدارة الذاتية الكردية يتجه لدمشق لبحث تطبيق اتفاق وقّعته الإدارة الذاتية مع الحكومة السورية قبل نحو 3 أشهر    "نفرح بأولادك"..إلهام شاهين توجه رسالة ل أمينة خليل بعد حفل زفافها (صور)    قبل وقفة عرفة.. «اليوم السابع» يرصد تجهيزات مشعر عرفات "فيديو"    عمرو الدجوى يقدم بلاغا للنائب العام يتهم بنات عمته بالاستيلاء على أموال الأسرة    عيد الأضحى 2025.. محافظ الغربية يؤكد توافر السلع واستعداد المستشفيات لاستقبال العيد    سحب 700 رخصة لعدم تركيب الملصق الإلكتروني خلال 24 ساعة    لمكافحة التلاعب بأسعار الخبز.. ضبط 4 طن دقيق مدعم بالمحافظات    سويلم: الأهلي تسلم الدرع في الملعب وحسم اللقب انتهى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فوزي كريم الشاعر القلق الممسوس بالمجهول
نشر في صوت البلد يوم 04 - 02 - 2018

قراءة الشعر أبعد من الظاهرة اللسانية هي سمة الكتاب النقدي “المرايا والدخان/ دراسة في شعر فوزي كريم” للناقد ياسين النصير، في سياق تقديمِ مقاربات تُلامسُ اليومي والهامشي في شعريته، وفي البحثِ عن تعالق هذه المقاربات مع التمثلات الاجتماعية والسياسية لتجربته، وعبر ما تكشفه من هواجس وشحنات تتبدّى من خلالها ظاهرة شعرية المدينة، بوصف فوزي كريم شاعرا مدينيا، له قاموسه، وله رؤاه، وله مراياه التي تُحيل إلى ما يسميه الناقد بالفضاء الشعر.
لعبة الاستكشاف
ضمّ هذا الكتاب، الصادر عن منشورات الاتحاد العام للأدباء والكتّاب في العراق بغداد، مقدمة، وعتبة للعنوان، مع ستةِ فصول استغرقت عوالم المتون الثقافية لتجربة الشاعر فوزي كريم، بوصفها تجربة/ شهادة على تحولات شعرية وثقافية على مستوى اللغة والمكان، أو على مستوى الفضاء الاجتماعي في سياقه التمثيلي والرمزي، أو في سياقه التعبيري/ البصري.
في عتبة العنوان يضعنا الناقد أمام قراءة ثقافية تستغور علاقة التجربة الشعرية للشاعر مع حمولاتها التأويلية والاجتماعية، من جانب، أو من خلال علاقتها بسيميائية المكان والمنفى، تلك التي تتقارب التمثّلات الثقافية والسياسية مع معطيات التحوّل الشعري، لا سيما داخل المشغل التجريبي لما يُسمى ب”الحركة الثانية للحداثة الشعرية” بكلّ أسئلتها، وتقانات مقاربتها لمفهوم الشعرية، وللرؤى التي تقف خلفها، بوصف أنّ تجربة فوزي كريم ذات مرجعيات فلسفية وذهنية ونفسية، إذ هو “شاعر قلق، ممسوس بالمجهول، قلقه وجودي، وتحولاته بطيئة”.
يقترح الناقد بداية توصيفا لقصيدة فوزي كريم بتسميتها “القصيدة الفضائية” تلك التي تجد في الفضاء مجالا لتوصيف عوالم شعريتها، ولما يخصّ بنيتها التكوينية، على مستوى وظائفية الضمائر والزمن من خلال بنية الأفعال، أو على مستوى تقانة كتابتها، وبما يجعل هذه الكتابة وكأنها تعيش هاجس المغامرة، أو تمارس لعبة الاستدعاء، حيث لعبة الأقنعة، والرؤية الإيهامية للواقع، وحيث اللغة بتمثلاتها الاستعارية، وحيث “أحلام اليقظة المبهمة والغارقة في المجهول النفسي والواقعي، والممتنعة عن الانثيال المجاني”.
لعبة الكتابة عند الشاعر تقترب من الحياة، لكنها تنفرُ عن مباشرتها عبر محاولته للاقتراب من الذاتي/ الطفولي والشعري/ التأملي، وللابتعاد عن سيميائيات الموت، الخوف والرعب، وبما يُعطي له هامشا لاصطناع المزيد من الاستعارات بوصفها أقنعة للتستر، أو مرايا لتأكيد فاعلية الذات، وأنّ ما يهجسُ به الشاعر يظلّ رهينا بقدرة ما يستكشفه، وما يصطنع له من تمثلات بصرية تتوهم تجاوز مرايا الذات، وبما تهجس به من إيحاءات، أو من معان حرّة، إذ تتفجر روح المكان، وهوامشه، وتتشظى المرآة إلى مرايا متعددة، وبما يجعل حضور الشاعر أكثر تبديا عبر ما تُشعرنا به القصيدة المتمردة على مرآتها، وما تتركه قراءتها من تشظيات “الاستعارة والمفارقة والاحتمالية”.
الكشف عن الحمولات الثقافية للشعرية، يعني اهتمامه بالتصوير، داخل المرايا أو خارجها، بوصفه مجالا للرؤية، أو بوصفه تعبيرا عن الفضاء الذي يستوعب العلامات المرآوية وتشكلها في القصيدة، وفي الجملة، وعلى وفق ما تقترحه القراءة الثقافية من موجّهات تلامس اشتغالاته في الشعري، ومنذ بداياته في الستينات ونهايته في الألفية الجديدة، على وفق قانون الديمومة البرغسونية كما يقول الناقد، أو عبر تتبع حياة الشاعر في المكان المتحوّل، والتي تعني تحوله الشعري أيضا.
وفي الفصل الثاني يتقصى الناقد مسيرة الشاعر في الزمن وفي اللغة، وعبر تقانة “الاستكشاف” إذ يصطنع لهذه الفكرة مستوى معينا من القراءة، تلك ترصد لعبة الشعر في سياق لعبة الزمن، حيث الأنا وعزلتها، وحيث استغراقات الشاعر في فضاء تلك العزلة، إذ يهيمن خطاب النداء والاستدعاء عبر تمثلاتهما الرمزية، لمواجهة مهينة الغياب والمحو، من خلال استدعاء شفرات الأنوثة والمرايا والمأوى/ البيت، وكأنه يستبطن عبر هذه اللعبة هواجسه إزاء الفقد والمتاهة، وأسئلته إزاء وحشة الغياب، وامتلاء الاستعارة، واتساع المرايا بشواظ الدخان.
حافة الأسئلة
القراءة الثقافية لا تعني الإحالة إلى ما هو اجتماعي أو نفسي، وتعرية ما هو مضمر في الجملة الشعرية فقط، بقدر ما تعني أيضا جملة من الإحالات إلى الوجودي والرؤيوي والاستعاري بوصفها مجسات للاختراق، فضلا عن كونها لعبة الشاعر المضادة في استنطاق اللغة عبر البحث عن تمثيلاتها السيميائية في المكان/ المنفى والجسد، وعبر التماهي بشغف التعويض، حيث أنّ “التماهي بين الشاعر والقصيدة هو من قبيل القناعة بأنّ الشعر يعوّض عن المشاركة في أي فعالية سياسية خارجية”.
وحيث يكون السياسي هنا الوجه الآخر للاجتماعي والأيديولوجي، مثلما يعني، أيضا، محاولة لأنسنة المنفى، وبما يُعطي للشعري فعله في الانزياح عن المألوف، والبحث عما وراء عزلة الشاعر، تلك التي تحضر فيها اللغة بوصفها ممارسة ثقافية، أو بوصفها نشيدا ذاتيا، أو عواء روحيا، أو إبصارا لما خلف النافذة والسطح، أو بوصفها تماهيا مع فعل اللذة الذي تتوهم وجوده عزلة الشاعر.
تقانة الاستعادة لا تعني من جانب آخر استعادة التفاصيل بمعناها المباشر، وأنّ لعبة الشاعر في هذه التقانة قد تكون أكثر هوسا ب”إيقاظ اللغة” حيث يفكر الشاعر برؤياه، وحيث تستدعي المخيلة المفقود والغائب والبعيد بالوصف التاريخي والمكاني، أو بوصفه التعويضي والإشباعي والإيهامي، فاستدعاء عبدالأمير الحصيري وحسين مردان ومنهل نعمة ونجيب المانع، هو محاولة تناصية في الإشباع الرمزي، وفي أنْ يكون الشاعر رائيا وشاهدا في الزمن الشعري والنفسي والسياسي، وهو ما يجعل الشاعر كما يرى الناقد “لا يكتب قصيدة رثائية، ولا قصيدة تذكرية، إنما قصيدة وجدانية تختلط فيها ضمائر الاثنين، بل ضمائر القراء أيضا”.
تنامي فعل الخبرة في شعرية فوزي كريم جعلته أكثر شغفا بالعودة إلى البراءة، تلك التي تعني لها البكورة والعري والتلصص والمرايا والتعالق بالتفاصيل، والتي تسبغ على اللغة توهجا وصفيا واستعاريا، مثلما تجعلها أكثر شراهة في التعبير عن الذات، تلك التي تصنع اللغة اغترابها، ويصنع الواقع لها وجودا زائفا، والناقد النصير في هذا السياق يقترح للشاعر فوزي كريم حضورا إيهاميا في المكان، وأنّ حساسيته الشعرية لا تعني وجوده خارج الحياة وصراعاتها، فبقدر ما هو شاعر للمزاج وللتموضع في شعرية البراءة، فإنّه ينحاز إلى الأفكار أيضا، لا سيما تلك التي تعزز لديه الإحساس المتعالي بالجمال والمعنى، والانتصار لقيم التقدم كما يقول الناقد.
شعرية البراءة هي ذاتها شعرية التعويض، وإنّ انحياز الشاعر لها يعني مواجهة الأسئلة التي تحوطه، والتناقضات التي تحاصره بالزمن العابر للجسد، واللغة التي تعبر فيها الإحالة إلى نقائضها، حتى تبدو لعبته في مواجهة ثنائية “الغياب والحضور” وكأنها لعبة المرايا ذاتها، تلك التي تُعطي للجسد أوهامه الفائقة وإفراطه في التأويل وفي الاستعادة، وبما يجعل تلك اللعبة مقابلا قلقا لشعرية الخبرة، حيث يتمرأى الشاعر عند حافة الأسئلة.
قراءة الشعر أبعد من الظاهرة اللسانية هي سمة الكتاب النقدي “المرايا والدخان/ دراسة في شعر فوزي كريم” للناقد ياسين النصير، في سياق تقديمِ مقاربات تُلامسُ اليومي والهامشي في شعريته، وفي البحثِ عن تعالق هذه المقاربات مع التمثلات الاجتماعية والسياسية لتجربته، وعبر ما تكشفه من هواجس وشحنات تتبدّى من خلالها ظاهرة شعرية المدينة، بوصف فوزي كريم شاعرا مدينيا، له قاموسه، وله رؤاه، وله مراياه التي تُحيل إلى ما يسميه الناقد بالفضاء الشعر.
لعبة الاستكشاف
ضمّ هذا الكتاب، الصادر عن منشورات الاتحاد العام للأدباء والكتّاب في العراق بغداد، مقدمة، وعتبة للعنوان، مع ستةِ فصول استغرقت عوالم المتون الثقافية لتجربة الشاعر فوزي كريم، بوصفها تجربة/ شهادة على تحولات شعرية وثقافية على مستوى اللغة والمكان، أو على مستوى الفضاء الاجتماعي في سياقه التمثيلي والرمزي، أو في سياقه التعبيري/ البصري.
في عتبة العنوان يضعنا الناقد أمام قراءة ثقافية تستغور علاقة التجربة الشعرية للشاعر مع حمولاتها التأويلية والاجتماعية، من جانب، أو من خلال علاقتها بسيميائية المكان والمنفى، تلك التي تتقارب التمثّلات الثقافية والسياسية مع معطيات التحوّل الشعري، لا سيما داخل المشغل التجريبي لما يُسمى ب”الحركة الثانية للحداثة الشعرية” بكلّ أسئلتها، وتقانات مقاربتها لمفهوم الشعرية، وللرؤى التي تقف خلفها، بوصف أنّ تجربة فوزي كريم ذات مرجعيات فلسفية وذهنية ونفسية، إذ هو “شاعر قلق، ممسوس بالمجهول، قلقه وجودي، وتحولاته بطيئة”.
يقترح الناقد بداية توصيفا لقصيدة فوزي كريم بتسميتها “القصيدة الفضائية” تلك التي تجد في الفضاء مجالا لتوصيف عوالم شعريتها، ولما يخصّ بنيتها التكوينية، على مستوى وظائفية الضمائر والزمن من خلال بنية الأفعال، أو على مستوى تقانة كتابتها، وبما يجعل هذه الكتابة وكأنها تعيش هاجس المغامرة، أو تمارس لعبة الاستدعاء، حيث لعبة الأقنعة، والرؤية الإيهامية للواقع، وحيث اللغة بتمثلاتها الاستعارية، وحيث “أحلام اليقظة المبهمة والغارقة في المجهول النفسي والواقعي، والممتنعة عن الانثيال المجاني”.
لعبة الكتابة عند الشاعر تقترب من الحياة، لكنها تنفرُ عن مباشرتها عبر محاولته للاقتراب من الذاتي/ الطفولي والشعري/ التأملي، وللابتعاد عن سيميائيات الموت، الخوف والرعب، وبما يُعطي له هامشا لاصطناع المزيد من الاستعارات بوصفها أقنعة للتستر، أو مرايا لتأكيد فاعلية الذات، وأنّ ما يهجسُ به الشاعر يظلّ رهينا بقدرة ما يستكشفه، وما يصطنع له من تمثلات بصرية تتوهم تجاوز مرايا الذات، وبما تهجس به من إيحاءات، أو من معان حرّة، إذ تتفجر روح المكان، وهوامشه، وتتشظى المرآة إلى مرايا متعددة، وبما يجعل حضور الشاعر أكثر تبديا عبر ما تُشعرنا به القصيدة المتمردة على مرآتها، وما تتركه قراءتها من تشظيات “الاستعارة والمفارقة والاحتمالية”.
الكشف عن الحمولات الثقافية للشعرية، يعني اهتمامه بالتصوير، داخل المرايا أو خارجها، بوصفه مجالا للرؤية، أو بوصفه تعبيرا عن الفضاء الذي يستوعب العلامات المرآوية وتشكلها في القصيدة، وفي الجملة، وعلى وفق ما تقترحه القراءة الثقافية من موجّهات تلامس اشتغالاته في الشعري، ومنذ بداياته في الستينات ونهايته في الألفية الجديدة، على وفق قانون الديمومة البرغسونية كما يقول الناقد، أو عبر تتبع حياة الشاعر في المكان المتحوّل، والتي تعني تحوله الشعري أيضا.
وفي الفصل الثاني يتقصى الناقد مسيرة الشاعر في الزمن وفي اللغة، وعبر تقانة “الاستكشاف” إذ يصطنع لهذه الفكرة مستوى معينا من القراءة، تلك ترصد لعبة الشعر في سياق لعبة الزمن، حيث الأنا وعزلتها، وحيث استغراقات الشاعر في فضاء تلك العزلة، إذ يهيمن خطاب النداء والاستدعاء عبر تمثلاتهما الرمزية، لمواجهة مهينة الغياب والمحو، من خلال استدعاء شفرات الأنوثة والمرايا والمأوى/ البيت، وكأنه يستبطن عبر هذه اللعبة هواجسه إزاء الفقد والمتاهة، وأسئلته إزاء وحشة الغياب، وامتلاء الاستعارة، واتساع المرايا بشواظ الدخان.
حافة الأسئلة
القراءة الثقافية لا تعني الإحالة إلى ما هو اجتماعي أو نفسي، وتعرية ما هو مضمر في الجملة الشعرية فقط، بقدر ما تعني أيضا جملة من الإحالات إلى الوجودي والرؤيوي والاستعاري بوصفها مجسات للاختراق، فضلا عن كونها لعبة الشاعر المضادة في استنطاق اللغة عبر البحث عن تمثيلاتها السيميائية في المكان/ المنفى والجسد، وعبر التماهي بشغف التعويض، حيث أنّ “التماهي بين الشاعر والقصيدة هو من قبيل القناعة بأنّ الشعر يعوّض عن المشاركة في أي فعالية سياسية خارجية”.
وحيث يكون السياسي هنا الوجه الآخر للاجتماعي والأيديولوجي، مثلما يعني، أيضا، محاولة لأنسنة المنفى، وبما يُعطي للشعري فعله في الانزياح عن المألوف، والبحث عما وراء عزلة الشاعر، تلك التي تحضر فيها اللغة بوصفها ممارسة ثقافية، أو بوصفها نشيدا ذاتيا، أو عواء روحيا، أو إبصارا لما خلف النافذة والسطح، أو بوصفها تماهيا مع فعل اللذة الذي تتوهم وجوده عزلة الشاعر.
تقانة الاستعادة لا تعني من جانب آخر استعادة التفاصيل بمعناها المباشر، وأنّ لعبة الشاعر في هذه التقانة قد تكون أكثر هوسا ب”إيقاظ اللغة” حيث يفكر الشاعر برؤياه، وحيث تستدعي المخيلة المفقود والغائب والبعيد بالوصف التاريخي والمكاني، أو بوصفه التعويضي والإشباعي والإيهامي، فاستدعاء عبدالأمير الحصيري وحسين مردان ومنهل نعمة ونجيب المانع، هو محاولة تناصية في الإشباع الرمزي، وفي أنْ يكون الشاعر رائيا وشاهدا في الزمن الشعري والنفسي والسياسي، وهو ما يجعل الشاعر كما يرى الناقد “لا يكتب قصيدة رثائية، ولا قصيدة تذكرية، إنما قصيدة وجدانية تختلط فيها ضمائر الاثنين، بل ضمائر القراء أيضا”.
تنامي فعل الخبرة في شعرية فوزي كريم جعلته أكثر شغفا بالعودة إلى البراءة، تلك التي تعني لها البكورة والعري والتلصص والمرايا والتعالق بالتفاصيل، والتي تسبغ على اللغة توهجا وصفيا واستعاريا، مثلما تجعلها أكثر شراهة في التعبير عن الذات، تلك التي تصنع اللغة اغترابها، ويصنع الواقع لها وجودا زائفا، والناقد النصير في هذا السياق يقترح للشاعر فوزي كريم حضورا إيهاميا في المكان، وأنّ حساسيته الشعرية لا تعني وجوده خارج الحياة وصراعاتها، فبقدر ما هو شاعر للمزاج وللتموضع في شعرية البراءة، فإنّه ينحاز إلى الأفكار أيضا، لا سيما تلك التي تعزز لديه الإحساس المتعالي بالجمال والمعنى، والانتصار لقيم التقدم كما يقول الناقد.
شعرية البراءة هي ذاتها شعرية التعويض، وإنّ انحياز الشاعر لها يعني مواجهة الأسئلة التي تحوطه، والتناقضات التي تحاصره بالزمن العابر للجسد، واللغة التي تعبر فيها الإحالة إلى نقائضها، حتى تبدو لعبته في مواجهة ثنائية “الغياب والحضور” وكأنها لعبة المرايا ذاتها، تلك التي تُعطي للجسد أوهامه الفائقة وإفراطه في التأويل وفي الاستعادة، وبما يجعل تلك اللعبة مقابلا قلقا لشعرية الخبرة، حيث يتمرأى الشاعر عند حافة الأسئلة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.