نائب وزير المالية للبوابة نيوز: دمج المراجعتين الخامسة والسادسة من البرنامج المصرى مع "النقد الدولي"غير مقلق    روسيا: اعتراض 13 مسيرة أوكرانية أُطلقت نحو موسكو    45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. السبت 19 يوليو 2025    بعد التوقف الدولي.. حسام حسن ينتظر استئناف تصفيات أفريقيا المؤهلة لكأس العالم    أنغام تغني «أشكي لمين» وتوجه رسالة لمحمد منير بمهرجان العلمين    زينة.. عام سينمائي غير مسبوق    «مرض عمه يشعل معسكر الزمالك».. أحمد فتوح يظهر «متخفيًا» في حفل راغب علامة رفقة إمام عاشور (فيديو)    موعد إعلان نتيجة الثانوية الأزهرية 2025 برقم الجلوس في الشرقية فور اعتمادها (رابط الاستعلام)    سوريا.. اتفاق بين الحكومة ووجهاء السويداء يضمن دخول قوات الأمن العام وحل الفصائل المسلحة    بكام طن الشعير؟.. أسعار الأرز «رفيع وعريض الحبة» اليوم السبت 19 -7-2025 ب أسواق الشرقية    زوج البلوجر هدير عبد الرازق: «ضربتها علشان بتشرب مخدرات»    إصابة 4 أشخاص في تصادم سيارتين بطريق نوي شبين القناطر بالقليوبية    حضور الخطيب وظهور الصفقات الجديدة.. 15 صورة لأبرز لقطات مران الأهلي الأول تونس    هدنة 72 ساعة.. بيان مهم بشأن حالة الطقس وموعد انخفاض درجات الحرارة    أول ظهور ل رزان مغربي بعد حادث سقوط السقف عليها.. ورسالة مؤثرة من مدير أعمالها    35 عرضًًا تتنافس في الدورة ال 18 للمهرجان القومي    الحرف التراثية ودورها في الحفاظ على الهوية المصرية ضمن فعاليات ثقافية بسوهاج    «شعب لا يُشترى ولا يُزيّف».. معلق فلسطيني يدعم موقف الأهلي ضد وسام أبوعلي    ترامب يتوقع إنهاء حرب غزة ويعلن تدمير القدرات النووية الإيرانية    عيار 21 يترقب مفاجآت.. أسعار الذهب والسبائك اليوم في الصاغة وتوقعات بارتفاعات كبيرة    استعلم عن نتيجة تنسيق رياض الأطفال ب الجيزة 2025.. الرابط الرسمي والمستندات المطلوبة    تنسيق الثانوية العامة 2025 الجيزة للناجحين في الشهادة الإعدادية (رابط التقديم)    مستقبل وطن بسوهاج يطلق خطة دعم مرشحيه لمجلس الشيوخ ب9 مؤتمرات    كل ما تريد معرفته عن مهرجان «كلاسيك أوبن إير» ببرلين    مصدر أمني يكشف حقيقة سرقة الأسوار الحديدية من أعلى «الدائري» بالجيزة    رئيس حكومة لبنان: نعمل على حماية بلدنا من الانجرار لأي مغامرة جديدة    عميد طب جامعة أسيوط: لم نتوصل لتشخيص الحالة المرضية لوالد «أطفال دلجا»    مطران نقادة يلقي عظة روحية في العيد الثالث للابس الروح (فيدىو)    كيف تضمن معاشا إضافيا بعد سن التقاعد    بشكل مفاجئ، الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم يحذف البيان الخاص بوسام أبو علي    "صديق رونالدو".. النصر يعلن تعيين خوسيه سيميدو رئيسا تنفيذيا لشركة الكرة    ستوري نجوم كرة القدم.. ناصر منسي يتذكر هدفه الحاسم بالأهلي.. وظهور صفقة الزمالك الجديدة    تحت شعار كامل العدد، التهامي وفتحي سلامة يفتتحان المهرجان الصيفي بالأوبرا (صور)    من المستشفى إلى المسرح، حسام حبيب يتحدى الإصابة ويغني بالعكاز في موسم جدة 2025 (فيديو)    تطورات جديدة في واقعة "بائع العسلية" بالمحلة، حجز والد الطفل لهذا السبب    الكرملين: تسوية الأزمة الأوكرانية وتطبيع العلاقات بين موسكو وواشنطن موضوعان مختلفان    داعية إسلامي يهاجم أحمد كريمة بسبب «الرقية الشرعية» (فيديو)    مصرع طفلة غرقًا في مصرف زراعي بقرية بني صالح في الفيوم    انتهت.. عبده يحيى مهاجم غزل المحلة ينتقل لصفوف سموخة على سبيل الإعاراة    «زي النهارده».. وفاة اللواء عمر سليمان 19 يوليو 2012    5 أبراج على موعد مع فرص مهنية مميزة: مجتهدون يجذبون اهتمام مدرائهم وأفكارهم غير تقليدية    انتشال جثة شاب غرق في مياه الرياح التوفيقي بطوخ    أحمد كريمة عن العلاج ب الحجامة: «كذب ودجل» (فيديو)    سعر الدولار الآن أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية ببداية الأسبوع السبت 19 يوليو 2025    تعاني من الأرق؟ هذه التمارين قد تكون مفتاح نومك الهادئ    أبرزها الزنجبيل.. 5 طرق طبيعية لعلاج الصداع النصفي    ب37.6 ألف ميجاوات.. الشبكة الموحدة للكهرباء تحقق أقصى ارتفاع في الأحمال هذ العام    "الدنيا مريحة" .. أسعار السيارات المستعملة مستمرة في الانخفاض| شاهد    "القومي للمرأة" يستقبل وفدًا من اتحاد "بشبابها" التابع لوزارة الشباب والرياضة    الحوثيون يعلنون استهداف مطار بن جوريون بصاروخ باليستي فرط صوتي    ما حكم رفع اليدين بالدعاء أثناء خطبة الجمعة؟.. الإفتاء توضح    وزير الخارجية اللبنانى لنظيره الأيرلندى: نطلب دعم بلدكم لتجديد "اليونيفيل"    خبير اقتصادي: رسوم ترامب تهدد سلاسل الإمداد العالمية وتفاقم أزمة الديون    كسر بماسورة مياه الشرب في شبرا الخيمة.. والمحافظة: عودة ضخ بشكل طبيعي    5 طرق فعالة للتغلب على الكسل واستعادة نشاطك اليومي    أصيب بنفس الأعراض.. نقل والد الأشقاء الخمسة المتوفين بالمنيا إلى المستشفى    عبد السند يمامة عن استشهاده بآية قرآنية: قصدت من «وفدا» الدعاء.. وهذا سبب هجوم الإخوان ضدي    هل مساعدة الزوجة لزوجها ماليا تعتبر صدقة؟.. أمين الفتوى يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التصنيف الزائد معضلة تحرج النظرية والنقد
نشر في صوت البلد يوم 01 - 01 - 2018

انتشرت ظاهرة تصنيف الروايات بأشكال غير نقدية، تصنيفات تروم الترويج غالبا، لذا توجهنا بالسؤال إلى عدد من الروائيين العرب، إن كان تصنيف العمل الروائي بين رواية منفى، رواية المقموعين، رواية اجتماعية وغيرها من التسميات، هو ما يمنح الرواية حضورها والاحتفاء بها من حيث الجوائز وعدد الطبعات.
وهم وخداع
يقول الروائي اليمني وجدي الأهدل إن “الرواية تنقسم إلى أنواع معروفة، كالرواية الواقعية والتاريخية والبوليسية وغيرها. لكن تقسيم الروايات بحسب الموضوعات، ليس سوى تنويعات على النوع نفسه، أي الرواية الواقعية. وﻻ يكفي أن نقول هذه رواية كذا وكذا للزعم بأننا نحقق جديدا، أو نبتكر شكلا روائيا مختلفا. نعم يحتاج الأدب العربي إلى خلق أشكاله الفنية الخاصة، وتوسل تلك التوصيفات ﻻ يُقدم إضافة حقيقية، وربما يُشوّش عمل الروائي، فيظل أسيرا لهذه اللافتات، ويقبع مستكينا بداخلها”.
ويؤكد الروائي المغربي محمود عبدالغني أن التصنيف منهج علمي استفاد منه الأدب طوال تاريخه. لكنه يتساءل متى يصبح التصنيف ممكنا؟ وما الذي يجعله ممكنا؟ ويرى عبدالغني أن الروائي الحالي أصبح أكثر تخصيصا في تصنيفه للروايات، وقد انساق الروائي العربي نحو هذا التخصيص، رواية مقاومة، رواية قمع، رواية النضال، رواية المنفى.. مثلما صنّف شعراء لبنان في سبعينات القرن الماضي إلى شعراء جنوب وشعراء شمال. وكما صنّف شعراء تونس، في الجيل نفسه، أنفسهم إلى شعراء القيروان وشعراء تونس العاصمة. وهي تصنيفات لا يمكن أن تثير إلا السخرية.
ويقول الروائي “إذا كان التصنيف نافعا في العلوم، فإنه قد يكون عنصرا تجزيئيا في الأدب، خصوصا في نظرية الأجناس. فلاديمير بروب مثلا صنّف الحكايات العجيبة بالاعتماد على المورفولوجية (علم دراسة الشكل) مستفيدا من تصنيفات علم النبات. وفي القرن التاسع عشر سخر غي دي موباسان من تصنيف الروايات الذي ساد عصره، رواية حرب، رواية جنوب، رواية شمال. وهو التصنيف نفسه الذي ساد الرواية الأميركية في نفس القرن. لماذا التصنيف هو منهج القرن التاسع عشر؟ باختصار لأنه قرن التاريخ”.
يشير عبدالغني إلى أن حصة الرواية ضخمة دائما من التصنيفات، رواية عائلية، رواية سيكولوجية، رواية تعليمية، رواية فكاهية منثورة، رواية فلسفية.. والتصنيف، بمثل هذه الخانات، هو إخفاق علمي، وانتصار للاسم السحري، رواية. لكن لا يجب أن ننكر، في رأيه، أن هذه التصنيفات هي دليل فني على التطور المذهل للرواية.
ويضيف الروائي المغربي “التصنيف لا يقود إلى الوعي بالأعراف، بل إلى شكلانية فقيرة. والروائي المصنِّف هو خادع ذاته، مبخس لمادته (بالمعنى اللغوي والشكلي للفظة). ما يدعنا نبحث بمشقة عن جوهر الرواية الذي ينتفي فيه التعارض بين الخانات التي وضعنا فيها كل صنف من الروايات. لكن بأي معيار قمنا بتصنيفها؟ إنها معضلة حقا تحرج النظرية والنقد. بناء على ذلك تستبدل قضايا الرواية: سيصبح ستاندال ساخرا، وبلزاك رومانسيا، وعبدالرحمن منيف ماركسيا، وغالب هلسا شيوعيا مغرما بالمدن، والطاهر بنجلون تغريبيا، ومحمد برادة شكلانيا باختينيا، ومحمد زفزاف قطعة رائعة من الدار البيضاء، ومحمد شكري شطاريا، وغائب طعمة فرمان نوستالجيا، وخيري الذهبي خرافيا، وهدى بركات متصوفة الحرب اللبنانية، ومدام دي ستاسل متنورة فرنسية معادية لبونابارت، وفرانز كافكا شاعر الموظفين، وبروست روائيا انكماشيا يبحث عن فقاعات الزمن، وغوغول مجرد ساخر مرفّه. في نسيان تام أن الروائي يصنع ثيماته ولغته وشكله وأبطاله وشخصياته ليعيدهم إلى استحقاقهم الفعلي، التاريخ المتدفق الصامت”.
ويؤكد ضيفنا أن حالة البراءة هي ما يخلق تلك التصنيفات، لكن حالات العلم هي المطلوبة بجدّ وجهد. وإذا سيطرت البراءة على العلم، فإننا لن نسمع سوى نواح القارئ حين يلاحظ أنه يقرأ روايات مرتجفة، فيقرر وضع حدّ لهذا التبجّح التصنيفي. في الوقت الذي ينبغي فيه اعتبار الرواية تعبيرا سرديا عن رؤى كونية.
إغراء تجاري
توضح الروائية الفلسطينية صابرين فرعون أن هناك تأثيرا للاضطهاد السياسي وما تفعله الأمزجة النفسية بالأدباء في المنافي، فنرى معظم الأدباء إما يتخذون من البيئة الجديدة “المنفى” مسرحا للرواية وإما يعتمدون على ذاكرتهم في رسم أوطانهم التي هاجروها أو هُجّروا منها، يتأصل الشعور بالغربة والانسلاخ الثقافي بين لغتين وبيئتين اجتماعيتين مختلفتين تحمل كل منهما خليطا من الثقافات كأمكنة متحركة.
وتقول فرعون “إن الأدب في المنفى اقتصر في بداياته على الشعر، فكان سببا في تأسيس الرابطة القلمية من قِبل شعراء المهجر، ثم ظهرت الرواية لتحكي عذابات المقهورين والكادحين ولقمة العيش والبطولات الوطنية، لكنها لا تجسد جنسا أدبيا بحتا، فهي لا تقتصر على المنفى، وإنما يلعب الحنين للبيت الأول دوره في النفس ويبقى الكاتب أسير التعاسة والشوق للوطن الأم، فنجده غالبا ما يتحدث عن قضايا مجتمعه. وقد مرّ الأدب الفلسطيني بمراحل عدة منذ عام 1948، فبرزت روايات تحكي عن أحوال الفلسطينيين في الشتات كما هو حال روايات جبرا إبراهيم جبرا، ثم ظهرت الروايات التسجيلية للمقاومة الفلسطينية كما في رواية ‘عائد إلى حيفا' لغسان كنفاني، وفي المرحلة الأخيرة تحولت الرواية لوصف الحنين للوطن بعدما خرج منه قسرا وجورا، كما في رواية ‘المتشائل' لإميل حبيبي، فأفادت التصنيفات في معرفة تاريخ الرواية في فلسطين منذ النكبة إلى اليوم”.
وتتابع الكاتبة “على صعيد تعدد الطبعات والنشر يعود إلى مبدأ العرض والطلب وتسويق الكتب، حيث يميل القارئ لما يحاكي همه اليومي ويُسلط الضوء على قضايا مجتمعه وقضايا الشعوب التي يقرأ عنها في الصحف أو يشاهد أخبارها في التلفزيون أو شبكات التواصل الاجتماعي. تُعتبر التصنيفات الأدبية تصنيفات نوعية تفيد بإعطاء نبذة من قبل الناشر والكاتب عن روايته، كإشكالات رسمية، لا تؤثر على تقييم مضمون الرواية، حتى أن مصطلحات مثل: رواية منفى، رواية مقاومة، رواية مقهورين، تعتبر تصنيفات فرعية تتلاشى في موازاة الجنس الأدبي من شعر، رواية، قصة، ومقال”.
ويشير الروائي الجزائري عبدالرزاق بوكبة إلى أن الرواية نسيج من الإشارات والمواقف والأمزجة والمعارف والعلاقات الخاصّة بمرحلة معينة. تصوغها الذات الكاتبة بوعي حاد في معمار خاص وبلغة خاصّة لتصبح وثيقة جمالية وإنسانية وتاريخية. ولا تشفع لها إنسانية الموضوع المختار بأن تأخذ مصداقية إلا لم يكن التناول بشروط الرواية وأصولها وفنياتها وتقنياتها وجمالياتها.
ويتابع “ما حصل في الفضاء العربي خلال السنوات الماضية ليس بسيطا أو عابرا. بالتالي فهو حقل روائي خصب جدا. غير أن كتابته بعيدا عن شروط الرواية المذكورة والمتعارف عليها لا تجعل من العمل الروائي روائيا. عادة ما تستفحل المتاجرة لدى الروائيين والناشرين معا في مثل هذه المقامات المثيرة للفضول لدى شعوب الأرض، فهو ذو سحر خاص. فيتمّ الاعتماد على الشكليات عوض الجوهر، كأن تقدم الرواية على أنها رواية المنفى أو رواية المقموعين أو رواية الطغاة لخلق إغراء تجاري على غرار ما كان يحدث مع الجنس. من هنا تشتهر وجوه سطحية ليست لها قيمة إلا كونها كتبت في هذه الحقول على حساب وجوه كتبت بشروط الكتابة. غير أن هذا النوع من الكتابات سرعان ما ينطفئ لأن عمره من عمر الفقاعة لا الشلال”.
انتشرت ظاهرة تصنيف الروايات بأشكال غير نقدية، تصنيفات تروم الترويج غالبا، لذا توجهنا بالسؤال إلى عدد من الروائيين العرب، إن كان تصنيف العمل الروائي بين رواية منفى، رواية المقموعين، رواية اجتماعية وغيرها من التسميات، هو ما يمنح الرواية حضورها والاحتفاء بها من حيث الجوائز وعدد الطبعات.
وهم وخداع
يقول الروائي اليمني وجدي الأهدل إن “الرواية تنقسم إلى أنواع معروفة، كالرواية الواقعية والتاريخية والبوليسية وغيرها. لكن تقسيم الروايات بحسب الموضوعات، ليس سوى تنويعات على النوع نفسه، أي الرواية الواقعية. وﻻ يكفي أن نقول هذه رواية كذا وكذا للزعم بأننا نحقق جديدا، أو نبتكر شكلا روائيا مختلفا. نعم يحتاج الأدب العربي إلى خلق أشكاله الفنية الخاصة، وتوسل تلك التوصيفات ﻻ يُقدم إضافة حقيقية، وربما يُشوّش عمل الروائي، فيظل أسيرا لهذه اللافتات، ويقبع مستكينا بداخلها”.
ويؤكد الروائي المغربي محمود عبدالغني أن التصنيف منهج علمي استفاد منه الأدب طوال تاريخه. لكنه يتساءل متى يصبح التصنيف ممكنا؟ وما الذي يجعله ممكنا؟ ويرى عبدالغني أن الروائي الحالي أصبح أكثر تخصيصا في تصنيفه للروايات، وقد انساق الروائي العربي نحو هذا التخصيص، رواية مقاومة، رواية قمع، رواية النضال، رواية المنفى.. مثلما صنّف شعراء لبنان في سبعينات القرن الماضي إلى شعراء جنوب وشعراء شمال. وكما صنّف شعراء تونس، في الجيل نفسه، أنفسهم إلى شعراء القيروان وشعراء تونس العاصمة. وهي تصنيفات لا يمكن أن تثير إلا السخرية.
ويقول الروائي “إذا كان التصنيف نافعا في العلوم، فإنه قد يكون عنصرا تجزيئيا في الأدب، خصوصا في نظرية الأجناس. فلاديمير بروب مثلا صنّف الحكايات العجيبة بالاعتماد على المورفولوجية (علم دراسة الشكل) مستفيدا من تصنيفات علم النبات. وفي القرن التاسع عشر سخر غي دي موباسان من تصنيف الروايات الذي ساد عصره، رواية حرب، رواية جنوب، رواية شمال. وهو التصنيف نفسه الذي ساد الرواية الأميركية في نفس القرن. لماذا التصنيف هو منهج القرن التاسع عشر؟ باختصار لأنه قرن التاريخ”.
يشير عبدالغني إلى أن حصة الرواية ضخمة دائما من التصنيفات، رواية عائلية، رواية سيكولوجية، رواية تعليمية، رواية فكاهية منثورة، رواية فلسفية.. والتصنيف، بمثل هذه الخانات، هو إخفاق علمي، وانتصار للاسم السحري، رواية. لكن لا يجب أن ننكر، في رأيه، أن هذه التصنيفات هي دليل فني على التطور المذهل للرواية.
ويضيف الروائي المغربي “التصنيف لا يقود إلى الوعي بالأعراف، بل إلى شكلانية فقيرة. والروائي المصنِّف هو خادع ذاته، مبخس لمادته (بالمعنى اللغوي والشكلي للفظة). ما يدعنا نبحث بمشقة عن جوهر الرواية الذي ينتفي فيه التعارض بين الخانات التي وضعنا فيها كل صنف من الروايات. لكن بأي معيار قمنا بتصنيفها؟ إنها معضلة حقا تحرج النظرية والنقد. بناء على ذلك تستبدل قضايا الرواية: سيصبح ستاندال ساخرا، وبلزاك رومانسيا، وعبدالرحمن منيف ماركسيا، وغالب هلسا شيوعيا مغرما بالمدن، والطاهر بنجلون تغريبيا، ومحمد برادة شكلانيا باختينيا، ومحمد زفزاف قطعة رائعة من الدار البيضاء، ومحمد شكري شطاريا، وغائب طعمة فرمان نوستالجيا، وخيري الذهبي خرافيا، وهدى بركات متصوفة الحرب اللبنانية، ومدام دي ستاسل متنورة فرنسية معادية لبونابارت، وفرانز كافكا شاعر الموظفين، وبروست روائيا انكماشيا يبحث عن فقاعات الزمن، وغوغول مجرد ساخر مرفّه. في نسيان تام أن الروائي يصنع ثيماته ولغته وشكله وأبطاله وشخصياته ليعيدهم إلى استحقاقهم الفعلي، التاريخ المتدفق الصامت”.
ويؤكد ضيفنا أن حالة البراءة هي ما يخلق تلك التصنيفات، لكن حالات العلم هي المطلوبة بجدّ وجهد. وإذا سيطرت البراءة على العلم، فإننا لن نسمع سوى نواح القارئ حين يلاحظ أنه يقرأ روايات مرتجفة، فيقرر وضع حدّ لهذا التبجّح التصنيفي. في الوقت الذي ينبغي فيه اعتبار الرواية تعبيرا سرديا عن رؤى كونية.
إغراء تجاري
توضح الروائية الفلسطينية صابرين فرعون أن هناك تأثيرا للاضطهاد السياسي وما تفعله الأمزجة النفسية بالأدباء في المنافي، فنرى معظم الأدباء إما يتخذون من البيئة الجديدة “المنفى” مسرحا للرواية وإما يعتمدون على ذاكرتهم في رسم أوطانهم التي هاجروها أو هُجّروا منها، يتأصل الشعور بالغربة والانسلاخ الثقافي بين لغتين وبيئتين اجتماعيتين مختلفتين تحمل كل منهما خليطا من الثقافات كأمكنة متحركة.
وتقول فرعون “إن الأدب في المنفى اقتصر في بداياته على الشعر، فكان سببا في تأسيس الرابطة القلمية من قِبل شعراء المهجر، ثم ظهرت الرواية لتحكي عذابات المقهورين والكادحين ولقمة العيش والبطولات الوطنية، لكنها لا تجسد جنسا أدبيا بحتا، فهي لا تقتصر على المنفى، وإنما يلعب الحنين للبيت الأول دوره في النفس ويبقى الكاتب أسير التعاسة والشوق للوطن الأم، فنجده غالبا ما يتحدث عن قضايا مجتمعه. وقد مرّ الأدب الفلسطيني بمراحل عدة منذ عام 1948، فبرزت روايات تحكي عن أحوال الفلسطينيين في الشتات كما هو حال روايات جبرا إبراهيم جبرا، ثم ظهرت الروايات التسجيلية للمقاومة الفلسطينية كما في رواية ‘عائد إلى حيفا' لغسان كنفاني، وفي المرحلة الأخيرة تحولت الرواية لوصف الحنين للوطن بعدما خرج منه قسرا وجورا، كما في رواية ‘المتشائل' لإميل حبيبي، فأفادت التصنيفات في معرفة تاريخ الرواية في فلسطين منذ النكبة إلى اليوم”.
وتتابع الكاتبة “على صعيد تعدد الطبعات والنشر يعود إلى مبدأ العرض والطلب وتسويق الكتب، حيث يميل القارئ لما يحاكي همه اليومي ويُسلط الضوء على قضايا مجتمعه وقضايا الشعوب التي يقرأ عنها في الصحف أو يشاهد أخبارها في التلفزيون أو شبكات التواصل الاجتماعي. تُعتبر التصنيفات الأدبية تصنيفات نوعية تفيد بإعطاء نبذة من قبل الناشر والكاتب عن روايته، كإشكالات رسمية، لا تؤثر على تقييم مضمون الرواية، حتى أن مصطلحات مثل: رواية منفى، رواية مقاومة، رواية مقهورين، تعتبر تصنيفات فرعية تتلاشى في موازاة الجنس الأدبي من شعر، رواية، قصة، ومقال”.
ويشير الروائي الجزائري عبدالرزاق بوكبة إلى أن الرواية نسيج من الإشارات والمواقف والأمزجة والمعارف والعلاقات الخاصّة بمرحلة معينة. تصوغها الذات الكاتبة بوعي حاد في معمار خاص وبلغة خاصّة لتصبح وثيقة جمالية وإنسانية وتاريخية. ولا تشفع لها إنسانية الموضوع المختار بأن تأخذ مصداقية إلا لم يكن التناول بشروط الرواية وأصولها وفنياتها وتقنياتها وجمالياتها.
ويتابع “ما حصل في الفضاء العربي خلال السنوات الماضية ليس بسيطا أو عابرا. بالتالي فهو حقل روائي خصب جدا. غير أن كتابته بعيدا عن شروط الرواية المذكورة والمتعارف عليها لا تجعل من العمل الروائي روائيا. عادة ما تستفحل المتاجرة لدى الروائيين والناشرين معا في مثل هذه المقامات المثيرة للفضول لدى شعوب الأرض، فهو ذو سحر خاص. فيتمّ الاعتماد على الشكليات عوض الجوهر، كأن تقدم الرواية على أنها رواية المنفى أو رواية المقموعين أو رواية الطغاة لخلق إغراء تجاري على غرار ما كان يحدث مع الجنس. من هنا تشتهر وجوه سطحية ليست لها قيمة إلا كونها كتبت في هذه الحقول على حساب وجوه كتبت بشروط الكتابة. غير أن هذا النوع من الكتابات سرعان ما ينطفئ لأن عمره من عمر الفقاعة لا الشلال”.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.