بتكلفة 13.2 مليار جنيه.. الصحة: إصدار 1.89 مليون قرار علاج على نفقة الدولة خلال النصف الأول من 2025    جلسة ختام أنشطة وحدات وزارة التضامن تستعرض مهارت يحتاجها سوق العمل    محافظ أسيوط يستقبل وزير الري ويتفقدان مشروع قناطر ديروط الجديدة بنسبة تنفيذ 87% ويطلقان إشارة مرور المياه من قنطرة حجز الإبراهيمية    التنمية المحلية: وحدات السكان تنفذ 1352 نشاطاً سكانياً فى 24 محافظة    استشهاد 18 فلسطينيا من منتظري المساعدات برصاص الاحتلال الإسرائيلي وسط غزة    98 شهيدا و1079 مصابا فى قصف إسرائيلى على غزة خلال 24 ساعة    الأورمان تستعد للمشاركة فى إطلاق قافلة المساعدات الغذائية إلى غزة    "الخارجية الفلسطينية" تدين الدعوات التحريضية لاقتحام المسجد الأقصى غدًا    بديل ايزاك في حال فشل ضمه.. خطة ليفربول واضحة    موعد مباراة روما ضد لانس الودية والقنوات الناقلة    فوز لاعبة معلمين بنى سويف والمنتخب ببرونزية دورة الألعاب الأفريقية لسلاح المبارزة بالجزائر    رئيس الوزراء يرحب برئيس الفيفا خلال تواجده فى مصر لقضاء عطلته    إصابة 8 أشخاص فى حادث تصادم سيارتين بطريق القاهرة الفيوم الصحراوى    الداخلية تضبط المتهمون بالتشاجر بأسلحة بيضاء فى الإسكندرية.. صور    رحمة حسن تتصدر التريند بعد حديثها حول إصابتها بالصلع من الجذور    نادية مصطفى تنعى عم أنغام بعد اكتشاف جثمانه داخل شقته عقب أيام من وفاته    بعد شائعة إبراهيم شيكا.. حقيقة مغادرة وفاء عامر البلاد    عبد الستار بركات: مشاركة ملحوظة للجالية بأثينا فى ثاني أيام انتخابات الشيوخ    وسط إقبال جماهيري.. انطلاق مهرجان «صيف بلدنا» برأس البر في دمياط    فرص جديدة واستقرار عاطفي.. اعرف حظ برج الثور في أغسطس 2025    متحدث «الصحة»: فحص 18.4 مليون مواطن ضمن المبادرة الرئاسية للكشف عن الأمراض المزمنة منذ سبتمبر 2021    منها مستشفيات المطرية وشبين الكوم.. حصول 3 وحدات سكتة دماغية على جوائز التميز    حكم بعدم دستورية قرار وزاري بإنهاء عقود الوكالة التجارية لمجاوزته حدود القانون    حكومة غزة: 73 شاحنة مساعدات دخلت القطاع يوم الجمعة ونهبت أغلبها    نقابة الموسيقيين تعلن دعمها الكامل للقيادة السياسية وتدين حملات التشويه ضد مصر    مهدد بالحبس.. القصة الكاملة لاتهام أشرف حكيمي بالاغتصاب خلال889 يوما    وزير الشباب والرياضة يفتتح ملعبًا بمركز شباب المعمورة - صور    تجهيز 476 لجنة انتخابية ل«الشيوخ».. 12 مرشحا يتنافسون على 5 مقاعد فردي بالمنيا    برلماني: المشاركة في انتخابات الشيوخ واجب وطني ورسالة لوحدة الصف    إيرادات الجمعة.. "روكي الغلابة" يتفوق على "الشاطر" ويفوز بالمركز الأول    رئيس جامعة بنها يصدر قرارات وتكليفات جديدة في وحدات ومراكز الجامعة    أفضل أدعية جلب الرزق وقضاء الديون وفقًا للكتاب والسنة    ما حكم الدعاء داخل الصلاة بقضاء حاجة دنيوية وهل تبطل الصلاة بذلك؟.. الإفتاء تجيب    صلاة الأوابين.. الأزهر للفتوى يوضح أهم أحكام صلاة الضحى    تراجع منخفض الهند «عملاق الصيف».. بيان مهم بشأن حالة الطقس الأسبوع الجاري    إصابة 9 أشخاص في حادث انقلاب ميكروباص بالشرقية    الصحة تُطلق منصة تفاعلية رقمية بمستشفيات أمانة المراكز الطبية المتخصصة    ولادة طفل من جنين مجمد منذ 30 عاما|القصة الكاملة    استجابة ل1190 استغاثة... رئيس الوزراء يُتابع جهود اللجنة الطبية العليا والاستغاثات خلال شهر يوليو 2025    النقل: استمرار تلقي طلبات تأهيل سائقي الأتوبيسات والنقل الثقيل    الاستعلامات: 86 مؤسسة إعلامية عالمية تشارك في تغطية انتخابات الشيوخ 2025    المصريون في الرياض يشاركون في انتخابات مجلس الشيوخ 2025    طعنة غادرة أنهت حياته.. مقتل نجار دفاعًا عن ابنتيه في كفر الشيخ    تعاون بين «الجمارك وتجارية القاهرة».. لتيسير الإجراءات الجمركية    المصريون بالسعودية يواصلون التصويت في انتخابات «الشيوخ»    انطلاق قمة «ستارت» لختام أنشطة وحدات التضامن الاجتماعي بالجامعات    «بيت الزكاة والصدقات»: غدًا صرف إعانة شهر أغسطس للمستحقين    هل يشعر الأموات بما يدور حولهم؟ عالم أزهري يجيب    زلزال بقوة 5.6 درجة يضرب قبالة سواحل مدينة "كوشيرو" اليابانية    أيمن يونس: شيكابالا سيتجه للإعلام.. وعبد الشافي سيكون بعيدا عن مجال كرة القدم    النشرة المرورية.. سيولة فى حركة السيارات على طرق القاهرة والجيزة    ترامب يخطو الخطوة الأولى في «سلم التصعيد النووي»    تعرف على أسعار اللحوم اليوم السبت 2 أغسطس 2025    90 دقيقة تأخيرات «بنها وبورسعيد».. السبت 2 أغسطس 2025    رسميًا.. وزارة التعليم العالي تعلن عن القائمة الكاملة ل الجامعات الحكومية والأهلية والخاصة والمعاهد المعتمدة في مصر    سعر الذهب اليوم السبت 2 أغسطس 2025 يقفز لأعلى مستوياته في أسبوع    الصفاقسي التونسي يكشف تفاصيل التعاقد مع علي معلول    مشاجرة بين عمال محال تجارية بشرق سوهاج.. والمحافظ يتخذ إجراءات رادعة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحقيق مخطوطة «بغية الفلاحين في الأشجار المثمرة والرياحين»
نشر في صوت البلد يوم 15 - 10 - 2017

حفل التراث العربي الإسلامي بالعديد من المخطوطات التي تناولت ما أنتجه المسلمون على المستوى النظري في علوم الفلاحة والزراعة. بعضها تم تحقيقه والبعض الآخر ما زال على قائمة الانتظار. وهي المرة الأولى التي يتم فيها تحقيق هذا المخطوط المهم للملك الأفضل العباسي علي داود الرسولي (ت 778ه / 1377م)، بعدما اضطلع بهذه المهمة الشاقة الزميل خالد الوهيبي من جامعة السلطان قابوس في سلطنة عمان. والحاصل أن المحقق قام بجهد علمي كبير حتى خرج المخطوط على هيئة سفر ضخم يتكون من جزءين (أكثر من 1000صفحة) مملوءة بالتعليقات والحواشي التي تفوق المتن ذاته.
يذكرنا الوهيبي منذ البداية في مستهل دراسته بأن حجر الأساس للمعرفة العلمية الإسلامية بالزراعة وأصولها هو الإرث الحضاري الذي وجد في الأمصار الزراعية المفتوحة، فضلاً عن النشاط العلمي الذي تم عبر ترجمات عدة لكتب النبات والفلاحة اليونانية التي تم نقلها إلى اللغات السريانية والبهلوية قبل ظهور الإسلام. وخلال القرن الثالث الهجري/ التاسع الميلادي تمت ترجمة العديد من تلك الكتب إلى اللغة العربية. وفي القرن التالي، ظهر كتاب ابن وحشية «الفلاحة النبطية» الذي حوى خبرات عن الزراعة الرومية في بلاد الشام وكذا التجربة الزراعية للمجتمع النهري لبلاد الرافدين.
ويذكر المحقق أن تلك المصادر المترجمة كانت بمثابة حجر الأساس للمعرفة الإسلامية النظرية حول الزراعة لقرون عديدة. كما أن انتقال المعرفة الزراعية الى الأندلس منحها أبعاداً جديدة، بخاصة عند وجود علماء في قامة ابن بصال (ق5ه/11م) الذي مزج بين المعرفة النظرية والتجربة العملية والجمع بين علمي الفلاحة والنبات.
وتلقف سلاطين بني رسول في اليمن الإنتاج الزراعي النظري الذي ظهر في بلاد الأندلس وانتقل إلى الشرق الإسلامي ق8ه / 14م، بخاصة بعد تشجيعهم لعمليات الزراعة، وقبل ذلك اقتناء الكتب الخاصة بها، فضلاً عن إنشاء الحدائق والبساتين الملكية مع تشجيع السكان على الزراعة بعد تخفيض الضرائب عليها. وكذا جلب بذوراً جديدة من البلدان الإسلامية في آسيا وأفريقيا.
ويوجز الوهيبي رأيه بالقول إن «الثقافة الواسعة والاهتمام بالمعرفة لدى ملوك بني رسول، والبيئة العلمية الغنية باليمن في عصرهم خلقت فرصاً مناسبة ساعدت على تأليفهم العديد من الكتب في مختلف جوانب المعرفة التي كان من بينها التأليف في علم الزراعة». وعلى حين يرصد المحقق المؤلفات العربية حول علم الفلاحة والزراعة، فإنه يلاحظ ندرة المشاركة الرسمية من خلال السلاطين والخلفاء في هذا الاتجاه، الأمر الذي جعله يحتفي بمؤلفات ملكية نادرة في الفلاحة من قبل ثلاثة من ملوك الأسرة الرسولية باليمن. أولهم الملك الأشرف ممهد الدين عمر بن علي بن رسول (ت 694ه /1296م) ومؤلفه «ملح الملاحة في معرفة الملاحة». والثاني هو الملك المجاهد علي بن داود بن يوسف بن عمر (ت 764ه / 1362م) وكتابه «الإشارة في العمارة». والثالث هو ابنه ومؤلف هذا المخطوط الملك الأفضل العباس(ت 778 ه/1376 م).
لم يفت الوهيبي أن يشير في أمانة علمية إلى الدراسات السابقة حول هذا المخطوط ومؤلفه. منها دراسات ماكس ميرهوف، وروبرت سيرجنت، ودانيال فارسكو، ويحي العنسي وعبد الواحد الخامري، مبيناً مجهود كل منهم في إظهار التراث الفلاحي المكتوب للملك الأفضل.
غير أنه عاد ليؤكد أنه لا أحد من السابقين عكف على تحقيق المخطوط في شكل كامل، وأنه استطاع توفير نسخ المخطوط من مكتبات القاهرة وإسطنبول و لندن من أجل إنجاز عمله. ثم عاد ليؤكد بأن هذا المخطوط هو أكبر وأضخم عمل تمت كتابته حول موضوع الزراعة في شبه الجزيرة العربية في العصر الإسلامي الوسيط، بعدما استطاع مؤلفه الجمع بين معارف كتب الزراعة السابق ترجمتها، والتي غلب عليها الطابع النظري، مع ما أنتجه ابن بصال من خبرات علمية، إضافة إلى التراث العلمي الذي خلفه سابقوه من الملوك الرسوليين.
ويذكر المحقق أن مشروعه العلمي هذا استغرق منه سنوات سبع من أجل سبر أغوار التراث الفلاحي الإسلامي، وكذا الإنتاج الفكري في اليمن، فضلاً عن صعوبة فهم العديد من كلمات المخطوط ومصطلحاته ذات الخصوصية اليمنية. كما شرع بعد ذلك في تقسيم مشروع دراسة وتحقيق مخطوط «بغية الفلاحين» إلى أربعة أقسام، تعلق الأول منها بحياة المؤلف وحكمه وانتاجه العلمي والثقافي. وخصص القسم الثاني لدراسة ومقارنة ونقد النسخ الموجودة من المخطوط، بينما تناول القسم الثالث محتويات فصول الكتاب وموضوعات مادته العلمية والمصادر التي اعتمد عليها. بينما حوى القسم الرابع والأخير النص المحقق ذاته.
وعلى أي حال، فقد تألف كتاب «بغية الفلاحين في الأشجار المثمرة و الرياحين» من ستة عشر باباً تتعلق جميعها بأمور الزراعة وأحوالها. فقد خصص الملك الأفضل الرسولي الباب الأول في الكتاب للحديث عن الأراضي الزراعية ومدى جودتها وخصوبتها، فتحدث عن الأرض الغليظة والمالحة والجبلية والرملية والسوداء. وحمل الباب الثاني عنوان «في ما يدمن به الأرضون»، وعني بتبيان أنواع الأسمدة التي يجب استخدامها لأجل تخصيب الأرض الزراعية، ومنها زبل الخيول والبغال والأغنام وكذا مخلفات الإنسان. واختص الباب الثالث بالإشارة إلى المياه وكيفية معرفة أماكن وجودها. وعني الفصل الرابع بالحديث عن كيفية اختيار الأرض وإصلاحها والصفات المطلوبة في الفلاحين و الرعاة . وتناول الباب الخامس أوقات الفلاحة والاختلافات في أوقات الزراعة في اليمن ومصر والشام، بينما عالج الفصل السادس أنواع المحاصيل والزراعات كالبر والشعير والذرة والأرز.
وخص المؤلف الباب السابع بالحديث عن القطاني، كالحمص والعدس واللوبيا وغيرهما. وجاء الباب الثامن عن البقول والخضروات كالبطيخ بأنواعه والقثاء والقرع والباذنجان والجزر واللفت. بينما تحدث في الفصل التاسع عن البذور المتخذة لإصلاح الأطعمة مثل الكزبرة والكمون وغيرهما. وتناول الباب العاشر الحديث عن الرياحين وما شاكلها والبنفسج والفل والنيلوفر والنرجس والياسمين. واختص الباب الحادي عشر، وهو أكبر أبواب الكتاب، بالحديث عن الأشجار المثمرة كالنخيل والأعناب والتين والرمان والتفاح وغيرها. ثم عالج المؤلف في الفصل الثاني عشر من كتابه عملية تشمير الأشجار وإصلاحها بعد هرمها معتمداً على ما كتبه ابن بصال سابقاً. وتناول الفصل الثالث عشر مسألة تركيب الأشجار بعضها في بعض، وما يتركب منها مع الأخبار عن الأقاليم السبعة. وجاء عنوان الباب الرابع عشر في الخواص ويتناول أعراض النباتات وصفاتها وكيفية معالجتها. وتناول الباب الخامس عشر كيفية دفع الآفات عن النباتات والمزروعات، منها على سبيل المثال كيفية مواجهة خطر هجمات الجراد. وفي النهاية احتوى الفصل السادس عشر والأخير على خاتمة تحمل الكثير من النصائح في أمور الفلاحة والزراعة.
وختم الوهيبي كتابه المحقق بمجموعة كبيرة من الملاحق التي كان لابد منها للقارئ العربي حتى يخرج بأقصى استفادة من قراءة تحقيق مخطوط «بغية الفلاحين في الأشجار المثمرة والرياحين»، فصنع بنفسه ملحقاً عن المنازل والبروج، وآخر عن أسماء الشهور: السريانية والحميرية والأندلسية والفارسية فضلاً عن ثبت بأسماء ملوك الأسرة الرسولية في اليمن (626ه - 1249م/ 858ه - 1454م).
حفل التراث العربي الإسلامي بالعديد من المخطوطات التي تناولت ما أنتجه المسلمون على المستوى النظري في علوم الفلاحة والزراعة. بعضها تم تحقيقه والبعض الآخر ما زال على قائمة الانتظار. وهي المرة الأولى التي يتم فيها تحقيق هذا المخطوط المهم للملك الأفضل العباسي علي داود الرسولي (ت 778ه / 1377م)، بعدما اضطلع بهذه المهمة الشاقة الزميل خالد الوهيبي من جامعة السلطان قابوس في سلطنة عمان. والحاصل أن المحقق قام بجهد علمي كبير حتى خرج المخطوط على هيئة سفر ضخم يتكون من جزءين (أكثر من 1000صفحة) مملوءة بالتعليقات والحواشي التي تفوق المتن ذاته.
يذكرنا الوهيبي منذ البداية في مستهل دراسته بأن حجر الأساس للمعرفة العلمية الإسلامية بالزراعة وأصولها هو الإرث الحضاري الذي وجد في الأمصار الزراعية المفتوحة، فضلاً عن النشاط العلمي الذي تم عبر ترجمات عدة لكتب النبات والفلاحة اليونانية التي تم نقلها إلى اللغات السريانية والبهلوية قبل ظهور الإسلام. وخلال القرن الثالث الهجري/ التاسع الميلادي تمت ترجمة العديد من تلك الكتب إلى اللغة العربية. وفي القرن التالي، ظهر كتاب ابن وحشية «الفلاحة النبطية» الذي حوى خبرات عن الزراعة الرومية في بلاد الشام وكذا التجربة الزراعية للمجتمع النهري لبلاد الرافدين.
ويذكر المحقق أن تلك المصادر المترجمة كانت بمثابة حجر الأساس للمعرفة الإسلامية النظرية حول الزراعة لقرون عديدة. كما أن انتقال المعرفة الزراعية الى الأندلس منحها أبعاداً جديدة، بخاصة عند وجود علماء في قامة ابن بصال (ق5ه/11م) الذي مزج بين المعرفة النظرية والتجربة العملية والجمع بين علمي الفلاحة والنبات.
وتلقف سلاطين بني رسول في اليمن الإنتاج الزراعي النظري الذي ظهر في بلاد الأندلس وانتقل إلى الشرق الإسلامي ق8ه / 14م، بخاصة بعد تشجيعهم لعمليات الزراعة، وقبل ذلك اقتناء الكتب الخاصة بها، فضلاً عن إنشاء الحدائق والبساتين الملكية مع تشجيع السكان على الزراعة بعد تخفيض الضرائب عليها. وكذا جلب بذوراً جديدة من البلدان الإسلامية في آسيا وأفريقيا.
ويوجز الوهيبي رأيه بالقول إن «الثقافة الواسعة والاهتمام بالمعرفة لدى ملوك بني رسول، والبيئة العلمية الغنية باليمن في عصرهم خلقت فرصاً مناسبة ساعدت على تأليفهم العديد من الكتب في مختلف جوانب المعرفة التي كان من بينها التأليف في علم الزراعة». وعلى حين يرصد المحقق المؤلفات العربية حول علم الفلاحة والزراعة، فإنه يلاحظ ندرة المشاركة الرسمية من خلال السلاطين والخلفاء في هذا الاتجاه، الأمر الذي جعله يحتفي بمؤلفات ملكية نادرة في الفلاحة من قبل ثلاثة من ملوك الأسرة الرسولية باليمن. أولهم الملك الأشرف ممهد الدين عمر بن علي بن رسول (ت 694ه /1296م) ومؤلفه «ملح الملاحة في معرفة الملاحة». والثاني هو الملك المجاهد علي بن داود بن يوسف بن عمر (ت 764ه / 1362م) وكتابه «الإشارة في العمارة». والثالث هو ابنه ومؤلف هذا المخطوط الملك الأفضل العباس(ت 778 ه/1376 م).
لم يفت الوهيبي أن يشير في أمانة علمية إلى الدراسات السابقة حول هذا المخطوط ومؤلفه. منها دراسات ماكس ميرهوف، وروبرت سيرجنت، ودانيال فارسكو، ويحي العنسي وعبد الواحد الخامري، مبيناً مجهود كل منهم في إظهار التراث الفلاحي المكتوب للملك الأفضل.
غير أنه عاد ليؤكد أنه لا أحد من السابقين عكف على تحقيق المخطوط في شكل كامل، وأنه استطاع توفير نسخ المخطوط من مكتبات القاهرة وإسطنبول و لندن من أجل إنجاز عمله. ثم عاد ليؤكد بأن هذا المخطوط هو أكبر وأضخم عمل تمت كتابته حول موضوع الزراعة في شبه الجزيرة العربية في العصر الإسلامي الوسيط، بعدما استطاع مؤلفه الجمع بين معارف كتب الزراعة السابق ترجمتها، والتي غلب عليها الطابع النظري، مع ما أنتجه ابن بصال من خبرات علمية، إضافة إلى التراث العلمي الذي خلفه سابقوه من الملوك الرسوليين.
ويذكر المحقق أن مشروعه العلمي هذا استغرق منه سنوات سبع من أجل سبر أغوار التراث الفلاحي الإسلامي، وكذا الإنتاج الفكري في اليمن، فضلاً عن صعوبة فهم العديد من كلمات المخطوط ومصطلحاته ذات الخصوصية اليمنية. كما شرع بعد ذلك في تقسيم مشروع دراسة وتحقيق مخطوط «بغية الفلاحين» إلى أربعة أقسام، تعلق الأول منها بحياة المؤلف وحكمه وانتاجه العلمي والثقافي. وخصص القسم الثاني لدراسة ومقارنة ونقد النسخ الموجودة من المخطوط، بينما تناول القسم الثالث محتويات فصول الكتاب وموضوعات مادته العلمية والمصادر التي اعتمد عليها. بينما حوى القسم الرابع والأخير النص المحقق ذاته.
وعلى أي حال، فقد تألف كتاب «بغية الفلاحين في الأشجار المثمرة و الرياحين» من ستة عشر باباً تتعلق جميعها بأمور الزراعة وأحوالها. فقد خصص الملك الأفضل الرسولي الباب الأول في الكتاب للحديث عن الأراضي الزراعية ومدى جودتها وخصوبتها، فتحدث عن الأرض الغليظة والمالحة والجبلية والرملية والسوداء. وحمل الباب الثاني عنوان «في ما يدمن به الأرضون»، وعني بتبيان أنواع الأسمدة التي يجب استخدامها لأجل تخصيب الأرض الزراعية، ومنها زبل الخيول والبغال والأغنام وكذا مخلفات الإنسان. واختص الباب الثالث بالإشارة إلى المياه وكيفية معرفة أماكن وجودها. وعني الفصل الرابع بالحديث عن كيفية اختيار الأرض وإصلاحها والصفات المطلوبة في الفلاحين و الرعاة . وتناول الباب الخامس أوقات الفلاحة والاختلافات في أوقات الزراعة في اليمن ومصر والشام، بينما عالج الفصل السادس أنواع المحاصيل والزراعات كالبر والشعير والذرة والأرز.
وخص المؤلف الباب السابع بالحديث عن القطاني، كالحمص والعدس واللوبيا وغيرهما. وجاء الباب الثامن عن البقول والخضروات كالبطيخ بأنواعه والقثاء والقرع والباذنجان والجزر واللفت. بينما تحدث في الفصل التاسع عن البذور المتخذة لإصلاح الأطعمة مثل الكزبرة والكمون وغيرهما. وتناول الباب العاشر الحديث عن الرياحين وما شاكلها والبنفسج والفل والنيلوفر والنرجس والياسمين. واختص الباب الحادي عشر، وهو أكبر أبواب الكتاب، بالحديث عن الأشجار المثمرة كالنخيل والأعناب والتين والرمان والتفاح وغيرها. ثم عالج المؤلف في الفصل الثاني عشر من كتابه عملية تشمير الأشجار وإصلاحها بعد هرمها معتمداً على ما كتبه ابن بصال سابقاً. وتناول الفصل الثالث عشر مسألة تركيب الأشجار بعضها في بعض، وما يتركب منها مع الأخبار عن الأقاليم السبعة. وجاء عنوان الباب الرابع عشر في الخواص ويتناول أعراض النباتات وصفاتها وكيفية معالجتها. وتناول الباب الخامس عشر كيفية دفع الآفات عن النباتات والمزروعات، منها على سبيل المثال كيفية مواجهة خطر هجمات الجراد. وفي النهاية احتوى الفصل السادس عشر والأخير على خاتمة تحمل الكثير من النصائح في أمور الفلاحة والزراعة.
وختم الوهيبي كتابه المحقق بمجموعة كبيرة من الملاحق التي كان لابد منها للقارئ العربي حتى يخرج بأقصى استفادة من قراءة تحقيق مخطوط «بغية الفلاحين في الأشجار المثمرة والرياحين»، فصنع بنفسه ملحقاً عن المنازل والبروج، وآخر عن أسماء الشهور: السريانية والحميرية والأندلسية والفارسية فضلاً عن ثبت بأسماء ملوك الأسرة الرسولية في اليمن (626ه - 1249م/ 858ه - 1454م).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.