بدء تقديم كلية الشرطة 2025 اليوم «أون لاين» (تفاصيل)    اليوم، الهيئة الوطنية للانتخابات تعقد مؤتمرا صحفيا لإعلان الاستعداد لانتخابات الشيوخ    هبوط كبير في عيار 21 الآن.. مفاجأة في أسعار الذهب والسبائك اليوم بالصاغة    إسرائيل تهدد حماس بإجراء مرعب في غزة حال فشل التوصل إلى اتفاق    «محاولة خبيثة».. أول رد إيراني على العقوبات الأمريكية الجديدة بشأن سفن النفط والطاقة    «مصرُ» و«غزة»... التاريخُ يشهدُ بما يُغنينا عن الكلام    مديرة الاستخبارات الأمريكية تتوعد المتورطين بفبركة تقارير التدخل الروسي المزعوم    زلزال جديد يضرب جزيرة روسية بقوة الآن    الكابينت الإسرائيلي يناقش ضم مناطق في غزة حال عدم التوصل إلى اتفاق مع حماس    حرمه منها كلوب وسلوت ينصفه، ليفربول يستعد لتحقيق حلم محمد صلاح    موعد مباراة الأهلي الأولى في الدوري المصري    سائق نيسان «أوليفر رولاند» يتوج ببطولة العالم للفورمولا e في إنجلترا    اللقطات الأولى لخروج قطار عن القضبان واصطدامه برصيف محطة السنطة في الغربية (فيديو)    أمطار وانخفاض درجات الحرارة.. بيان هام من الأرصاد يكشف طقس الساعات المقبلة    توقعات الأبراج وحظك اليوم الخميس.. طاقة إيجابية في انتظار هذا البرج    هشام عباس بذكريات "التسعينيات" وفريق وسط البلد ب"تكتيك مبتكر" يشعلان حفل الصيف بالإسكندرية (فيديو)    أقوى رد على شائعة طلاقهما، رامي رضوان يفاجئ دنيا سمير غانم بعرض "روكي الغلابة" (فيديو وصور)    الأحكام والحدود وتفاعلها سياسيًا (2)    احذروها في الصيف.. 7 مشروبات باردة تهدد حياة مرضى الكلى    الدفاع الروسية: اعتراض 13 مسيرة أوكرانية فوق مقاطعتي روستوف وبيلجورود    "بعد يومين من انضمامه".. لاعب الزمالك الجديد يتعرض للإصابة خلال مران الفريق    بسبب خلافات الجيرة في سوهاج.. مصرع شخصين بين أبناء العمومة    اتحاد الدواجن يكشف سبب انخفاض الأسعار خلال الساعات الأخيرة    نقيب السينمائيين: لطفي لبيب أحد رموز العمل الفني والوطني.. ورحيله خسارة كبيرة    رامي رضوان ودنيا سمير غانم وابنتهما كايلا يتألقون بالعرض الخاص ل «روكي الغلابة»    حنان مطاوع تنعى لطفي لبيب: "مع السلامة يا ألطف خلق الله"    بالأسماء| ننشر حركة تنقلات وترقيات قيادات وضباط أمن القاهرة    بمحيط مديرية التربية والتعليم.. مدير أمن سوهاج يقود حملة مرورية    مذكرات رجل الأعمال محمد منصور تظهر بعد عامين من صدور النسخة الإنجليزية    من بيتك في دقائق.. طريقة استخراج جواز سفر مستعجل (الرسوم والأوراق المطلوبة)    سعر التفاح والبطيخ والفاكهة بالأسواق اليوم الخميس 31 يوليو 2025    أول تصريحات ل اللواء محمد حامد هشام مدير أمن قنا الجديد    المهرجان القومي للمسرح المصري يعلن إلغاء ندوة الفنان محيي إسماعيل لعدم التزامه بالموعد المحدد    «الصفقات مبتعملش كشف طبي».. طبيب الزمالك السابق يكشف أسرارًا نارية بعد رحيله    إيرادات أزور تتجاوز 75 مليار دولار ومايكروسوفت تحقق أرباحا قياسية رغم تسريح الآلاف    يعشقون الراحة والسرير ملاذهم المقدس.. 4 أبراج «بيحبوا النوم زيادة عن اللزوم»    التوأم يشترط وديات من العيار الثقيل لمنتخب مصر قبل مواجهتي إثيوبيا وبوركينا فاسو    ختام منافسات اليوم الأول بالبطولة الأفريقية للبوتشيا المؤهلة لكأس العالم 2026    في حفل زفاف بقنا.. طلق ناري يصيب طالبة    مصرع شاب وإصابة 4 في تصادم سيارة وتروسيكل بالمنيا    التنسيقية تعقد صالونًا نقاشيًا حول أغلبية التأثير بالفصل التشريعي الأول بالشيوخ    إغلاق جزئى لمزرعة سمكية مخالفة بقرية أم مشاق بالقصاصين فى الإسماعيلية    نشرة التوك شو| انخفاض سعر الصرف.. والغرف التجارية تكشف موعد مبادرة خفض الأسعار..    بعد 20 سنة غيبوبة.. والد الأمير النائم يكشف تفاصيل لأول مرة (فيديو)    هل يعاني الجفالي من إصابة مزمنة؟.. طبيب الزمالك السابق يجيب    مدير تعليم القاهرة تتفقد أعمال الإنشاء والصيانة بمدارس المقطم وتؤكد الالتزام بالجدول الزمني    القبض على 3 شباب بتهمة الاعتداء على آخر وهتك عرضه بالفيوم    شادى سرور ل"ستوديو إكسترا": بدأت الإخراج بالصدفة فى "حقوق عين شمس"    سعر طن الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الخميس 31 يوليو 2025    هل تتأثر مصر بزلزال روسيا العنيف، البحوث الفلكية تحسمها وتوجه رسالة إلى المواطنين    حدث ليلًا| مصر تسقط أطنانا من المساعدات على غزة وتوضيح حكومي بشأن الآثار المنهوبة    تنسيق المرحلة الأولى 2025.. لماذا يجب على الطلاب تسجيل 75 رغبة؟    حياة كريمة.. الكشف على 817 مواطنا بقافلة طبية بالتل الكبير بالإسماعيلية    أسباب عين السمكة وأعراضها وطرق التخلص منها    ما حكم الخمر إذا تحولت إلى خل؟.. أمين الفتوى يوضح    الورداني: الشائعة اختراع شيطاني وتعد من أمهات الكبائر التي تهدد استقرار الأوطان    أمين الفتوى يوضح آيات التحصين من السحر: المهم التحصن لا معرفة من قام به    ما المقصود ببيع المال بالمال؟.. أمين الفتوى يُجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحقيق مخطوطة «بغية الفلاحين في الأشجار المثمرة والرياحين»
نشر في صوت البلد يوم 15 - 10 - 2017

حفل التراث العربي الإسلامي بالعديد من المخطوطات التي تناولت ما أنتجه المسلمون على المستوى النظري في علوم الفلاحة والزراعة. بعضها تم تحقيقه والبعض الآخر ما زال على قائمة الانتظار. وهي المرة الأولى التي يتم فيها تحقيق هذا المخطوط المهم للملك الأفضل العباسي علي داود الرسولي (ت 778ه / 1377م)، بعدما اضطلع بهذه المهمة الشاقة الزميل خالد الوهيبي من جامعة السلطان قابوس في سلطنة عمان. والحاصل أن المحقق قام بجهد علمي كبير حتى خرج المخطوط على هيئة سفر ضخم يتكون من جزءين (أكثر من 1000صفحة) مملوءة بالتعليقات والحواشي التي تفوق المتن ذاته.
يذكرنا الوهيبي منذ البداية في مستهل دراسته بأن حجر الأساس للمعرفة العلمية الإسلامية بالزراعة وأصولها هو الإرث الحضاري الذي وجد في الأمصار الزراعية المفتوحة، فضلاً عن النشاط العلمي الذي تم عبر ترجمات عدة لكتب النبات والفلاحة اليونانية التي تم نقلها إلى اللغات السريانية والبهلوية قبل ظهور الإسلام. وخلال القرن الثالث الهجري/ التاسع الميلادي تمت ترجمة العديد من تلك الكتب إلى اللغة العربية. وفي القرن التالي، ظهر كتاب ابن وحشية «الفلاحة النبطية» الذي حوى خبرات عن الزراعة الرومية في بلاد الشام وكذا التجربة الزراعية للمجتمع النهري لبلاد الرافدين.
ويذكر المحقق أن تلك المصادر المترجمة كانت بمثابة حجر الأساس للمعرفة الإسلامية النظرية حول الزراعة لقرون عديدة. كما أن انتقال المعرفة الزراعية الى الأندلس منحها أبعاداً جديدة، بخاصة عند وجود علماء في قامة ابن بصال (ق5ه/11م) الذي مزج بين المعرفة النظرية والتجربة العملية والجمع بين علمي الفلاحة والنبات.
وتلقف سلاطين بني رسول في اليمن الإنتاج الزراعي النظري الذي ظهر في بلاد الأندلس وانتقل إلى الشرق الإسلامي ق8ه / 14م، بخاصة بعد تشجيعهم لعمليات الزراعة، وقبل ذلك اقتناء الكتب الخاصة بها، فضلاً عن إنشاء الحدائق والبساتين الملكية مع تشجيع السكان على الزراعة بعد تخفيض الضرائب عليها. وكذا جلب بذوراً جديدة من البلدان الإسلامية في آسيا وأفريقيا.
ويوجز الوهيبي رأيه بالقول إن «الثقافة الواسعة والاهتمام بالمعرفة لدى ملوك بني رسول، والبيئة العلمية الغنية باليمن في عصرهم خلقت فرصاً مناسبة ساعدت على تأليفهم العديد من الكتب في مختلف جوانب المعرفة التي كان من بينها التأليف في علم الزراعة». وعلى حين يرصد المحقق المؤلفات العربية حول علم الفلاحة والزراعة، فإنه يلاحظ ندرة المشاركة الرسمية من خلال السلاطين والخلفاء في هذا الاتجاه، الأمر الذي جعله يحتفي بمؤلفات ملكية نادرة في الفلاحة من قبل ثلاثة من ملوك الأسرة الرسولية باليمن. أولهم الملك الأشرف ممهد الدين عمر بن علي بن رسول (ت 694ه /1296م) ومؤلفه «ملح الملاحة في معرفة الملاحة». والثاني هو الملك المجاهد علي بن داود بن يوسف بن عمر (ت 764ه / 1362م) وكتابه «الإشارة في العمارة». والثالث هو ابنه ومؤلف هذا المخطوط الملك الأفضل العباس(ت 778 ه/1376 م).
لم يفت الوهيبي أن يشير في أمانة علمية إلى الدراسات السابقة حول هذا المخطوط ومؤلفه. منها دراسات ماكس ميرهوف، وروبرت سيرجنت، ودانيال فارسكو، ويحي العنسي وعبد الواحد الخامري، مبيناً مجهود كل منهم في إظهار التراث الفلاحي المكتوب للملك الأفضل.
غير أنه عاد ليؤكد أنه لا أحد من السابقين عكف على تحقيق المخطوط في شكل كامل، وأنه استطاع توفير نسخ المخطوط من مكتبات القاهرة وإسطنبول و لندن من أجل إنجاز عمله. ثم عاد ليؤكد بأن هذا المخطوط هو أكبر وأضخم عمل تمت كتابته حول موضوع الزراعة في شبه الجزيرة العربية في العصر الإسلامي الوسيط، بعدما استطاع مؤلفه الجمع بين معارف كتب الزراعة السابق ترجمتها، والتي غلب عليها الطابع النظري، مع ما أنتجه ابن بصال من خبرات علمية، إضافة إلى التراث العلمي الذي خلفه سابقوه من الملوك الرسوليين.
ويذكر المحقق أن مشروعه العلمي هذا استغرق منه سنوات سبع من أجل سبر أغوار التراث الفلاحي الإسلامي، وكذا الإنتاج الفكري في اليمن، فضلاً عن صعوبة فهم العديد من كلمات المخطوط ومصطلحاته ذات الخصوصية اليمنية. كما شرع بعد ذلك في تقسيم مشروع دراسة وتحقيق مخطوط «بغية الفلاحين» إلى أربعة أقسام، تعلق الأول منها بحياة المؤلف وحكمه وانتاجه العلمي والثقافي. وخصص القسم الثاني لدراسة ومقارنة ونقد النسخ الموجودة من المخطوط، بينما تناول القسم الثالث محتويات فصول الكتاب وموضوعات مادته العلمية والمصادر التي اعتمد عليها. بينما حوى القسم الرابع والأخير النص المحقق ذاته.
وعلى أي حال، فقد تألف كتاب «بغية الفلاحين في الأشجار المثمرة و الرياحين» من ستة عشر باباً تتعلق جميعها بأمور الزراعة وأحوالها. فقد خصص الملك الأفضل الرسولي الباب الأول في الكتاب للحديث عن الأراضي الزراعية ومدى جودتها وخصوبتها، فتحدث عن الأرض الغليظة والمالحة والجبلية والرملية والسوداء. وحمل الباب الثاني عنوان «في ما يدمن به الأرضون»، وعني بتبيان أنواع الأسمدة التي يجب استخدامها لأجل تخصيب الأرض الزراعية، ومنها زبل الخيول والبغال والأغنام وكذا مخلفات الإنسان. واختص الباب الثالث بالإشارة إلى المياه وكيفية معرفة أماكن وجودها. وعني الفصل الرابع بالحديث عن كيفية اختيار الأرض وإصلاحها والصفات المطلوبة في الفلاحين و الرعاة . وتناول الباب الخامس أوقات الفلاحة والاختلافات في أوقات الزراعة في اليمن ومصر والشام، بينما عالج الفصل السادس أنواع المحاصيل والزراعات كالبر والشعير والذرة والأرز.
وخص المؤلف الباب السابع بالحديث عن القطاني، كالحمص والعدس واللوبيا وغيرهما. وجاء الباب الثامن عن البقول والخضروات كالبطيخ بأنواعه والقثاء والقرع والباذنجان والجزر واللفت. بينما تحدث في الفصل التاسع عن البذور المتخذة لإصلاح الأطعمة مثل الكزبرة والكمون وغيرهما. وتناول الباب العاشر الحديث عن الرياحين وما شاكلها والبنفسج والفل والنيلوفر والنرجس والياسمين. واختص الباب الحادي عشر، وهو أكبر أبواب الكتاب، بالحديث عن الأشجار المثمرة كالنخيل والأعناب والتين والرمان والتفاح وغيرها. ثم عالج المؤلف في الفصل الثاني عشر من كتابه عملية تشمير الأشجار وإصلاحها بعد هرمها معتمداً على ما كتبه ابن بصال سابقاً. وتناول الفصل الثالث عشر مسألة تركيب الأشجار بعضها في بعض، وما يتركب منها مع الأخبار عن الأقاليم السبعة. وجاء عنوان الباب الرابع عشر في الخواص ويتناول أعراض النباتات وصفاتها وكيفية معالجتها. وتناول الباب الخامس عشر كيفية دفع الآفات عن النباتات والمزروعات، منها على سبيل المثال كيفية مواجهة خطر هجمات الجراد. وفي النهاية احتوى الفصل السادس عشر والأخير على خاتمة تحمل الكثير من النصائح في أمور الفلاحة والزراعة.
وختم الوهيبي كتابه المحقق بمجموعة كبيرة من الملاحق التي كان لابد منها للقارئ العربي حتى يخرج بأقصى استفادة من قراءة تحقيق مخطوط «بغية الفلاحين في الأشجار المثمرة والرياحين»، فصنع بنفسه ملحقاً عن المنازل والبروج، وآخر عن أسماء الشهور: السريانية والحميرية والأندلسية والفارسية فضلاً عن ثبت بأسماء ملوك الأسرة الرسولية في اليمن (626ه - 1249م/ 858ه - 1454م).
حفل التراث العربي الإسلامي بالعديد من المخطوطات التي تناولت ما أنتجه المسلمون على المستوى النظري في علوم الفلاحة والزراعة. بعضها تم تحقيقه والبعض الآخر ما زال على قائمة الانتظار. وهي المرة الأولى التي يتم فيها تحقيق هذا المخطوط المهم للملك الأفضل العباسي علي داود الرسولي (ت 778ه / 1377م)، بعدما اضطلع بهذه المهمة الشاقة الزميل خالد الوهيبي من جامعة السلطان قابوس في سلطنة عمان. والحاصل أن المحقق قام بجهد علمي كبير حتى خرج المخطوط على هيئة سفر ضخم يتكون من جزءين (أكثر من 1000صفحة) مملوءة بالتعليقات والحواشي التي تفوق المتن ذاته.
يذكرنا الوهيبي منذ البداية في مستهل دراسته بأن حجر الأساس للمعرفة العلمية الإسلامية بالزراعة وأصولها هو الإرث الحضاري الذي وجد في الأمصار الزراعية المفتوحة، فضلاً عن النشاط العلمي الذي تم عبر ترجمات عدة لكتب النبات والفلاحة اليونانية التي تم نقلها إلى اللغات السريانية والبهلوية قبل ظهور الإسلام. وخلال القرن الثالث الهجري/ التاسع الميلادي تمت ترجمة العديد من تلك الكتب إلى اللغة العربية. وفي القرن التالي، ظهر كتاب ابن وحشية «الفلاحة النبطية» الذي حوى خبرات عن الزراعة الرومية في بلاد الشام وكذا التجربة الزراعية للمجتمع النهري لبلاد الرافدين.
ويذكر المحقق أن تلك المصادر المترجمة كانت بمثابة حجر الأساس للمعرفة الإسلامية النظرية حول الزراعة لقرون عديدة. كما أن انتقال المعرفة الزراعية الى الأندلس منحها أبعاداً جديدة، بخاصة عند وجود علماء في قامة ابن بصال (ق5ه/11م) الذي مزج بين المعرفة النظرية والتجربة العملية والجمع بين علمي الفلاحة والنبات.
وتلقف سلاطين بني رسول في اليمن الإنتاج الزراعي النظري الذي ظهر في بلاد الأندلس وانتقل إلى الشرق الإسلامي ق8ه / 14م، بخاصة بعد تشجيعهم لعمليات الزراعة، وقبل ذلك اقتناء الكتب الخاصة بها، فضلاً عن إنشاء الحدائق والبساتين الملكية مع تشجيع السكان على الزراعة بعد تخفيض الضرائب عليها. وكذا جلب بذوراً جديدة من البلدان الإسلامية في آسيا وأفريقيا.
ويوجز الوهيبي رأيه بالقول إن «الثقافة الواسعة والاهتمام بالمعرفة لدى ملوك بني رسول، والبيئة العلمية الغنية باليمن في عصرهم خلقت فرصاً مناسبة ساعدت على تأليفهم العديد من الكتب في مختلف جوانب المعرفة التي كان من بينها التأليف في علم الزراعة». وعلى حين يرصد المحقق المؤلفات العربية حول علم الفلاحة والزراعة، فإنه يلاحظ ندرة المشاركة الرسمية من خلال السلاطين والخلفاء في هذا الاتجاه، الأمر الذي جعله يحتفي بمؤلفات ملكية نادرة في الفلاحة من قبل ثلاثة من ملوك الأسرة الرسولية باليمن. أولهم الملك الأشرف ممهد الدين عمر بن علي بن رسول (ت 694ه /1296م) ومؤلفه «ملح الملاحة في معرفة الملاحة». والثاني هو الملك المجاهد علي بن داود بن يوسف بن عمر (ت 764ه / 1362م) وكتابه «الإشارة في العمارة». والثالث هو ابنه ومؤلف هذا المخطوط الملك الأفضل العباس(ت 778 ه/1376 م).
لم يفت الوهيبي أن يشير في أمانة علمية إلى الدراسات السابقة حول هذا المخطوط ومؤلفه. منها دراسات ماكس ميرهوف، وروبرت سيرجنت، ودانيال فارسكو، ويحي العنسي وعبد الواحد الخامري، مبيناً مجهود كل منهم في إظهار التراث الفلاحي المكتوب للملك الأفضل.
غير أنه عاد ليؤكد أنه لا أحد من السابقين عكف على تحقيق المخطوط في شكل كامل، وأنه استطاع توفير نسخ المخطوط من مكتبات القاهرة وإسطنبول و لندن من أجل إنجاز عمله. ثم عاد ليؤكد بأن هذا المخطوط هو أكبر وأضخم عمل تمت كتابته حول موضوع الزراعة في شبه الجزيرة العربية في العصر الإسلامي الوسيط، بعدما استطاع مؤلفه الجمع بين معارف كتب الزراعة السابق ترجمتها، والتي غلب عليها الطابع النظري، مع ما أنتجه ابن بصال من خبرات علمية، إضافة إلى التراث العلمي الذي خلفه سابقوه من الملوك الرسوليين.
ويذكر المحقق أن مشروعه العلمي هذا استغرق منه سنوات سبع من أجل سبر أغوار التراث الفلاحي الإسلامي، وكذا الإنتاج الفكري في اليمن، فضلاً عن صعوبة فهم العديد من كلمات المخطوط ومصطلحاته ذات الخصوصية اليمنية. كما شرع بعد ذلك في تقسيم مشروع دراسة وتحقيق مخطوط «بغية الفلاحين» إلى أربعة أقسام، تعلق الأول منها بحياة المؤلف وحكمه وانتاجه العلمي والثقافي. وخصص القسم الثاني لدراسة ومقارنة ونقد النسخ الموجودة من المخطوط، بينما تناول القسم الثالث محتويات فصول الكتاب وموضوعات مادته العلمية والمصادر التي اعتمد عليها. بينما حوى القسم الرابع والأخير النص المحقق ذاته.
وعلى أي حال، فقد تألف كتاب «بغية الفلاحين في الأشجار المثمرة و الرياحين» من ستة عشر باباً تتعلق جميعها بأمور الزراعة وأحوالها. فقد خصص الملك الأفضل الرسولي الباب الأول في الكتاب للحديث عن الأراضي الزراعية ومدى جودتها وخصوبتها، فتحدث عن الأرض الغليظة والمالحة والجبلية والرملية والسوداء. وحمل الباب الثاني عنوان «في ما يدمن به الأرضون»، وعني بتبيان أنواع الأسمدة التي يجب استخدامها لأجل تخصيب الأرض الزراعية، ومنها زبل الخيول والبغال والأغنام وكذا مخلفات الإنسان. واختص الباب الثالث بالإشارة إلى المياه وكيفية معرفة أماكن وجودها. وعني الفصل الرابع بالحديث عن كيفية اختيار الأرض وإصلاحها والصفات المطلوبة في الفلاحين و الرعاة . وتناول الباب الخامس أوقات الفلاحة والاختلافات في أوقات الزراعة في اليمن ومصر والشام، بينما عالج الفصل السادس أنواع المحاصيل والزراعات كالبر والشعير والذرة والأرز.
وخص المؤلف الباب السابع بالحديث عن القطاني، كالحمص والعدس واللوبيا وغيرهما. وجاء الباب الثامن عن البقول والخضروات كالبطيخ بأنواعه والقثاء والقرع والباذنجان والجزر واللفت. بينما تحدث في الفصل التاسع عن البذور المتخذة لإصلاح الأطعمة مثل الكزبرة والكمون وغيرهما. وتناول الباب العاشر الحديث عن الرياحين وما شاكلها والبنفسج والفل والنيلوفر والنرجس والياسمين. واختص الباب الحادي عشر، وهو أكبر أبواب الكتاب، بالحديث عن الأشجار المثمرة كالنخيل والأعناب والتين والرمان والتفاح وغيرها. ثم عالج المؤلف في الفصل الثاني عشر من كتابه عملية تشمير الأشجار وإصلاحها بعد هرمها معتمداً على ما كتبه ابن بصال سابقاً. وتناول الفصل الثالث عشر مسألة تركيب الأشجار بعضها في بعض، وما يتركب منها مع الأخبار عن الأقاليم السبعة. وجاء عنوان الباب الرابع عشر في الخواص ويتناول أعراض النباتات وصفاتها وكيفية معالجتها. وتناول الباب الخامس عشر كيفية دفع الآفات عن النباتات والمزروعات، منها على سبيل المثال كيفية مواجهة خطر هجمات الجراد. وفي النهاية احتوى الفصل السادس عشر والأخير على خاتمة تحمل الكثير من النصائح في أمور الفلاحة والزراعة.
وختم الوهيبي كتابه المحقق بمجموعة كبيرة من الملاحق التي كان لابد منها للقارئ العربي حتى يخرج بأقصى استفادة من قراءة تحقيق مخطوط «بغية الفلاحين في الأشجار المثمرة والرياحين»، فصنع بنفسه ملحقاً عن المنازل والبروج، وآخر عن أسماء الشهور: السريانية والحميرية والأندلسية والفارسية فضلاً عن ثبت بأسماء ملوك الأسرة الرسولية في اليمن (626ه - 1249م/ 858ه - 1454م).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.