بل كانت أنظار كل العرق الأسود في شتي أرجاء العالم، تتجه إليه ويتطلع كل الضعفاء والمهزومين في شتي أرجاء الأرض ويشخصون بأبصارهم نحو أوباما وينتظرون بتلهف فوز هذا الشاب الأسود المنحدر من أصول مختلطة، والذي تخلو جذوره من أصول بيضاء ،بل هو أول رئيس أسود من أصول أفريقية مسلمة يدخل البيت الأبيض ليحكم أمريكا. إذن ليست هوية أوباما، ولا أصوله غير المسيحية هي اللافتة لاهتمام العالم بقدر لون بشرته السوداء التي لم تكن عائقا دون وصوله لمنصب رئيس الولاياتالمتحدة الأميركية. والغريب هو أن الولاياتالمتحدةالأمريكية كانت هي أكثر البلدان تعصباً واضطهادا للجنس الأسود. أدي أوباما القسم الدستوري في 20 يناير من هذا العام، وفي خطابه الرئاسي الذي تلا القسم، تحدث عن جذوره العائلية بلا خجل، فهو ابن رجل كيني ربما لم يسمح له قبل 60 عاما فقط بالعمل في أحد المطاعم في أميركا، واليوم يصير ابن هذا الرجل رئيس أكبر دولة في العالم. ماذا يعني هذا الأمر سوي قدرة أوباما الهائلة في التجرؤ علي الحلم مع إيمانه القوي بنفسه وبوجود حلم خفي في داخله يطمح إلي تحقيقه، وهذا ما كان. لكن حلم أوباما لا يبدو كما لو أنه حلمه الفردي بقدر ما هو حلم أبناء عرقه كلهم، هؤلاء الذين عاشوا تاريخ عبودية طويل ومضن، ولم يحصلوا علي حريتهم بسهولة، بل بعد نضال طويل قام به رجال شرفاء يحترمون الإنسانية، ويقدسون الكيان البشري من أي عرق أو لون، من هنا كان نضالهم ضد أية عبودية، من أية شكل، وأي فئة. من هنا كانت ثمرة هذا النضال حصول رجل أسود علي فرصة تاريخية نادرة ليدخل التاريخ ويشارك في صنع قرارات حاسمة، ويتدخل في تشكيل مصير بلدان وشعوب قاست ما يكفي من الحروب والجوع والفقر والدمار. نيلسون منديلا، رئيس جنوب أفريقيا السابق، والذي قاد كفاح جنوب أفريقيا ضد حكم البيض الجائر و قضي قرابة ثلاثة عقود في المعتقلات، أشاد بالرئيس أوباما قائلا : أنتم أيها السيد الرئيس جلبتم صوتاً جديداً للأمل في إمكانية معالجة المشاكل والقضايا العالقة، وإنه يمكننا في الواقع تغيير العالم وجعله مكاناً أفضل. ستظل دوماً في وجداننا شاباً تجرأ علي الحلم و علي أن يحقق ذلك الحلم". وهذا حقيقي فقد تجرأ أوباما علي الحلم، وتمكن من تحقيق حلمه، لكن إلي أي حد سيتمكن أوباما من تحقيق أحلام الشعوب المنتظرة تغيرا ملموسا، وهو الذي ورث تركة ثقيلة من الحروب والمشاكل السياسية والأزمات الاقتصادية. فمن المؤكد أنه لا يحمل عصا سحرية ليأتي بالحل، كما أن تاريخ العذابات المضنية لأبناء عرقه، لن تجعله يتعاطف مع أي شعب-حتي وإن كان مهزوما- ضد مصلحة بلاده (أميركا)،أولا وأخيرا. لا يسعنا التنبؤ أبدا كيف سيكون العالم بعد أوباما،أو إن كان سيغدو أكثر سلاما،ربما لا يسعنا سوي الإيمان بالمثل الصيني القائل :"لنجلس علي حافة النهر وننتظر".