نقيب الصحفيين يرحب بقرار الرئيس برد مشروع قانون الإجراءات الجنائية إلى البرلمان    «تعليم القاهرة» تبدأ عامها الدراسي الجديد.. أجواء احتفالية بالمدارس (صور)    الآن.. سعر الجنيه الذهب اليوم الاثنين 22-9-2025 في محافظة قنا (آخر تحديث)    سويلم يتابع موقف "مشروع تطوير منظومة الري والصرف بواحة سيوة"    ارتفاع الصادرات الزراعية المصرية إلى 7.2 مليون طن منذ بداية 2025    ارتفاع أسعار النفط مع تصاعد التوترات الجيوسياسية بأوروبا والشرق الأوسط    «الإسكان» تستعد لطرح المرحلة الثانية من 400 ألف وحدة.. أكتوبر المقبل    الجريدة الرسمية تنشر قرار اعتماد المخطط التفصيلى للعمرانية وبولاق والدقى    أحمد الوكيل: إفريقيا أرض الفرص للأفارقة والتعاون مع رواندا أولوية    وزير الخارجية الدنماركي: نعمل على خطة للاعتراف بدولة فلسطينية    وزير الخارجية يؤكد رفض مصر القاطع لأي محاولات للمساس بأمن واستقرار الخليج    الرياضية: أهلي جدة يتواصل مع عدد من القنوات الفضائية لمحاولات نقل مباراة بيراميدز    طريقة التصويت ومعايير اختيار الأفضل في العالم.. من يتوج بالكرة الذهبية؟    شوبير يكشف كواليس انتخابات الأهلي.. اجتماع اليوم يحسم ترشح الخطيب ومفاجآت في القائمة    ضبط صاحب مخبز استولى على 13 جوال دقيق مدعم وبيعها بالسوق السوداء بالمحلة الكبرى    طقس اليوم الاثنين فى مطروح.. مائل للحرارة رطب نهارا واعتدال أمواج البحر    ضبط قضايا إتجار بالنقد الأجنبي بقيمة 13 مليون جنيه خلال 24 ساعة    إصابة 16 عاملًا في انقلاب سيارة سوزوكي على الطريق الصحراوي الغربي بالفيوم    الداخلية تكشف سرقة هاتف من داخل عيادة فى أسوان    رمضان صبحي فى التحقيقات: دفعت 50 ألف جنيه للترم ومعرفش مكان المعهد.. إنفوجراف    اليوم.. استئناف "كروان مشاكل" على حكم حبسه في قضية سب وقذف ليلى الشبح    دوللي شاهين تنتهي من تسجيل أغنية «ترند».. صور    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 22-9-2025 في محافظة قنا    وزير الأوقاف يشهد احتفال نقابة الأشراف بالمولد النبوى الشريف    «الصحة»: تقديم أكثر من 17 ألف خدمة نفسية لكبار السن في اليوم العالمي للزهايمر    محافظ الدقهلية في زيارة مفاجئة لعيادة التأمين الصحي بدكرنس    هيئة الدواء المصرية تحذر من أدوية البرد للأطفال دون وصفة طبية    موعد أذان الظهر ليوم الإثنين ودعاء النبي عند ختم الصلاة    انخفاض الحديد.. أسعار مواد البناء اليوم بالأسواق (موقع رسمي)    وزير الخارجية والهجرة يلتقي نظيره الكويتي في نيويورك    تجديد رخصة قيادة السيارة.. هل يطلب تحليل المخدرات عند تحديث الرخصة    ضمن احتفالية اليوبيل الذهبي لأول دفعاتها.. «إعلام القاهرة» تكرم نخبة من الأساتذة الراحلين والرواد في تأسيس مسيراتها    أمير كرارة يكشف أسرار تعاونه مع المخرج بيتر ميمي    جهاز المنتخب يطمئن على إمام عاشور ويحسم موقفه من مباراة جيبوتي    مستشفيات جامعة القاهرة تجري 54 ألف عملية جراحية ضمن مبادرة القضاء على قوائم الانتظار خلال 2025    بعد الظهور الأول لهما.. ماذا قال ترامب عن لقائه ب ماسك؟    6 للرجال ومثلها للسيدات.. الجوائز المقدمة في حفل الكرة الذهبية 2025    الدوري المصري بشكل حصري على "أبليكشن ON APP".. تعرف على طريقة تحميل التطبيق    كليات متاحة بجامعة القاهرة الأهلية لطلاب الثانوية العامة والأزهرية .. تعرف عليها    مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 22 سبتمبر 2025 في بورسعيد    كيف تواجه مبادرة «صحح مفاهيمك» الفكر المتطرف وماهي أهدافها؟    حظك اليوم الاثنين 22 سبتمبر وتوقعات الأبراج    خبير: الاعتراف بالدولة الفلسطينية تصحيح لمسار تاريخي اتخذته بريطانيا    إمام عاشور يحذف صورته بتيشيرت الأهلى من حسابه بإنستجرام.. السر فى ابنته    القائمة الكاملة لجوائز الموريكس دور في لبنان 2025 (فيديو)    جمهوريون ينتقدون اعتراف حلفاء واشنطن بدولة فلسطين    ما حكم تعليق صور المتوفى تلمسًا للدعاء له بالرحمة؟.. دار الإفتاء توضح    «أحمديات» مازالت الكلمة حائرة بين مفهوم لم يقصد ومقصود لم يفهم فإجعل كلمتك بسيطة حتى يفهم مقصدها    الصحة: نجاح جراحة دقيقة لاستئصال ورم بالمعدة بمستشفى العجوزة النموذجي    «التنظيم والإدارة» يعلن نتيجة امتحان مسابقة مياه الشرب والصرف الصحي    وفاء عامر: بنيت مسجدًا من مالي الخاص ورفضت وضع اسمي عليه    آمال ماهر تحصد جائزة «نجمة الغناء العربي» في حفل الموريكس دور    متعلق بالنووي.. زعيم كوريا الشمالية يضع شرطًا للتباحث مع واشنطن    مندوب فلسطين بالأمم المتحدة: الاعترافات الدولية بالدولة لحظة تاريخية يجب البناء عليها    إنتر ميلان يستعيد توازنه بفوز صعب في الدوري الإيطالي    مسلم يكشف ل"اليوم السابع" تطورات حالته بعد تعرضه لجلطة    30 دقيقة تأخر في حركة القطارات على خط «القاهرة - الإسكندرية».. الاثنين 22 سبتمبر    أحمد العوضي: لو هتجوز مش هقول.. ومشغول بمسلسل «علي كلاي» لرمضان 2026    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



" المغاربة " رواية الثابت والمتحول في تاريخ عنيف
نشر في صوت البلد يوم 29 - 09 - 2016

عندما أهداني عبدالكريم جويطي روايته “ المغاربة ”، تساءلت في قرارة نفسي: كيف يجرؤ هذا الكاتب على خوض مغامرة الكتابة عن شعبه المتعدد في مكوناته وفي عاداته وتقاليده، والذي لا يوحد بين عربه وبربره، وبين مختلف فئاته وطبقاته الاجتماعية غير نظام ملكي يحكمه منذ قرون عدة؟ وأي صورة سيقدمها عن مغرب “ضاع بين نقائض كثيرة، الإسلام الوثنية، المخزن، السيبة، القبيلة، الوطن، الأندلس والصحراء، البحر والجبل، البدو والحضر، الأمازيغ والعرب، الوفرة والندرة، والشرق والغرب؟”.
لكن حالما شرعت في قراءة الرواية وجدتني مأخوذا بأحداثها وبشخصياتها وبسحر عوالمها، وبكل ما يعكس روح المغرب في جميع تجلياته سواء في ماضيه أو في حاضره. ولمّا انتهيت من قراءتها أقررت بأن الجويطي أفلح في اختيار “المغاربة” كعنوان لروايته الطموحة، إذ أنه أحاط فيها بالكثير من طبائع شعبه ومن تاريخه، بما وسمه من كوارث ومن آمال وأحلام، ومن أحداث ظلت راسخة في ذاكرة أجيال تتتابع وتتناسل.
روح الشعب
لعل عبدالكريم جويطي فكّر قبل أن يشرع في الكتابة في أن تكون روايته، الصادرة عن المركز الثقافي العربي، عاكسة لروح شعبه ولتاريخه تماما مثلما فعل روائيون تأثر بهم، ومع أعمالهم تفاعل، ولعلّ كتّاب أميركا اللاتينية من أمثال غابرييل غارسيا ماركيز، وكارلوس فيونتاس، وماريو فارغاس يوسا، أبرز مثال على ذلك.
وقد عاينت مثل هذه التأثيرات في هذه الرواية. لكن لا بدّ أن أقرّ بأن جويطي عرف كيف يتعامل مع هذه التأثيرات بحيث يكون مبتكرا لا مقلدا. بل إنه تمكن من أن يستفيد من التراث الشفوي المغربي لكي يكون من بين الأدوات الفنية التي لجأ إليها في روايته. إلى جانب كلّ هذا، لاحظت أن الكاتب يمتلك إلماما واسعا بالتراث العربي القديم، متمثلا في العديد من الآثار البديعة مثل “منامات الوهراني”. ومن هذه المنامات، يورد هذه الفقرة التي سبقت ابتكارات مبدعي “الواقعية السحرية”، “طتب كلب إلى كلب: أمّا بعد يا أخي -أدام الله حراستك- فإنّ بني آدم قد تسافلوا إلى حد ما عليه مزيد، حتى بقيت أنا وأنت بالإضافة إليهم كمعن بن زايد وطلحة الطلحات فارتعْ في المجازر وقم في المزابل وارفع ساقك، وبُلْ ما لقيت منهم والسلام”.
ولا يورد عبدالكريم جويطي هذه الفقرة لاستعراض معرفته بالتراث القديم، وإنما لأن الكثير من الشخصيات في روايته تشبه في حياتها وفي لغتها هذا الكلب الساخر من نفسه، ومن كلّ شيء. كلب من فرط ما تألم وأهين وظلم، يبتغي في النهاية أن يبُول على الجميع، خصوصا على أولئك الذين حوّلوا حياته إلى جحيم لا يطاق.
وهذه الشخصيات المعذّبة موزعة على فترات مختلفة من تاريخ المغرب، فمنها من عاش في قرون بعيدة، ومنها من كان شاهدا على الفترة الاستعمارية، ومنها من تذوّق مرارة سنوات الجمر في السبعينات من القرن الماضي، ومنها من احترق بنار حرب الصحراء، ومنها من غرّر به الإسلاميون فصوّت لهم لأنهم يخشون الله، ليعاين في النهاية أنهم لا يختلفون عن غيرهم من أولئك الذين لا يهمّهم غير جمع الثروة، واعتلاء كراسي السلطة الوثيرة، والحصول على المجد بأي طريقة. ومن الشخصيات أيضا باشاوات جشعون، قساة القلوب يتفننون في تعذيب رعاياهم، وفي تسليط المزيد من الضرائب على المساكين وضعفاء الحال لكي يحصلوا على رضا من هم أعلى منهم مرتبة.
وثمة ريفيون وريفيات أمّيون يصعدون الجبال الوعرة ويقطعون المسافات الطويلة للتبرك بوليّ صالح، راجين منه الشفاء من مرض عضال ألمّ بهم أو التخفيف من مظلمة سلّطت عليهم فلا مردّ لهم عليه غير الصلوات والابتهال لله ولأوليائه الصالحين لكي يرفعها عنهم، أو يعاقب من كان سببا فيها. بل قد يخرج عبدالكريم جويطي الموتى من قبورهم مثلما فعل خوان رولفو في رائعته “بيدرو باراما” لكي يزيحوا الغبار عن أحداث أليمة وقعت في زمن بعيد، أو لكي ينصفوا من قتل أو أهين ظلما. وفي الرواية، يوظف الكاتب رجلا أعمى نتعرف من خلاله على مغرب آخر.
مغرب آخر
مغرب لا يوجد في كتب المؤرخين، ولا في مذكرات الأجانب المنبهرين بجمال طبيعته وببدائيته المتوحشة، ولا في تلك الصور اللامعة التي تروّجها وسائل الإعلام الرسمية، وإنما هو يتجلى لنا من خلال المسحوقين والمصابين بعاهات جسدية أو نفسيّة، فلا صوت لهم غير الأنين في الظلمات وفي الأركان المعتّمة.
وعلى لسان شخصية هذا الأعمى، يصف المغرب على النحو التالي “في أغلب الأوقات لم تكن مدننا مدنا ولا بوادينا بواديَ. كانت المدن هشّة، معزولة، ومنكفئة داخل أسوارها تنتظر الحصار والغارات، مدن تستباح وتخرّب وتبنى من جديد. وكانت البوادي فقيرة تنتظر الغيم الماطر لتلقي على عجل شعيرا في أرض حزينة، وتنتظر حصادا بعيدا”. ويحيلنا جويطي إلى “كتاب الاستبصار في عجائب الأخبار” لمؤلف مراكشي مجهول، لكي يرسم لنا صورة عن المغاربة “لأن نفوس أهل المغرب مجبولة على الاستبصار، وقيل الحقد مغربيّ، وعلى الحقيقة لا يجب أن يُعَاب أحد بشيء وُضع في جبلّته، وإنما يعاب المرء بما يحمله عليه نظره سيّء الفكرة وتخلقه العقربيّ الكسبي”.
وفي هذا الزمن العربي الذي نشهد فيه تضخّما للإنتاج الروائي على حساب الكيف في أغلب الأحيان، يمكن القول إن عبدالكريم جويطي أفلح في كتابة رواية بديعة تشد القارئ من بدايتها إلى نهايتها بما حفلت به من أحداث عجيبة، وشخصيات غريبة. كما تشدنا بلغتها الحارة، والوحشيّة، وبأساليبها السردية والفنية المتعددة والمختلفة.
عندما أهداني عبدالكريم جويطي روايته “ المغاربة ”، تساءلت في قرارة نفسي: كيف يجرؤ هذا الكاتب على خوض مغامرة الكتابة عن شعبه المتعدد في مكوناته وفي عاداته وتقاليده، والذي لا يوحد بين عربه وبربره، وبين مختلف فئاته وطبقاته الاجتماعية غير نظام ملكي يحكمه منذ قرون عدة؟ وأي صورة سيقدمها عن مغرب “ضاع بين نقائض كثيرة، الإسلام الوثنية، المخزن، السيبة، القبيلة، الوطن، الأندلس والصحراء، البحر والجبل، البدو والحضر، الأمازيغ والعرب، الوفرة والندرة، والشرق والغرب؟”.
لكن حالما شرعت في قراءة الرواية وجدتني مأخوذا بأحداثها وبشخصياتها وبسحر عوالمها، وبكل ما يعكس روح المغرب في جميع تجلياته سواء في ماضيه أو في حاضره. ولمّا انتهيت من قراءتها أقررت بأن الجويطي أفلح في اختيار “المغاربة” كعنوان لروايته الطموحة، إذ أنه أحاط فيها بالكثير من طبائع شعبه ومن تاريخه، بما وسمه من كوارث ومن آمال وأحلام، ومن أحداث ظلت راسخة في ذاكرة أجيال تتتابع وتتناسل.
روح الشعب
لعل عبدالكريم جويطي فكّر قبل أن يشرع في الكتابة في أن تكون روايته، الصادرة عن المركز الثقافي العربي، عاكسة لروح شعبه ولتاريخه تماما مثلما فعل روائيون تأثر بهم، ومع أعمالهم تفاعل، ولعلّ كتّاب أميركا اللاتينية من أمثال غابرييل غارسيا ماركيز، وكارلوس فيونتاس، وماريو فارغاس يوسا، أبرز مثال على ذلك.
وقد عاينت مثل هذه التأثيرات في هذه الرواية. لكن لا بدّ أن أقرّ بأن جويطي عرف كيف يتعامل مع هذه التأثيرات بحيث يكون مبتكرا لا مقلدا. بل إنه تمكن من أن يستفيد من التراث الشفوي المغربي لكي يكون من بين الأدوات الفنية التي لجأ إليها في روايته. إلى جانب كلّ هذا، لاحظت أن الكاتب يمتلك إلماما واسعا بالتراث العربي القديم، متمثلا في العديد من الآثار البديعة مثل “منامات الوهراني”. ومن هذه المنامات، يورد هذه الفقرة التي سبقت ابتكارات مبدعي “الواقعية السحرية”، “طتب كلب إلى كلب: أمّا بعد يا أخي -أدام الله حراستك- فإنّ بني آدم قد تسافلوا إلى حد ما عليه مزيد، حتى بقيت أنا وأنت بالإضافة إليهم كمعن بن زايد وطلحة الطلحات فارتعْ في المجازر وقم في المزابل وارفع ساقك، وبُلْ ما لقيت منهم والسلام”.
ولا يورد عبدالكريم جويطي هذه الفقرة لاستعراض معرفته بالتراث القديم، وإنما لأن الكثير من الشخصيات في روايته تشبه في حياتها وفي لغتها هذا الكلب الساخر من نفسه، ومن كلّ شيء. كلب من فرط ما تألم وأهين وظلم، يبتغي في النهاية أن يبُول على الجميع، خصوصا على أولئك الذين حوّلوا حياته إلى جحيم لا يطاق.
وهذه الشخصيات المعذّبة موزعة على فترات مختلفة من تاريخ المغرب، فمنها من عاش في قرون بعيدة، ومنها من كان شاهدا على الفترة الاستعمارية، ومنها من تذوّق مرارة سنوات الجمر في السبعينات من القرن الماضي، ومنها من احترق بنار حرب الصحراء، ومنها من غرّر به الإسلاميون فصوّت لهم لأنهم يخشون الله، ليعاين في النهاية أنهم لا يختلفون عن غيرهم من أولئك الذين لا يهمّهم غير جمع الثروة، واعتلاء كراسي السلطة الوثيرة، والحصول على المجد بأي طريقة. ومن الشخصيات أيضا باشاوات جشعون، قساة القلوب يتفننون في تعذيب رعاياهم، وفي تسليط المزيد من الضرائب على المساكين وضعفاء الحال لكي يحصلوا على رضا من هم أعلى منهم مرتبة.
وثمة ريفيون وريفيات أمّيون يصعدون الجبال الوعرة ويقطعون المسافات الطويلة للتبرك بوليّ صالح، راجين منه الشفاء من مرض عضال ألمّ بهم أو التخفيف من مظلمة سلّطت عليهم فلا مردّ لهم عليه غير الصلوات والابتهال لله ولأوليائه الصالحين لكي يرفعها عنهم، أو يعاقب من كان سببا فيها. بل قد يخرج عبدالكريم جويطي الموتى من قبورهم مثلما فعل خوان رولفو في رائعته “بيدرو باراما” لكي يزيحوا الغبار عن أحداث أليمة وقعت في زمن بعيد، أو لكي ينصفوا من قتل أو أهين ظلما. وفي الرواية، يوظف الكاتب رجلا أعمى نتعرف من خلاله على مغرب آخر.
مغرب آخر
مغرب لا يوجد في كتب المؤرخين، ولا في مذكرات الأجانب المنبهرين بجمال طبيعته وببدائيته المتوحشة، ولا في تلك الصور اللامعة التي تروّجها وسائل الإعلام الرسمية، وإنما هو يتجلى لنا من خلال المسحوقين والمصابين بعاهات جسدية أو نفسيّة، فلا صوت لهم غير الأنين في الظلمات وفي الأركان المعتّمة.
وعلى لسان شخصية هذا الأعمى، يصف المغرب على النحو التالي “في أغلب الأوقات لم تكن مدننا مدنا ولا بوادينا بواديَ. كانت المدن هشّة، معزولة، ومنكفئة داخل أسوارها تنتظر الحصار والغارات، مدن تستباح وتخرّب وتبنى من جديد. وكانت البوادي فقيرة تنتظر الغيم الماطر لتلقي على عجل شعيرا في أرض حزينة، وتنتظر حصادا بعيدا”. ويحيلنا جويطي إلى “كتاب الاستبصار في عجائب الأخبار” لمؤلف مراكشي مجهول، لكي يرسم لنا صورة عن المغاربة “لأن نفوس أهل المغرب مجبولة على الاستبصار، وقيل الحقد مغربيّ، وعلى الحقيقة لا يجب أن يُعَاب أحد بشيء وُضع في جبلّته، وإنما يعاب المرء بما يحمله عليه نظره سيّء الفكرة وتخلقه العقربيّ الكسبي”.
وفي هذا الزمن العربي الذي نشهد فيه تضخّما للإنتاج الروائي على حساب الكيف في أغلب الأحيان، يمكن القول إن عبدالكريم جويطي أفلح في كتابة رواية بديعة تشد القارئ من بدايتها إلى نهايتها بما حفلت به من أحداث عجيبة، وشخصيات غريبة. كما تشدنا بلغتها الحارة، والوحشيّة، وبأساليبها السردية والفنية المتعددة والمختلفة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.