بسبب القواعد الجديدة، "أطباء بلا حدود" تترقب اليوم قرارا إسرائيليا بوقف عملها في غزة    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخيرًا بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الأربعاء 31 ديسمبر    هجوم أوكراني بطائرات مسيرة على موسكو    الاختبارات الإلكترونية لبرنامج الدبلوماسية الشبابية تجذب آلاف الشباب المصري    وخلق الله بريجيت باردو    محكمة تونسية تؤيد حكم سجن النائبة عبير موسى عامين    وزارة الرياضة تواصل نجاح تجربة التصويت الإلكتروني في الأندية الرياضية    بداية تحول حقيقي، تقرير صادم عن سعر الذهب والفضة عام 2026    ولفرهامبتون يحصد النقطة الثالثة من أرض مانشستر يونايتد    ذخيرة حية وإنزال برمائي.. الصين توسع مناوراتها حول تايوان    مصرع طفل دهسه قطار الفيوم الواسطي أثناء عبوره مزلقان قرية العامرية    طقس رأس السنة.. «الأرصاد» تحذر من هذه الظواهر    قوات التحالف تنشر مشاهد استهداف أسلحة وعربات قتالية في اليمن وتفند بيان الإمارات (فيديو)    "25يناير."كابوس السيسي الذي لا ينتهي .. طروحات عن معادلة للتغيير و إعلان مبادئ "الثوري المصري" يستبق ذكرى الثورة    رئيس جامعة قنا يوضح أسباب حصر استقبال الحالات العادية في 3 أيام بالمستشفى الجامعي    د.حماد عبدالله يكتب: نافذة على الضمير !!    محافظ القاهرة: معرض مستلزمات الأسرة مستمر لأسبوع للسيطرة على الأسعار    «قاطعوهم يرحمكم الله».. رئيس تحرير اليوم السابع يدعو لتوسيع مقاطعة «شياطين السوشيال ميديا»    خالد الصاوي: لا يمكن أن أحكم على فيلم الست ولكن ثقتي كبيرة فيهم    مصدر بالزمالك: سداد مستحقات اللاعبين أولوية وليس فتح القيد    شادي محمد: توروب رفض التعاقد مع حامد حمدان    نتائج الجولة 19 من الدوري الإنجليزي الممتاز.. تعادلات مثيرة وسقوط مفاجئ    "البوابة نيوز" ينضم لمبادرة الشركة المتحدة لوقف تغطية مناسبات من يطلق عليهم مشاهير السوشيال ميديا والتيك توكرز    استشهاد فلسطيني إثر إطلاق الاحتلال الإسرائيلي الرصاص على مركبة جنوب نابلس    الأمم المتحدة تحذر من أن أفغانستان ستظل من أكبر الأزمات الإنسانية خلال 2026    قيس سعيّد يمدد حالة الطوارئ في تونس حتى نهاية يناير 2026    نتنياهو يزعم بوجود قضايا لم تنجز بعد في الشرق الأوسط    من موقع الحادث.. هنا عند ترعة المريوطية بدأت الحكاية وانتهت ببطولة    دعم صحفي واسع لمبادرة المتحدة بوقف تغطية مشاهير السوشيال ميديا والتيك توك    تموين القاهرة: نتبنى مبادرات لتوفير منتجات عالية الجودة بأسعار مخفضة    التنمية المحلية: تقليص إجراءات طلبات التصالح من 15 إلى 8 خطوات    المحامى محمد رشوان: هناك بصيص أمل فى قضية رمضان صبحى    رضوى الشربيني عن قرار المتحدة بمقاطعة مشاهير اللايفات: انتصار للمجتهدين ضد صناع الضجيج    طرح البرومو الأول للدراما الكورية "In Our Radiant Season" (فيديو)    الخميس.. صالون فضاءات أم الدنيا يناقش «دوائر التيه» للشاعر محمد سلامة زهر    لهذا السبب... إلهام الفضالة تتصدر تريند جوجل    ظهور نادر يحسم الشائعات... دي كابريو وفيتوريا في مشهد حب علني بلوس أنجلوس    بسبب الفكة، هل يتم زيادة أسعار تذاكر المترو؟ رئيس الهيئة يجيب (فيديو)    د هاني أبو العلا يكتب: .. وهل المرجو من البعثات العلمية هو تعلم التوقيع بالانجليزية    غدًا.. محاكمة 3 طالبات في الاعتداء على الطالبة كارما داخل مدرسة    حلويات منزلية بسيطة بدون مجهود تناسب احتفالات رأس السنة    الحالة «ج» للتأمين توفيق: تواجد ميدانى للقيادات ومتابعة تنفيذ الخطط الأمنية    أمين البحوث الإسلامية يلتقي نائب محافظ المنوفية لبحث تعزيز التعاون الدعوي والمجتمعي    ملامح الثورة الصحية فى 2026    هل تبطل الصلاة بسبب خطأ فى تشكيل القرآن؟ الشيخ عويضة عثمان يجيب    هل يجب خلع الساعة والخاتم أثناء الوضوء؟.. أمين الفتوى يجيب    جامعة عين شمس تستضيف لجنة منبثقة من قطاع طب الأسنان بالمجلس الأعلى للجامعات    خالد الجندى: القبر محطة من محطات ما بعد الحياة الدنيا    خالد الجندي: القبر مرحلة في الطريق لا نهاية الرحلة    حقيقة تبكير صرف معاشات يناير 2026 بسبب إجازة البنوك    الأهلي يواجه المقاولون العرب.. معركة حاسمة في كأس عاصمة مصر    رئيس جامعة قناة السويس يهنئ السيسي بالعام الميلادي الجديد    رئيس جامعة العريش يتابع سير امتحانات الفصل الدراسي الأول بمختلف الكليات    الصحة: تقديم 22.8 مليون خدمة طبية بالشرقية وإقامة وتطوير المنشآت بأكثر من ملياري جنيه خلال 2025    الزراعة: تحصين 1.35 مليون طائر خلال نوفمبر.. ورفع جاهزية القطعان مع بداية الشتاء    معهد الأورام يستقبل وفدا من هيئة الهلال الأحمر الإماراتي لدعم المرضى    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 30-12-2025 في محافظة الأقصر    نسور قرطاج أمام اختبار لا يقبل الخطأ.. تفاصيل مواجهة تونس وتنزانيا الحاسمة في كأس أمم إفريقيا 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كتاب " الصوفية النسوية "
نشر في صوت البلد يوم 19 - 09 - 2016

في هذا الكتاب نحن على أعتاب الغوص داخل نوع مميز من الآراء. فنحن على وشك القيام برحلة روحية مليئة بالكشف، بالسحر، بالسؤال، وباللذة. حيثُ المؤلِّف دائما امرأة، وحيث موضوع الكتابة متعدد بتعدد وثراء الخبرة النسائية على مستوى الوعي أولا، ومستوى التجربة الحياتية ثانيا وتباينها في هذه الإضمامة من التأويلات والقصص وحيث النساء في هذه المجموعة يهتفنَ دفعة واحدة : لا للصمت.
وما دام قد ورد مركب (الخبرة النسائية) فقد يسرح البعض في ظنونه أنه سيقف على سلسلة جنسية متلاحقة وإن كان الجنس هنا محرك كتابة وغاية لبعض من يكتب من النساء. لذلك يتحتم التنويه والقول دائما : إن الأدب النسوي لا يصنف الكتابة على أساس الجنس بل الوعي، أو يلقي الضوء على ما هو ذاتي وموضوعي من منظور يخص المرأة سواء أكتُب من قبلها أم من قبل الرجل.
إن الخبرة النسائية في هذا الكتاب تتحدث عن المشكلات العميقة لعالم المرأة وهو ما قد يحيل أحيانا إلى أننا أمام كتابة شخصية، وفي الوقت نفسه سنجد نصوصا تتخطى المرأة فيها عالم المرأة للحديث عن العالم، فيكون هذا الكتاب شاملا في تناوله المتفاوت بحكم تفاوت تجربة كل كاتبة لقضايا العالم وقضايا عالم المرأة وأزمة وجودها بشكل خاص.
وجهات النظر في هذا الكتاب تتعد بتعدد المدخل إليها. تتنقل فيه الكاتبات بين روح الكاتب (الإله) إلى الكاتب بروح ال (الأنا). وما يخوض هذا التنقل من مواجهات ضد الخطوط الحمر التي تمثلها الأعراف والتقاليد ونوع الثقافة والمجتمع التي تقيد حرية المرأة بشكل محدد وتقيد حرية الرجل والمرأة أيضا بشكل عام ونحن في خضم القرن الحادي والعشرين وما يطرح من أسئلة صعبة وكثيرة.
2
تستمرّ ( الأعمال النسوية ) تنظيرًا، وفنّا، من أجل تقويض بنية المنظور الأبوي للتاريخ. وهي في سبيل ذلك حققت تقدما مثلما واجهتها هزائم. وثمة انتصارات أسوأ من الهزائم كما تقول الشاعرة اللبنانية – الأمريكية (إيتيل عدنان) وهي تؤشر إجمالا حمولة المواضي المتصرّمة وتصادياتها الثقيلة. إن تلك الجهود / الأعمال تحقق بقع انتصارات مهمة ومتناثرة من أجل استرداد وفرض نظرتها ومنظورها الخاص للتاريخ. وهذا الاسترداد يمثل استردادا لجوهرها الطبيعي. جوهر الوعي النسوي المخالف بجهازه النصّي هموم وأسئلة الرؤى الأبوية المهيمنة التي سادت طوال القرون الماضية في العالم تحت سلطة ما عرف فيما بعد (سلطة التمركز القضيبي) الذي يحتل المتون التأويلية بعد أن دحر النص المهموم بالنبرة النسوية المسكوت عنه وجعله يشغل دنيا الهامش.
بدأت القصة بقيام المنظور الأبوي للتاريخ الذي تشكلت غماماته عبر اللغة بعزل الحس النسوي عن العالم. وبقي لهذا الحس المخملي الأعزل يجتهد داخل نصوصيته في تدعيم وإسباغ فكرة الأنوثة على الجماعات المهمشة والمقموعة كافة، والأشياء. وذلك للسخرية من عالم الذكورة الذي يرتبط عنده بعالم الكبار الرسمي الذي يعزز سيطرته من خلال القمع والاستبعاد.
وتوجّهت الأعمال النسوية إلى المخزون اللغوي للمجتمعات المبنية بلغة القوة والسيطرة لدحض علاقاتها وإرباك هرمها الثقافي من خلال تحطيم عملية التدليل بمداليل مغايرة ومناقضة. وعلى هذا التأسيس ذهبت النسوية إلى عملية حرف اللغة عن مسارها وتجويف طاقتها البلاغية المتسلطة. وكان اختيار هذا النوع من المواجهة قد كرّس إبعادَها عن الثقافة الموجّهة باللغة التي هي ملك يمين الأبوية، مما جعلها تذهب كذلك إلى نقطة أبعد وهي البحث عن أشكال مفتوحة للتعبير.
على خطوط التّماس الساخنة تتبادل المنظورات النسوية والمنظورات الأبوية حالات من المماتنة والتدافع لتحقيق (إزاحة فكرية) على صعيدي السطوح والأعماق. (فلا يحد النقد النسوي نفسه بمناقشة وتحليل الأعمال الأدبية النسوية. بل إن أحد اهتمامات هذا النقد أنه يناقش أعمالا “لانسوية” ولاسيما إذا عرفنا أن الكتابة النسوية لاتُصنّف على أساس الجنس ولكن على أساس المنظور / الوعي).
كتاب الصوفية النسوية – محلّ العرض – لكارول بي كريست بترجمة مصطفى محمود، يلتبس ويتفاعل بحسب د. سحر الموجي في رحلة روحية وهو يقرأ تجربة الذات مع الذات والذات مع العالم من خلال صوفيتين تدرس الأولى تجربة الرجل وتدرس الثانية تجربة المرأة. ومن ثَم هناك محاولة اقتراح صوفية ذات هوية إنسانية أشمل لها أن تتطهر وتمضي بروح أخفّ وأنقى إلى براحات الحرّية.
وفي سياق الحفر والبحث عن تأثير الرجل في إنتاجه الفكريّ والعلميّ، تقرر الباحثة “ ناهد بدوية “ أن المفكرات النسويات قد بحثنَ عميقاً في أثر الذات في التجربة، وتفاعل هذه الذات مع النتائج وتأثيرها فيها. وتجلّى النضج الفكريّ في محاولة زعزعة استقرار النظام الثنائيّ، الكامن في ثنائية الذكر/ الأنثى، دون الوقوع في محاولة قلب الوضع، بحيث تصبح الأنثى متميّزة عن الذكر، كما حاولت الحركة النسوية السابقة. بل كشفت الغطاء عن العَوَر الذي تعيشه البشرية، لا نتيجة تهميش المرأة فحسب، بل نتيجة تهميش الجانب الأنثويّ من الرجل أيضاً، وسيادة ثقافة الحطّ من قدر الصفات الأنثوية وسيطرة الصورة النمطية للإنسان/ الرجل.
إن جهود تقويض سلطة الثنائيات ( أنثى / رجل ) زادت وتيرتها صعودا منذ أوائل الثمانينات حيث بلغ الفكر النسوي مستويات من النضج لم تعد تعنى بتحرّر المرأة فحسب، وإنّما فرضت نفسها على العلماء والفلاسفة والمفكّرين، ودفعتهم إلى إعادة النظر في الكثير من المسلّمات الفكرية السابقة، إذ بات الفكر النسوي اليوم من أبرز تيّارات الفكر الغربيّ الراهن والفلسفة المعاصرة.
وعلى وفق هذا المنظار يغوص كتاب الصوفية النسوية عميقا لتفكيك هياكل المقولات التاريخية المؤسسة من قبل الرجل لصناعة ند فكري له نظرته الخاصة في سيرورة الأحداث وتفسير إشكالاتها من أجل الوقوف على السطح التأويلي بلا مزاحمات أو استبعادات اجتماعية بل من أجل انتزاع الاعتراف من الأعماق المزيحة للنظرة النسوية وبثها إلى حياة السطح بجدارة.
في هذا الكتاب وما يماثله من آراء ترفض المرأة في سياق النسوية أن يتم تحنيطها داخل هالة من النعومة والرقة استعدادا لنبذها اجتماعيا كما حدث تاريخيا كجريمة . وفي هذا الصدد رأينا كيف صنَّف منظرو الحركة النسوية الأدب إلى أدب قديم كتبه الرجل، أما الجديد فسوف تكتبه الأنوثة. ووصفوا الأدب القديم بأنه تسلطي وأيديولوجيا اصطنعتها البطريركية الذكورية كأداة للهيمنة على الأنثى وعلى الأجناس الأخرى المستضعفة، وعلى أنه نوع من التكتيك استخدمه الذكور لتثبيت سيطرتهم على النساء، وحسب ألفين كيرنان، كقول شكسبير في مسرحية الملك لير” كان صوتها دائماً ناعماً رقيقاً ومنخفضاً، وهذا شيء رائع في المرأة” . فكانت الروعة في المرأة النموذجية تتبدى بتحنيطها داخل هالة من النعومة والرقة.
لقد أنتج الشرخ التاريخي نوعا من “ نسوية متطرفة” حيث أعلنت الحركات النسوية المتطرفة موت الأدب القديم وطمحت إلى تغيير العالم من خلاله على أن يبدأ من اللغة. فاللغة الذكورية خلقت مفاهيم ذكورية، لذلك ينبغي قلب اللغة لكي تعود إلى أصلها : أنثوية. ولكن سؤال الاستعادة قد يبدو راديكاليا هنا مالم يتم تفاديه بنموذج سريع لنسوية عقلانية.
.....
* كاتب عراقي
في هذا الكتاب نحن على أعتاب الغوص داخل نوع مميز من الآراء. فنحن على وشك القيام برحلة روحية مليئة بالكشف، بالسحر، بالسؤال، وباللذة. حيثُ المؤلِّف دائما امرأة، وحيث موضوع الكتابة متعدد بتعدد وثراء الخبرة النسائية على مستوى الوعي أولا، ومستوى التجربة الحياتية ثانيا وتباينها في هذه الإضمامة من التأويلات والقصص وحيث النساء في هذه المجموعة يهتفنَ دفعة واحدة : لا للصمت.
وما دام قد ورد مركب (الخبرة النسائية) فقد يسرح البعض في ظنونه أنه سيقف على سلسلة جنسية متلاحقة وإن كان الجنس هنا محرك كتابة وغاية لبعض من يكتب من النساء. لذلك يتحتم التنويه والقول دائما : إن الأدب النسوي لا يصنف الكتابة على أساس الجنس بل الوعي، أو يلقي الضوء على ما هو ذاتي وموضوعي من منظور يخص المرأة سواء أكتُب من قبلها أم من قبل الرجل.
إن الخبرة النسائية في هذا الكتاب تتحدث عن المشكلات العميقة لعالم المرأة وهو ما قد يحيل أحيانا إلى أننا أمام كتابة شخصية، وفي الوقت نفسه سنجد نصوصا تتخطى المرأة فيها عالم المرأة للحديث عن العالم، فيكون هذا الكتاب شاملا في تناوله المتفاوت بحكم تفاوت تجربة كل كاتبة لقضايا العالم وقضايا عالم المرأة وأزمة وجودها بشكل خاص.
وجهات النظر في هذا الكتاب تتعد بتعدد المدخل إليها. تتنقل فيه الكاتبات بين روح الكاتب (الإله) إلى الكاتب بروح ال (الأنا). وما يخوض هذا التنقل من مواجهات ضد الخطوط الحمر التي تمثلها الأعراف والتقاليد ونوع الثقافة والمجتمع التي تقيد حرية المرأة بشكل محدد وتقيد حرية الرجل والمرأة أيضا بشكل عام ونحن في خضم القرن الحادي والعشرين وما يطرح من أسئلة صعبة وكثيرة.
2
تستمرّ ( الأعمال النسوية ) تنظيرًا، وفنّا، من أجل تقويض بنية المنظور الأبوي للتاريخ. وهي في سبيل ذلك حققت تقدما مثلما واجهتها هزائم. وثمة انتصارات أسوأ من الهزائم كما تقول الشاعرة اللبنانية – الأمريكية (إيتيل عدنان) وهي تؤشر إجمالا حمولة المواضي المتصرّمة وتصادياتها الثقيلة. إن تلك الجهود / الأعمال تحقق بقع انتصارات مهمة ومتناثرة من أجل استرداد وفرض نظرتها ومنظورها الخاص للتاريخ. وهذا الاسترداد يمثل استردادا لجوهرها الطبيعي. جوهر الوعي النسوي المخالف بجهازه النصّي هموم وأسئلة الرؤى الأبوية المهيمنة التي سادت طوال القرون الماضية في العالم تحت سلطة ما عرف فيما بعد (سلطة التمركز القضيبي) الذي يحتل المتون التأويلية بعد أن دحر النص المهموم بالنبرة النسوية المسكوت عنه وجعله يشغل دنيا الهامش.
بدأت القصة بقيام المنظور الأبوي للتاريخ الذي تشكلت غماماته عبر اللغة بعزل الحس النسوي عن العالم. وبقي لهذا الحس المخملي الأعزل يجتهد داخل نصوصيته في تدعيم وإسباغ فكرة الأنوثة على الجماعات المهمشة والمقموعة كافة، والأشياء. وذلك للسخرية من عالم الذكورة الذي يرتبط عنده بعالم الكبار الرسمي الذي يعزز سيطرته من خلال القمع والاستبعاد.
وتوجّهت الأعمال النسوية إلى المخزون اللغوي للمجتمعات المبنية بلغة القوة والسيطرة لدحض علاقاتها وإرباك هرمها الثقافي من خلال تحطيم عملية التدليل بمداليل مغايرة ومناقضة. وعلى هذا التأسيس ذهبت النسوية إلى عملية حرف اللغة عن مسارها وتجويف طاقتها البلاغية المتسلطة. وكان اختيار هذا النوع من المواجهة قد كرّس إبعادَها عن الثقافة الموجّهة باللغة التي هي ملك يمين الأبوية، مما جعلها تذهب كذلك إلى نقطة أبعد وهي البحث عن أشكال مفتوحة للتعبير.
على خطوط التّماس الساخنة تتبادل المنظورات النسوية والمنظورات الأبوية حالات من المماتنة والتدافع لتحقيق (إزاحة فكرية) على صعيدي السطوح والأعماق. (فلا يحد النقد النسوي نفسه بمناقشة وتحليل الأعمال الأدبية النسوية. بل إن أحد اهتمامات هذا النقد أنه يناقش أعمالا “لانسوية” ولاسيما إذا عرفنا أن الكتابة النسوية لاتُصنّف على أساس الجنس ولكن على أساس المنظور / الوعي).
كتاب الصوفية النسوية – محلّ العرض – لكارول بي كريست بترجمة مصطفى محمود، يلتبس ويتفاعل بحسب د. سحر الموجي في رحلة روحية وهو يقرأ تجربة الذات مع الذات والذات مع العالم من خلال صوفيتين تدرس الأولى تجربة الرجل وتدرس الثانية تجربة المرأة. ومن ثَم هناك محاولة اقتراح صوفية ذات هوية إنسانية أشمل لها أن تتطهر وتمضي بروح أخفّ وأنقى إلى براحات الحرّية.
وفي سياق الحفر والبحث عن تأثير الرجل في إنتاجه الفكريّ والعلميّ، تقرر الباحثة “ ناهد بدوية “ أن المفكرات النسويات قد بحثنَ عميقاً في أثر الذات في التجربة، وتفاعل هذه الذات مع النتائج وتأثيرها فيها. وتجلّى النضج الفكريّ في محاولة زعزعة استقرار النظام الثنائيّ، الكامن في ثنائية الذكر/ الأنثى، دون الوقوع في محاولة قلب الوضع، بحيث تصبح الأنثى متميّزة عن الذكر، كما حاولت الحركة النسوية السابقة. بل كشفت الغطاء عن العَوَر الذي تعيشه البشرية، لا نتيجة تهميش المرأة فحسب، بل نتيجة تهميش الجانب الأنثويّ من الرجل أيضاً، وسيادة ثقافة الحطّ من قدر الصفات الأنثوية وسيطرة الصورة النمطية للإنسان/ الرجل.
إن جهود تقويض سلطة الثنائيات ( أنثى / رجل ) زادت وتيرتها صعودا منذ أوائل الثمانينات حيث بلغ الفكر النسوي مستويات من النضج لم تعد تعنى بتحرّر المرأة فحسب، وإنّما فرضت نفسها على العلماء والفلاسفة والمفكّرين، ودفعتهم إلى إعادة النظر في الكثير من المسلّمات الفكرية السابقة، إذ بات الفكر النسوي اليوم من أبرز تيّارات الفكر الغربيّ الراهن والفلسفة المعاصرة.
وعلى وفق هذا المنظار يغوص كتاب الصوفية النسوية عميقا لتفكيك هياكل المقولات التاريخية المؤسسة من قبل الرجل لصناعة ند فكري له نظرته الخاصة في سيرورة الأحداث وتفسير إشكالاتها من أجل الوقوف على السطح التأويلي بلا مزاحمات أو استبعادات اجتماعية بل من أجل انتزاع الاعتراف من الأعماق المزيحة للنظرة النسوية وبثها إلى حياة السطح بجدارة.
في هذا الكتاب وما يماثله من آراء ترفض المرأة في سياق النسوية أن يتم تحنيطها داخل هالة من النعومة والرقة استعدادا لنبذها اجتماعيا كما حدث تاريخيا كجريمة . وفي هذا الصدد رأينا كيف صنَّف منظرو الحركة النسوية الأدب إلى أدب قديم كتبه الرجل، أما الجديد فسوف تكتبه الأنوثة. ووصفوا الأدب القديم بأنه تسلطي وأيديولوجيا اصطنعتها البطريركية الذكورية كأداة للهيمنة على الأنثى وعلى الأجناس الأخرى المستضعفة، وعلى أنه نوع من التكتيك استخدمه الذكور لتثبيت سيطرتهم على النساء، وحسب ألفين كيرنان، كقول شكسبير في مسرحية الملك لير” كان صوتها دائماً ناعماً رقيقاً ومنخفضاً، وهذا شيء رائع في المرأة” . فكانت الروعة في المرأة النموذجية تتبدى بتحنيطها داخل هالة من النعومة والرقة.
لقد أنتج الشرخ التاريخي نوعا من “ نسوية متطرفة” حيث أعلنت الحركات النسوية المتطرفة موت الأدب القديم وطمحت إلى تغيير العالم من خلاله على أن يبدأ من اللغة. فاللغة الذكورية خلقت مفاهيم ذكورية، لذلك ينبغي قلب اللغة لكي تعود إلى أصلها : أنثوية. ولكن سؤال الاستعادة قد يبدو راديكاليا هنا مالم يتم تفاديه بنموذج سريع لنسوية عقلانية.
.....
* كاتب عراقي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.