إصابة 10 أشخاص في انفجار أسطوانة بوتاجاز داخل مطعم بسوهاج    إصابة 5 عمال في مشاجرة بسوهاج لتنافس على الزبائن    إسماعيل هنية كشف خيانة الثورة المضادة فباركوا قتله .. عام على اغتيال قائد حماس    الإخوان : وقف نزيف الحرب على غزة لن يمر عبر تل أبيب    سفير مصر باليونان: مشاركة المصريين فى انتخابات الشيوخ تعكس وعيهم بالواجب الوطنى    26 دولة تعلن غلق لجان تصويت المصريين بالخارج فى انتخابات مجلس الشيوخ 2025    رسميا الآن بعد الانخفاض.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم السبت 2 أغسطس 2025    قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم بلدتين في الضفة الغربية    روسيا ومدغشقر تبحثان إمكانية إطلاق رحلات جوية بمشاركة شركات طيران إقليمية    أخبار × 24 ساعة.. وظائف فى البوسنة والهرسك بمرتبات تصل ل50 ألف جنيه    ماسك يؤكد وجود شخصيات ديمقراطية بارزة في "قائمة إبستين"    كواليس من محاكمة صدام حسين.. ممثل الدفاع: طلب جورج بوش وتوني بلير لهذا السبب    عبدالمنعم سعيد: الدمار الممنهج في غزة يكشف عن نية واضحة لتغيير هوية القطاع    الصفاقسي التونسي يكشف موعد الإعلان عن علي معلول وموقفهم من المثلوثي    نجم الزمالك السابق: فترة الإعداد "مثالية".. والصفقات جيدة وتحتاج إلى وقت    خناقة مرتقبة بين ممدوح عباس وجون إدوارد.. نجم الزمالك السابق يكشف    ستوري نجوم كرة القدم.. صلاح يودع لويس دياز.. ومحمد هاني يُشيد بأداء كريم فهمي    الزمالك يحسم صفقة الفلسطيني عدي الدباغ بعقد يمتد لأربع سنوات    كما كشف في الجول – النجم الساحلي يعلن عودة كريستو قادما من الأهلي    بيراميدز يستهدف صفقة محلية سوبر (تفاصيل)    الشباب المصري يصدر تقريره الأول حول تصويت المصريين بالخارج في انتخابات مجلس الشيوخ    أبرزها رفع المعاش واعتماد لائحة الإعانات.. قرارات الجمعية العمومية لاتحاد نقابات المهن الطبية    كيف يتصدى قانون الطفل للحسابات المحرضة على الانحراف؟    زفاف إلى الجنة، عريس الحامول يلحق ب"عروسه" ووالدتها في حادث كفر الشيخ المروع    مقتل 4 أفراد من أسرة واحدة في سيوة    علا شوشة تكشف تفاصيل مشاجرة أم مكة بقناة الشمس    «الجو هيقلب».. بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم: أمطار وانخفاض درجات الحرارة    مفاجأة عمرو دياب لجمهور العلمين في ختام حفله: مدفع يطلق «تي شيرتات» وهدايا (صور)    كلوي كتيلي تشعل مسرح العلمين ب"حرمت أحبك" و"حلوة يا بلدي".. فيديو    محمد ممدوح عن «روكي الغلابة»: «كان نفسي اشتغل مع دنيا سمير غانم من زمان» (فيديو)    تحبي تكوني «strong independent woman» ماذا تعرفي عن معناها؟ (فيديو)    استشارية أسرية: الزواج التقليدي لا يواكب انفتاح العصر    حدث بالفن| كارثة بسبب حفل محمد رمضان ومطرب يلغي حفله في الساحل حدادًا على المتوفي    "ظهور نجم الأهلي".. 10 صور من احتفال زوجة عماد متعب بعيد ميلاد ابنتهما    منها «الذهاب بكثرة إلى الحمام ».. 6 علامات مبكرة تدل على سرطان البروستاتا يتم تجاهلها    حسام موافي يوجه رسالة لشاب أدمن الحشيش بعد وفاة والده    وصول دفعة أطباء جديدة من عدة محافظات إلى مستشفى العريش العام    حسام موافي ينصح الشباب: مقاطعة الصديق الذي علمك التدخين حلال    ترامب: نشرنا غواصتين نوويتين عقب تصريحات ميدفيديف "لإنقاذ الناس"    مركز رصد الزلازل الأوروبي: زلزال بقوة 5.5 درجات يضرب شمال شرق أفغانستان    2 جنيه زيادة فى أسعار «كوكاكولا مصر».. وتجار: «بيعوضوا الخسائر»    منطقة بورسعيد تستضيف اختبارات المرحلة الثانية بمشروع تنمية المواهب "FIFA TDS"    تشييع جثمان فقيد القليوبية بعد مصرعه فى «حفل محمد رمضان»    الشيخ محمد أبو بكر بعد القبض على «أم مكة» و«أم سجدة»: ربنا استجاب دعائى    وزير النقل يتفقد مواقع الخط الأول للقطار الكهربائى السريع «السخنة- العلمين- مطروح»    انتخابات الشيوخ 2025| استمرار التصويت للمصريين بالخارج داخل 14 بلد وغلق الباب في باقي الدول    رئيس أركان حرب القوات المسلحة يشهد فعاليات اليوم العلمى ل«الفنية العسكرية»    محافظ الإسكندرية يتابع مؤشرات حملة 100 يوم صحة على نطاق الثغر    للرزق قوانين    هل يشعر الأموات بما يدور حولهم؟ د. يسري جبر يوضح    أمين الفتوى: البيت مقدم على العمل والمرأة مسؤولة عن أولادها شرعًا    هل أعمال الإنسان قدر أم من اختياره؟ أمين الفتوى يجيب    الأسهم الأوروبية تتكبد خسائر أسبوعية بعد أسوأ جلسة منذ أبريل    فريق بحثي بمركز بحوث الصحراء يتابع مشروع زراعة عباد الشمس الزيتي بطور سيناء    مصر تتعاون مع شركات عالمية ومحلية لتنفيذ مشروع المسح الجوي للمعادن    وزير الأوقاف يؤدي صلاة الجمعة من مسجد الإمام الحسين    إدارة مكافحة الآفات بالزراعة تنفذ 158 حملة مرور ميداني خلال يوليو    من تطوير الكوربة لافتتاح مجزر الحمام.. أبرز فعاليات التنمية المحلية في أسبوع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كتاب " الصوفية النسوية "
نشر في صوت البلد يوم 19 - 09 - 2016

في هذا الكتاب نحن على أعتاب الغوص داخل نوع مميز من الآراء. فنحن على وشك القيام برحلة روحية مليئة بالكشف، بالسحر، بالسؤال، وباللذة. حيثُ المؤلِّف دائما امرأة، وحيث موضوع الكتابة متعدد بتعدد وثراء الخبرة النسائية على مستوى الوعي أولا، ومستوى التجربة الحياتية ثانيا وتباينها في هذه الإضمامة من التأويلات والقصص وحيث النساء في هذه المجموعة يهتفنَ دفعة واحدة : لا للصمت.
وما دام قد ورد مركب (الخبرة النسائية) فقد يسرح البعض في ظنونه أنه سيقف على سلسلة جنسية متلاحقة وإن كان الجنس هنا محرك كتابة وغاية لبعض من يكتب من النساء. لذلك يتحتم التنويه والقول دائما : إن الأدب النسوي لا يصنف الكتابة على أساس الجنس بل الوعي، أو يلقي الضوء على ما هو ذاتي وموضوعي من منظور يخص المرأة سواء أكتُب من قبلها أم من قبل الرجل.
إن الخبرة النسائية في هذا الكتاب تتحدث عن المشكلات العميقة لعالم المرأة وهو ما قد يحيل أحيانا إلى أننا أمام كتابة شخصية، وفي الوقت نفسه سنجد نصوصا تتخطى المرأة فيها عالم المرأة للحديث عن العالم، فيكون هذا الكتاب شاملا في تناوله المتفاوت بحكم تفاوت تجربة كل كاتبة لقضايا العالم وقضايا عالم المرأة وأزمة وجودها بشكل خاص.
وجهات النظر في هذا الكتاب تتعد بتعدد المدخل إليها. تتنقل فيه الكاتبات بين روح الكاتب (الإله) إلى الكاتب بروح ال (الأنا). وما يخوض هذا التنقل من مواجهات ضد الخطوط الحمر التي تمثلها الأعراف والتقاليد ونوع الثقافة والمجتمع التي تقيد حرية المرأة بشكل محدد وتقيد حرية الرجل والمرأة أيضا بشكل عام ونحن في خضم القرن الحادي والعشرين وما يطرح من أسئلة صعبة وكثيرة.
2
تستمرّ ( الأعمال النسوية ) تنظيرًا، وفنّا، من أجل تقويض بنية المنظور الأبوي للتاريخ. وهي في سبيل ذلك حققت تقدما مثلما واجهتها هزائم. وثمة انتصارات أسوأ من الهزائم كما تقول الشاعرة اللبنانية – الأمريكية (إيتيل عدنان) وهي تؤشر إجمالا حمولة المواضي المتصرّمة وتصادياتها الثقيلة. إن تلك الجهود / الأعمال تحقق بقع انتصارات مهمة ومتناثرة من أجل استرداد وفرض نظرتها ومنظورها الخاص للتاريخ. وهذا الاسترداد يمثل استردادا لجوهرها الطبيعي. جوهر الوعي النسوي المخالف بجهازه النصّي هموم وأسئلة الرؤى الأبوية المهيمنة التي سادت طوال القرون الماضية في العالم تحت سلطة ما عرف فيما بعد (سلطة التمركز القضيبي) الذي يحتل المتون التأويلية بعد أن دحر النص المهموم بالنبرة النسوية المسكوت عنه وجعله يشغل دنيا الهامش.
بدأت القصة بقيام المنظور الأبوي للتاريخ الذي تشكلت غماماته عبر اللغة بعزل الحس النسوي عن العالم. وبقي لهذا الحس المخملي الأعزل يجتهد داخل نصوصيته في تدعيم وإسباغ فكرة الأنوثة على الجماعات المهمشة والمقموعة كافة، والأشياء. وذلك للسخرية من عالم الذكورة الذي يرتبط عنده بعالم الكبار الرسمي الذي يعزز سيطرته من خلال القمع والاستبعاد.
وتوجّهت الأعمال النسوية إلى المخزون اللغوي للمجتمعات المبنية بلغة القوة والسيطرة لدحض علاقاتها وإرباك هرمها الثقافي من خلال تحطيم عملية التدليل بمداليل مغايرة ومناقضة. وعلى هذا التأسيس ذهبت النسوية إلى عملية حرف اللغة عن مسارها وتجويف طاقتها البلاغية المتسلطة. وكان اختيار هذا النوع من المواجهة قد كرّس إبعادَها عن الثقافة الموجّهة باللغة التي هي ملك يمين الأبوية، مما جعلها تذهب كذلك إلى نقطة أبعد وهي البحث عن أشكال مفتوحة للتعبير.
على خطوط التّماس الساخنة تتبادل المنظورات النسوية والمنظورات الأبوية حالات من المماتنة والتدافع لتحقيق (إزاحة فكرية) على صعيدي السطوح والأعماق. (فلا يحد النقد النسوي نفسه بمناقشة وتحليل الأعمال الأدبية النسوية. بل إن أحد اهتمامات هذا النقد أنه يناقش أعمالا “لانسوية” ولاسيما إذا عرفنا أن الكتابة النسوية لاتُصنّف على أساس الجنس ولكن على أساس المنظور / الوعي).
كتاب الصوفية النسوية – محلّ العرض – لكارول بي كريست بترجمة مصطفى محمود، يلتبس ويتفاعل بحسب د. سحر الموجي في رحلة روحية وهو يقرأ تجربة الذات مع الذات والذات مع العالم من خلال صوفيتين تدرس الأولى تجربة الرجل وتدرس الثانية تجربة المرأة. ومن ثَم هناك محاولة اقتراح صوفية ذات هوية إنسانية أشمل لها أن تتطهر وتمضي بروح أخفّ وأنقى إلى براحات الحرّية.
وفي سياق الحفر والبحث عن تأثير الرجل في إنتاجه الفكريّ والعلميّ، تقرر الباحثة “ ناهد بدوية “ أن المفكرات النسويات قد بحثنَ عميقاً في أثر الذات في التجربة، وتفاعل هذه الذات مع النتائج وتأثيرها فيها. وتجلّى النضج الفكريّ في محاولة زعزعة استقرار النظام الثنائيّ، الكامن في ثنائية الذكر/ الأنثى، دون الوقوع في محاولة قلب الوضع، بحيث تصبح الأنثى متميّزة عن الذكر، كما حاولت الحركة النسوية السابقة. بل كشفت الغطاء عن العَوَر الذي تعيشه البشرية، لا نتيجة تهميش المرأة فحسب، بل نتيجة تهميش الجانب الأنثويّ من الرجل أيضاً، وسيادة ثقافة الحطّ من قدر الصفات الأنثوية وسيطرة الصورة النمطية للإنسان/ الرجل.
إن جهود تقويض سلطة الثنائيات ( أنثى / رجل ) زادت وتيرتها صعودا منذ أوائل الثمانينات حيث بلغ الفكر النسوي مستويات من النضج لم تعد تعنى بتحرّر المرأة فحسب، وإنّما فرضت نفسها على العلماء والفلاسفة والمفكّرين، ودفعتهم إلى إعادة النظر في الكثير من المسلّمات الفكرية السابقة، إذ بات الفكر النسوي اليوم من أبرز تيّارات الفكر الغربيّ الراهن والفلسفة المعاصرة.
وعلى وفق هذا المنظار يغوص كتاب الصوفية النسوية عميقا لتفكيك هياكل المقولات التاريخية المؤسسة من قبل الرجل لصناعة ند فكري له نظرته الخاصة في سيرورة الأحداث وتفسير إشكالاتها من أجل الوقوف على السطح التأويلي بلا مزاحمات أو استبعادات اجتماعية بل من أجل انتزاع الاعتراف من الأعماق المزيحة للنظرة النسوية وبثها إلى حياة السطح بجدارة.
في هذا الكتاب وما يماثله من آراء ترفض المرأة في سياق النسوية أن يتم تحنيطها داخل هالة من النعومة والرقة استعدادا لنبذها اجتماعيا كما حدث تاريخيا كجريمة . وفي هذا الصدد رأينا كيف صنَّف منظرو الحركة النسوية الأدب إلى أدب قديم كتبه الرجل، أما الجديد فسوف تكتبه الأنوثة. ووصفوا الأدب القديم بأنه تسلطي وأيديولوجيا اصطنعتها البطريركية الذكورية كأداة للهيمنة على الأنثى وعلى الأجناس الأخرى المستضعفة، وعلى أنه نوع من التكتيك استخدمه الذكور لتثبيت سيطرتهم على النساء، وحسب ألفين كيرنان، كقول شكسبير في مسرحية الملك لير” كان صوتها دائماً ناعماً رقيقاً ومنخفضاً، وهذا شيء رائع في المرأة” . فكانت الروعة في المرأة النموذجية تتبدى بتحنيطها داخل هالة من النعومة والرقة.
لقد أنتج الشرخ التاريخي نوعا من “ نسوية متطرفة” حيث أعلنت الحركات النسوية المتطرفة موت الأدب القديم وطمحت إلى تغيير العالم من خلاله على أن يبدأ من اللغة. فاللغة الذكورية خلقت مفاهيم ذكورية، لذلك ينبغي قلب اللغة لكي تعود إلى أصلها : أنثوية. ولكن سؤال الاستعادة قد يبدو راديكاليا هنا مالم يتم تفاديه بنموذج سريع لنسوية عقلانية.
.....
* كاتب عراقي
في هذا الكتاب نحن على أعتاب الغوص داخل نوع مميز من الآراء. فنحن على وشك القيام برحلة روحية مليئة بالكشف، بالسحر، بالسؤال، وباللذة. حيثُ المؤلِّف دائما امرأة، وحيث موضوع الكتابة متعدد بتعدد وثراء الخبرة النسائية على مستوى الوعي أولا، ومستوى التجربة الحياتية ثانيا وتباينها في هذه الإضمامة من التأويلات والقصص وحيث النساء في هذه المجموعة يهتفنَ دفعة واحدة : لا للصمت.
وما دام قد ورد مركب (الخبرة النسائية) فقد يسرح البعض في ظنونه أنه سيقف على سلسلة جنسية متلاحقة وإن كان الجنس هنا محرك كتابة وغاية لبعض من يكتب من النساء. لذلك يتحتم التنويه والقول دائما : إن الأدب النسوي لا يصنف الكتابة على أساس الجنس بل الوعي، أو يلقي الضوء على ما هو ذاتي وموضوعي من منظور يخص المرأة سواء أكتُب من قبلها أم من قبل الرجل.
إن الخبرة النسائية في هذا الكتاب تتحدث عن المشكلات العميقة لعالم المرأة وهو ما قد يحيل أحيانا إلى أننا أمام كتابة شخصية، وفي الوقت نفسه سنجد نصوصا تتخطى المرأة فيها عالم المرأة للحديث عن العالم، فيكون هذا الكتاب شاملا في تناوله المتفاوت بحكم تفاوت تجربة كل كاتبة لقضايا العالم وقضايا عالم المرأة وأزمة وجودها بشكل خاص.
وجهات النظر في هذا الكتاب تتعد بتعدد المدخل إليها. تتنقل فيه الكاتبات بين روح الكاتب (الإله) إلى الكاتب بروح ال (الأنا). وما يخوض هذا التنقل من مواجهات ضد الخطوط الحمر التي تمثلها الأعراف والتقاليد ونوع الثقافة والمجتمع التي تقيد حرية المرأة بشكل محدد وتقيد حرية الرجل والمرأة أيضا بشكل عام ونحن في خضم القرن الحادي والعشرين وما يطرح من أسئلة صعبة وكثيرة.
2
تستمرّ ( الأعمال النسوية ) تنظيرًا، وفنّا، من أجل تقويض بنية المنظور الأبوي للتاريخ. وهي في سبيل ذلك حققت تقدما مثلما واجهتها هزائم. وثمة انتصارات أسوأ من الهزائم كما تقول الشاعرة اللبنانية – الأمريكية (إيتيل عدنان) وهي تؤشر إجمالا حمولة المواضي المتصرّمة وتصادياتها الثقيلة. إن تلك الجهود / الأعمال تحقق بقع انتصارات مهمة ومتناثرة من أجل استرداد وفرض نظرتها ومنظورها الخاص للتاريخ. وهذا الاسترداد يمثل استردادا لجوهرها الطبيعي. جوهر الوعي النسوي المخالف بجهازه النصّي هموم وأسئلة الرؤى الأبوية المهيمنة التي سادت طوال القرون الماضية في العالم تحت سلطة ما عرف فيما بعد (سلطة التمركز القضيبي) الذي يحتل المتون التأويلية بعد أن دحر النص المهموم بالنبرة النسوية المسكوت عنه وجعله يشغل دنيا الهامش.
بدأت القصة بقيام المنظور الأبوي للتاريخ الذي تشكلت غماماته عبر اللغة بعزل الحس النسوي عن العالم. وبقي لهذا الحس المخملي الأعزل يجتهد داخل نصوصيته في تدعيم وإسباغ فكرة الأنوثة على الجماعات المهمشة والمقموعة كافة، والأشياء. وذلك للسخرية من عالم الذكورة الذي يرتبط عنده بعالم الكبار الرسمي الذي يعزز سيطرته من خلال القمع والاستبعاد.
وتوجّهت الأعمال النسوية إلى المخزون اللغوي للمجتمعات المبنية بلغة القوة والسيطرة لدحض علاقاتها وإرباك هرمها الثقافي من خلال تحطيم عملية التدليل بمداليل مغايرة ومناقضة. وعلى هذا التأسيس ذهبت النسوية إلى عملية حرف اللغة عن مسارها وتجويف طاقتها البلاغية المتسلطة. وكان اختيار هذا النوع من المواجهة قد كرّس إبعادَها عن الثقافة الموجّهة باللغة التي هي ملك يمين الأبوية، مما جعلها تذهب كذلك إلى نقطة أبعد وهي البحث عن أشكال مفتوحة للتعبير.
على خطوط التّماس الساخنة تتبادل المنظورات النسوية والمنظورات الأبوية حالات من المماتنة والتدافع لتحقيق (إزاحة فكرية) على صعيدي السطوح والأعماق. (فلا يحد النقد النسوي نفسه بمناقشة وتحليل الأعمال الأدبية النسوية. بل إن أحد اهتمامات هذا النقد أنه يناقش أعمالا “لانسوية” ولاسيما إذا عرفنا أن الكتابة النسوية لاتُصنّف على أساس الجنس ولكن على أساس المنظور / الوعي).
كتاب الصوفية النسوية – محلّ العرض – لكارول بي كريست بترجمة مصطفى محمود، يلتبس ويتفاعل بحسب د. سحر الموجي في رحلة روحية وهو يقرأ تجربة الذات مع الذات والذات مع العالم من خلال صوفيتين تدرس الأولى تجربة الرجل وتدرس الثانية تجربة المرأة. ومن ثَم هناك محاولة اقتراح صوفية ذات هوية إنسانية أشمل لها أن تتطهر وتمضي بروح أخفّ وأنقى إلى براحات الحرّية.
وفي سياق الحفر والبحث عن تأثير الرجل في إنتاجه الفكريّ والعلميّ، تقرر الباحثة “ ناهد بدوية “ أن المفكرات النسويات قد بحثنَ عميقاً في أثر الذات في التجربة، وتفاعل هذه الذات مع النتائج وتأثيرها فيها. وتجلّى النضج الفكريّ في محاولة زعزعة استقرار النظام الثنائيّ، الكامن في ثنائية الذكر/ الأنثى، دون الوقوع في محاولة قلب الوضع، بحيث تصبح الأنثى متميّزة عن الذكر، كما حاولت الحركة النسوية السابقة. بل كشفت الغطاء عن العَوَر الذي تعيشه البشرية، لا نتيجة تهميش المرأة فحسب، بل نتيجة تهميش الجانب الأنثويّ من الرجل أيضاً، وسيادة ثقافة الحطّ من قدر الصفات الأنثوية وسيطرة الصورة النمطية للإنسان/ الرجل.
إن جهود تقويض سلطة الثنائيات ( أنثى / رجل ) زادت وتيرتها صعودا منذ أوائل الثمانينات حيث بلغ الفكر النسوي مستويات من النضج لم تعد تعنى بتحرّر المرأة فحسب، وإنّما فرضت نفسها على العلماء والفلاسفة والمفكّرين، ودفعتهم إلى إعادة النظر في الكثير من المسلّمات الفكرية السابقة، إذ بات الفكر النسوي اليوم من أبرز تيّارات الفكر الغربيّ الراهن والفلسفة المعاصرة.
وعلى وفق هذا المنظار يغوص كتاب الصوفية النسوية عميقا لتفكيك هياكل المقولات التاريخية المؤسسة من قبل الرجل لصناعة ند فكري له نظرته الخاصة في سيرورة الأحداث وتفسير إشكالاتها من أجل الوقوف على السطح التأويلي بلا مزاحمات أو استبعادات اجتماعية بل من أجل انتزاع الاعتراف من الأعماق المزيحة للنظرة النسوية وبثها إلى حياة السطح بجدارة.
في هذا الكتاب وما يماثله من آراء ترفض المرأة في سياق النسوية أن يتم تحنيطها داخل هالة من النعومة والرقة استعدادا لنبذها اجتماعيا كما حدث تاريخيا كجريمة . وفي هذا الصدد رأينا كيف صنَّف منظرو الحركة النسوية الأدب إلى أدب قديم كتبه الرجل، أما الجديد فسوف تكتبه الأنوثة. ووصفوا الأدب القديم بأنه تسلطي وأيديولوجيا اصطنعتها البطريركية الذكورية كأداة للهيمنة على الأنثى وعلى الأجناس الأخرى المستضعفة، وعلى أنه نوع من التكتيك استخدمه الذكور لتثبيت سيطرتهم على النساء، وحسب ألفين كيرنان، كقول شكسبير في مسرحية الملك لير” كان صوتها دائماً ناعماً رقيقاً ومنخفضاً، وهذا شيء رائع في المرأة” . فكانت الروعة في المرأة النموذجية تتبدى بتحنيطها داخل هالة من النعومة والرقة.
لقد أنتج الشرخ التاريخي نوعا من “ نسوية متطرفة” حيث أعلنت الحركات النسوية المتطرفة موت الأدب القديم وطمحت إلى تغيير العالم من خلاله على أن يبدأ من اللغة. فاللغة الذكورية خلقت مفاهيم ذكورية، لذلك ينبغي قلب اللغة لكي تعود إلى أصلها : أنثوية. ولكن سؤال الاستعادة قد يبدو راديكاليا هنا مالم يتم تفاديه بنموذج سريع لنسوية عقلانية.
.....
* كاتب عراقي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.