أجمل مافي المرأة .. إذا همست لها بكلمة حب، إحمّر وجهها، واذا قدمت لها قارورة عطر أطرقت خجلاً.. الولد الذي يخجل يقولون عنه أنه ولد ‘مربّى'، وان أهله علّموه أن يخجل من أمه اذا أنّبته، وان يخجل من أبيه فلا يطلب منه (خرجيته). والخجل، بصفة عامة، ميزة العربي في كل مكان.. إنه خجل محبب يدل على التربية البيتية والمدرسية وفي المجتمع بشكل عام.. لكن الخجل، على المقلب الآخر، وفي الدراسات الفلسفية هو مرض تجب معالجته. فكم في الخجل والارتباك تضيع على المرء فرص عديدة في التجارة والدراسة ومواجهة المجتمع. إذ اوضحت نتائج بحث ‘ستانفورد' ان الخجولين صامتون، ويتجنبون التواصل بالعين مع من يتحدثون معه، وحريصون على ان يظلوا على الهامش من الحياة الاجتماعية.. وكذلك فإنهم ينفرون من التعبير عن آرائهم. ويتجنبون المشاركة في الحوارات والمناقشات المختلفة، وعندما يتحدثون يكون ذلك بصوت منخفض. والواقع ان لتلك الخصائص السلوكية عددا من المبررات. فالخجولون غير مهرة في سلوكهم. ويعانون من تداخل الافكار والشعور الشديد بالذات، وهو ما يجعل من الصعب على الفرد الخجول ان يحدد ما يجب ان يقوله وان ينطقه فعلا في سياق معين. كذلك فالخجولون يضعون لادائهم معايير غير واقعية، يفكرون كثيرا فيما يريدون ان يقولوه، ثم يرفضونه قبل ان ينطقوا به.. ويتوجسون خيفة من ان ما سوف يقولونه او يفعلونه يؤدي بهم الى الارتباك وسخرية الآخرين، ورفضهم لهم. ويخافون من ان ما سوف يقولونه او يفعلونه يقودهم الى مزيد من التفاعل الاجتماعي الذي لا يتمكنون من القيام به وتحمل تبعاته. وناقش العالم النفسي هيل ثلاثة تفسيرات لسلوك الخجولين: الاول هو ان هذا السلوك يرجع الى نقص معرفة الخجولين بالسلوك الملائم لمقتضيات موقف معين. والثاني هو انهم يعرفون السلوك الملائم لكنهم لا يرغبون في القيام به. أما التفسير الثالث فهو انهم يفتقرون الى الثقة في قدرتهم على اصدار هذا السلوك. وتم فحص تلك التفسيرات الثلاثة باستخدام اسلوب مقاييس التقرير الذاتي على عينتين من الخجولين، والاخرى من غير الخجولين. وتبين ان هناك فروقا بين العينتين في تلك التفسيرات الثلاثة. وهو ما يعني انها جميعا تقف كأسباب وراء سلوك الخجولين. غير انه تبين ان اوضح الفروق كانت تلك الخاصة بالتفسير الثالث، وهو ما يعني ان افتقار الخجولين الى الثقة في قدرتهم الاجتماعية هو أهم أسباب ما يبدونه من خجل مع التسليم بأهمية التفسيرين الاخيرين وضرورة وضعهما في الاعتبار. ليس صحيحا ان عكس الخجل هو الوقاحة.. أبدا هذا تعبير شعبي في اوساطنا العربية، انما الصحيح عكس الخجل الشجاعة والثقة بالنفس، وهذا ما يجب ان نعلمه لاطفالنا في البيت والمدرسة. ان تنمية الثقة بالنفس أهم من أي شيء آخر في بناء الشخصية، والخجول يصبح على مرّ الايام جبانا لا يستطيع التعبير عن نفسه وعما يشعر به خصوصا من اذى الأم والأب في البيت والمعلم في المدرسة.. والارتباك هو ما يسببه الخجل، فلا يستطيع الواحد منا ان يتجرأ ويقول ما في نفسه. وعالج العلماء نظرية ‘الارتباك' من باب الاحساس بالخجل، وتفترض احدى هذه النظريات (شيلنكر Schlenker) وليري (Leary) في ان درجة ما يشعر به الفرد من قلق من موقف اجتماعي ما، تتوقف على عمليتين اساسيتين: الاولى هي درجة دافعية الفرد لخلق انطباع مرغوب فيه عن ذاته لدى الآخرين. والثانية هي درجة توقع الفرد لقدرته على النجاح في العملية الاولى، وتتفاعل هناك العمليتان. ويأخذ هذا التفاعل نمطا محددا، حيث اذا كانت درجات الفرد في كلتا العمليتين معا مرتفعة، فسيؤدي ذلك الى زيادة مستوى قلقه الاجتماعي. اما اذا كانت درجة واقعيته (العملية الاولى) تساوي صفرا، او اذا كان على يقين من قدرته على تقديم ذاته للآخرين كما يرغب (العملية الثانية)، فلن يعاني اي قلق اجتماعي. ويجب ان يكون واضحا ان الانطباع المرغوب فيه ليس مرادفا للانطباع الجيد، ولكنه يتحدد وفقا للاهداف التي يريد الفرد تحقيقها من تقديم ذاته الى الآخرين بصورة محددة في الموقف المعين. ولهذا، فربما يكون كل هدف الفرد في موقف اجتماعي ما هو عدم ترك انطباع سيىء عن نفسه لدى الآخرين. بل احيانا ما يكون هدف الفرد في بعض المواقف الاجتماعية هو ان ينزوي وألا يلحظه الآخرون، ومثال ذلك ما نجده لدى كثيرين من الطلبة عندما ينظر استاذهم اليهم منتظرا ان يجيب أحدهم عن سؤال ما طرحه عليهم، او حين يسألهم عمن يرغب منهم في التطوع لعمل ما غير متحمسين له. هناك دراسات عن ممارسة عمل الوجه.. فقد وجدت هذه الدراسات ان الشخص الذي سبب انهيار مجموعة المعلبات الموضوعة على الرف في احد المحلات التجارية قد نال عطف الموجودين، ولم يكن عرضة للومهم واستيائهم ونظراتهم السيئة اليه عندما بدت عليه علامات الارتباك واضحة، وذلك مقارنة بمن يفعل ذلك من دون ان يبدي اي علامات تدل على ارتباكه. وفي دراسة لاستجابات طلبة الجامعة في مواقف الارتباك تبين ان معظم الاستجابات في تلك المواقف قد تكون بهدف التملص من الخطأ والتهرب من تحمل المسؤولية بما اقترفه الفرد من انتهاك (28′) يليها إبداء الرغبة في التعويض عما أتلفه الفرد او كان سببا فيه (17′) وحصل الضحك والدعابة على النسبة نفسها (17′) ثم الاعتذار (14′). اما الفرار من الموقف وابداء عدم المؤاخذة وردود الفعل العدوانية والتبرير، فقد حصل كل منها على اقل من 10 بالمئة. ان احدى صعوبات التحديد الدقيق لمظهر خارجي خاص بانفعال الارتباك من دون غيره من الانفعالات، هي ان الارتباك ربما يحدث مصاحبا لانفعالات اخرى. فلأن المأزق، ومن ثم امكان حدوث الارتباك ينشأ فجأة ومن دون توقع لاسبابه. فإن ردود الفعل المرتبكة يمكن ان تحدث مصاحبة لمظاهر تعبير وانفعالات أخرى كالدهشة والرعب مثلا. وربما كان هذا احد اسباب ان الضحك المرتفع يكون استجابة الفرد في بعض مواقف الارتباك. وكذلك، فان هذا يمكن ان يفسر لنا الحدوث الشائع للابتسام في مواقف الخجل والارتباك. ربما ارى ذلك ان هذه الدراسات النفسية على الخجل سفسطة وحكي، فأنا ما زلت اعتبر ان خجل المرأة من اسباب جمالها، وان خجل الطفل من نوع التربية التي يتلقاها في المنزل.