مرحلة انتقالية في منتهى الخطورة تعيشها مصر الآن، بعد أن تعدت عدة مراحل من أجل إعادة هيكلة كيان الدولة والتي بدأت بقيام الثورة وخلع الرئيس السابق ؛ مرورًا بانتخابات مجلسي الشعب والشورى والرئاسة ؛ والجدل الآن حول وضع دستور جديد للبلاد، والتي باتت محور حديث للمصريين بل العالم أجمع. وتطرح علامات الاستفهام، التى تحتاج إلى إجابات شافية، خصوصًا فيما يتردد عن وجود خطوط حمراء لن يستطيع أى رئيس للجمهورية أن يتجاوزها، خصوصًا التى يضعها الجانب الأمريكى. فهل لهذه الأقاويل من صحة؟ وهل تضع أمريكا خطوطًا حمراء لا يمكن للرئيس أن يتجاوزها؟ يرى د.عبد الله الأشعل، مساعد وزير الخارجية الاسبق أن الإدارة الأمريكية تنظر إلى النظام الجديد فى مصر بترقب وحذر شديد، لأنه حسب توجهاته ستحدد شكل العلاقة ولكن هناك خطوطًا حمراء عديدة سوف تلزم بها الإدارة الأمريكية النظام القادم، ولا تفاوض بشأنها وإن كانت ستعمل على التحاور مع النظام الجديد حول هذه الخطوط على سبيل جس النبض، وإذا أصر النظام الجديد على تجاوز هذه الخطوط، فإن هناك إجراءات تصاعدية على المستوى السياسى والاقتصادى وهناك ملفات جديدة قد تشهرها فى وجه الرئيس الجديد ، ومنها قطع المعونات والمساعدات ومحاولات تشويه الصورة وفرض العقوبات ومحاولات حرمان مصر من أى محطات نووية لتوليد الكهرباء بزعم أنها تعمل سرًا للتسلح النووى. ويبرز الأشعل هذه الخطوط قائلاً: الخطوط الحمراء الأمريكية تتمثل فى رفضها قيام الرئيس بدعم العمليات الجهادية وهى ما تطلق عليه الإرهاب أو المنظمات الجهادية، وهنا سيكون موقف أمريكا فى حالة حدوث ذلك أشد قسوة لأن هناك تأكيدات أمريكية أن الإخوان يدعمون حماس وحزب الله، وهو ما يضر بالمصالح الإسرائيلية التى ستكون أهم الخطوط الحمراء بالنسبة إلى الولاياتالمتحدة تجاه النظام المصري الجديد . ولن تسمح الولاياتالمتحدة لمصر بقيادة الوطن العربى على طريقة قومية جمال عبد الناصر، حيث سبب ذلك زيادة حدة العداء تجاه إسرائيل وعملت الولاياتالمتحدة طيلة العقود الماضية على تفتيت الشعوب العربية، كما أن أمريكا تعتبر مصر سوقًا اقتصادية كبيرة لأمريكا ولن تسمح لها بالتخلى عن النظام الرأسمالى بل ستقوم بدعمه مع دول الاتحاد الأوروبى. ومن الواضح أن الإدارة الإمريكية تتابع عن كثب التغيرات وتعطيها اهتمامًا كبيرًا على غير ما هو متبع فى ثورات دول عربية أخرى لأنها تعرف أن مصر دولة كبيرة فى المنطقة، وهناك احتياج أمريكى لها فى العديد من القضايا بالمنطقة، ولذلك لن تترك الحبل على الغارب للنظام الجديد ولكن ربما تغير من خطابها السياسى الموجه نحو مصر مستقبلاً. ويذكر الأشعل وجود أوراق ضغط أخرى فى يد الأمريكان في حالة تعدي الخطوط الحمراء مستبعدًا أن تصل العقوبات الأمريكية إلى التدخل العسكرى أو فرض العقوبات الاقتصادية حال تجاوز هذه الخطوط. نعم .. خطوط حمراء يقول د.وحيد عبد المجيد، مستشار مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية والسياسية: لا بد أن نعترف أن علاقة مصر بأمريكا لا يجب أن تتمزق وفي كل الأحوال فهي هامه وقائمة، لذلك يجب أن يكون الاحترام والتفاهم بين البلدين هما الأساس في بناء واستمرار العلاقة، وإذا ساند نظام الحكم الجديد الشعب المصري وحقق له جميع مطالبه وجو الديموقراطية المنشود سوف تجبر أمريكا على احترامنا. ويضيف د.عبد المجيد: إن الولاياتالمتحدة تعد أهم الدول الكبرى التى تفرض دائمًا خطوطًا حمراء تجاه الدول الضعيفة، وهو ما كان يحدث فى عهد الرئيس السابق ، الذى كان يحتاج إلى أمريكا لتمرير ملف التوريث وعدم فتح ملف الديمقراطية وحقوق الإنسان ولذلك كان مبارك منفذًا لأوامر وتعليمات أمريكا، أما بالنسبة إلى النظام الجديد، فإنه لن يكون فى حاجة إلى الضغوط الأمريكية السابقة تجاه الملفات الأمريكية لدى مصر وهو ما يعطى نوعًا من التكافؤ فى التعامل مع أمريكا ويتوقع أن تكون هذه العلاقات مع مصر شبيهة بعلاقة أمريكا مع الدول المتقدمة التى تنطلق من لغة المصالح المشتركة، مستبعدًا إدارة النظام المصرى الجديد من داخل البيت الأبيض كما كان يحدث من قبل. ويأتي رأي السفير أحمد الغمراوى، بالخارجية المصرية معارضًا للرأي السابق ؛ حيث يؤكد أن أجندة الولاياتالمتحدة وخطوطها الحمراء على مرأى ومسمع من الجميع، فقضية أمن إسرائيل فى المنطقة تتربع على رأس قائمة أولوياتها وقد جاء بيان المجلس العسكري الذى أعلن عن مسئوليته باحترامه وحفاظه لكل التعهدات الدولية وهو ما ينم عن وجوب احترام الرئيس القادم لمصر لاتفاقية كامب ديفيد والاتفاقات المرتبطة بها. ويؤكد على أن الموقف الأمريكى يأتى دائمًا بضغط من اللوبى الإسرائيلى القوى جدًا فى الولاياتالمتحدة والمؤثر فى كل السياسات الأمريكية ودلل على ذلك بموقف الولاياتالمتحدةالأمريكية من بناء المستوطنات الإسرائيلية، ففى الوقت الذى كان فيه كل العرب يتوقعون اتخاذ موقف لصالح الفلسطينيين فاجأ أوباما الجميع باستخدام حق الفيتو على تجميد المستوطنات كما استخدم حق الفيتو ضد إعلان الدولة الفلسطينية من طرف واحد. وقال الغمراوى: عدم الاقتراب من البترول وتأمين تدفقه إلى أمريكا من المنطقة العربية من أهم الخطوط الحمراء التي سوف تضعها أمريكا، ولم تتردد الولاياتالمتحدة فى دخول حرب ضد العراق لهذا السبب، الأمر الذي يجبرنا على تأمين مروره فى قناة السويس، وخير دليل على ذلك أن الولاياتالمتحدة فى تحريك أسطولها السادس تجاه المياه الإقليمية للتدخل وقت الحاجة بمجرد اهتزاز الأوضاع في مصر قبل الثورة. وعلى صعيد آخر في حالة وصول التيارات الإسلامية إلى الحكم، تسعى أمريكا أن يكون الرئيس داعمًا لسياسات أمريكا فى اتجاه السوق الحر والنظام الرأسمالى، ولا شك أن أمريكا هى أكبر قوة فى العالم وهى المسيطرة الآن ولن تتورع عن طرق كل السبل المشروعة وغير المشروعة لدرجة أنه يمكن أن تخوض حروبًا فى سبيل ذلك وقد رأينا تدخل عسكرى فى أفغانستان والعراق وتهديدات لإيران. من جانبه أكد د.جهاد عودة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة حلوان، أن النظام الحاكم الآن فى مصر سيسعى إلى فتح صفحة جديدة من العلاقات مع الولاياتالمتحدة، قائمة على التعاون وتأكيد أن مصر أصبحت قوة لا يستهان بها فى المنطقة ويستشف من ذلك كثرة الحديث المطالب برفض المعونة الأمريكية لمصر حتى فى أحلك الظروف وهى من أهم وسائل الضغط على مصر فى السنوات الماضية. وأشار عودة إلى أنه على أمريكا أن تتكيف مع النظام الجديد وهى تدرك ذلك جيدًا، لذلك ستعمل على أن تربطها علاقة تحالف مع مصر قائمة على المصالح المشتركة، مؤكدًا أنه من الآن فصاعدًا لن يكون هناك إملاءات أمريكية وإن كان سيظل أمن إسرائيل والإمدادات البترولية خطوط حمراء، ولكنها ستتعامل بالتفاوض وليس بالقوة وبالنسبة إلى اتفاقية كامب ديفيد فيقول إن التزامات مصر بهذه الاتفاقات لن يكون نابعًا من خوف أو تنفيذًا لخطوط حمراء ولكنه سيكون مرتبطًا بالمصالح. وأضاف عودة إن مصر يجب أن تستثمر الوضع الثورى فى العالم العربى للاتجاه نحو المدنية والديمقراطية والحرية، فإذا كان عبد الناصر قد قاد العرب نحو القومية العربية فمصر مهيأة الآن لإقامة تحالفات عربية ودولية قائمة على المصالح المشتركة. ويقول د.سعيد اللاوندى، المحلل السياسى: إن الحديث عن خطوط حمراء أصبح غير مستساغ بعد ثورة 25 يناير 2011 وأجندة المصالح بين البلدين هي المسئولة عن هيكلة العلاقات المصرية الأمريكية وستكون الدبلوماسية هى المتحدث الرسمى عن هذه المصالح ولن تكون هناك صداقات دائمة أو عداوات دائمة. وأشار اللاوندى إلى أن الديموقراطية هي التي انتخبت رئيس مصر؛ والذي بدوره يكون ملتصقًا بكل متطلبات الشعب ومتحدثًا باسمه مما يتعارض مع المصالح الأمريكية ومن ثم الاصطدام بها. وأضاف إنه فيما يتعلق بوصول جماعة الإخوان المسلمين، فإن أمريكا لن تمانع فى ذلك طالما أنهم أتوا من خلال صناديق الانتخابات، ولعل الاتصالات الحالية بين الإخوان وواشنطن تدلل على ذلك وحسب الرؤية الأمريكية فإن الإخوان المسلمين فصيل من الشعب ولا يمثلون تلك الفزاعة التى كان يرددها النظام السابق .