انتشرت سمة غاية في الغرابة على الساحة السياسية في مصر عقب الثورة، وهي "الكذب السياسي"، والذي تورط فيه عدد من الشخصيات العامة على الساحة، واتُهم به كثيرون غيرهم، سواء في صفوف المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذي يدير شئون البلاد خلال المرحلة الانتقالية الحالية، أو في صفوف الحكومة، أو البرلمان، والتيارات السياسية المختلفة. آخر وقائع الكذب السياسي هو موقف المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وتصريحات اللواء الملا، عضو المجلس، في المؤتمر الصحفي الأخير الذي قال فيه ما نصه "الجيش إيده نضيفة" في إشارة لعم تورطه في أية أحداث قمع للمتظاهرين أن تصدي لهم، على الرغم من بحور الدماء التي غرقت فيها مصر في أحداث مسرح البالون وماسبيرو ومحمد محمود وشواع القصر العيني ومجلس الشعب والشيخ ريحان وميدان التحرير، والتي توجه فيها أصابع الاتهام للعسكري بانه شريك أساسي فيها، وأنه المتورط الأول والأخير خلفها، وإن لم يكن المتسبب فيها بصورة مباشرة، فإنه بلا شك مسئول عنها بصورة غير مباشرة، خاصة أنه من يدير زمام الأمور في مصر الآن خلفًا للنظام السابق، والمخول الأول والأخير في حفظ الأمن والأمان بالشارع المصري. في البداية، انطلقت حملة تحمل اسم "كاذبون" للتنديد بالمجلس العسكري، والاعتراض على قراراته التي رآها عدد من شباب الثورة على أنها كذب من المجلس الأعلى للقوات المسلحة، خاصة أنه قال في بداية المرحلة الانتقالية أنه لا صحة لتأجيل الإنتخابات للعام 2012، وأنها سوف تجرى نهاية 2011، لكن مع مرور الوقت أعلن المجلس الجدول الزمني للمرحلة الانتقالية محددًا مايو 2012 موعدًا للإنتخابات الرئاسية.. ومن ضمن التصريحات التي اتهم فيها شباب الثورة، وأنصار حركة "كاذبون" المجلس العسكري، هو نفي المجلس بالاعتداء على المتظاهرين، في الوقت الذي سقط فيه الكثير من الضحايا في عدد من الاحداث الدامية بمصر، بداية من أحداث محمود محمود وحتى أحداث مجلس الوزراء، وشارع مجلس الشعب. علّق على حافظ، عضو المكتب التنفيذي لمجلس أمناء الثورة، على أداء المجلس العسكري واصفًا إياه ب "المتورط" في إحداث جملة من المشكلات وإثارتها خلال المرحلة الانتقالية، واصفًا إياه بأنه أخطأ في إدارة جملة من الملفات المطروحة أمامه، إلا أنه يُصر على العناد ونفي أخطائه، بما ينذر بصدام أكثر قوة معه خلال المرحلة المقبلة، قائلا "لابد أن يكون الصدام مع العسكري عقب الانتخابات الرئاسية، على أن يتم محاسبته عن كل الأخطاء التي اقترفها خلال المرحلة الانتقالية، واتهامه بإراقة دماء المصريين والمتظاهرين السلميين". الإسلاميون يكذبون أيضًا ! وانتقلت الاتهامات بالكذب من بعد ذلك للتيار الإسلامي السياسية، ففي البداية كان حزب النور، الذي تورط عضوه النائب أنور البلكيمي، في قضية كذب، عندما أدعى أن مجموعة من البلطجية أطلقوا عليه طلقات نارية، واستولوا على ما لديه من مال، وأصابوه، ليتضح بعدها أن شيئًا من هذا لن يحدث، وأنه دخل المستشفي فقط لإجراء عملية تجمل في أنفه، بما فتح النار على السلفيين، ليضطر نادر بكار المتحدث الاعلامي باسم الحزب، ليؤكد أن البلكيمي لا يعبر عن حزب النور ويعبر عن نفسه فقط، ويتبرأ مما فعله علانية. ولم تقف جماعة الإخوان المسلمين بمنأى عن الكذب أيضًا، فراح الشارع بعد ذلك يتهمها بالكذب السياسي، خاصة لإتخاذ الجماعة جملة من القرارات المتناقضة، والتي ناقضت فيها نفسها، فكان القرار الأبرز هو تأكيدها على أنها لن تطرح مرشحًا من داخلها لخوض الانتخابات الرئاسية، وكانت النتيجة أن طرحت مرشحان وليس مرشح واحد، أحدهما المهندس خيرت الشاطر، والثاني د.محمد مرسي، بديلا له، كما كانت قد أعلنت من قبل ذلك أنها تدخل انتخابات البرلمان ولجان البرلمان أيضًا مشاركة لا مغالبة، لكنها قامت ب "المغالبة" والمنافسة على كافة المقاعد، بما وجه إليها اتهامات كثيرة. الشيخ حازم ومن أبرز وقائع الكذب الشهيرة، والتي يثار حولها لغط كبير على الساحة السياسية المصرية، هي واقعة جنسية والدة الشيخ حازم صلاح أبوإسماعيل، فقد قررت اللجنة العليا للإنتخابات ثبوت جنسية والدة الشيخ الأمريكية، ومن ثم فإنه "كاذب"، إلا أن أنصاره يرون أن الحكومة والمجلس العسكري واللجنة العليا للإنتخابات ووزارة الخارجة يكذبون، ويترصدون للشيخ ولا يريدون أن يخوض الانتخابات الرئاسية، فقاموا ب"تلفيق" تهمة جنسية والدته له. ويستمر الآن الجدل وحرب التخوين والتكذيب بين الشيخ حازم وأنصاره وعدد من القوى السياسية، واللجنة العليا للإنتخابات الرئاسية، بما يؤكد أن أحدهما يكذب، والآخر برئ. ومن وقائع الكذب السياسي الأخيرة أيضًا، هو الجدل الدائر بين الدكتور محمدسعد الكتاتني، رئيس مجلس الشعب، والدكتور كمال الجنزوري، رئيس مجلس الوزراء، إذ يؤكد الأول أن الثاني هدده بحل البرلمان بقرار من المحكمة الدستورية العليا، ويصمم الثاني على الانكار، فيطلب الكتاتني شهادة أعضاء مجلس الشعب عن تلك الواقعة، خاصة الفريق سامى عنان، نائب رئيس المجلس العسكرى، إذ جاءت الواقعة أمامه.